تعقيب
عندما نُشِرَت «سليمان الحكيم» في طبعتها الأولي عام ١٩٤٣، لم يكن قد وقع بعد ذلك الحدث العظيم في تاريخ البشرية: وهو انطلاق تلك القوة الهائلة من الذَّرَّة، كما انطلق «الجني» من القمقم! … ولم تكن «القدرة» قد ظهرت في صورتها المخيفة تهدد «الحكمة»! ولم تكن الحرب القائمة الدائمة في أغوار الإنسان، قد أسفرت عن وجهها الحقيقي … تلك الحرب بين غريزة السيطرة والطموح، التي تمتطي القدرة الجامحة، وبين الحكمة العاقلة التي تريد أن تُمسِك بِأعِنَّة المَطِيَّة الخطرة!
اليوم في نهاية عام ١٩٤٨م والطبعة الثانية موشكة على الظهور … يخيل إليَّ أن مسرحية «سليمان الحكيم» قد غدت رمزًا لذلك الصراع الدائر الآن على مسرح الدنيا … إن الجني المنطلق من القمقم، هو المتسلط الساعة على النفوس … إن القوة عمياء، ما نالها أحد حتى اندفع يدوس بها الآخرِين … وإن القدرة مُغرِية، ما ملكها أحد حتى بادَر إلى استخدامها فيما ينبغي وما لا ينبغي.
إن أزمة الإنسانية الآن، وفي كل زمان، هي أنها تتقدم في وسائل قدرتها، أسرع مما تتقدم في وسائل حِكْمَتها.
إن المَخالِب في الإنسان الأول قد تَطوَّرت إلى أسلحة حجرية … ثم إلى سيف … ثم إلى مدفع … ثم إلى قنبلة ذرية … ولكن وسائل تَحكُّمِه في غرائزه لم تتطور إلى حد يمكنها، في كل الأحيان، من كبح جماح القدرة المنطلقة! … لذلك كان لا بد دائمًا من وقوع كارثة أو حدوث إخفاق … حتى يفطن العالم آخر الأمر ضرورة «الحكمة»!
لسنا نطمع، وقد منحنا هذا الكيان الآدمي بخيره وشره، في أن نقتل الجني الذي فينا بذكائه وعبقريته وطموحه … ولكنا نأمل أبدًا في أن نقيم من نفوسنا الخيرة سدًّا يقف في وجه إغرائه كلما طغى