رابعًا: الطبيعيات الإلهية

بعد الطبيعيات الجسمانية التي تبدأ من الجسد عند إخوان الصفا، والطبيعيات الكونية التي تبدأ بالفلك عند الكِنْدي والفارابي وأبي حيان وإخوان الصفا أيضًا تظهر الطبيعيات الإلهية الجزئية المتفرقة عند الفارابي وأبي حيان والطبيعيات الكلية العقلية عند ابن سينا.

(١) الطبيعيات الجزئية

وتعني الطبيعيات الجزئية ظهور موضوعات طبيعية متفرقة ومتناثرة قبل أن تنتظم في طبيعيات كلية شاملة. وقد ظهرت هذه الطبيعيات الجزئية عند الفارابي وأبي حيان.

(أ) الفارابي

ففي أطول الفقرات في «التعليقات» يحدد الفارابي موضوع العلم الطبيعي. ونسبتُه إلى ما تحته من العلوم الأخرى كنسبة العلوم الكلية إلى العلوم الجزئية. وهذا الموضوع هو الجسم بما هو متحرك وساكن وباقي الأعراض فيه، لا من حيث هو جسم فلكي أو عنصري، سماوي أو أرضي مخصوص. الجسم موضوع العلمي الطبيعي بين الجسم الفلكي المطلق والجسم العنصري الجزئي مع المزاج ثم ما تحته من حيوان ونبات. أما الأجسام الفلكية فهي بسيطة لا يعرض لها المزاج. صورها متوقفة على موادها.

ويمكن أن تكون الأعراض أجناسًا لأعراض. وهذه فصول لأعراض وأجناس الفصول وفصول الفصول كما وضح في «البرهان». ففي «السماع الطبيعي» المكان عرض للجسم من حيث هو متحرك. ولكن هل المكان خلاء وهو عرض من أعراضه؟ هل الزمان وهو من عوارض الحركة متناهٍ؟ وماذا عن أعراض الحركة وفصولها مثل الوحدانية والتضاد، والقسر والطبع والسرمدية؟ أما سؤال هل العرض جسم مؤلف من أجزاء لا تتجزأ، وهل هو متناهٍ أو غير متناهٍ، وما شكل كل جزء فإنه يتعلق بما بعد الطبيعة لأنه من أحوال الجسم من حيث هو موجود لا من حيث هو واقع في الغير، هل هو جوهر أو عرض، وإن كان جوهرًا هل هو متناهٍ أو غير متناهٍ لا من حيث أفعاله وتأثيراته التي تتعلق بالعلم الطبيعي. وقد يبحث في علم النفس عن حال الحركة الإرادية وفي مواضع حركة النمو. النظر في السماع الطبيعي إذن من الأمور العامة في الطبيعيات. والعلوم لا تشترك في مبادئ واحدة. العلم الطبيعي يُثبت مبادئ ما هو فيها أخص في مباحث ما هو أعم مثل الجسم الفلكي وما هو أخص في أحوال الأجسام العنصرية. العلم الطبيعي بين موضوعَين، مطلق مثل أجسام الأفلاك، ونسبي مثل الأجسام الجزئية.١ هذا هو العلم الطبيعي ككل، أول كتاب في الطبيعيات الوافدة، السماع الطبيعي، المبادئ العامة للطبيعيات حيث يظهر الارتباط بين الطبيعة والمنطق في الأجناس والفصول، والطبيعة وما بعد الطبيعة في الجوهر، وكأن علم الطبيعة يُحيل إلى المنطق من ناحية وإلى ما بعد الطبيعة من ناحية أخرى. الطبيعيات منطق وجود، والمنطق طبيعيات فعل. كما أن الطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أسفل، والإلهيات طبيعيات مقلوبة إلى أعلى. وكل ذلك يدور في النفس. أحيانًا ينتصر العقل العملي في الطبيعة ويضعف في علم النفس، ويستسلم نهائيًّا للإلهيات الثنائية الإشراقية في الثنائيات الإلهية المتطهرة، القسمة العقلية الثنائية على مستوى التصورات التي تعادل الثنائية المانوية على مستوى النفس والطبيعة. بل إن الصورة والمادة، والكيف والكم، والتخلخل والتكاتف، والجوهر والعرض، والزمان والمكان، والفعل والانفعال، والحركة والسكون، والعلة والمعلول تقوم على أن الطرف الأول أعلى من الثاني وأشرف منه. ويظهر في الطبيعة قياسٌ وتمثيل وتشبيه مثل نسبة البخار إلى الماء كنسبة الغبار إلى الأرض كلاهما صاعد، هل هو عقل أم وجود؟ كما يتراوح التضايف بين المنطق والموجود؛ إذ إن الإضافة من المقولات العشر. وهو أيضًا تشابه ونسبة في الوجود مثل التخالف والتشابه. فالمتضادان متضايفان بسبب النزاع، وتعقل ماهية كلٍّ منهما بالنسبة إلى الآخر. التضايف سبب التضاد وليس التضاد سببَ التضايف. قضايا الطبيعة حكمها في المنطق وليس في الطبيعة. فإذا قيل لا خفيف ولا ثقيل، أي أن ذلك متوسط بين الخفة والثقل. وكل المبادئ المماثلة مثل الوحدة والكثرة داخلة في الطبيعيات والتعليميات. ومع ذلك فهي من عوارض علم أعلى من الطبيعيات وهو العلم الإلهي. الوجود من حيث هو موجود موضوع للعلم الطبيعي، ومن حيث هو مبدأ موضوع لعلم أعلى هو الرياضيات. وهي نفسها موضوع لعلم أعلى هو العلم الإلهي. فمبدأ الوجود كالجوهر موضوع في العلم الطبيعي. أما هل هو جوهر مادي أو غير مادي، علة أو معلول، فموضوع العلم الإلهي، وتتراتب موضوعات العلم الرياضي كالصلة بين النقطة الحسية والنقطة الهندسية. واضح أن الرياضيات أقرب إلى الطبيعيات أو تجريد لها منها إلى المنطق قبله أو بعده. وهو نفس موقف ابن سينا. لغة المنطق ولغة الطبيعة ولغة الرياضة ولغة الإلهيات لغة واحدة مثل الواحد والكثير، والجوهر والعرض، والصورة والمادة، والحركة والزمان. الفرق مرتبة العلم بين العام والخاص، بين الأعلى والأدنى.
ويمكن تجميع عديد من الفقرات حول موضوعات طبيعية أساسية مثل الصورة والمادة. فالصور ليست علة صورية للمادة بل صورة لها. وهي علة صورية للمركب. وكل شيء يكون بالفعل يسمى صورة. لذلك سميت الصور الجسمانية صورًا لأنها تُقيم الأجسام بالفعل. ويمكن أن تطرأ عدة صور على التوالي فتتغير. إذا بطلت صورة النار وحصلت صورة الهواء تبطل صورة جسمية وتحدث أخرى عن طريق التخلخل والتكاتف. فتغيُّر الكم عن طريق التخلخل والتكاتف يؤدي إلى تغيُّر الكيف. والصورة الجسمية وهو البُعد المقوم للجسم ليس قوامها المحسوسات بل هي مبدأ المحسوسات. هي عارضة للموجود بما هو موجود.٢
وتُفسر مقولتَا الفعل والانفعال عددًا من الظواهر الطبيعية. فالضوء انفعال في القابل عن المضيء طبقًا للعلم الطبيعي الصرف أو حصول أثر فيه من واهب الصور طبقًا لنظرية الفيض. والألوان تحدث في السطوح من حصول المضيء وليست في ذاتها موجودة. هي أعراض تحصل بواسطة المضيء. وسبب اختلاف الألوان هو سبب الاختلاف في الاستعدادات. اللون ضوء انعكاس وسبب الخضرة في السماء اختلاط المرئي واللامرئي. والهواء غير مرئي. والغبار المنبث فيه مرئي. والقابل إما أن يقبل من الخارج فيكون انفصالًا في الهيولى وإما من الداخل من ذاته فلا يكون انفعالًا. لذلك يصح أن يطلق على الله. فالله قابل للانفعال من ذاته وليس من خارجه. وهنا يظهر الله كعامل محدد أيضًا في الطبيعة وليس فقط في المنطق. والحركة لا تبطل إلا ببطلان سببها وهي الحركة الأولى. فكل شيء في الطبيعة ممسوك من أعلى.٣
وتستعمل مقولتَا الكم والكيف أيضًا لفهم البخار. فالبخار يتصعد. والكميات لها أجزاء. والكيفيات لا أجزاء لها. والأجزاء للجواهر المركبة وحدها. وتجمع مقولتَا الاختلاف والتضايف بين المنطق والطبيعة مما يدل أيضًا على صعوبة الفصل بين العقل والوجود.٤ فإذا قيل هذا أشد سوءًا من ذلك فلا يعني ذلك السواد المطلق بل يعني بالإضافة. ويبدو أن الإضافة هي أساس التشابه والتضاد، فالمتخالفان والمتشابهان والمتضادان في الوجود من حيث الإضافة. أما إذا قيل لا خفيف ولا ثقيل فإنه يكون خارج الجنسين معًا وليس متوسطًا بينهما حيث تكون الإضافة.٥
وتظهر بعض المقولات الأقرب إلى الميتافيزيقا والتي تجمع بين المنطق والطبيعة مثل التخصص والتعين والتشخص والتفرد والوجود والعدم. المخصص هو ما يتعين به الوجود ويتفرد به التخصص من الخاصة في المنطق. والتشخص هو الحصول على معنى لا يشارك فيه غير المتشخص مثل الوضع والأين والزمان. والتشخص مبدأ التفرد، أقرب إلى الجوهر الذي لا يشارك فيه الشيء غيره، عكس باقي الأعراض. أما باقي الصفات كالسواد والبياض ففيها مشاركة. والمعنى العدمي هو الذي في قوته أن يصير شيئًا آخر، وأن يصير له شيء في الحال. والفرق بين الهيولى والمعدوم أن الهيولى معدوم بالعرض، موجود بالذات، والمعدوم معدوم بالذات، موجود بالعرض، وجوده في العقل مثل تصوره فيه. فالعدم قد يكون إيجابًا وليس سلبًا. المعدوم له وجود في العقل كتصور. والهيولى لها عدم لأن وجودها في الصورة.٦
وينطبق مفهومَا العلة والمعلول على الانقباض والانبساط في النبض كمعلولَين للانبساط والانقباض في النفس، ولكن الآلة التي في النفس أظهر فعلًا وأقوى.٧
وفي «فصول المدني» تفرض وحدة العلوم نفسها على بعض الموضوعات الطبيعية والإلهية مثل الأجسام التي تنقسم إلى طبيعية وصناعية. ولكلٍّ منها مادة وصورة. الأجناس شبيهة بالمادة، والفصول شبيهة بالصورة أي وحدة المنطق والطبيعة. المادة قوة والصورة تُحيلها إلى فعل انتقالًا من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة. وكل ما كان مركبًا مؤلفًا فهو ناقص محتاج إلى التركيب سواء كان كمًّا أو مركبًا من مادة وصورة. وفعلُ شيء في شيء آخر هو لزوم ذلك الآخر عن الشيء. ويستفيد الشيء الآخر من الأول حركته ليفعل بها ثانيًا. أما إذا كان الشيء الأول بجوهره فلا يحتاج إلى حركته. وهنا لا يبدو ثمة فرقٌ بين الطبيعة وما بعد الطبيعة.٨

(ب) أبو حيان

وتستمر الطبيعيات المتفرقة عند أبي حيان ليس فقط تحديدًا لمصطلحات بل أيضًا وضعًا لمسائل أو قضايا.٩ فالطبيعة اسم مشترك يدل على عدة معانٍ ابتداءً من الجزئي صعودًا إلى الكلي، ومن الحسي إلى العقلي، ومن الخاص إلى العام. اللفظ مشتق من الطبع على وزن فعيلة. ويعني أولًا الحياة التي تنفذ في الأجسام وهي الطبيعة البيولوجية. وهو أخص معنى للطبيعة. كما يعني ثانيًا النظر الطبيعي وهو المعنى الذي قصده أرسطو، مبدأ الحركة والسكون بالذات لا بالعرض، الصورة دون المادة. ويعني ثالثًا المزاج الخاص للفرد أو للنوع الإنساني أو المزاج لكل مركب أي طبيعة الأشياء بصرف النظر عن مستواها. وقد يعني رابعًا المركب، فالطبيعة مركبة من مادة وصورة، كمٍّ وكيف، فعل وانفعال. وقد يعني خامسًا ذات كل شيء عرضًا أو جوهرًا، بسيطًا أو مركبًا. ويعادل لفظ الجوهر أو الوجود. وهو أهم معنى للطبيعة.١٠
ويتأكد المعنى اللغوي اعتمادًا على أبي سليمان على وزن فعيلة أو فاعلة بمعنى مفعولة، طبيعة طابعة وطبيعة مطبوعة، واعتمادًا على أبي سعيد السيرافي في اعتبار اللفظ من جُمَل الأسماء المحضة وليس من الأسماء المشوبة. أصله «فعل». والمعنى الهدف، أي الغاية والاتجاه نحو الكمال.١١ المعنى الأول باللسان العربي، والثاني بالاعتبار النظري. وحدُّه في الاصطلاح أنه مبدأ الحركة والسكون كما أقر أرسطو.١٢

وأهمية هذه الطبيعيات المتفرقة هو تحديد مصطلحات الطبيعة، وتوضيح الأسماء المشتركة، والمدخل اللغوي إلى علم الطبيعة. فالعلم ما زال في البداية من حيث البنية والتكوين. والمقابسة كشكل أدبي ليس بها وحدة موضوع. قد تبدأ بالطبيعيات وتنتهي بالنفس والأخلاقيات. وقد تتناول موضوعًا طبيعيًّا وتنتهي بموضوع إلهي. يدخل الوافد، أرسطو، في بنية أعم. والطبيعة لديه النظر الطبيعي أحد معانٍ ثمانية للفظ كاسم مشترك. والحديث عن الطبيعيِّين عامة وليس عن اليونان خاصة بعد أن تحول العلم الطبيعي إلى جزء من الثقافة العامة. وربما أحد أسباب أنها موضوعات متفرقة أنها جمعٌ لآراء الآخرين وليس تفكيرًا نسقيًّا خاصًّا، مجرد حلقات من اللغويين والنحويين والمناطقة والفلاسفة.

وهناك ألفاظ طبيعية أخرى مثل الجوهر والوجود يستعمل في تحديدها نفس المنهج اللغوي؛ لأنها من الأسماء المشتركة؛ فالجوهر اسم مشترك يدل على معانٍ عدة. وتتوالى القسمة الثنائية عدة مرات لمحاولة التمييز بين الطبيعيات والإلهيات؛ فالجوهر المخصوص ينقسم بدوره إلى مركب وبسيط. والجوهر الذات على العموم. الأول موضوع لعلم الطبيعة والثاني لعلم ما بعد الطبيعة. وهو في ذاته، هيولى أو صورة، وفي تأثيره فاسد أو غير فاسد لإفساح المجال للانتقال من الطبيعيات إلى الإلهيات. وهو بحسب الزمان حادث أو قديم، وبحسب الإدراك محسوس أو معقول، وبحسب الاعتياد ثانٍ أو أول، وبحسب الرتبة أرضي أو فلكي. ثم يستنبط من مبدأ الجوهر الصورة والمادة، ومن مبدأ الحكم النقطة والوحدة، ومن مبدأ الكيف السكون والحركة. والوجود اسم مشترك أيضًا يدل على عدة معانٍ، من الأدنى إلى الأعلى صعودًا؛ إذ يعني أولًا ظاهر الذات وظاهر الفعل مثل الحرارة والبرودة، ويعني ثانيًا ظاهر الذات وخفيَّ الفعل مثل الكواكب. ويعني ثالثًا خفيَّ الذات ظاهر الفعل مثل الطبيعة. ويعني رابعًا خفيَّ الذات خفيَّ الفعل مثل الله. وتنتظم هذه المعاني بنية عقلية محكمة تتكون من لفظَي الذات والفعل، ومن احتمالين، ظاهر وخفي. ومن ثَم تكون الاحتمالات أربعة.١٣

والخلاء من المصطلحات العامة في مقابل الملاء، وكلاهما من مصطلحات المكان. ويعني عند الأوائل تقابلًا بين الملاء والخلاء، الانبساط والانقباض، التكاثف والتخلخل، الثقل والخفَّة، الغلظ واللطافة. وهي نفس الثنائية التي تفسح في الطبيعيات مجالًا بعد الطبيعة. وكلها من الوافد لتمثله حتى يُضيفَ الموروث معانيَ لإكمال التصور العام في كل جوانبه.

وأول مقولتين للطبيعة ملاصقَين لها هما الهيولى والصورة بعد تعريب لفظ هيولى واستقراره. وهما على مشارف العلمَين الطبيعي والإلهي. تظهر فيهما ثنائيات الطبيعة والحكمة. الهيولى في عالم الكون والفساد أقوى، والصورة في عالم الحق أعلى. وتتحول ثنائية الطبيعة وما بعد الطبيعة، الهيولى والصورة إلى ثنائية متطهرة، طرف فانٍ والآخر باقٍ. ويصعب الحكم على هذه الثنائيات، هل هي في الطبيعة أم في الإنسان، في الخارج أم في الداخل، في الأرض أم في النفس؟١٤
وهناك فرق بين الفعل والعمل. الفعل ما ينقضي، والعمل الآثار التي تثبت في الدورات بعد انقضاء الحركة طبقًا لأبي سليمان. وهناك فرق آخر بين الفعل والانفعال. الفعل كيفية صادرة من الذات، والانفعال كيفية واردة على الذات. وهما مقولتان للوجود. الفاعل هو الصورة، والمنفعل المادة. الفاعل والمنفعل اجتماع الصورة والمادة. فالثنائيات تتعادل أطرافها فيما بينها.١٥
والحركة والسكون مقولتان للطبيعة ولكن أيهما أقدم؟ عند أبي محمد العروضي عند الحس الحركة أقدم، وعند العقل السكون أقدم. وعند أبي سليمان سكون العقل في نوع الحركة، وحركة الحس في نوع السكون. المهم في التعريفَين الرغبة في أخذ الاحتمالَين معًا وتفريعهما على العقل والحس أي في الإدراك. الحركة إدراك الحركة، والموضوع من خلال الذات. وصورة الحركة واحدة وموادها كثيرة عند يحيى بن عدي. والحركة كون وفساد، ونمو ونقصان، واستحالة وإمكان. الحركة في العين طرف، وفي الحاجب اختلاج، وفي اللسان منطق، وفي النفس بحث، وفي القلب فكر، وفي الإنسان استحالة، وفي الروح تشوق، وفي العقل إضاءة واستضاءة، وفي الطبيعة كون وفساد، وفي العالم شوق إلى نظام. ليست الحركة موضوعًا في الطبيعة بل فيما بعد الطبيعة. لقد تحولت الفلسفة من العلم إلى الأدب، ومن العقل إلى التجربة، ومن الفكر إلى الشعر. ومتى كانت الحركة بشوق طبيعي لم تسكن البتة. وكلما كانت باختيار جاز أن تتحرك مرة وتسكن أخرى.١٦
والزمان الطبيعي يصبح هو الدهر الميتافيزيقي اعتمادًا على أبي سليمان. فالدهر إشارة إلى امتداد وجود ذات من الذوات. وينقسم قسمين، مطلق وبسيط؛ لأن الذوات إما أن تكون موجودة بإطلاق أو بالحقيقة، لا بداية لها ولا نهاية، بإضافة وشرط. والزمان ليس الدهر بل حركة الفلك.١٧
ودراسة الألوان دراسة للموضوعات الطبيعية من خلال الحواس اعتمادًا على أبي سليمان. فالبياض ينشر البصر، والسواد يجمعه، وربما كان العكس هو الصحيح لو كان الضوء هو المقصود. فالبيان يجمع البصر، والسواد ينشره.١٨
وتظهر موضوعات الطبيعيات الصغرى مثل الحياة والموت مع العلم الطبيعي. فأسباب الحياة في وزن أسباب الموت. العقل طريق الحياة، والطبيعة طريق الموت طبقًا لأبي سليمان لأن الطبيعة ميدان الضرورة، والعقل ميدان الاختيار. الطبيعة موت، والاختيار حياة.١٩
والجسم موضوع طبيعي، الصحة والمرض، الشباب والكهولة، القتل والموت. الصرع مع الأمراض صعب العلاج. هو تشنج يحدث في الأعصاب، ومبدأ العصب الدماغ. ينمو الإنسان طفلًا فصبيًّا فشابًّا فكهلًا، ولا يعود إلى الوراء لأن الطبيعة غاية وحركة، نشوء وتطور. وعندما يقتل رجل نفسه من القاتل ومن المقتول وهي مسألة كلامية في أصل العدل وفي الطبيعيات في الملامسة والمجاورة من موضوعات التوليد. والإنسان واحد ولكنه متعدد القوى، الشهوية والغضبية والعاقلة، والذين يموتون شبابًا أكثر من الذين يموتون كهولًا لأن الحياة تابعة للمزاج. والخروج عن الاعتدال من آفات البدن، ويعطي أبو حيان تفسيرًا فزيولوجيًّا لهذا الحكم الذي قد يختلف من مجتمع إلى آخر.٢٠

(٢) الطبيعيات الكلية

وتَعني الطبيعياتُ الكلية تمثُّلَ الوافد ووضْعَه في تصوُّر الموروث إما رؤية كلية إشراقية كما هو الحال عند إخوان الصفا أو رؤية كلية عقلية كما هو الحال عند ابن سينا. والغرض في كلتا الحالتين فتحُ الطبيعيات أكثر فأكثر وتحويلها إلى إلهيات، وإكمال المثالية العقلية الوافدة بالروحانية الدينية الموروثة. إكمالًا من ناحية واغترابًا من ناحية أخرى، من ثنائية عقلية، الجوهر والعرض، الصورة والمادة، العلة والمعلول، الفعل والقوة إلى ثنائية دينية، الجنة والنار، الثواب والعقاب، الخير والشر. الطبيعيات ليست مغلقة على نفسها بل مفتوحة على الله وكأنها طريق إليه، ومؤشر نحوه كما هو الحال في التوجه القرآني، وصورة الطبيعة في الوحي.

(أ) الطبيعيات الإشراقية (إخوان الصفا)

تصور الإخوان الطبيعة مؤشرًا إلى الله وعلامة إليه ودليلًا على وجوده وخلقه وعنايته وعلى بعث العالم وقيامه كما هو الحال عند المتكلمين. فقد جعل الله لكل جسم من الأجسام الكليات موضوعًا مخصوصًا أليق بواضعه. وهذا هو معنى التقدير في آية ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.٢١ يدل المخلوق على الخالق، والصنعة على الصانع وإن كان محتجبًا عن الأبصار. يشهد العقل أن الأركان الأربعة المتضادة القوى، المتنافرة الطباع لا تُجمَع ولا تُؤلَّف إلا بقصد صانع حكيم حتى يتمَّ التفكر في كيفية الصنع وعلَّته. ولا توهم بأنه ليس في قدرة الصانع غير ذلك، وإنكار الإرادة والاختيار والقصد في الصنع لأن مَن يقدر على اختراع مصنوع يكون أقدرَ على تغيير بِنيته. فلا يتوهم أن المادة لا تقبل إلا هذه الصور لأنها موضوعة بقبول جميع الصور. فالحكمة لا تعني الضرورة بل الاختيار وكأن اختيار الله أولى بالإثبات من اختيار الإنسان وحريته. خلَق الأفلاك ودورانه، وقسَّم البروج وأطلعَها، وصوَّر الكواكب وسيَّرها، وأرسل النفوس ووكَّلها بإذنه ولطيف حكمته شرحًا لا شعوريًّا لآية فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. ويؤدي التأمل في الطبيعة ليس فقط إلى إثبات الصانع بل أيضًا إلى إثبات وحدانيته كما هو الحال في دليل التمانع عند الأشاعرة.٢٢
وكل الحوادث التي ترى ضوء الهواء إما بشارات من الله بالرفض والخصب والسلامة للناس والحيوان والصلاح، أو إنذارات وتخويفات من الحدثان والجدب والقحط والغلاء والزلازل والوباء والموت والخسوف والحروب والفتن لاعتبار المكلفين بها، والارتداع عن المعصية، والانقياد إلى الطاعة. ويظهرون الدعاء والتضرع والتوبة والندم، ويتطوعون بالصوم والصلاة والصدقة والقرابين في الهياكل والمساجد والبِيَع والصلوات، تلقينًا من الآباء إلى الأبناء، ومن العلماء إلى الجهال، وتنبيهًا إلى الغافلين عن معرفة الله. فالطبيعة مرشد إلى الله ودليل عليه ودعوة إلى الطاعة.٢٣
وقد جعلت الحكمة الإلهية الزمهرير حجابًا بين كرة النسيم وكرة الأثير لتمنع ببرودها وهجَ الأثر عن الحيوانات والنبات وتحجب عنهما الضرر. كما اقتضت الحكمة الإلهية والعناية الربانية أن يكون بعض وجه الأرض مكشوفًا ليكون مسكنًا لحيوان البر وبعضه للنبات والأشجار، والزرع غذاء للحيوان، ومادة لأجسادها. وقد جعل الباري الحكيم أوراق النبات زينة ومثارًا لثمارها، ووقاية لحبوبها ونورها وزهرها من الحر والبرد والرياح والعواصف والغبار ووهج الشمس، وظلًّا للحيوانات، وسكنًا وسترًا وغطاء وغذاء لها ومادة أجسادها، وأدوية ومنافع كثيرة في ثمارها وحبوبها وبذورها ولحائها وعروقها ولُبِّها وقضبانها وفروعها.٢٤
ومن إتقان حكمته وعجيب صنعه، ولطيف تدبيره خلق الحيوان وحسن سياسته وجعله لكل داء وعارض دواء شافيًا ألهمه إياه. واقتضت الحكمة عدم إعطاء الحيوان عضوًا لا يحتاج إليه لجذب منفعة أو دفع ضرر لأنه سيكون عبئًا عليه في حفظه. جعلت الحكمة الإلهية والعناية الربانية لكل حيوان الأعضاء والمفاصل والعروق والأعصاب والغشاوات بحسب الحاجة في جلب المنفعة ودفع المضرة ومن أجل بلوغ غاية، وجعل أبدانها مختصرة من أعضاء كثيرة، وأفواهها واسعة حتى تقبض على الحشائش، وكل زوجين اثنين لبقاء النسل زمنًا طويلًا، وغذاؤها من أكل اللحمان.٢٥
ومن حكمة الله وتقديره خلق المعادن، تجمد وتنعقد، وتصير درًّا صغيرة وكبيرة. ولهذه الجواهر المعدنية خواص غريبة، مثل خلق الدرة وتكوينها. وقد خلقها الله منافع للحيوان وللناس، تثبت قياسًا للغائب على الشاهد أن للعالم محدثًا، وإن كان كبيرًا عظيمًا طويل العمر.٢٦
وتظهر عناية الله في تقدير خلقه وحسن سياسته للبشر وشفقته عليهم وكثرة ما أتاح من العلل في مرافقهم وجرِّ المنافع إليهم من الهيولى المتأتَّى فيها أفعاله. حكمة الصانع في المصنوع. وأساس الحكمة جلب المنفعة ودفع الضرر. وهو مقياس أصولي وأساس تقوم عليه الشريعة ومن مظاهرها اتفاق الطبيعة مع الإنسان، والإنسان مع الطبيعة، الشمس والقمر للضياء له، والهواء لنفسه، والنار لمنفعته، والماء لشاربه، كل ذلك توجهٌ قرآني من صورة الطبيعة في القرآن تفسيرًا لا شعوريًّا لآية رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ. وهو ما اتفقت عليه كلُّ الحيوانات، الملك والقضاة والدفاع والاتهام.٢٧
ثم تتناقض المشاهدة، الأدلة على وجود الله مع الإشراق، الحكمة التي لا يعلمها إلا الله؛ إذ كيف تكون الحكمة والمنافع الكثيرة لا يعلمها إلا الله وهي دليل على وجوده وعنايته بالعالم؟ كيف يكون جنود لله منصرفين لحفظ العالم وتدبير الخلائق والسياسة الكلية ومآرب أخرى لا يعرف كنهها إلا الله؟ كيف توجد أسباب وعلل وأغراض لا يعلم كنهها إلا الذي خلقها، فإذا غابت الأسباب ظهر الشك والحيرة والظنون والتحليل الفاسد والوهم الكاذب؟ كيف يطالب الإنسان بمعرفة الحكمة والعناية عن طريق العلل والأسباب التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم؟ وما الفائدة من الهوام التي لا يعلم عددَها إلا الله؟٢٨
كل شيء في الطبيعة يقود إلى الحكمة الإلهية، وكل صنعة فيها يكشف عن العناية الإلهية. فثبات النيران حسب المستعمل لها. والنار نور وإشراق. ولكل واحد من العناصر ركنه الخاص، بعضها محيط ببعض إلا الماء. فلا يحيط بالأرض من كل الجهات حتى لا يمتنع وجود الحيوان والنبات. يدعو الإخوان إلى النظر إلى هذه العناية الإلهية الكلية والسياسة الربانية الحكيمة، والنظر بنور العقل إلى هذا الصانع الحكيم المدبر لهذه الأمور. كيف رفعت هذه الأشياء في الهواء بمقدار الحاجة دون تفريط وتقصير في البعد والقرب من الناس والحيوان والنبات. والعناية الإلهية هي التي جعلت كرة النسيم عاليًا ومركز السحاب مرتفعًا، صعود السحاب إلى أعلى حتى لا يضرَّ حدوث الرعد الحيوانات الضعيفة. والأمطار والثلوج لا تأتي فجأة حتى يستعد الناس والحيوان لها للتحرز من أضرارها.٢٩
وبعد إثبات وجود الله من حكمة الطبيعة، وإثبات عنايته بالعالم يثبت حقُّه في السيطرة عليه والإحاطة به. فالأرض واقفة في مركز العالم وسط الهواء بإذنه. وليس في العالم فراغ ولا خلاء ولا ملاء لأن الله محيط بكل شيء. وهي باقية بحالاتها إلى أن يشاء الله أن يفنيَها كما أبدعها وصوَّرها واخترعها وركَّبها وحرَّكها ودبَّرها شرحًا لا شعوريًّا لآية فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. الله محيط بكل شيء، ما تحت فلك القمر. وكل حادث في العالم له وقت معلوم لا قبله ولا بعده. وله سبب موجب لا يكون إلا به. وله بقعة مخصوصة لا يوجد إلا بها، ولا يعلم تفصيلَها إلا هو. وقد جعل الله الفلك محيطًا بالأرض من جميع الجهات. والصورة المتجهة للجسم المبلغة له إلى أفضل حالاتها لا يحصيها إلا الله. والجواهر المعدنية كثيرة الأنواع لا يُحصي عددَها إلا الله. فيها ما لا يعرفه الناس وما لا يعرفونه. وهو توجهٌ قرآني للبحث عن المجهول واستحالة الإحصاء الكامل من أجل تقدُّم العلم وعدم الوقوع في القطعية والأحكام النهائية المطلقة. ويتكون العالم من امتزاج العناصر وضروب المتولدات من المعادن والنبات والحيوان المختلفة الأجناس والأنواع والأشخاص، لا يعلم كثرةَ عددها واختلاف أحوالها إلا الله.٣٠
ونظرًا للطف الله بالعباد وشفقته عليهم ورحمته بهم وجب له الثناء والشكر والحمد والدعاء على الفضل والنعماء والإحسان كما هو الحال في الواجبات العقلية عند المعتزلة، شكر المنعم أو في مقام الشكر عند الصوفية، خاصة لو كانت النعمة المعطاة قد حُرم آخر منها مثل ما أُعطيَ للإنسان وحُرم منه الحيوان. وهو قانون طبيعي وإنساني معًا.٣١

وعلى هذا النحو ينتقل الوافد إلى الموروث، وأرسطو إلى الإسلام، ويتم توسيع منظور الوافد من الطبيعيات المغلقة إلى الطبيعيات المفتوحة. الطبيعيات الإشراقية ما هي إلا تعبيرات إنشائية ليس المقصود منها إعطاء معانٍ حرفية كما هو الحال في «الحكمة في مخلوقات الله عز وجل» للغزالي.

وبالرغم من فعل الله في الطبيعة فإن للطبيعة فعلها. لذلك يرفض الإخوان الحتمية المطلقة التي تُنكر أفعال الطبيعة لجهلها بماهية الطبيعة كما يرفضون إثبات أفعال الطبيعة والتولد الذاتي عند أصحاب الطبائع من المعتزلة. الطبيعة ملك من الملائكة الموكلة بتدبير العالم وإصلاح الخلق. وقد تُنسب أفعال الطبيعة كلها إلى الله حسنة أو سيئة، خيرًا أو شرًّا. وقد ينسب الخير إلى الله والشر إلى غيره. وقد يُنسب هذا الخير إما للتولد الذاتي أو لأثر النجوم بذاتها دون أن تكون وسيطًا للإرادة الإلهية أو البخت والاتفاق والمصادفة. وإنكار النظام في الطبيعة أساسًا أو جريان العادة إنكارًا للعلية والإرادة الإلهية في آنٍ واحد أو أثر الشياطين؛ لأن الشياطين والملائكة مأمورون من الله. والملائكة هم الموكلون بحفظ العالم وإرادة الأفلاك وتسيير الكواكب وتوليد الحيوانات وتربة النبات. وتكوين المعادن.٣٢ واضح أن الإخوان ينقدون نظريات المتكلمين ويسمونهم المجادلة الذين ينكرون أفعال الطبيعة لأنهم جهلوا ماهية الطبيعة نفسها والتي أفرد لها الإخوان الرسالة السادسة. وقد تعطي احتمالات أخرى لعلة الشر من غير الله مثل الجزاء على الأعمال والأصلح واللطف وآراء كلامية أخرى في التعديل والتجوير.
وينشأ الجهل من نسبة كلِّ شيء إلى الله وإنكار فعل الطبيعة نظرًا للتعود على أن لكل فعل فاعلًا. ولما وجدت أفعال دون رؤية فاعلية لها نسبت إلى الله. فتصورُ الله كفاعل مردُّه إلى الجهل. ويحيل الإخوان إلى رسالة الآراء والمذاهب والديانات، وهي أقرب إلى الكلام منها إلى الفلسفة.٣٣
وتوجد أسباب في الطبيعة لا يعلم كُنْهَها إلا الله الذي خلقها وأبدعها. بعضها يدل على بعض لتنبيه النفوس، والتفكر في غرائب المصنوعات، عبرة لأولي الأبصار تفسيرًا لا شعوريًّا لآية وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا وسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ضد مَن يبطل الصانع والحكيم والغرض، ويقول بالاتفاق أو ينسبونها إلى الطبيعة دون معرفة ماهيتها أو إلى النجوم والأفلاك ولا يعرفون كيفية ذلك. والله لا يحتاج إلى أداة ومعاونين له. هناك القانون الطبيعي الذي تتحدد فيه الإرادة الإلهية بالقوى الطبيعية والتي يعرفها الإنسان بعقله ويتَّحد معها بإرادته للسيطرة عليها وتوجيهها لصالحه ولمنافع الناس.٣٤
وتتم إعادة قراءة السماء والعالم الوافد الطبيعي اليوناني في الرسالة الثانية «في السماء والعالم» من أجل تحويل التصور الجغرافي الكوني الوافد إلى التصور الإسلامي عما يحدث في السماء في الدنيا من كواكب وملائكة وشياطين وفي الآخرة، يوم القيامة والبعث والنشور. إذ يدوم دوران الفلك ما دامت النفس الكلية مربوطة معه. فإذا فارقت قامت القيامة الكبرى. السماوات هي الأفلاك، وسُميت السماء سماء لسموِّها، والفلك لاستدارته. والكرسي الواسع هو فلك زحل. والسماء زينها الله بالمصابيح. والإنسان مختصر من اللوح المحفوظ. والجنة عالم الأرواح والنار أو جهنم عالم الأجسام تحت فلك القمر طبقًا لظاهرة التشكل الكاذب.٣٥
ودوران الكواكب حول الأرض كدوران الطائفين حول البيت الحرام. وهو تشبيه إنساني مما يدل على أن الطبيعيات يمكن ردُّها إلى الإنسانيات، وهو معنى أن الإنسان عالم صغير وأن العالم إنسان كبير، لا فرق بين الإنسان والطبيعة تقريبًا للأفهام أو قياسًا للغائب البعيد على الشاهد القريب، للشاهد الطبيعي على الشاهد الإنساني، البيت وسط المسجد الحرام، والمسجد الحرام وسط الحرم، والحرم وسط الحجاز، والحجاز وسط بلاد الإسلام كمثل الأرض وسط الهواء، والهواء وسط القمر، والقمر وسط الأفلاك. كلُّ مصلٍّ نحو إمام، وكلُّ فلك نحو مركز. والاختلاف في السرعة في الحالتَين طبقًا للشوق. يبدأ الطائفون من باب البيت، ويجتمعون عنده بعد سبعة أشواط، كذلك الكواكب تبدأ من موازاة أول دقيقة من برج الحمل ثم تدور حسب البروج ثم تعود إلى نقطة البداية قبل استئناف دورة جديدة.٣٦ ولا يفسر ذلك التعليل. فالتعليل فهمُ ظواهر الطبيعة بعضها ببعض أفقيًّا، والانفتاح على الله فهمها بعلل أولى رأسيًّا.
وتتشخص الطبيعة في الشياطين والملائكة لاحتواء طبيعيات اليونان. فقد حسنت طاعة الجن لرؤسائها. والنفوس الشريرة من جنود إبليس وحزب الشياطين.٣٧ الله لا يباشر الأجسام ولا يتولى الأفعال بذاته بل يأمر الملائكة موكلين وعبادًا مؤيدين، يفعلون ما يُؤمرون كما يأمر الملوك، خلفاء الله في الأرض، عبيدهم وخدمهم ورعيَّتهم، ولا يفعلون بأنفسهم شرفًا وإجلالًا. وكما تجري على عباده وتُنسب إلى الله كما تُنسب الأعمال العظيمة إلى الملوك في عصرهم وغيرهم قاموا بها. كذلك أعمال الملائكة والأنبياء والعباد، طبيعية أو اختيارية، يتم نسبتُها إلى الله. كل ما يحدث في الكون من أعمال وصنائع وتأليف وتركيب وتجمُّع وتفريق وكون وفساد ونشوء وبلاء تُنسب إلى الله لأنه خلق الفاعلين والصناع والعمال وأفعال البشر والجن والشياطين والملائكة. فأفعال الطبيعة مثل أفعالهم؛ لأن كل ما في الكون جنوده وعبيده، علَّمهم وهداهم وأمرهم ونهاهم. منهم المطيع والعاصي، والخيِّر والشرير، والفاضل والناقص، والمعذب والمنعم.
كل شيء في هذا الكون إنما يقع بإذن الله. قوى النفس الفلكية السارية في جميع الأجسام المسماة الطبيعية، وتنقش وتصور وتصوغ من المزاجات والأخلاط أجناس الكائنات، الحيوان والنبات والمعادن بإذن الله ومنافع الياقوت للشفاء من الطاعون بإذن الله. إذا تختم به نبلَ في أعين الناس وسهل عليه قضاء حاجاته وأمور معاشه. وتأثير هذا الحجر الضعيف في هذا الجوهر الشريف عبرة لأولي الأبصار. فالمتسلط عليهما معًا الصغير والكبير خالقهما. وكل هذه الأجسام مع اختلاف طبائعها وأشكالها وخواصها أدوات وآلات للفاعل الصانع المحرك للنفس الكلية الفلكية المؤثرة الفاعلة، وهي المسماة طبيعية والتي تعمل بإذن بارئها، فالله يؤثر في الأجسام بداية ولا يُحدث الأفعال بنفسه إلا على سبيل الاختراع والإبداع. فالاختراع هو الإخراج من الوجود إلى العدم. أما التأليف والتركيب والصنائع والأفعال والحركات بالآلات والأدوات في الزمان والمكان فبأمر الملائكة الموكلين والعباد المؤمنين بطاعة الأوامر كما يأمر الملوك الرؤساء عبيدهم وخدمهم وجندهم. فالله يؤثر في العالم عن طريق الوسائط. هذه الوسائط هي قوى الطبيعة. كل شيء يحدث بإذن الله من خلال الطبيعة التي هي مجموعة من الوسائط في الكون. الفاعل فيها والمؤلف لأجزائها والمرحب لها هي الطبيعة بإذن الله. وهو الذي خلقها ووكلها للأركان، وأيَّدها بالقوة الإلهية على الأفعال والصنائع من تكوين المعادن والنبات والحيوان.٣٨ الطبيعة إذن ملكٌ من ملائكة الله المؤيدين وعباده الطائعين، يفعلون ما يؤمرون، ولا يعصون الله فيما أمرهم، وهم في خشيةٍ مشفقون. هنا يجتمع العلم والدين، العقل والخرافة، المعقول واللامعقول. أن تكون الوسائط أفعال العباد فهو ما يتفق مع الشرع. أما أن تكون الوسائط النفوس الكلية وعالم الأفلاك فهذه هي الخرافة. أما إذا كان الأمر تشكلًا كاذبًا فالملائكة وسائط للتبليغ وللفعل خارج التكليف.
والعجيب أن الوسائط أيضًا مبشرون ومنذرون، لا فرق في ذلك بين الملائكة والأنبياء، الأئمة والصوفية. وماذا عن باقي البشر المطيعين لأوامره؟ أليسوا وُكلاءَه ومنفذي أوامره ومحققي شريعته؟ وكيف تكون الطبيعة مثل الملائكة والشياطين؟ هذه هي الخرافة، خطوة إلى الإمام بالعلم وهو التعليل، وخطوة إلى الخلف بالخرافة.٣٩ والأمر كله لا يعدو صورة فنية لها دلالات معنوية. خطورة انفتاح الطبيعة على الله هو الاغتراب عنها فيه، البعد عنها والقرب منه، اعتبارها سلبًا وهو الإيجاب. فتنتفي الدلالة ويثبت المدلول، ويسقط المثل ويبقى الممثول.

(ب) الطبيعيات العقلية (ابن سينا، ابن باجه)

وتعني البداية بالوافد وعرضه عرضًا عقليًّا قبل إعادةِ قراءته وصبِّه في التصور الموروث. إذ يعرض ابن سينا الطبيعيات في ست مقالات: السماع الطبيعي، والسماء والعالم، والكون والفساد، والأفعال والانفعالات، والمعادن، والآثار العلوية، والنفس. ويضيف الفعل والانفعالات بين الكون والفساد والآثار العلوية مع إضافة المعادن إليها خلافًا لقسمة أرسطو الخماسية.٤٠ ولم يُشر الكِنْدي والفارابي إلى «الأفعال والانفعالات» ضمن كتُب أرسطو. وهو ليس في قوائمه. والإشارة إليه غير صريحة في قائمة ديوجين اللايرسي لأنها يمكن أن تصدق على «الكون والفساد». وهما فكرتان واردتان عند أرسطو في معظم كتب الطبيعة. فأراد ابنُ سينا إبرازَه في قسم جديد لإكمال بنية العلم الطبيعي. كما ضم ابن سينا المعادن إلى الآثار العلوية ليجعل باطن الأرض، المعادن، وظاهرها، الأنوار في علم واحد، وهل لأرسطو كتاب مستقل عن المعادن صحيحًا أو منتحلًا، مثل كتابَيه عن النبات والحيوان؟
وهو أقل دلالة من «السماع الطبيعي» لا يحيل إلى آية أو حديث أو مصطلح أو لغة موروثة؛ لأن موضوعات الكتاب خاصة وليست عامة. ومع ذلك يبدو ابن سينا فيه فيلسوفًا صوفيًّا عالمًا. ومن حيث الكم أكبر الكتب الستة «السماع الطبيعي»، ثم النفس، ثم الكون والفساد، ثم السماء والعالم، ثم المعادن والآثار العلوية. وأصغرها الأفعال والانفعالات.٤١ وقد أخضع ابن سينا هذه المقالات الست لترتيب عقلي من الكل إلى الجزء.٤٢

يبدأ ابن سينا من أرسطو ولا ينتهي إليه. البداية من الوافد من أجل إعادة عرضه من منظور الموروث وفي إطار أعم وأشمل. يضيف وينقص، يؤوِّل ويعمق في استقلال تام مع نقد وتصحيح. فيعيب قول أنبادقليس أن سبب الملوحة عرق الأرض لأنه كلام شعري لا فلسفي. المعادن جزء من الطبيعة وأحد مراحل تطورها. ينقل ابن سينا الطبيعيات اليونانية من مستوى الشعر إلى مستوى العلم.

ولا يوجد تراكمٌ فلسفيٌّ كافٍ في طبيعيات «الشفاء» بالرغم من إمكانية ذلك مثل الحديث عن «إحصاء العلوم» دون الإشارة إلى الفارابي. والإسلام نفسه باعتباره خاتمة الوحي كشف للبُعد التاريخي قبل الاكتمال، وتأكيد المراحل السابقة، والاعتراف بدور الأنبياء السابقين. فلا بنية بلا تطور، ولا تطور بلا بنية. وربما اعتمد ابن سينا على علماء الطبيعة في عصره مثل ابن الهيثم والبيروني. وكان صامتًا كالعادة على مصادره. ولا يحال إلى اليونان وحدهم بل إلى فارس والهند أي الوافد الشرقي.٤٣
يبدأ ابن سينا ببيان أنه بعد أن علم اللباب من المنطق وليس القشور يتوجه إلى الأشياء ذاتها ببيان غرضه وهو تعليم العلم الطبيعي وفقًا لاجتهاده وما انتهى إليه نظرُه، ليس قارئًا بل كاتبًا وليس مكرِّرًا بل مبدعًا. البداية بترتيب المشائين مع بداية يقينية لا يختلف عليها إلا جاحد، ويمكن التساهل بعد ذلك. البداية مشائية وليست النهاية، نقطة البدء وليست نقطة الوصول. البداية جذرية يتفق عليها الجميع، والنهاية تأتي طبيعيًّا كما يتكشف الحق ويظهر الموضوع، ويبدو المخالف وجحْده الحق. والرد عليه مضيعة للوقت وذهاب بالعمر. وأبلغ دليل على ذلك علم الكلام الذي انشغل بالرد على الخصوم. نهج الفلسفة غير ذلك، نشر الصواب، والصفح عن الخطأ، وهذا هو السبب في عدم شرح كتُبهم وتفسير النصوص حتى لا يتمَّ التوقف على مواضع سهوا فيها وعذرهم، وإيجاد حجة لهم أو الرد عليهم، والمجاهرة بنقضهم. وقد قام بهذه المهمة المترجمون والمفسرون والشرَّاح والملخِّصون. أما المعاني والعلوم فإنها مهمة «الشفاء» بالرغم من قصر العمر.٤٤
وغاية ابن سينا تعليمية، يضع العلم على ما هو عليه ويتركه للأجيال القادمة. يشعر بضرورة الانتقال من مرحلة الشرح والتلخيص والجوامع إلى مرحلة العرض والتأليف والإبداع. وهو إحساس تاريخي بروح العصر مما يجعل الفلسفة الإسلامية على غير ما هو شائع عنها، تعبيرًا عن واقع، وليست مجردة منعزلة، تابعة هامشية. يرفض الجدل منهجًا وموضوعًا منتقلًا من علم الكلام إلى الفلسفة. وابن رشد هو الذي عاد إلى طريقة المفسرين والشراح. فالحقيقة في النص كما هو الحال في الظاهرية، والعودة إلى الأصول الأولى كما هو الحال في السلفية.٤٥ يؤثر جوانب الاتفاق على جوانب الاختلاف، والرؤية الواحدة على وجهات النظر. ويُعطَى الأولوية للبنية على التاريخ. فما زال المترجمون والشرَّاح والمفسرون حتى الفارابي يمثلون مرحلة التاريخ. ويفضل الكل على الأجزاء، وتركيب العلم على تحليل مكوناته. يرى الأشياء ذاتها وراء الألفاظ والمعاني، ويتجه نحو الحقائق فيما وراء النصوص. يشعر بالقصد والمضمون مثل العبارة الشهيرة في آخر كتاب «الشعر» ومقدمة «منطق المشرقيين» بإعلان النوايا، مما يدل على قدرة فائقة على الانفتاح الحضاري على الآخر وتمثل الوافد وتفاعل أمة بدوية مع أكمل حضارات العصر، عقلًا وعلمًا ونظمًا مدنية. ويكشف عن قدر كبير من الاعتراف بالآخر دون الوقوف في مرحلة نقله ثم تقليده. بل يعمل على إبداء الرأي فيه والاجتهاد عليه ثم تطويره، إكمال نقصه، وحذف زياداته، وترك أمثلته، ووضع أمثلة أخرى لها.
ويبدو «السماع الطبيعي» عرضًا تقليديًّا عقليًّا صوريًّا مجردًا. ومع ذلك فهو أكثر دلالة من باقي أجزاء الطبيعيات لأنه يتضمن فلسفة الطبيعة وليس مجرد علم الطبيعة كما هو الحال في باقي الأجزاء. وتغيير ابن سينا المادة العلمية من الطبيعيات المجردة إلى علم الطب يدل على القدرة على التمييز بين التجارب العلمية وقوانينها، بين مادة العلم وصورته. مارس ابن سينا العلم الطبيعي، وفي صورة علم طبيعي محدد هو علم الطب. وانتقل من الحديث عن الطبيعة كفيلسوف كما هو الحال في فلسفة العلم إلى الحديث عن الطبيعة كعلم كما هو الحال في العلم. وقام بالمراجعة، مراجعة التصورات على مادة علمية جديدة من أجل إعادة ضبط هذه التصورات وتوسيع نطاقها حتى تنطبق على أكبر مساحة من التجارب، والقيام بتجارب جديدة والحكم بناء عليها. ويضم السماع الطبيعي بعض التحليلات الرياضية والفلكية. فالطبيعيات علم شامل. والرياضيات طبيعيات نظرية كما أن الطبيعيات النظرية رياضيات بحتة.٤٦

و«السماء والعالم» أقرب إلى الاختصار منه إلى التفصيل. يعني بالمبادئ وليس بالجزئيات. وفي نفس الوقت يعتمد على البراهين العقلية والقسمة المنطقية. والسماء عند ابن سينا مبتدع، خلق من عدم.

و«الكون والفساد» أقرب إلى التطويل. ويتطرق إلى المشاكل والحجج التفصيلية مع بعض الاستعانة بالمنطق التجريبي. ثم ينصب الوافد في الموروث، والطبيعيات المغلقة في الطبيعيات المفتوحة؛ ففي «الآثار العلوية» يبيِّن ابن سينا أن نظام الكون لا يتعارض مع القضاء والقدر، وأن أحدًا لا يستطيع معرفة الغيب أو أن يرى المستقبل بدقة. وهو إشكال إسلامي عملي ونظري، خلق الأفعال وحرية الإنسان أم ضرورتها والإرادة الإلهية. كما يبدو البُعد الإلهي في الطبيعيات في مناقشة حجج البخت والاتفاق. ويبدو الدافع الإسلامي في الرد على القائلين بالخلاء؛ لأن الله محيط بكل شيء وفي كل مكان. تبدو الطبيعيات تطويرًا لعلم الكلام والرد عليه خاصة مَن غالَى في إثبات الجوهر الفرد، الجزء الذي لا يتجزأ، وتصحيح آراء المتكلمين وحكماء الإسلام خاصة في الكون والفساد.٤٧
وقد ألَّف ابن سينا كتاب «النفس» ولم يبلغ سنَّ العشرين. وألحقه بالدراسات التجريبية كطبيب بعيدًا عن الإشراق حتى حين الحديث عن العقل بالملكة، والعقل المستفاد، والقوة والفعل، والعقل الفعال. وهو موضوعٌ تناوله الوافد والموروث على حدٍّ سواء.٤٨ ويتكون من خمس مقالات: جوهر النفس، الحواس الظاهرة (النفس الحيوانية)، في الأبصار، في الحواس الباطنة، في النفس الناطقة (النفس الإنسانية). وقد وضع ابن سينا للثالثة والرابعة عناوين دون الأولى والثانية والخامسة. وتتفاوت الأقسام الخمسة من حيث الكم. أطولها الأبصار ثم النفس الناطقة ثم الحواس الباطنة ثم الحواس الظاهرة ثم جوهر النفس.٤٩ وهذا يدل على أهمية الإبصار على موضوعات النفس وعلى باقي الحواس. والكتاب به مادة أغزر من أرسطو وإن كان متفقًا معه في الترتيب.٥٠ واعتبار النفس جوهرًا روحانيًّا ليس أثرًا من أفلاطون بل يتفق مع النظرة الإسلامية في الأصول الإسلامية وكما عرضها الفلاسفة والصوفية خاصة.٥١ ولم يخلُ الكتاب من بعض التكرار.٥٢

والحديث عن النفس يأتي في القسم السادس في الأمور الكائنة التي لها حياة وإرادة مثل النبات والحيوان. ولما كان النبات والحيوان متجوهرَين بذاتهما عن صورة هي النفس ومادة هي الجسم والأعضاء ظهرت النفس. فالنفس اكتشاف طبيعي من النبات والحيوان، الطبيعة الحية الجديدة بعد الطبيعة الجامدة. ولا يمكن الحديث عن النفس أولًا قفزًا حرصًا على تطور الطبيعيات من مستوى إلى مستوى. كما أن النبات يشارك الحيوان في النفس في أفعال النمو والتغذي والتوليد في حين أن النفس الإنسانية لها خصوصية نوعها. الاتصال بين النبات والحيوان أكثر من الاتصال بين النبات والحيوان من ناحية والإنسان من ناحية أخرى. والانفصال بين النبات والحيوان من ناحية والإنسان من ناحية أخرى أكثر من الانفصال بين النبات والحيوان. ومع ذلك وجب الحديث عن النفس أولًا لأنها القاسم المشترك بين النبات والحيوان والإنسان نزولًا لا صعودًا. فالعلم بالمشترك سابق على العلم بالفردي. ولما ارتبطت النفس بالبدن كان الحديث عن البدن مقدمًا على الحيوان والنبات. وهذا ترتيب مقترح من ابن سينا. وأي ترتيب آخر له معقولية يكون أيضًا ممكنًا. النبات أسوق من الحيوان من حيث قوى النفس ومن حيث التأليف من أن كليهما بعد النفس من حيث ترتيب أجزاء «الشفاء». لذلك تم تخصيص الفن السادس للنفس، والفن السابع للنبات، والفن الثامن للحيوان. وبذلك ينتهي العلم الطبيعي. فالحديث من النبات والحيوان جزء متمم للحديث عن النفس.

وكتاب النفس ليس فقط حديثًا عن النفس بل حديثًا في كل شيء من «الفزيولوجيا» إلى علم النفس، ومن الطب إلى الدين. مقدماته محددة وليست عقلية عامة كما هو الحال في المنطق وإن أمكن البرهنة عليها فتصبح أمورًا عقلية مشابهة لموضوعات المنطق.٥٣ وهو كتاب علمي خالص، يكاد يخلو من الإشراقيات، يتضمن دراسة للحواس وليس لصفات الله التي لم تخطر لابن سينا على بال، وأقرب إلى تاريخ العلم الطبيعي الدقيق منه إلى تاريخ الفكر أو تاريخ الحضارة. وأحيانًا تتحول بعض الموضوعات الجزئية إلى موضوعات مستقلة عن النفس مثل أشعة الانكسار وفزيولوجيا العين.٥٤ ويحيل ابن سينا إلى كتبه الطبية في أسباب استعدادات الأشخاص المختلفة بجبلتها حسب اختلاف أحوالها، الفرح والغم والحلم والحقد والسلامة وغير ذلك.٥٥ وهو كلام جديد لا وجود له عند المتقدمين.٥٦ ويصل الأمر بالتحليل المادي للنفس إلى جعل الجهاز العصبي آلة لها.
وكتاب الحيوان، بعد كتاب النبات (؟) ليس موضوعه النفس الحيوانية كما هو معلن بل البدن. وهو أقرب إلى «الأنثروبولوجيا الفيزيقية» منه إلى علم النفس الحيواني.٥٧ جمع بين علم الأحياء وعلم الطبيعة وكأنه كتاب «بيولوجي» صرف. ولا يكتفي ابن سينا بتشريح الحيوان ووصف وظائف الأعضاء ولكنه أيضًا يصف الأمراض ويعطي الدواء والعلاج، عياذًا بالله من علم لا ينفع. وهو أكبر من الإلهيات حجمًا مما يدل على أهمية الطبيعيات عند ابن سينا. به بعض التكرار لأنه إملاء على تلميذه الجورجاني شفاهًا وربما دون الاعتماد على مصادر مدونة.

ومن الوافد عرف العرب دراسات جالينوس «البيولوجية». كما اعتمد ابن سينا على أبقراط دون ذكره. وينتصر لأرسطو في حالة خلافه مع جالينوس، فاضل الأطباء. ويدخل في معارك الأطباء والفلاسفة. وبالرغم من نية ابن سينا في عدم الدخول في الخلافات والخصومات العلمية إلا أنه دخل في خلافات الأطباء حول وظيفة القلب وأثر الذكر على الأنثى في التوالد ورفض جعل المشائين القلب مبدأ القوى النفسية. ولا تظهر الثقافة اليونانية وحدها بل أيضًا الفارسية والهندية.

ومن الموروث أفاد ابن سينا من الكِنْدي والفارابي بالإضافة إلى تراث العرب الزاخر منذ الشعر الجاهلي والأصمعي والسجستاني والمعتزلة خاصة الجاحظ. ولابن سينا قدرة فائقة على ذكر كل هذه الأسماء للحيوانات باللغة العربية وإيجاد مصطلحات جديدة مثل تسمية زعانف السمك أجنحة.٥٨
إلا أن اعتماد ابن سينا الأول على ملاحظاته الشخصية على ما صادفه من طيور وحيوانات بجورجان وخراسان وما وراء النهر، ومقارنة حيوانات المشرق والمغرب، ومعرفته بعلم التشريح. وله إضافاته الخاصة مثل الاعتناء بالتنفس وتشريح الجهاز التنفسي، وهو ما فات أرسطو. فالإبداع عن طريق الإكمال. ومن حكمة الله أن تكون للإنسان رئتان إن تعطلت واحدة عملت الأخرى. يبدأ ابن سينا بتعاليم المعلم الأول ثم يخرج عنه متحولًا من النقل إلى الإبداع في تشريح أعضاء الإنسان جامعًا التشريح والمنفعة في موضع واحد وفي أشياء قليلة وإضافة معلومات فيها مع عرض نظري واجتهاد شخصي.٥٩ ويبدأ ابن سينا برصد الاختلافات الكلية بين أعضاء الحيوان قبل وصْف أجزائها فالكل يسبق الجزء.٦٠
ومع ذلك فنصيب الإنسان في الكتاب أكثر من نصيب الحيوان لقياس الحيوان على الإنسان وقياس الإنسان على الحيوان، في علم الحيوان الإنساني وعلم الإنسان «البيولوجي». الإنسان جسم والحياة جسد، والحيوان إسقاط من الإنسان عليه.٦١ يقاس الحيوان على الإنسان من حيث الطباع. أخلاق الحيوان إسقاط إنساني خالص.٦٢ للحيوان أخلاق وانفعالات نفسانية؛ كالأسد فإنه حليم كريم عند الشبع، صعب رديء عند الجوع. وفي الطعام يختلف الحيوان في الطباع اختلافَ البشر في الأخلاق. وكما تقاس أخلاق الحيوان على الإنسان تقاس أخلاق الإنسان على طباع الحيوان. فمن الناس مَن هو مثل السباع من الحيوان غير الناطق مثل أخلاق الصبيان. ويسيطر الجماع والجنس على الحيوان والمني والرحم والإيلاج.٦٣ وتنتظم أعضاء الحيوان والإنسان معًا بمنطق الرئاسة، هناك رئيس ومرءوس كما هو الحال عند الفارابي.٦٤ وتختلف الأخلاق باختلاف الذكورة والأنوثة.٦٥
ويوضع ذلك كله، الجنس والمني والفرج والإيلاج في نسق فلسفي كلي واحد مع المنطق والرياضيات والإلهيات وفي منظومة كلية ورؤية فلسفية واحدة. وتوضع موضوعات النبات في النفس؛ لأن النفس واحدة بل إن النفس أقرب إلى النباتية والحيوانية منها إلى الإنسانية. وبعد العلم الطبيعي تأتي العلوم الرياضية في فنون أربعة ثم العلم الإلهي ثم يردف بعلم الأخلاق، وينتهي الشفاء.٦٦
وطبيعيات «النجاة» كما هو معروف تلخيص لطبيعيات «الشفاء».٦٧ وتنقسم أيضًا ستة أقسام. الأول بلا عنوان وهو يعادل السماع الطبيعي في الشفاء، والثاني لواحق الأجسام ويعادل السماء والعالم، والثالث الأمور الطبيعية وغير الطبيعية للأجسام، ويعادل الكون والفساد. والرابع الأجسام الأولى والقول في قواها ويعادل الفعل والانفعالات. والخامس المركبات الناقصة والمعادن ويعادل المعادن والآثار العلوية. والسادس النفس مثل النفس في «الشفاء». فعناوين المقالات أكثر تجريدًا وأقل وضوحًا. وأكبرها النفس مثل «الشفاء» ثم لواحق الأجسام، ثم الأمور الطبيعية وغير الطبيعية، ثم الأجسام الأولى وقواها، ثم الأولى، ثم المركبات الناقصة والمعادن.٦٨
وتنقسم الطبيعيات في «الإشارات والتنبيهات» إلى ثلاثة أنماط. الأول في تجوهر الأجسام، والثاني في الجهات وأجسامها، والثالث في النفس الأرضية والسماوية، فقد تم اختزال الفنون الستة في «الشفاء»، والمقالات الست في «النجاة» في أنماط ثلاثة. أكبرها الثالث، وأوسطها الثاني، وأصغرها الأول.٦٩ وهي مجرد حجج وإشارات وتنبيهات على الموضوع. لذلك تكثر ألفاظ: وهم، إشارة، تنبيه، تذنيب، تذكير، نكته. وأحيانًا يضم لفظين مثل: وهم وإشارة، وهم وتنبيه. الغاية منها التنبيه على جمل لاستبصار مَن لا يقدر على الانتفاع بالعروض النسقية، أشبه بالمضنون به على غير أهله لشدة تركيزها ورموزها وإشاراتها حتى أصبحت أقرب إلى التصوف منها إلى الحكمة.٧٠ ويرفض ابن سينا ما هو شائع بدليل تعبيره، من الناس مَن يظن. ويخاطب القارئ، ويستدعي تجاربه كما يفعل الشيخ مع المريد. في معظمه غير دال ولا توجد له نهاية.٧١ أما الطبيعيات في «عيون الحكمة». فهي أطول الأقسام الثلاثة.٧٢ تقوم على الاستدلال الداخلي. وتحاول إيجاد ونسق عقلي لها عن طريق برهان الخلف وكثرة استعمال تعبير «وهذا خلف».٧٣
ويبرز موضوع النفس كموضوع رئيسي في الطبيعيات بسبب التركيز في «النجاة» و«عيون الحكمة»، وبسبب الإشراق في «الإشارات والتنبيهات». ويظهر منطق الرئاسة في علاقة قوى النفس بعضها ببعض، الأعلى يرأس الأدنى، والأدنى يخدم الأعلى. فالعقل المستفاد أو العقل بالملكة رئيسٌ للهيولاني، والهيولاني خادم له. والعقل العملي خادم لها جميعًا. والوهم خادم للعقل العملي، والقوة الحافظة وجميع القوى الحيوانية تخدمه. وتخدم المتخيلةَ قوتان: النزوعية والخيالية. وتخدم الخيالية فنطاسيًّا، وهذه تخدمها الحواس الخمس. وتخدم الشهوة والغضب القوة النزوعية. وتخدم القوة المحركة الشهوة والغضب. وتنتهي القوة الحيوانية. وتخدم القوة النباتية القوة الحيوانية، والنامية تخدم المولدة، والغاذية تخدم النامية والمولدة. وتخدم القوى الطبيعية الأربعة الهاضمة والماسكة والجاذبة والدافعة، والكيفيات الأربعة تخدم السابق كله، البرودة تخدم الحرارة، واليبوسة والرطوبة تخدم السابقين. أما النفس الناطقة فوظيفتها استقراء الكليات من الجزئيات وإيجاد العلاقات بين الكليات، ووضع المقدمات التجريبية والتحقق من الأخبار التي يقع التصديق بها لشدة التواتر.٧٤
والطبيعيات عند ابن باجه أقرب إلى الطبيعيات الحسية التي تقوم على ملاحظة الطبيعة وليس على نقل أقوال الطبيعيِّين.٧٥ وأحيانًا تبدو طبيعيات نظرية لا يتعرض فيها ابن باجه إلا للمقدمات النظرية ومفاهيمها الأولى؛ فالعلم الطبيعي صناعة نظرية.٧٦ ولما كانت النفس جزءًا من الطبيعة فإن كل شيء هو غرام ما. الشيء نزوع ورغبة، والعالم شعور بالعالم. ومع ذلك تبدو على استحياء بعض الطبيعيات الإلهية مثل الحركة والمتحرك، في أن كل متحرك له محرك لإثبات الخالق، وحرارة الشمس تدبر الشمس بما يفيض الله عليها مما يريد أن يفعله. وإذا وصف الإنسان كيف يوجد قبل يخلقه الله في الرحم. فالعلمان طريقتان في التعبير. ومن حيث الكم، العلم الإلهي اختصار لأنه يُحيل الطبيعة إلى فاعلها في حين أن العلم الطبيعي وصفٌ لتكوين الموجودات.٧٧ العلم الإلهي أقرب إلى التشبيه والأدب والمثل، والعلم الطبيعي وصفٌ تقريري. ومع ذلك تظهر عند ابن باجه وحدة العلم، الطبيعيات والإلهيات والمنطق بالرغم من التمايز بينها. أحيانًا يقع الموضوع في العلم الطبيعي، مثل الكون والفساد، وأحيانًا خارجه. ويضرب ابن باجه المثل بالجبن والنجدة، أي بالأخلاق لشرح المتضادات. ويصعب الفصل بين الطبيعة وما بعد الطبيعة عند أرسطو نفسه. فهي موضوعات واحدة مثل العلل الأربعة والصورة والمادة والزمان والحركة. والبرهنة على الأنواع التي لها شخص واحد تتجاوز حدودَ العلم الطبيعي.٧٨

(ﺟ) الطبيعيات الثنائية (ابن سينا)

وتعني الطبيعيات الثنائية دفع الطبيعيات العقلية المثالية إلى أقصى نتائجها، وقراءَتها قراءة دينية إشراقية بحيث تعود المثالية العقلية إلى مصدرها الأول الذي نشأت منه وهي الثنائية الدينية، الله والعالم، الآخرة والدنيا، الثواب والعقاب، الجنة والنار، الملاك والشيطان، النفس والبدن، الخلق والبعث. لذلك كثيرًا ما تنتهي هذه الطبيعيات الثنائية إلى أمور المعاد. الطبيعيات العقلية مقدمة والطبيعيات الإلهية نتيجة. الأولى يحكمها العقل والثانية يُطلقها الإشراق بتوسط النفس، العالم المتوسط بين الطبيعيات والإلهيات.

تظهر الإلهيات في الطبيعيات وكأنه لا يمكن الحديث عن الطبيعة دون الإحالة إلى الإلهيات كإطار مرجعي للطبيعيات مما يُثبت مرة أخرى أن الطبيعيات والإلهيات علمٌ واحد وليسَا علْمَين، الإلهيات من جهة «الملك»، والطبيعيات من جهة «الكتابة» طبقًا للمثل المشهور عن الواجهتَين للعملة الواحدة. هو حديث واحد، إيجابًا يكون الطبيعيات، وسلبًا يكون الإلهيات أو سلبًا يكون الطبيعيات وإيجابًا يكون الإلهيات. الطبيعيات ما ليس في الإلهيات، والإلهيات ما ليس في الطبيعيات. الطبيعيات والإلهيات مفهومان متضايفان مثل الأب والابن، والمعلم والتلميذ، والسيد والعبد، والله والعالم، يتضمن أحدهما معنى الآخر إيجابًا أو سلبًا. ويتضح ذلك عند ابن سينا في تعبيرات «الباري عز وجل»، «الله تعالى»، «الخالق سبحانه»، إلى آخر هذه التعبيرات التي تدل على السمو والرفعة. الطبيعيات الأرض، والإلهيات السماء. الطبيعيات النظر إلى أسفل، والإلهيات النظر إلى أعلى. الفرق بينهما في اتجاه النظر والرؤية وأُفُق الإدراك، المعرفة الحسية التجريبية أو المعرفة الفيضية الإلهامية. وهو أيضًا فرقٌ في الفعل والسلوك، في العمل أو الدعاء، إمساك الكف في الأرض أو بسْط الكف إلى السماء.٧٩
وإدراك الطبيعة إلهيًّا يجعلها ملحقة بالله، طائعة له، مخترعة منه. هي الفرع وهو الأصل، علاقة المعلول بالعلة، والمخلوق بالخالق. تعريفها سلبًا عن طريق الله باعتباره إيجابًا. جوهر الفلك مخترع ومبدع من الله، وحركته المستديرة تسبيحٌ لأمر الله وطاعة لأمره. وهو ما يتفق مع النقل. الفلك كالدخان، أي أن جوهر السماء كان على حالة أخرى اختراعية، لا على صورة أخرى طبيعية.٨٠ الإلهيات قراءة مغتربة للطبيعيات وإحالة الطبيعة إلى شيء آخر خارجها، موضوعيًّا علميًّا أو ذاتيًّا إنشائيًّا.٨١
الطبيعيات إلهيات غير مباشرة تقوم على ثنائية الأعلى والأدنى كما هو الحال في طبيعيات المتكلمين: القِدَم والحدوث، الواجب والممكن، وهي من عمل الذهن؛ لأنها طبيعيات عقلية. والذهن قادر على أن يمدَّها بمقولات أُحادية مثل التوحيد إذا كان عقلًا طبيعيًّا علميًّا أو مقولات ثنائية إذا كان عقلًا إنشائيًّا وجدانيًّا إشراقيًّا ذاتيًّا، مثل: الجنس والفصل، الكل والجزء، الواحد والكثير، العلة والمعلول، الصورة والمادة، الجوهر والعرض، القوة والفعل، القديم والحادث. ولا تخلو الطبيعيات العقلية من طبيعيات إلهية في موسوعات «العرض النسقي» حتى تبدوَ الطبيعيات مقدمةً للإلهيات، والإلهيات مصبًّا للطبيعيات.٨٢ الطبيعيات مقدمة، والإلهيات نتيجة، الطبيعيات بداية والإلهيات نهاية.

لذلك يدخل العقل كطرف ثالث ليوحِّد بين الطبيعيات والإلهيات؛ فنظام العقل ونظام الطبيعة ونظام الوحي نظامٌ واحد. والعقل هو المصدر الموحد للطبيعيات والإلهيات ومَنشؤُها، وإليه يعودان. لا فرق إذن بين العقل والطبيعة، بين المنطق والوجود كما لا فرق بين الطبيعيات والإلهيات، بين العالم والله. ولا فرق بين العقل والإلهيات، فالثنائيات العقلية هي أساس الإلهيات «الدينية». كما أن الطبيعيات تعود إلى النفس نظرًا لارتباط الجسد بالنفس، والجسد جزء من الطبيعة ثم تلحق النفس بالإشراقيات، وتتحدد بالإلهيات، من الله إلى الطبيعة خلال النفس إلى إله من جديد، أو من الطبيعة إلى الله إلى الطبيعة خلال النفس إلى الله من جديد، أو من الطبيعة إلى الله إلى الطبيعة من خلال النفس (الإشراق) إلى الله من جديد على النحو الآتي:

يصعب إذن التمييز بين المنطق والطبيعيات والإلهيات وكأنها علمٌ واحد تردُّ الطبيعيات إلى المنطق في ثنائيات الفكر. ويردُّ المنطق إلى النفس في ثنائيات الإشراق. وتردُّ الإلهيات إلى الطبيعيات في قياس الغائب على الشاهد وإلى المنطق في المقولات الثنائية التي تعبر عن التنزيه العقلي للذهن. ولا توجد إلهيات مباشرة إلا من خلال المنطق والطبيعيات. الإلهيات طبيعيات مقلوبة إلى أعلى ومنطق مغروز في النفس. والطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أسفل ومنطق مغروز في النفس. فالنفس أي الذهن تتبع الطبيعيات والإلهيات. ويصعب أحيانًا الحكم على الموضوع هل هو منطق أو طبيعيات أو إلهيات مثل الجوهر والعرض، المقولات العشر، الكل والجزء، الصورة والمادة. فلا توجد مقولات خاصة بكل علم مستقلة عن العلم الآخر. ويتضح ذلك في المقالة الأولى «في الواجب والممكن والممتنع» أحكام العقل الثلاثة. ومبادئ الوجود منطق الوجود.٨٣ والمقالة الثانية «في الجوهر وأقسامه»، والثالثة «في الأعراض»، وهو مبحث الجوهر والأعراض في علم أصول الدين الذي شمل ثلاثة أرباع العلم ابتداء من القرن السادس نفس النوع من الإلهيات الطبيعية العقلية الثنائية التي يُمحَى الفرق فيها بين الكلام والفلسفة. والرابعة «في التقدم والتأخر والقوة والفعل»، والتام والناقص، وهي ثنائيات عقلية، الشرف والكمال. والخامسة «في الأمور العامة»، الكل والجزء والجنس والفصل والحد، وهي أقرب إلى المنطق. والسادسة «في العلة والمعلول»، والسابعة «في الواحد والكثير»، وهي التي سماها علم أصول الدين المتأخر الأمور العامة التي استطاعت فيها هذه الثنائيات العقلية أن تعبر عن العقائد الدينية دون خوف من تكفير الفلسفة وتهافتها بعد الغزالي.٨٤ لذلك كانت مقولة المضاف مهمة في الإلهيات في قياس الغائب على الشاهد، قياس الله على الإنسان وقياس الطبيعة على الله. ويكون التحدي هو كيفية الخروج من الأمور الذهنية العامة للتوجه نحو الطبيعة والوجود.٨٥

فإذا كانت الطبيعيات العقلية في «الشفاء» فإن الطبيعيات الإلهية في الرسائل الطبيعية خاصة رسالة «في الأجرام العلوية»، ورسالة «في علة قيام الأرض وسط السماء»، وغيرها من الرسائل الطبيعية التي تكون فيها البداية من موضوعات الوافد والنهاية في تصور الموروث.

تبدو الطبيعيات الإلهية بوضوح في رسالة «في الأجرام العلوية» في استحالة الفصل بين العلمَين. فهما علمٌ واحد في اتجاهَين مختلفين إلى أعلى فيصبح إلهيات وإلى أسفل فيصبح طبيعيات أو إلى الدخل فيصبح منطقًا. إذا كان العلم كليًّا يكون إلهيات، وإذا كان جزئيًّا يكون طبيعيات، وإذا كان كليًّا جزئيًّا يكون منطقًا على النحو الآتي:

وذلك مثل علاقة الأصول بالفقه كطرفين وعلم القواعد الفقهية أو الأشباه والنظائر كطرف ثالث بينهما، والسماع الطبيعي ثم الجماد والنبات والحيوان، والإنسان بينهما في علوم الحكمة أو الأمور العامة والجوهر والأعراض والإنسان بينهما في علم أصول الدين أو الجمع بين أصول الدين وأصول الفقه والتصوف بينهما، بين الأصول والفروع والقياس بينهما. فنسبة الطبيعي إلى الإلهي كنسبة الفقه إلى الأصول. يأخذ الطبيعي مبادئه مثل الصورة والمادة من الإلهي مما يجعل الطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أسفل والإلهيات طبيعيات مقلوبة إلى أعلى. لذلك قد يعني الإلهي الطبيعي، والطبيعي الإلهي. يسمح الإلهي بوصف كلِّ شيء طبيعي موضوعًا لغرض، وتصور وجود العالم على كل وجه لا عيبَ فيه ولا تعطيل ولا بخت ولا اتفاق ولا وجودًا تلقائيًّا، وأن تدبيره جعل اختلاف حركات السموات سببًا لاختلاف الكائن في العالم، وأن الحركة المستديرة علة لثبات الكون، وأن السببية في الأرض منشؤُها اختلاف حركات السماء. وهذا يكفي لبناء العلم الطبيعي دون الاعتماد على مزيد من الأمور الإلهية. الإلهيات موجهات للطبيعة، والطبيعة ميدان تحقيق للإلهيات. فمن صفات الله الخلق والعناية والطبيعة ميدان تحقيق للإلهيات. ومن ثَم من الخطأ تصور الطبيعة على نحوٍ آلي؛ فالماء بارد بطبعه، والنار حارة بطبيعتها دون وضعهما في حكمة وقصد وغاية. الله والطبيعة موضوع واحد من منظورَين مختلفين، المثال والواقع، الصورة والمادة، الجوهر والعرض، الكيف والكم، الواحد والكثير، العلة والمعلول، الماهية والوجود أو الوجود والعدم. والسؤال الآن: أي العلوم أقرب إلى البداية الجذرية، الإلهيات أم الطبيعيات أم المنطق؟ لو كان الوعي فارغًا ولا يمتلئ إلا بعد الوعي بالعالم يكون الوعي بالطبيعة هو الأساس.٨٦ ولو كان الوعي فارغًا ثم يكتشف كما هو الحال في الدليل الأنطولوجي فكرة الكمال يكون الوعي بالله هو الأساس. ولو كان الوعي بالذات مملوءًا يكون المنطق هو العلم الأساسي، أي المنطق وقوة التفكير دون موضوع طبيعي أو مفارق. فإذا كان التفكير في الإلهيات وهْمًا وخطأ في الإدراك واغترابًا عن الطبيعة فإنها تردُّ إلى المنطق، ردًّا لموضوع التفكير إلى منهج التفكير، وردًّا للموضوع إلى الذات.٨٧
ونظرًا لوجود الطبيعيات الإلهية في الطبيعيات وربما وجود الإلهيات الطبيعية في الإلهيات ظهر الحكماء الطبيعيون الذين يجمعون بين هذين العلمَين في علم واحد، يقرءون الطبيعيات في الإلهيات كما يقرءون الإلهيات في الطبيعيات، ويجدون في الأجسام البسيطة والحركة غير الحيوانية آلاف الأدلة على تدبير الحكيم. الطبيعة تُحيل إلى المبدأ الكامل كما تُحيل السياسة إلى المبدأ الغائي. هناك إذن علاقة بين الطبيعة والسياسة، بين الطبيعة الجامدة والطبيعة الحية. والفرق بينهما العلة الفاعلة في الأولى، والغائية والقصد في الثانية. يرفض ابن سينا الطبيعة المطلقة للجهال من الطبيعيِّين الذين يفسرون الطبيعة بالعناصر وأن في كل طبيعة أو قوة صورة وهو مستحيل. وجود الطباع لها أسباب ثلاثة: الأول تدبير الصانع، وجوده وعدله وحكمته. هو الفاعل، أعطى الهيولى التي أبدعها من الصور طبقًا لعدل تقديره. والثاني القابل المادي، الطبيعة من قوتها الذاتية. والثالث الغاية والقصد والغرض من الحكمة. الأول العلة الفاعلة، والثاني العلة المادية، والثالث العلة الغائية دون ذكر للعلة الصورية لأن الله صورة العالم، والصورة والمادة لا يفترقان. فإذا كانت حرارة الجسم أو برودته من إرادة الصانع فلا عجب من جذب المغناطيس للحديد أو إذابة النار للحديد مع أن التفسير بالمغناطيسية والنار أكثر علمية من التفسير المشخص بالكائن المدير، وأن العلة القريبة أقرب إلى العلم من العلة البعيدة الأدخل في الفلسفة أو الدين.٨٨ كما ينتهي التصور الإلهي للطبيعة إلى إنكار الوحي ومعجزات الأنبياء والرؤيا والعين والكهانة والوهم والعرافة وكأن الوحي لا يثبت طبيعيًّا من داخلها وليس من خارجها.٨٩ غالبية الحكماء من أنصار الطبيعيات الإلهية أي الطبيعيات المفتوحة، والأقلية فقط من أنصار الطبيعيات المغلقة. الطبيعة في حاجة إلى استعداد إلهي. والاشتغال بها دون استعداد يؤدي إلى الضلالة. لا يمكن إذن معرفة علم دون علم. لا طبيعيات دون إلهيات، ولا إلهيات دون طبيعيات، لا حكمة إلهية فالعلم متكامل دون علوم طبيعية، ولا علوم طبيعية دون حكمة إلهية.
ونظرًا لتوجه الإلهيات نحو الطبيعيات فقد ألزم ابن سينا الطبيعيِّين بالقول بقوة في الجسم هو مبدأ حركة له بالذات وبأن الصانع لم يجعل للأجسام حركة ذاتية مختلفة إلَّا ولها مبادئ، وهي تلك الأجسام المختلفة الطباع كالنار والأرض. الأولى صاعدة بالذات، والثانية هابطة بالذات. والمحرك هو الله بتوسط الطبيعة الذاتية فيهما. هذا الاعتماد وهو مبدأ الحركة والسكون على سبيل التسخير هو الطبيعة، مجردة عن القصد، والنفس التي لها قصد. هذا ما استفاده الطبيعيون من الإلهيِّين، القول بالتوسط وهي الأسباب الطبيعية والنفس.٩٠

الإبداع للمادة والصورة عن لا شيء ودون زمان. ومبدعُها يتقدم الكل بالذات لأن الزمان يحدث مع حدوث الحركة؛ فحدوث الأجسام على سبيل الإبداع لا على سبيل التكوين من شيء آخر. وهذه المعاني لا توجب مماثلة مع المبدع الأول القيوم الواجب الحق المتعالي. فالموجودات المتوسطة بين الطبيعيات والإلهيات أكثر من الطبيعيات وأقل من الإلهيات.

يرفض ابن سينا إذن نقْدَ تصورَين الأول الأشعري خاصة الغزالي الذي يُثبت الإرادة الإلهية دون قوانين الطبيعة، والثاني التصور الاعتزالي عند أصحاب الطبائع، الذي يُثبت قانون الطبيعة دون الإرادة الإلهية. فالمعركة داخلية وليست خارجية، الصراع بين النظرية الروحية العرجاء والنظرية الآلية الصماء من أجل ضمِّ التصورَين معًا، الوافد اليوناني والموروث الإسلامي في تصور واحد في إطار عملية التشكل الكاذب، بدلًا من الحديث عن الكون والفساد عند أرسطو يتم الحديث عن الخلق والفناء عند المتكلمين والفلاسفة. كما يظهر الموقف الحضاري، والتحول من النظرة الآلية المادية للطبيعة الوافدة إلى النظرة المتكاملة الموروثة في الطبيعيات المفتوحة. الحق بذاته واحد، والمعرفة به أفضل من الجهل به. ولا خلاف بين العقل الصريح وموجب الشرع الصحيح، عبارة ابن تيمية في موافقة صحيح المنقول لصريح المنقول. العلم واحد، والمنهج واحد، والغاية واحدة، والحقيقة واحدة. ويظل السؤال: هل بالإمكان الإبقاء على هذه الوحدة أم أن مصيرها الفصم ثم الاغتراب؟

وفي السؤال عن «علة قيام الأرض وسط السماء» يجيب ابن سينا إجابةً علمية خالصة دون أية دلالة إلهية من الذي يُمسك بالأرض. وقد كانت الفرصة متاحة لذلك. ويحصر ابن سينا العلل الممكنة لا فرق بين وافد وموروث في منظور علمي واحد. قد تكون الأرض متحركة دائمة على الاستدارة أو هابطة إلى أسفل، وقد تكون ساكنة. ولذلك عللٌ كثيرة. تقوم على الهواء بضغطها (ديموقريطس) أو واقفة عليه كالحبة أو تطفو عليه لعظمها أو تقف في الوسط. فليست جهة أولَى بجهة أو دورة الفلك وحركته وأقصاه الأرض إلى الوسط أو جذب الخلاء أو عشق كليتها. ثم يشفعها ابن سينا بفصول عشرة عن معنى الجهة وتحديد معنى المصطلح والاتفاق على المعاني. فبيَّن تناهيها، وأنه لا يمكن تصورها إلا إذا كان الجسم له إحاطة على أجسام أو فضاء، وأن لكل جسم موضوعًا طبيعيًّا، وأن الحركة المستقيمة ليست طبيعية للجسم، وأنه لا يمكن أن يكون للجسم حركة طبيعية مستقيمة بلا نهاية، وأن كل جسم لا يتحرك بوصفه الطبيعي، وأنه لا تعجب من قيام الأرض وسط السماء، وقيام كل الأجسام وسطها. ولا عجب من الطبع، وأن الأرض قائمة في الوسط بطبعها. وينتهي ابن سينا ببيان عرض تاريخي لأقاويل العلماء القدماء في هذا الباب من غير تطويل لمناقضتهم. عند ابن سينا التاريخ بعد البنية، وعند أرسطو التاريخ قبل البنية.٩١
وقد تظهر بعض الإلهيات متضمنة في الطبيعيات من أجل فتحها وجعلها أكثر شمولًا، مثل أن الحركة المستقيمة غير طبيعية للجسم من أجل إثبات تناهي الأجسام والاحتفاظ سلبًا لله باللاتناهي. كما أن نفْيَ الطباع والحركة الطبيعية قد يكون مقدمة لإثبات الإرادة الخارجية والعلة الفاعلة الأولى. ومع ذلك يردُّ العلم الطبيعي إلى عمل الذهن، وتردُّ الطبيعة إلى الإدراك، والخطأ العلمي إلى الوهم مما يدل على الأساس الذاتي للعلم.٩٢ فتردُّ الطبيعة إلى المنطق، والمنطق جزء من تحليل النفس والشعور. ومضمون الوهم ثلاثة أنواع، يتصور ويصدق، ويتصور ولا يصدق مثل قيام الحيوان في مقابلنا في جوانب الأرض، ولا يتصور ولا يصدق مثل نهاية العالم.٩٣ لذلك تستنكر النفس وتتعجب من قيام الأرض بغير مثل في الوسط، وقيام الحيوان عليه من كل جانب. وتستعمل قوى الإدراك الحسي للحاضر المكاني، والوهم لإدراك المحسوسات حاضرًا وغائبًا، والرأي المحمود وتصديقه بالعقل أو بالحس أو بالدليل. وتنتهي الطبيعة إلى المنطق. فالعقل حاكم على الوهم.٩٤ ويعتبر ابن سينا نفسه في النهاية فيلسوف المنطق الذي تجاوز الأوائل.٩٥
وتتأرجح «أجوبة الشيخ الرئيس عن مسائل أبي حيان البيروني» بين الطبيعة العلمية الصرفة والطبيعيات الإلهية. المسائل العشر الأولى تتعلق بالسماء والعالم، وتظهر فيها بعض الطبيعيات الإلهية في حين أن المسائل الثمانية الأخيرة أقرب إلى العلم الصرف وليست ثقافة وافدة لأحكامها وضبطها وإكمالها.٩٦ وبالرغم من غياب السياق الحضاري العام والعلمي الخاص للرسائل إلا أنها تكشف عن خروج العلم الطبيعي الخالص من علوم الحكمة، وأن الحكماء هم العلماء، وأن العلم الصريح هو اتفاق العقل والطبيعة وإن كان موجهًا لا شعوريًّا من الوحي وعلى نحو مضمر، والبحث عن الاتساق العقلي الذي يظهر من عبارة «وهذا خلف» والعقل أساس العلم والدين.٩٧ كما تبدو أهمية الرسائل في التراكم الفلسفي داخل علوم الحكمة. أرسطو عالم، والبيروني عالم، وابن سينا عالم، تراكم من الوافد إلى الموروث. والسؤال من الموروث عن الموروث إلى الموروث، من الفقيه المعصومي لابن سينا عن مسائل لأبي الريحان البيروني.٩٨ فقد استقلت الحضارة الإسلامية علميًّا بعد ظهور وعْيِها التاريخي العلمي الخالص. ويُجيب ابن سينا بنفس الألفاظ حتى لا يقعَ في سوء القراءة والتأويل.٩٩
وتظهر الطبيعيات الإلهية في العشق؛ لأن الطبيعة تعني قوى النفس، ووجود العقل في الطبيعة باطل؛ لأنه لا عشقَ له خارجًا من العشق المطلق الكلي. الطبيعة وضعٌ إلهي للعشق. بل إن الحيوان غير الناطق وإن تحرَّك بعشقه الطبيعي المغروز فيه من العناية الإلهية تحرُّكًا اختياريًّا، فإن الغاية فيه ليست مقصودة بذاتها. وإذا وجد فائز بفضيلة اعتدال الصورة المستفادة من تقديم الطبيعة واعتداله فإنه أثر إلهي. فالله يتجلَّى في الطبيعة.١٠٠ وأحيانًا يتفق العلمان على ما يجوز وما لا يجوز نظرًا لقيامهما معًا على العقل والتجربة كما تكشف بذلك عدة عبارات عن منطق الاستدلال ورفع المحال.١٠١ ويحال في بعض الموضوعات إلى خارج العلم الطبيعي، إلى العلم الإلهي، مثل العقل والعلة الأولى بعد أن اغترب العلم مستقلًّا بذاته بعيدًا عن العالم.١٠٢ وواضح أن الطبيعيات القديمة قد أُعيد بناؤها على أساس من الخلق والحكمة والعناية الإلهية. وهو ما كان ينقص الطبيعيات الأرسطية. فالإله ليس خالقًا وليس صانعًا للعالم وليس معتنيًا به ولا مدبرًا لأمره. الخلق والعناية إضافة من الموروث على الوافد الذي لم يعرف إلا القدم والعشق.

والسؤال الآن: ما فائدة ذلك كله الآن؟ هل يتم تقييم الطبيعيات القديمة على علم الفيزياء الحالي فتبدو لا علمية خرافية أسطورية، أم أن دلالتها هي الأهم وربما هي الأبقى. وقد يكون فيها حلٌّ لأزمة العلم الطبيعي الوافد حاليًّا. إن أهم دلالة للطبيعيات القديمة هي نزعتها الإنسانية، اتجاهًا نحو الإنسان، واتجاه الإنسان نحوها. فالإنسان والطبيعة متضايفان مما يحفظها من الطبيعيات اللاإنسانية، سبب التلوث والتصحر. كما أن الطبيعة مفتوحة على طرف آخر هو الله. فالطبيعة والله أو الله والطبيعة أيضًا متضايفان مما يحفظهما من الطبيعيات النسبية الخالية من القيمة ومن الله — الأقنوم.

ويذكر الله صراحة وعلى نحوٍ مباشر في علوم الحكمة حتى لتبدو وقد عادت إلى علم الكلام بل أكثر وأصرح؛ لأن علم الكلام استعمل أيضًا واجب الوجود والقديم والعلة الأولى في حين يستعمل الإخوان الله، الباري، الصانع، الحكيم. كما يستطرد الإخوان في حدس بسيط، الرؤية الدينية الكلامية التي لا جديد فيها. ما يهم هو تحويل الطبيعة من المستوى الصوري المادي إلى المستوى الشعوري الإنساني الأخلاقي الديني. وما دلالة الحيوان؟ هل يمكن تحويله إلى فلسفة حياة عضوية وتحويل العضو الحي إلى طاقة حيوانية؟١٠٣ وما دلالة النبات؟ هل يمكن تحويلها إلى رؤية وشعر، الصحراء الصفراء إلى اللون الأخضر.
ليس المهم هذه الطبيعيات الموروثة مع العلم الحديث الوافد أو اختلافها معه لأنها تمثل آخر مراحل التفكير العلمي. ما يهمُّ هو الرؤية لا الحدث، والمنهج لا الموضوع، والمقدمات لا النتائج. المهم هو تطويرها من الموروث القديم إلى العلم الحديث من داخلها وليس بنقل جديد من خارجها يتزاوج معها ويجاورها فينشأ تعارض بين علمَين وثقافتَين وعصرَين. المهم التحول من الطبيعيات العقلية الصورية المجردة أو الإلهية المغتربة إلى تأكيد الموقف الطبيعي، الإنسان في العلم، من الطبيعيات الثنائية إلى الطبيعيات الواحدية كي لا تواجهَ مخاطر الاغتراب، والانتقال من الزمان الطبيعي، عدد الحركة، إلى الزمان النفسي، ومن الزمان الفردي إلى الزمان الجمعي والوعي التاريخي.١٠٤ وهي الطبيعيات التي تحتوي على قيمتها في ذاتها والتي تحمي من مخاطر تلوث البيئة. إن أهمية الطبيعيات الإنسانية عند إخوان الصفا هو إمكانية تحوُّلها إلى طبيعيات شعرية تجمع بين الدلالة والمنفعة، بين العلم والشعر، بين القانون الطبيعي والصورة الفنية. والآن، هل الزمان والحركة موضوعات طبيعية رياضية؟ ولماذا انتهى القدماء إلى هذه الصورية؟ ونحن لم نحافظ على العقل واستئناف العلوم العقلية الخالصة، ومنها العلوم الرياضية والطبيعية، ولا استبدلنا بها الإحساس بالطبيعة الحسية وإعمال العقل في شئون الدنيا. أليس من الواجب الآن تفجير العقل في المجتمع، وتحويل الطبيعة الرياضية إلى طبيعة حية؟ الاتجاه إلى الصورية كان تعبيرًا عند الشراح عن الاتجاه نحو العقل. فقد كان الواقع منتصرًا. أما الآن فالاتجاه نحو العقل والواقع، أي التنظير المباشر للواقع فالعقل مأزوم، والواقع مهزوم.
١  الفارابي: التعليقات، فقرات ٩٦-٩٧.
٢  الفارابي، التعليقات،١٣، ٣٥، ٣٧، ١٠٢.
٣  السابق، التعليقات، ١١، ١٨-١٩، ٧١.
٤  السابق، التعليقات، ١١، ١٢.
٥  السابق، التعليقات، ١٥–١٧.
٦  السابق، التعليقات، ٥٩-٦٠، ٦٩-٧٠.
٧  السابق، التعليقات، ٨١-٨٢.
٨  الفارابي، فصول المدني، فقرات، ٦، ٨٢، ٨٣.
٩  تشمل المقابسات عدة موضوعات (١١٤)، المنطق (٢٦)، الطبيعيات (٢٧)، النفس (٢٧)، الإلهيات (١٣)، الأخلاق (٣١) مثل: الطبيعة، الكون والفساد، الجمع، الانفراد، العنصر، الصورة، الهيولى، الجوهر، السماء، اليبس، البرودة، الحرارة، المؤلف، الوقت، المكان، الزمان، الجرم، الكثرة، الملازمة، الاجتماع، الحالة، الرطوبة، الحركة، العلة، الخلاء، الجوهر.
١٠  التوحيدي، المقابسات، ص٢٨٤-٢٨٥.
١١  وقد استعمل اسبينوزا نفس اللفظين في الفلسفة الغربية في القرن السابع عشر.
١٢  التوحيدي، المقابسات، ص١٧٤–١٧٧.
١٣  السابق ص١٥٦-١٥٧ (يحيى بن عدي) ٢٩١–٢٩٣ وكما بدت في المناظرة المنامية بين أبي سليمان وابن العميد.
١٤  السابق، ص٢٤٨–٢٥٧.
١٥  السابق، ص٢٨٠، ٢٨٥-٢٨٦.
١٦  السابق، ص١٩١-١٩٢، ٢٢٥-٢٢٦، ٢٦٥–٢٦٧.
١٧  السابق، ص٢٧٨-٢٧٩.
١٨  السابق، ص٢٦٥–٢٦٧.
١٩  السابق، ص١٤٦-١٤٧. عند الرواقية قديمًا وكانط حديثًا وكل دعاة الدين الفطري، العقل والطبيعة نظام واحد. الطبيعة حياة وموت، والإنسان حياة وموت، وكلاهما ضرورة وحرية.
٢٠  أبو حيان، الهوامل، ص١١٢-١١٣، ١٢٢–١٢٤، ١٥٢–١٥٤، ٢٣٨–٢٤٠.
٢١  ج١، ٤، ١٦٢، ١٦٥.
٢٢  ج٢، ٧، ١٥٢، ١٥٤، ج٢، ٧، ١٥٥، ١٦٢، ١٧٧، ج٢، ٨، ١٨٩، ٢٢١-٢٢٢، ٢٦٧.
٢٣  ج٢، ٤، ٨٥–٨٩.
٢٤  ج٢، ٤، ٨٣، ج٢، ٥، ٩٣، ج٢، ٧، ١٦٢.
٢٥  ج٢، ٥، ١١١، ج٢، ٧، ١٦٩، ج٢، ٨، ١٨٥، ١٩٢–١٩٥.
٢٦  ج٢، ٥، ١١٣-١١٤.
٢٧  ج٢، ٢، ٨، ج٥، ١٠٠، ج٨، ٢٧٦، ٢٩٨.
٢٨  ج٢، ٧، ١٦٢، ١٧٧، ج٢، ٨، ١٨٣، ١٨٩، ١١، ٢٦٧.
٢٩  ج٢، ٣، ٥٤، ٥٦-٥٧، ج٢، ٤، ٧٣–٧٦، ٧٩.
٣٠  ج٢، ٢، ٢٥، ٢٧–٢٩، ٤٦-٤٧، ج٢، ٥، ١٠٤، ج٢، ٦، ١٣٦، ١٣٩.
٣١  ج٢، ٧، ١٥٨، ج٢، ٨، ٢٢٢.
٣٢  ج٢، ٥، ١٣٠.
٣٣  انظر هذا المجلد الثالث، الإبداع، الجزء الأول، التكوين، الفصل الأول، نقد علم الكلام.
٣٤  ج٢، ٥، ١٢٨–١٣٠، ج٢، ٧، ٦٤.
٣٥  ج٢، ٢، ٢٦، ٣٩-٤٠، ٤٩–٥١، ج٢، ٣، ٦٠، ج٢، ١٢، ٤٦٠-٤٦١، ج٤، ٨٢.
٣٧  في بيان حسن طاعة الجن لرؤسائها وملوكها ج٢، ٨، ٣٠٦–٣٠٩. في كيفية وصول الآلام إلى النفوس الشريرة بعهد مفارقة أجساده وكيف تكون من جنود إبليس أجمعين ج٣، ١٦، ٨١–٨٣.
٣٨  ج٢، ٤، ٦٥، ج٢، ٥، ١١٦٧، ١٢٥–١٢٩.
٣٩  وقد سقطت الملائكة من الوعي العلمي الغربي وبقيَ العلم في حين سقط العلم من وعينا الثقافي العربي وبقيت الملائكة.
٤١  السماع الطبيعي (٣٣٠ص)، النفس (٢٣٧)، الكون والفساد (١٢٥)، السماء والعالم (٧٧)، المعادن والآثار العلوية (٧٧)، الأفعال والانفعالات (٦٦).
٤٢  فالفن الأول في الأمور العامة في الطبيعيات. والفن الثاني في معرفة السماء والعالم والأجرام والصور والمحركات الأولى في علم الطبيعة والأجسام غير الفاسدة والفاسدة، أي البحث عن العلل الأولى. والفن الثالث في عالم الكون والفساد وعناصره. ثم الفن الرابع في أفعال الكيفيات الأعلى وانفعالاتها والأمزجة المقولة عنها. ثم الفن الخامس في الأمور الكائنة مثل الجماد وما لا حسَّ له ولا حركة إرادية، ثم الأمور الكائنة الحية مثل النبات والحيوان. ولما كان تجوهر الذوات في صورة هي النفس، ومادة وهو الجسم والأعضاء، كان الحديث عن النفس أولًا النباتية ثم الحيوانية ثم الإنسانية، الشفاء، النفس ص١-٢.
٤٣  يحال إلى ديموقريطس وأنبادقليس وزينون الرواقي وأفلاطون وخاصة أرسطو، انظر المجلد الثاني «التحول» بأجزائه الثلاثة: العرض، والتأليف، والتراكم.
٤٤  «وإذ قد فرغنا بتيسير الله وعونه مما وجب تقديمه في كتابنا هذا وهو تعليم اللباب من صناعة المنطق فحريٌّ بنا أن نفتتح الكلام في تعليم العلم الطبيعي على النحو الذي تقرر عليه، رأينا وانتهى إليه نظرُنا، وأن نجعل الترتيب في ذلك المقام مقارنًا للترتيب الذي تجري عليه فلسفة المشائين فنشدِّد فيما هو أبعد عن البداية والنظر الأول والمخالف فيه أبعد من الجاحد. ونتساهل فيما نفس الحق تكشف صورته وتشهد على المخالف بمرائه وجحده وألَّا يذهبَ عمرُنا في مناقضة كل مذهب أو العدول عن الاقتصاد في مناقضته على البلاغ. فكثيرًا ما نرى المتكلمين في العلوم إذا تناولوا بنقضهم مقالةً واهية أو أكبوا بيانهم على مسألة يلحظ الحق فيها عن كثب نفضوا كل قوة، وحققوا كل قسمة وشردوا كل حجة. فإذا تلججوا في الشكل وخلصوا إلى جانب المشتبه فردوا عليه صفحًا. ونحن نرجو أن يكون وراء ذلك سبيل مقابلة لسبيلهم ونهج معارض لنهجهم، ونجتهد ما أمكن في أن ننشر عمن قبلنا الصواب، ونعرض صفحًا عما نظنهم سهُوا فيه. وهذا هو الذي صدَّنا عن شرح كتبهم، وتفسير نصوصهم؛ إذ لم نأمن الانتهاء إلى مواضع يظن أنهم سهوا فيها فتضطر إلى تكلف اعتذار عنهم أو اختلاف حجة وتحملها لهم أو إلى مجاهرتهم بالنقض. وقد أغنانا الله عن ذلك، ونصب له قومًا بذلوا طوقهم فيه وخسروا كتُبهم. فمن اشتهى الوقوف على ألفاظهم فشروحهم تهديه، وتفاسيرهم تكفيه. ومن نشط للعلم والمعاني فسيجدها في تلك الكتب منثورة وبعض ما أفاده مقدار بحثنا مع قصر عمرنا في هذه الكتب التي عملناها وسميناها كتاب «الشفاء»، أي وتأييدنا ومحجوعًا، والله عصمتنا. من هنا نشرع في غرضنا متوكلين عليه.» الشفاء، الطبيعيات، ص٣-٤.
٤٥  انظر دراستنا «ابن رشد بين الأشعرية والظاهرية»، المعهد العالي للدراسات الإسلامية، كلية المقاصد الإسلامية، بيروت ١٩٩٩م.
٤٦  ينقسم إلى أربع مقالات: (أ) في الأسباب والمبادئ للطبيعيات (٧١ص) (ب) في الحركة وما يجري معها (٩٥ص) (ج) في الأمور التي في الطبيعيات من جهة ما لها كم (٨٤ص) (د) في عوارض هذه الأمور الطبيعية ومناسبات بعضها مع بعض والأمور التي تلحق مناسباتها (٧٣ص)، الشفاء، الطبيعيات، ص١١٥.
٤٧  أبو الهذيل العلاف (٢٣٤ﻫ) أول مَن قال بالجزء الذي لا يتجزأ في حين رفضَه تلميذه النظام (٢٣١ﻫ)، وقال بالكمون والطفرة. وكلاهما أراد نقض المبادئ الأرسطية. فالمتكلمون كانوا ينقضون الوافد لصالح الموروث.
٤٨  الموروث من الكندي والفارابي وقسطا بن لوقا والرازي من الأطباء.
٤٩  في الإبصار (٧٢ص)، النفس الناطقة (٥٧)، في الحواس الباطنة (٣٤)، الحواس الظاهرة (٢٣٢)، جوهر النفس (٣٠).
٥٠  البصر عشرة أضعاف السمع، ١٢ مرة مثل اللمس، ١٨ مرة مثل الشم، ٣٠مرة مثل الذوق. فالذوق أقلها، ثم الشم (٤)، تم اللمس (٦)، ثم السمع (٧).
٥١  وقد أثر ذلك في بسكال وديكارت وليبنتز.
٥٢  الشفاء، النفس، ص٤٥.
٥٣  الشفاء، النفس ص٣٧.
٥٤  السابق ص١١٨-١١٩، ١٨٧.
٥٥  السابق ص٢٣٢.
٥٦  «وقد تكلمنا في كتبنا الطبية في أسباب الاستعدادات الأشخاص المختلفة بجبلتها وبحسب اختلاف أحوالها للفرح والغم والحلم والحقد والسلامة وغير ذلك كلامًا لا يوجد للمتقدمين ما جرى مجراه في تفصيله وتحصيله فليقرأ من هناك.» السابق ص١٧٨.
٥٧  يتكون الكتاب من تسع عشرة مقالة غير متساوية، أكبرها الثانية عشرة (٨١ص)، وأصغرها الحادية عشرة (١ص).
٥٨  الشفاء، الحيوان، ص٨-٩.
٥٩  «ولنتكلم الآن في الحيوان محتذينَ في جميع هذا الكتاب حذوَ التعليم الأول إلا في تشريح أعضاء الإنسان فإنَّا نؤثر أن نجمعَ التشريح والمنفعة في موضع واحد في أشياء قليلة ونقصَّ من الأخبار ما أفيض فيه، ونورد من الكلام النظري ما يليق برأينا وميضًا لهذه الفنون.» الشفاء، الحيوان ص١.
٦٠  السابق، ص٢.
٦١  وذلك مثل فينومينولوجيا الجسد في الفلسفة المعاصرة وعلم النفس الحيواني في الغرب.
٦٢  وذلك مثل هدوء الطبع وقلة الغضب والخرق للبقر، وشدة الجهل بعد الغضب للخنزير البري، والحلم والجزع عند البعير، ورداءة الحركة والاغتيال عند الحية، والجرأة والقوة والشهامة وكبر النفس والكرم عند الأسد، والقوة والاغتيال والوحشية عند الذئب، والاحتيال والمكر ورداءة الحركة عند الثعلب، وشدة الغضب والسفه والتملق والتودد عند الكلب، وشدة الكياسة والاستئناس عند الفيل والقرد، والحياة والحفاظ عند الإوز، والحسد والنفور والمباهاة بالجمال عند الطاووس، وشدة الحفظ عند الجمل والحمار، وتذكر المنسي عند الإنسان.
٦٣  كما هو الحال عند فرويد في علم النفس الغربي.
٦٤  الحيوان ص٦-٧، ١٤، ٩٣، ١١١، ١٣٧.
٦٥  فالإناث أطوع وأقبل للرياضي وأنسى وأجزع وأضعف ما خلا الذئب والفهود. وذلك أيضًا في الإنسان. فالنساء أرقى وأبكر وأحسد وألج وأسب وأبغَى وأجزع وأوقح وأكذب وأمكر وأنيل للمكر وأذكر لمحقرات الأمور، وأرقى وأكسل وأقوم بالتعهد وأقل حماية للبيضة.
٦٦  الشفاء، النفس، ص١-٢، ٦٨.
٦٧  ابن سينا، النجاة، ص٩٨–١٩٣.
٦٨  السادسة (٣٧ص)، الثانية (٣٠)، الثالثة (٢١)، الرابعة (١٠)، الأولى (٧)، الخامسة (٦).
٦٩  الأول (١١٦ص)، الثاني (١٧١)، الثالث (١٠٧).
٧٠  «هذه إشارات إلى أصول وتنبيهات على جمل يستبصر بها مَن تيسر له ولا ينتفع بالأصرح منها مَن تعسر عليه والثكلان على التوفيق، وأنا أعيد وصيتي، وأكرر التماسي أن يضنَّ بما تشتمل عليه هذه الأجزاء كل الضن على مَن لا يوجد فيه ما اشترطه في أخذ هذه الإشارات.» الإشارات ج١، ٨.
٧١  السابق ص٨.
٧٢  ابن سينا: عيون الحكمة ص١٦–٤٦.
٧٣  السابق، ص٢٠-٢١، ٢٣-٢٤.
٧٤ 
ابن سينا، النجاة، ص١٦٨، ١٨٢.
٧٥  «وقد شاهدنا أن المريخ كسفَ المشتري ثم خرج من تحته في القران التالي لسنة خمسمائة للهجرة، فلما ماسه أو قارب ذلك رُئيَ لها شكل مستطيل منحني الطرفين.» مؤلفات ص١٠.
٧٦  الموروث من الكندي والفارابي وقسطا بن لوقا والرازي من الأطباء.
٧٧  دخلت من قبل أعمال ابن باجه وشروحه على السماع الطبيعي والآثار العلوية والكون والفساد والحيوان في المجلد الأول، النقل، الجزء الثالث، الفصل الأول، الشرح: ابن باجه: السماع الطبيعي ص٧-٨.
٧٨  ابن باجه، النفس، ص١٧٧؛ الوحدة والواحد، ص٢٤١؛ نظر آخر، ص١٧٣؛ تعليقات باري أرمنياس، ص٢١-٢٢.
٧٩  «والباري عز وجل والروحانيون من الملائكة وجودهم عالٍ عن المكان وعن أن يكونوا في داخل أو خارج.» عيون الحكمة، الطبيعيات ص٧. «والثانية قوة وحدة نحو النظر والفعل الخاص بالنفس وجهها إلى فوق وبها ينال الفيض الإلهي.» السابق، ص٣٣-٣٤.
٨٠  «بل وجود جوهر الفلك من أمر الباري، وهو على سبيل الاختراع والإبداع. وهذا لا ينافى الكتاب العزيز فإن الكتاب دل على أن الفلك كالدخان. فهذا يدل على أن جوهر السماء كان على حال أخرى اختراعية إلا أنه كان على صورة أخرى طبيعية.» في الأجرام العلوية، تسع رسائل ص٥٦. «وأما حركته المستديرة على سبيل التسبيح لأمر الله تعالى أمره ولا يمكن أن يتحرك بالاستقامة البتة … التحريك المستدير في الموضوع الطبيعي طاعة لأمر الله تعالى.» السابق ص٥٧.
٨١  «لا نقول الذي قالوه، ولا الجواب الذي أجبنا به من جنس الكلام البرهاني.» الشفاء، الطبيعيات، ص٢.
٨٢  ابن باجه: النفس ص١٧٧، الوحدة والواحد ص٢٤١، انظر آخر ص١٧٣ تعليقات باري أرمنياس ص٢١-٢٢.
٨٣  لذلك يمكن اعتبار ابن سينا هيجل المسلمين قبل ابن عربي في التصوف.
٨٤  الشفاء، الإلهيات ص٥٢–١٦٠.
٨٥  «جوهرية الكيف في العلم الطبيعي وبعض الشبهات في الطبيعيات أي إمكانية التحيز وترك الأمور العامة والانشغال بالوجود.» السابق، ص٥٧، ٩٤، ١١٢.
٨٦  «وكل هؤلاء يتقلدون مبادئهم وأصولهم تقلُّدًا لفقيه مبدأَه وهو جود المعلم بنص الكتاب وخبر الرسول والإجماع والقياس عن المتكلم. فإن حاول الفقيه تصحيح هذه الأصول فليس بما هو فقيه ولكن بما استحال متكلمًا. كذلك الطبيعي يتقلد عن الإلهي حال مبدأ الأجسام التي هي الهيولى والصورة ثم يبني بعد ذلك.» الأجرام، تسع ص٤٢.
٨٧  لذلك ترد المسألة السابعة من أجوبة البيروني إلى برهان الدور، أجوبة البيروني، ص١٣٨.
٨٨  ابن سينا: الأجرام، تسع ص٤٩–٥٤.
٨٩  وهذا هو تيار الدين الطبيعي المتفق مع الفطرة عند لسنج، دين الوحي ودين العقل ودين الطبيعة شيء واحد. لسنج: تربية الجنس البشري، دار الثقافة الجديدة، القاهرة ١٩٧٧م.
٩٠  السابق، ص٤٣–٤٧.
٩١  جواب الشيخ الرئيس على سؤال إلى حسين أحمد السهل عن علة قيام الأرض وسط السماء، ص١٥٢–١٦٤.
٩٢  وهذا جديد بالنسبة لليونان، وأقرب إلى روح الفلسفة الغربية من ديكارت عبر كانط حتى برجسون وهوسرل.
٩٣  الفصل الثامن، في السبب الذي يقع به النفس التعجب والاستنكار لقيام الأرض بغير مثل في الوسط وقيام الحيوان عليه من كل جانب ص١٦١-١٦٢.
٩٤  «كل مالم يرَ له الوهم مثالًا وكان جميع ما يرى بخلافه فهو مستنكر متعجب من غير مصدق به في الوهم. إذا رأى الوهم بتوسط الحس أشياء على هيئة رؤية مستمرة متكررة ولم يرَ البتة خلافًا لذلك لم يصدق بخلافه البتة.» السابق ص١٦٠.
٩٥  «وفي تمييز أفاعيل هذه القوى بعضها عن بعض صعوبة عظيمة في التحرز عن الغلط ومجانبة الزيغ. وقد بلغت فيما صنفته في المنطق مبلغًا في ذلك لم يبلغْه أحدٌ من الأوائل، فالله المستعان.» علة قيام الأرض، ص١٦١-١٦٢.
٩٦  جامع ص١٢٠–١٥١.
٩٧  السابق ص١٤٤.
٩٨  وهي ثماني عشرة مسألة وجَّهها الفقيه المعصومي، عشر ثم ثمانٍ. أكبرها المسألة الأولى ثم الخامسة من العشرة، والخامسة من الثمانية.
٩٩  «وأنا أُورد ما سألت عنه بلغتِك ثم أُتبع كلَّ مسألة الجواب عليها أجوبة البيروني.» السابق، ص١٢٠.
١٠٠  العشق ص٣، ١٠، ١٦.
١٠١  مثل: هذا خلف، والعكس غير جائز، يرجع في التحصيل إلى برهان الدور، والنظم منتج والنتيجة صحيحة، من هذه المقدمات تبين، وإذا نقلنا النتيجة إلى القياس الشرطي المنفصل، ونضيف إلى هذه المقدمة مقدمة صغرى. السابق ص١٢١، ١٢٥، ١٣٨.
١٠٢  السابق ص٢٣.
١٠٣  هذا ما قام به فيتزكر ودريش ودلتاي وجولد شتين وبرنتانو وبرجسون وهوسرل وأوكن وكل فلاسفة الحياة في الفلسفة الغربية.
١٠٤  وقد تم هذا التحول من زينون إلى برجسون في الفلسفة الغربية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤