التوقعات
صُدمت هذا الصباح! تعطَّل سخَّان المياه عن العمل، وعلمت أن تركيب سخَّانٍ جديد سيتكلف ٧٥٠ دولارًا. هذا ظلم! كنت أتوقع أن يتكلف سخان المياه حوالي ٢٥٠ دولارًا، أو ربما أكثر قليلًا بسبب التضخم، لكن ليس الثلاثة أمثال!
ومع ذلك، كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ، كان يمكن أن يطلب السباك أجره نقدًا مقدمًا، كان يمكن أن يقول إنه لا يوجد لديه سوى سخَّان مياه واحد، وسيعرضه للمزايدة على العملاء الثلاثة الذين يريدونه؛ وبعد التركيب، كان يمكن أن يطلب ١٠٠ دولار إضافية مقابل توصيل السخَّان إلى المياه.
لكنه لم يفعل أيًّا مما سبق! فهو على الأقل اتبع المعايير الوصفية التي تُملي النحو الذي يُنتظر من السباك أن يتصرف على أساسه. وهذا عادل! لكنه طالبني بأكثر مما كنت أتوقع دفعه. وهذا احتيال! لقد انتهك ما اعتبرته المعيار الوصفي لأسعار سخَّانات المياه، وما قام به خاطئ!
المعايير الوصفية للأسعار وممارسات التسعير هي توقعات مبنية على خبرة سابقة، وهذه التوقعات التسعيرية ليست مجرد تقدير عقلانيٍّ، بل رغبات انفعالية، فنحن نفضل الحصول على ما نتوقع الحصول عليه.
هذا لا يعني أن توقعاتنا دقيقة. إن المعايير الوصفية ليست شروطًا محكمة، ولكن أفكار عامة يمكن أن تلتبس على الناس؛ فالمعيار السائد أن تترك بقشيشًا بالمطعم، فهذا هو النحو الذي تسير عليه الأمور، لكن النسبة المئوية متروكة دون تحديد، ودفع بقشيش لغير النُّدُل، ومقدار هذا البقشيش، مسائل غير موضحة.
لنتأمل تسعير خدمات الهواتف المحمولة: المعيار القائم هو أن يشتري المستهلكون الهاتف ويدفعون شهريًّا مقابل الخدمة، وغالبًا ما تكون تكلفة الهاتف مشمولة في الخدمة. هذا هو المعيار الساري. عندما دخلت شركة فيرجين سوق الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة، انتهكت هذا المعيار بشكل كامل، فبدلًا من بيع الهاتف كجزء من الخدمة، باعت الخدمة مع الهاتف. لم يكن هذا هو المعيار القائم، لكن المستهلك استفاد منه وتقبَّله على الفور.
ونتيجة الانحياز للعدالة التي تحقق المصلحة الشخصية، ما نعتقد أنها معايير وصفية يتشاركها المجتمع عمومًا قد لا تكون في الواقع سوى معايير خصوصية؛ أي أفكارنا الخاصة عما نود أن يكون عليه السعر. مع ذلك، سواء كانت المعايير وصفية أو خصوصية، فإنها تعبِّر عن توقعات قوية، وعندما تُحبَط هذه التوقعات، يشعر المرء أن المسألة جائرة على المستوى الشخصي.
توقعات الممارسات التسعيرية
كثير من المعايير التي سُقتها في الفصول السابقة هي معايير وصفية لممارسات التسعير. تحدد هذه المعايير ما يوفره البائعون بمقابل، وما يوفرونه دون مقابل، وما يشملونه في السعر وما يلحقونه بالسعر كإضافة. وتشير هذه المعايير كذلك إلى الكيفية التي تُحدَّد بها الأسعار، سواء عن طريق المساومة أو المزايدة أو من جانب البائع أو من قبل الحكومة، وتطلعنا المعايير على من يُنتظر منه أن يدفع السعر.
مثال على ذلك الشخص المُنتَظَر منه أن يسدد الفاتورة بالمطعم. عندما بدأت العمل لأول مرة، تضايق العملاء الرجال من دفعي لفاتورة الحساب، ودائمًا ما كانت النادلات تعيد الباقي إلى أحد الرجال (ولا أنسى عندما وضع أحدهم الباقي في جيبه فعليًّا!). من الواضح أن المعيار الوصفي في ذاك الحين كان أن يدفع الرجال بالمطاعم، رغم أن هذا الوضع قد تغيَّر بمرور الزمن.
وبوجه عام، لكل مجالٍ معاييره الوصفية التي تبين الكيفية التي ينبغي تحديد الأسعار بها. محل التنظيف بالبخار يفرض سعرًا حسب نوع الغرض المراد تنظيفه. وتفرض مطاعم البوفيه سعرًا ثابتًا أيًّا كانت كمية الطعام التي تأكلها. تفرض البنوك رسمًا على معدل الفائدة. تضيف محطات الوقود تسعة أعشار السنت إلى السعر الذي تفرضه مقابل الجالون. تحاسب مكاتب المحاماة والمستشارين عملاءها بالساعة. في كل مجال من المجالات، تكون هذه المعايير الوصفية للتسعير، ولأنها مألوفة ومتوقعة، فهي عادلة.
في أغلب الحالات، تتبع الشركات هذه المعايير بشكل بديهي، فهي تعرف قواعد اللعبة وتلعب وفقًا لها، لكن إحدى الصعوبات المستمرة هي المعيار الوصفي لما هو مشمول في السعر؛ أي ما يُعرف بحزمة السعر. في كثير من الأحيان، ينفك رباط ما كان يومًا حزمًا تقليدية؛ الأمر الذي يطرح شكوكًا بشأن العدالة.
المعيار القائم هو أن انتظار السيارة يدخل في حزمة تكلفة البقالة، لكن بعض المتاجر في الحضَر تشرع في تحصيل رسوم إضافية على انتظار السيارات، على غير العملاء على الأقل. كذلك ثمة معيار سائد متمثل في تقديم شركات الطيران خدمة الطعام على رحلاتها التي تستمر أكثر من أربع ساعات، لكن الآن يتزايد عدد شركات الطيران التي بدأت تفرض رسومًا إضافية على تقديم الطعام، ويوجد اقتراح بأن تبدأ شركات الطيران في فرض رسوم على استخدام دورات المياه.
بعض الفنادق الآن تفرض رسومًا إضافية مقابل الخدمة والنظافة، وبعض المحالِّ تفرض «رسم إعادة تشوين» للبضاعة المرتجعة، وبعض الصحف الآن تحصِّل مصاريف مقابل إعلانات الوفيات، وتضيف شركات خدمات التوصيل وشركات الطيران الآن أجرة إضافية مقابل الوقود. تحصِّل البنوك مقابل عمليات السحب على المكشوف واستخدام ماكينات الصرف الآلي، وتحصِّل شركات الهواتف الآن مقابل استخدام خدمة الدليل. تفرض الطائرات رسمًا على الحمولة الزائدة وعلى التذاكر المشتراة من مكاتبها بالمطارات. يفرض بائعو تذاكر السينما رسمًا مقابل إجراء البيع.
تنتهك هذه المصاريف الإضافية ما جرى التعارف عليه كمعايير وصفية لممارسات التسعير، وهي غير متوقعة؛ ومن ثَمَّ فإنها جائرة على المستوى الشخصي.
لتجنب الاتهامات بالظلم، يحاول التجار خلق توقعات واقعية، ويضع بائعو التجزئة بطاقات الأسعار على الملابس. تُبيِّن المطاعم الأسعار في قوائمها، والأطباء والمحامون يوضحون أتعابهم مقدمًا، وتضع محالُّ البقالة الأسعار على الأرفف، وتدرج شركات السياحة ما هو مشمول تحديدًا في السعر. ويقدِّم السبَّاكون — حتى ذاك السبَّاك الذي طلب مني ٧٥٠ دولارًا مقابل سخَّان المياه الجديد — تقديرات سابقة لخدماتهم.
توقعات الأسعار
بالإضافة إلى التقلبات غير المتوقعة في الأسعار، فأي إضافة غير متوقعة تُعتبر أيضًا جائرة؛ كالتكاليف المفاجئة مقابل توصيل الأثاث، والنفقات الإضافية غير المتوقعة الملحقة بفاتورة الهاتف، والضرائب المباغتة. في ولاية ديلاوير؛ حيث لا تُفرَض ضريبة مبيعات، على المستهلكين دفع ضريبة «إيجارية» غير متوقعة عند استعارة مشغِّل أقراص دي في دي، وهذا جائر!
حتى المصاريف الإضافية القليلة تكون مثيرة للضيق عندما لا يتوقعها المرء. انتابني الضيق عندما حوت فاتورة فندق على الطريق السريع رسمًا بدولارين مقابل الخزينة الإلكترونية التي لم أستعملها، وعندما أعدت السيارة المستأجرة دفعت ٦ دولارات مقابل كل جالون من الوقود لملء خزانها، وعندما تقدمت لفصل دراسي يتكلف ٢٨٠ دولارًا دفعت ٢٥ دولارًا إضافية في نفقات مختلفة.
الأسعار المرجعية
السعر المرجعي هو مقياس يُحكم على أساسه إذا كان السعر رخيصًا أو باهظًا. وهو مطابق للمعيار الوصفي للسعر، عدا أن المعيار الوصفي يضم محتوى عاطفيًّا بينما السعر المرجعي يكون نتاج عملية حسابية معرفية مدروسة. ورغم الاختلاف بينهما، فالأبحاث المجراة على الأسعار المرجعية تتصل مباشرةً بالمعايير الوصفية للأسعار.
يشرح الأكاديميون نشوء الأسعار المرجعية بالرجوع إلى قانون فيبر فشنر الذي يعود إلى القرن التاسع عشر. ينطبق هذا القانون على كيفية تأثير مثيرات كالضوضاء أو الرائحة على الحواس، وتقوم الفكرة على أن متوسط جميع المثيرات التي اختبرها المرء من قبل تكون بمثابة نقطة مرجعية يقارن بها حدة المثير الجديد.
على سبيل المثال: إذا عاش أحدهم في سكون الصحراء، ستبدو له أصوات الطيور والصراصير ضوضائية، لكن إذا عاش وسط صخب مانهاتن، ستبدو له أصوات المزرعة ذاتها رقيقة على نحو يبعث على السعادة. وبعد المعيشة بالمزرعة لفترة من الزمن، سيجد قاطنو المدينة السابقون مانهاتن وقد أصبحت صاخبة؛ والسبب هو أن المثيرات الجديدة تندمج في المعلومات السابقة فتتغير النقطة المرجعية.
بناءً على قانون فيبر فشنر، درس الباحثون في العقود الأخيرة من القرن العشرين كيفية نشوء الأسعار المرجعية، فذهبوا إلى أن الأشخاص يحسبون متوسطًا لكل الأسعار التي خبروها من قبل، فعندما يُعرض على المستهلك سعر جديد، فإنه يدمجه مع الأسعار السابقة، ويحولها لمتوسط لتكوين سعرٍ مرجعيٍّ جديد، وهو ما يكون حينها بمثابة مقياس للحكم على الأسعار المستقبلية.
ومع ذلك؛ ففي بعض الحالات، يخلق تجار التجزئة أسعارًا مرجعية معيَّنة من خلال دعايتهم. يصبح السعر المرجعي في هذه الحالات توقعًا محددًا، يشعر المستهلك بأحقيته في الحصول عليه، فهذا هو المعيار الكائن.
ونتيجةً لذلك يكون رد فعل المستهلك حادًّا عندما يستخدم تجار التجزئة الاحتيال في استقطاب العميل، وهذا ما يحدث عندما يعرض التجار سلعة منخفضة الثمن لجذب العميل، لكن عندما يدخل العميل المتجر يقول له التاجر إن السلعة لم تعد متاحة، ويكون خيار العميل الوحيد حينها هو نسخة أغلى من المنتج نفسه. هذا جائر ومخالف للقانون. سيكون الخيار الأكثر إنصافًا أن توفِّر المتاجر «كوبونات خصم»، فإن نفدت السلع المتضمنة في الأوكازيون، يحصل العميل على إيصال بالحصول على المنتج بسعر الأوكازيون في تاريخ لاحق.
موجز الفصل
السعر العادل أو ممارسة التسعير العادلة على المستوى الشخصي هي التي تستوفي توقعات المعايير الوصفية، إلا أن السعر الذي يرتفع بوضوح عن المتوقع، أو ممارسة التسعير المختلفة عن المنتظر إلى حدٍّ فارق، يتسبب في مفاجأة غير مرغوبة، فهذا جائر على المستوى الشخصي!
في حالة سخَّان المياه، لا زلت أرى السعر احتياليًّا، إلا أنني شعرت أني مكتوفة اليدين؛ كنت أريد الحصول على حمام ساخن ولم أُرِد مياهًا في القبو، فاضطررت لدفع السعر، لكن انتابني شعور سيئ لأنني شعرت بالظلم، وأنا مقتنعة بأن السعر جائر. خامرني شعور بأن السباك يستغل موقفي، وهذا جائر على المستوى الاجتماعي، وهو موضوع الفصل القادم.