ثانيًا: النفس الطبيعية

وتعني النفس الطبيعية، النفس الفزيولوجية، النفس المادية، النفس في علاقتها بالبدن، كوظيفة من وظائف الكائن الحي. النفس تبزغ من البدن وتظل به، وتفنى بفنائه.

(١) غياب النفس الطبيعية (الكِنْدي)

ولم يتعرض الكِنْدي إلى النفس البدنية إلا قليلًا في رسالته «في ماهية النوم والرؤيا» أطول رسالة في النفس، موضوعها البحث عن الماهيات ويعتبرها الكِنْدي من لطيف العلوم الطبيعية مما يدل على أن النفس موضوع طبيعي وليس علمًا إنسانيًّا مستقلًّا، والنظرة إلى الإنسان نظرة طبيعية، ويظهر موضوع القوة والفعل باعتبارهما حالتَين للنفس. كما يضع إخوان الصفا تقابلًا بين الأخلاط الأربعة والأمزجة الأربعة.

(٢) قوى النفس الطبيعية (الفارابي)

ويصعب الفصل بين النفس الطبيعية والنفس العاقلة والنفس الأخلاقية والنفس الخالدة عند الفارابي؛ إذ إن قوى النفس خمس على التراتب من أدني إلى أعلى: الغاذية، والحاسة، والمتخيلة، والنزوعية، والناطقة.١ الغاذية هي النفس الطبيعية، والحاسة والمتخيلة هي النفس العاقلة، والنزوعية هي النفس الأخلاقية، والناطقة هي النفس الخالدة. يصعب الفصل بين النفس كظاهرة طبيعية (الحواس) وظاهرة إنسانية (الإرادة)، وظاهرة إلهية (الإلهام). والغاذية لها أول: مثل الخبز واللحم، ووسط: مثل ما منه الدم في المعدة، وآخرها: اللحم والعظم. وينقسم وسط الغاذية الذي منه الدم في المعدة إلى سبعة أقسام: الراضخة، والمنحية، والمولدة، والجاذبة التي تجذب من مكان إلى مكان، والماسكة التي تحفظه في وعاء، والمميزة التي تميز الغذاء من الفضلات، والدافعة التي تدفع الفضلات. وتنقسم المولدة إلى قسمين، مادية للأنثى وصورية للذكر. فعلاقة الأنثى بالذكر علاقة المادة بالصورة. وتنقسم قوى الحس إلى الخمس المعروفة للجميع. أما القوة المتخيلة فوظيفتها حفظ رسوم المحسوسات في غيبتها، تتركب وتنفصل. بعضها صادق وبعضها كاذب. وتعمل في اليقظة وفي النوم.

ويتكرر حدس الخادم والمخدوم في قوى النفس عودًا من الإشراق إلى الفزيولوجيا، ومن الأخلاق إلى علم النفس، فالنفس الغاذية لخدمة البدن، والحس والمتخيلة لخدمة الناطقة. فالخدمة قد تكون بالجملة، اثنان خادمًا لواحد، والكل خادم للأعلى، والناطقة العلمية لخدمة الناطقة النظرية. النظر هو الهدف الأسمى وليس العمل على عكس أصول الفقه وميزان العمل. النظرية لا تخدم أحدًا بل هي الطريق إلى السعادة.

ويبدو أن الفارابي يتحدث عن النفس كميًّا وليس كيفيًّا. يتناول أجزاء النفس أو قوى النفس مع أن القوة كيفية وليست كمية٢ وفي نفس الوقت هناك طبٌّ عقلي صوري قد لا تؤيده التجربة، فهل غذاء اللحم يذهب إلى اللحم، والعظم يذهب إلى العظم؟ وإذا كان خضارًا فأين يذهب؟ ويمكن تأويل ذلك طبًّا تجريبيًّا. فاللحم يذهب إلى ما يحتاجه الجسم من بروتين، والعظم بما فيه من كالسيوم يذهب إلى العظم، والخضار إلى الدم لما فيه من «فيتامينات».

وفي قسمة ثنائية أخرى بين النفس والعقل تظهر النفس الطبيعية كمزاج للإنسان أقرب إلى الاعتدال في اختلاط العناصر الأربعة حتى يكون أكثر استعدادًا لقبول النفس الناطقة.

وللنفس آلات للفعل، آلات جسمانية بالإضافة إلى آلة للعقل لا جسمانية وهو العقل. فالعقل آلة لا جسمانية للنفس، والقوى الناطقة ليست في جسم وليست لها آلة. والسؤال هو: كيف تكون الروح من جملة أجزاء البدن وهو آلتها؟ وكلُّ حسٍّ يقوم بوظيفة، ولكن الإدراك العقلي ليس له آلة جسمانية بل الروح الإنسانية تتلقَّى المعقولات. الحس من عالم الخلق، والعقل من عالم الأمر. وما فوقها سرٌّ يُكشف. كما أن البدن من عالم الخلق والروح من عالم الأمر. وهي قسمة فقهية، الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية، وقسمة صوفية وفلسفية بين الكون والإنسان، بين الطبيعة والإرادة.٣

وفي قسمة أخرى يضع الفارابي النفس الطبيعية في بنية ثنائية، الحواس والروح، العلن والسر، الظاهر والباطن، العلن الظاهر الأعضاء والحواس، والسر الباطن قوى الروح، وهو لفظ قريب من معنى النفس.

وللروح قوى خمس يشارك الإنسان فيها غيره. وهي نظرية «الإدراك»، وعملية «الفضائل»، والإدراك إما حيواني ظاهر كالحواس الخمس أو باطني في الوهم أو إنساني. والعمل إما إنشائي مهمته التوليد كما هو الحال في النبات أو حيواني لجلب النفع ودفع الضرر بدافع الخوف أو إنساني في الاختيار. والإدراك مثل صورة الشمعة. والخاتم ثم وجود النقش مع غياب الخاتم. وبناء المحسوسات بعد غياب المنبه يتوقف على الشدة والزمان.٤
ويسمي الفارابي هذه المرة الحواس الباطنية المشاعر الباطنة، وهي خمس مراتب من أدنى إلى أعلى: المصورة في مقدم الدماغ تُثبت صور المحسوسات بعد غياب موضوعات الحس. والوهم إدراك من المحسوس ما لا يحس، مثل إدراك الشاة عداوة الذئب. والحافظة خزانة الوهم كما أن المصورة خزانة الحس. والمتخيلة إعادة ترتيب الخزانتين إذا استعملها الخيال. والمفكرة إعادة ترتيب الخزانتين إذا استعملهما العقل.٥

وفي هذه الثنائية يتم وصفُ عمل الحواس عضويًّا وفي نفس الوقت الحديث عن الروح خرافيًّا وأسطوريًّا.

وما زالت النفس الطبيعية وثيقة الصلة بنظرية المعرفة نظرًا لتحليل الحواس الظاهرة والباطنة، وبنظرية الوجود نظرًا لتحليل الجسم في العالم.٦ والحس لا يدرك لأن الإدراك عملية معقدة تحتاج إلى كم ووضع وكيف وأين. والحس لا يعطي إلا الصورة الحسية، هناك إذن فرقٌ بين الانطباع الحسي والإدراك. الأول خارجي والثاني داخلي. وبالنسبة للحواس الباطنة تكون المحسوسات مخلوطة بعد غياب المنبهات الحسية. والروح العامي ضعيف، لا يجمع بين الحسَّين الظاهر والباطن. إذا مالت إلى الظاهر تحت وطأة الدنيا غابت عن الباطن. وإذا مالت إلى الباطن أيضًا تحت وطأة الدنيا وهروبًا منها غاب عنها الظاهر. وتختل الحواس فيها إذا اعتمدت على مشعر غائب عن الآخر. يختل البصر والسمع، ويشغل الخوف عن الشهرة، وتشغل الشهوة عن الغضب، وتصد الفكرة عن الذكر، ويبعد التذكر عن التفكر. والحقيقة أن قسمة الروح إلى قدسي وعامي مثل قسمة الناس إلى خاصة وعامة، وهي القسمة الشائعة في كل العلوم النقلية والعقلية.
ويفصل الفارابي أجزاء النفس وقواها في الجزء الثالث من «آراء أهل المدينة الفاضلة» بعد الله والعالم وقبل الاجتماع. ويتناول ستة موضوعات: أجزاء النفس وقواها اعتمادًا على التحليل، كيف تصير هذه القوى والأجزاء نفسًا واحدة اعتمادًا على التركيب، والقوة الناطقة، والفرق بين الإرادة والاختيار في السعادة مما يدخل في النفس الأخلاقية، وسبب المنامات، والوحي ورؤية الملك مما يدخل في النفس الخالدة.٧

وتظهر قوى النفس بمجرد ظهور الإنسان في نظرية الفيض. فالإنسان هو قوى النفس أي الوعي مثل حي بن يقظان عند ابن سينا وابن طفيل، وهي أربعة: الأولى الغاذية والثانية الحاسة. وهي خمس: اللمس للحرارة والبرودة، والذوق للطعوم، والشم للروائح، والسمع للأصوات، والبصر للألوان، والثالثة المتخيلة، حفظ ما يرتسم في النفس من المحسوسات بعد غيبتها من مشاهدة الحواس، تركبها وتحللها، بعضها كاذب وبعضها صادق. وبها نزوع نحو ما يتخيله، والرابع الناطقة لعقل المعقولات والتمييز بين الجميل والقبيح، وحيازة الصناعات والعلوم، وبها نزاع نحو ما يعقله، وهي أعلى ما في الإنسان.

والنفس غذاء أولًا قبل أن تكون حسًّا وخيالًا ونطقًا مما يدل على أهمية الخبز. وبعد الغذاء يأتي الحس أولى درجات الوعي. ومع الحواس ينشأ النزوع والاشتياق أو الكراهة والنفور. فهناك بُعْد نفسي للحواس وتضم القوة الحاسة الحواس الخمس المتفرقة في أعضاء الحس. كل حاسة تنقل خبرًا في ثقافة الرواية والسماع. وكلها ترتبط بحاسة رئيسية، القلب. والقوة المتخيلة ليس لها مواضع متفرقة بل هي واحدة في القلب لحفظ المحسوسات بعد غيبتها عن الحس وحاكمة عليها، تفردها وتركبها. والخيال إما تخيُّل شيءٍ مضَى أو متوقع أو تمنٍّ (دون ارتباط بالإحساس)، أو تخيُّل ما يرد من الإحساس (الخوف أو الأمل) أو من النطق. فالتخيل نزوع ومرتبط بالانفعالات.

والقوة النزوعيَّة وظيفتها الاشتياق والكراهة مستقلة عن الحس والنطق وهي القوة الإرادية التي تنزع نحو الإدراك الذي قد يكون بالحس أو التخيل أو النطق. والقوة الناطقة لا واضع لها مثل المتخيلة. وهي رئيسة الكل. والقوة الفكرية هي التي يكون بها الفكر والروية والتأمل والاستنباط.٨

ويلاحظ ارتباط النزوع بالحواس مع أن النزوع ميلٌ، أي اتجاه وقصد وليس مجرد انطباع حسي. فالقوة النزوعية عملية وليست إدراكية. قد تؤدي العلم أو العمل. وقد تؤثر في البدن أو في أحد أعضائه بمعاونة الأعصاب والعضلات والأعضاء. وكلها آلات جسمانية خادمة للقوة النزوعية التي في القلب مركز الإحساس والرغبات. والمتخيلة جزء من قوى النفس الباطنة الخمس في مقابل الحواس الخمس الظاهرة. وكيف تحكم على القوى الحسية وهي ناشئة منها؟

ويتم تحليل شعاعات البصر دون صياغة نظرية في الرؤية والشعاع المزدوج بين الذات والموضوع.٩ ولا يبيِّن الفارابي إن كان ترتيب الحواس له دلالة، اللمس فالذوق فالسمع فالبصر كما هو الحال عند المتكلمين، وإعطاء الأولوية للسمع والبصر على اللمس والذوق والشم ثم إعطاء الأولوية للسمع على البصر، والحكمة في ازدواجية القوة الناطقة والقوة الفكرية أن الأولى إمكانية والثانية تحقق. الأولى مادة والثانية صورة. فإذا كانت الناطقة ما زالت مرتبطة في النزوع فإن الفكرية تتجاوزه إلى المنطق الخالص وطرق الاستدلال. وإذا ما تعلقت القوة الناطقة بالنزوع فإن القوة الفكرية ميدان العقل الخالص. ويظل السؤال: كيف تكون القوة الناطقة قمة التطور وأعلى ما في الإنسان والفيض ينزل عليها من أعلى إلى أسفل مع أنه عند الإنسان يبدأ التطور صعودًا من أسفل إلى أعلى، من الغاذية إلى الحاسة إلى المتخيلة إلى الناطقة فينقلب الفيض صعودًا؟

وتنقسم النفس إلى نباتية وحيوانية وإنسانية عند الفارابي وابن سينا. ويفصل ابن سينا الحاستَين المتحركة والناطقة، والحواس الداخلية والخارجية، والحركة الإرادية والنزوعية والناطقة وأنواع العقول. قوى النفس ثلاثة: النامية والمدركة والمحركة للأعضاء. وتشمل النامية الغاذية والمريبة والمولدة. وتشمل المدركة الحواس الظاهرة والحواس الباطنة: الحافظة (المصورة)، والمتوهمة، والمتخيلة، والمتذكرة، والمفكرة. وكلها قوًى غير مفارقة.

ولكلٍّ منها واقع وخوادم طبقًا لتصور العلاقة بين الأعلى والأدنى بالسيد والخادم، والرئيس بالمرءوس. الغاذية مرءوسة والحاسة رئيسة، والحاسة مرءوسة والمتخيلة رئيسة، والمتخيلة مرءوسة والناطقة رئيسة. كل قوة متوسطة رئيسة لما دونها ومرءوسة لما هو أعلاها إلا الرئيسة الأولى، أي الناطقة والمرءوسة الأخيرة أي الغاذية. والسؤال هو: لماذا تصور العلاقة رأسية باستمرار بين الأعلى والأدنى وليست أفقية بين الأمام والخلف؟١٠

ويقوم على الفكر التشبيهي، الأعصاب بنوعَيها للحس والحركة، والشرايين أرضية بالطبع كالأودية والأنهار. والبدن مثل المجتمع له رئيس ومرءوس. وهناك خلاف بين جالينوس وأرسطو في الرياسة، القلب أم الدماغ. فهل القلب ينبوع النزوع ورئيس الدماغ. والقلب هو مركز الدم للقوى الغاذية؟ وكل قوة لها رئاسات داخلية وروافع وخدم. للغاذية الفم والمعدة، وللقلب الكبد والطحال والمرارة والكلية والمثانة، والسؤال هو: كيف تقوم الأعضاء بوظائفها إذا تم استئصالها؟

وبالرغم من تعدُّد قوى النفس إلا أنها واحدة عن طريق التراتب. فعلاقة كل قوة سفلى بالقوة العليا علاقة المادة بالصورة، وعلاقة كل قوة عليا بالقوة الدنيا علاقة الصورة بالمادة. الغاذية مادة للحاسة، والحاسة صورة للغاذية. الحاسة مادة للمتخيلة، والمتخيلة صورة للحاسة. المتخيلة مادة للناطقة، والناطقة صورة للمتخيلة. وبين الطرفين، المادة الخالصة مثل الحاسة، والصورة الخالصة مثل الناطقة. أما النزوعية فإنها تابعة للحاسة والمتخيلة والناطقة مثل وجود الحرارة في النار.

ويوجد نفس الترتيب في البدن. فالقلب هو الرئيس ثم الدماغ. القلب مثل صاحب الدار، والإنسان يخدمه ويخدم سائر الأهل. القلب ينبوع الحرارة الغريزية إلى سائر الأعضاء. وإليه ترد الروح الحيواني الغريزي والعروق والدماغ. يعدل الحرارة التي تعمل من القلب إلى الأعضاء حتى تصل إليها ملائمة لها. والأعصاب صنفان: آلات لروافع القوة الحساسة التي في القلب أن يحسَّ كلُّ واحد الحسَّ الخاص به، وآلات الأعضاء التي تخدم القوة النزوعية في القلب للحركة الإرادية، أي أعصاب الحس إلى مراكز الحس وأعصاب الحركة إلى العضلات. والدماغ يخدم القلب في رفد أعصاب الحس ما يبقى به قواها ورفد أعصاب الحركة. ومفارز الأعصاب في النخاع، والنخاع بالدماغ.

ولما كانت الأعصاب بنوعَيها للحس والحركة أرضية بالطبع، سريعة القبول للجفاف احتاجت إلى أن تبقى رطبة إلى لدانة مؤاتية للتمدد والتقاصر، وكانت أعصاب الحس محتاجة إلى الروح الغريزي الذي ليست فيه دخانية وهو حال الروح الغريزي في الدماغ. ولما كان القلب مفرط الحرارة ناريها لم يجعل مفارزها فيه حتى لا يُسرع إليها الجفاف فتتحلل وتبطل قواها. لذلك جعلت مفارزها في الدماغ وفي النخاع لأنهما رطبان تنفذ في الأعصاب رطوبة تبغيها لدنة، وتستبقي بها القوى النفسانية. وبعض الأعصاب يحتاج إلى رطوبة نافذة فيها مائية غير لزجة، وبعضها محتاج إلى لزوجة. الأولى في الدماغ والثاني في النخاع. وما احتاج إلى رطوبة قليلة كانت مفارزها أسفل الفقار والعصعص. وبعد الجهاز العصبي يأتي الجهاز الهضمي، بعد الدماغ الكبد ثم الطحال ثم أعضاء التوليد. وتشتغل قوى أعضاء الجسم وتتصل فيما بينها الاتصال مثل اتصال الأعصاب بالدماغ والنخاع. وله طريق ومسيل مثل الفم والرئة والكلية والكبد والطحال للجهاز الهضمي (القوة الغاذية). وأول ما يتكون من الأعضاء القلب ثم الدماغ ثم الكبد ثم الطحال ثم باقي الأعضاء، ومنها أعضاء التوليد وهي أكثرها تأخرًا.١١

يجمع الفارابي بين علم النفس والفزيولوجيا ووظائف الأعضاء والتصور الإشراقي في نظرية الاتصال بالعقل الفعال فيما بعد. وقد تتجلى نظرية الفيض في الفزيولوجيا، فيض القلب على الأعضاء حرارته الغريزية مما يضع سؤال أصل نظرية الفيض، هل هي إلهية كونية أم نفسية اجتماعية. يبدو الفارابي طبيبًا، مؤسسًا للطب الفلسفي بما لديه من معلومات عن البدن والأجهزة العصبية والهضمية دون ذكر لباقي الأعضاء مثل المعدة والفم والمريء والأمعاء في الجهاز الهضمي، وهل هي أعضاء ارتباط. وتدخل أعضاء التوليد في الجهاز العصبي والهضمي. ويعتبرها الفارابي أكثر تأخرًا في النشوء إسقاطًا لنظرة متطهرة على الجسم لأنها موطن الشهوة، والدماغ أعلاها لأنها موطن الحكمة. وربما هي في النهاية لعدم حاجة الإنسان إليها إلا متأخرًا بعد البلوغ. رياستها في البدن يسيرة بالرغم من حفظ الاثنين الحرارة الذكرية. يبدأ النشوء في الرحم حتى يصل إلى القلب والدماغ مرورًا بالكبد والطحال.

وقوة التوليد منها رئيسة ومنها خادمة. الرئيسة القلب والخادمة أعضاء التوليد. والقوة التي بها التوليد اثنتان: المادة التي منها يتكون الحيوان (الأنثى)، والصورة لذلك النوع من الحيوان (الذكر). علاقة الأنثى بالذكر علاقة المادة بالصورة. والعضو الذي يخدم مادة الحيوان هو الرحم. والعضو الذي يخدمه في إعطاء الصورة هو المني. المني في رحم الأنثى بمقابلة الدم يتحرك فتحدث أعضاء الإنسان وصورة كل عضو وصورة الإنسان. والدم المعد في الرحم هو مادة الإنسان، والمني محرك المادة التي تحصل فيها الصورة. الدم في الرحم مثل الأنفحة. ويتكون من دم الرحم كما يتكون الرائب عن اللبن الحليب، والإبريق من النحاس، ويتكون المني في الأوعية وهي العروق التي تحت جلد العانة. وهي نافذة إلى المجرى الذي في القضيب. والمني آلة الذكر. والآلات منها موصلة ومنها مفارقة. فاليد آلة الطبيب، والمبضع آلة اليد. والدواء آلة مفارقة. وقد يكون الطبيب غائبًا أو ميتًا. أما المبضع فمتصل. المني آلة للقوة المولدة ولكنه مفارق. وأوعية المني والانثيان آلة موصلة للبدن. العروق التي هي آلات المني بالنسبة للقوة الرئيسة التي في القلب مثل يد الطبيب التي بها الدواء، ويعطيه قوة محركة يحرك بها بدن العليل إلى الصحة. والعروق التي يستعملها القلب بالطبع آلات تعطي المني قوة يحرك بها الدم المعد في الرحم إلى صورة النوع.

وأول ما يتكون هو القلب. إذا ظهرت معه القوة الغاذية التي تعد المادة تكون سائر الأعضاء إلى أنثى. وإن حصلت القوة التي تعطي الصورة تكون سائر الأعضاء ذكرًا. وتظهر باقي الأعضاء في الأنثى والذكر بعد ذلك سواء. والقوتان الذكرية والأنثوية في الإنسان مفترقان في شخصَين، وفي النبات مقترنان في شخص واحد. فالنبات يعطي المادة والصورة، وقد يحدث الاقتران في الحيوان كذلك. وقد يحتاج إلى معونة خارجية مثل البيض وأجناس السمك الذي يلقي البيض فيتبعها الذكور، وتلقي الرطوبة لتصيب أي بيضة ينتج عنها حيوان، والباقي يفسد. والقوتان الذكرية والأنثوية متميزتان في شخصين. ولكل واحدة منهما أعضاء تخصه. وباقي الأعضاء مشتركان. ويشتركان في قوى النفس كلها سوى هاتين وما يشتركان فيه من أعضاء فإنه في الذكر أسخن، وفي الحركة أقوى. والعوارض النفسانية المائلة إلى القوة مثل الغضب والقسوة أضعف في الأنثى، وأقوى في الذكر. وما كان من العوارض مائلًا إلى الضعف مثل الرأفة والرحمة فإنه في الأنثى أقوى. وقد توجد صفات عوارض في الإناث وفي الذكور، وصفات الذكور في الإناث. أما في القوة الحاسة والمتخيلة والناطقة فلا فروق.١٢

يفصل الفارابي النفس المولدة دون النامية والغادية، فيكمل ابن سينا تفصيل الثلاثة فيما بعد. ولا توجد إحالة إلى أرسطو في «الطبيعيات الصغرى» أو أثر منه. ويركز على الفروق الفردية بين الذكر والأنثى في الأعضاء التناسلية دون فروق في القوى الحاسة والمتخيلة والناطقة مع أن الخيال والمنطق أقوى في الذكر. فالذكور هم غالبية الشعراء والعلماء والحكماء. والحب الجنسي بلا قلب ضعف، والحب القلبي بلا جنس قوة. فالقلب أول ما يتكون من الأعضاء. لذلك كانت له الرياسة في حين أن المخ لا يظهر إلا في الشهور الأخيرة.

وهناك قوة مشتركة بين الحس الظاهر والحس الباطن وهو ما يحدث أثناء النوم في الحلم بمجرد هدوء الوعي وغياب الحس، فيرى الإنسان حركته ويسيطر عليه. وإما أن يعجز ويسيطر عليه الخيال. رؤية أشباح وسماع أصوات بعدها يلوح شيء من الملكوت الأعلى فأخبر بالغيب. وقد لا تحتاج الرؤية إلى عبارة فتختزن في الحافظة. وقد تحتاج فتنتقل إلى المخيلة، ويظهر التعبير. تعبير الرؤيا إذن موضوع يتعلق بالحواس.

وقد يقرب ذلك من التفسير العلمي لولا الإشراق بالمعنى الغيبي وهو ما يعادل الحدس أو الإبداع بالمعنى العلمي مما يوقع التحليل العلمي في ثنائية متصارعة متطهرة توقع في السر الصوفي المسيحي وضياع العقل والبرهان. ويأتي هذا الجانب الإشراقي للفارابي من نفس المصدر الذي نهل منه إخوان الصفا بالرغم من نخبوية الفيلسوف وشعبية الإخوان.

(٣) النفس والروح (التوحيدي)

ويصعب تحديد النفس لنقصان التعريف. وعدم الاكتفاء بالرسم والوصف لا يفي بالغرض؛ لأنها ليس لها جنس ولا فصل. النفس مثل الله لا تدخل في جنس أو فصل وبالتالي يستحيل الحد.١٣ واللفظ الشعبي «النفس» يفي بالغرض طبقًا للحس الشعبي بعيدًا عن أقوال الفلاسفة وحيرتها. فخطؤها أكثر من صوابها. فقد حددها الحكماء بأنها مزاج الأركان، وتآلف الأسطقسات، وعرض محمول بذاته، وهوائية، وروح حارة، وطبيعة دائمة الحركة، وتمام الجسم الطبيعي ذي الحياة، وأخيرًا جوهر ليس بجسم ومحرك للبدن.
ويمكن تجميع هذه الأقوال كلها في أربعة من أسفل إلى أعلى: الأسطقسات الأربعة، والعرض، والجسم الطبيعي والجوهر. ومع ذلك البسيط لا يعرف.١٤ وأصعب شيء معرفة النفس. يمكن معرفة النفس بالنفس، عن طريق التصفية والأخلاق.١٥ والنفس قوة إلهية تؤدي إلى الله.١٦ وهي واسطة بين الطبيعة والعقل، الجسد ظاهر، والنفس باطن. والنفس محل الفكر والروية.
ويعرِّف أبو حيان النفس طبقًا لروايات الفلاسفة عدة تعريفات دون أن يحاول التأليف بينها مرة سلبًا ومرة إيجابًا، مرة في علاقتها بنفسها، ومرة ثانية في علاقتها بالبدن، ومرة ثالثة في علاقتها بالله. فالنفس جوهر لا عرض، حية قائمة موجودة، قابلة للأضداد، ليست بهيولى ولا بجسم، تعرف من الزمان في النوم واليقظة، وأشبه بالأمر الإلهي من البدن ولا تموت. تفعل بذاتها من غير حاجة إلى البدن.١٧ ويفصل أبو حيان بعض هذه الخصائص. فالنفس تقبل الأضداد مثل العلم والجهل، والبر والفجور، والشجاعة والجبن. وحركة النفس جزء من نظرية عامة للحركة. فالحركة إما داخلية أو خارجية، والداخلية في النفس أو الطبيعة، والخارجية في السهم أو في الجر.١٨
وهناك فرق بين النفس والروح. الروح جسم لطيف منبت في الجسد أما النفس الناطقة فإنها جوهر إلهي وليست في الجسد بل مدبرة له. والإنسان إنسان بالنفس وليس بالروح، وإلا لما كان هناك فرقٌ بينه وبين الحيوان. فالحيوان له روح ولا نفس له. أما النفس الشهوية والنفس الغضبية فإنهما أقرب إلى الروح منهما إلى النفس وإن كانت النفس الناطقة تدبرهما. ليس لكل ذي روح نفس في حين أن لكل ذي نفس روح.١٩ تغني الروح عن النفس في جنس الحيوان وليس في الإنسان. وتستغني النفس عن الروح نظرًا لأن الروح فعل النفس في البدن. الروح آلة النفس كما أن الجسم آلة الروح.

النفس تملُّ والبدن يكلُّ. يطلب البدن الراحة، وتطلب النفس إذا ملَّت الروح. يستفيد البدن بالحجام حين النصَب والضجر، وتطلب النفس الروح في حلة الملل والحرج. البدن كثيف النفس يرى بالعين. والنفس لطيفة البدن، لا توجد إلا بالعقل. النفس صفاء البدن والبدن كدر النفس. للنفس أمراض كأمراض البدن (ابن حبيب)، إلا أن فضل أمراض النفس على أمراض البدن في الشر والضرر كفضل النفس على البدن في الخير.

النفس ليست قائمة بذتها لأنها لا توجد إلا في الجسم المركب بالرغم من اعتراض أبي سليمان. هي في البدن على سعة. ليست النفس في حكم البدن ولا حالها اللائقة بها حال الكائن الفاسد (الصيمري).٢٠ وتقصر اللغة عن التعبير عن جوهر النفس. وأقصى ما قاله الفلاسفة هو تفصيل قواها المولدة والمقرة والمربية والغاذية.
والجسم له طول وعرض وعمق في حين أن النفس ليست جسمًا ولا عرضًا. لذلك تنشأ شبهة انحلال الرباط بين النفس والبدن وانحلالهما معًا.٢١
ويعطي أبو حيان عدة تشبيهات لعلاقة النفس بالبدن مثل علاقة الرئيس بالمرءوس. وأحيانًا تبدو النفس عالمًا متوسطًا بين الله والبدن. فالله رئيس النفس كما أن النفس رئيس البدن.٢٢ وعلاقة النفس بالبدن بمنزلة الصانع من الدكان، والأعضاء بمنزلة الآلات. فإذا انكسرت الآلات، وخرب الدكان فإن الصانع لا يقدر على عمله.٢٣
وهناك خلف في النفس والروح بين المسلمين واليونان. النفس أعلى من الروح عند المسلمين نظرًا لاتصال الروح بالجسم. وعند اليونان وفي التراث اليهودي المسيحي الروح أعلى من النفس نظرًا لارتباط النفس بالبدن (أرسطو).٢٤
والفرق بين نفس البشر الفردية وأنفس الحيوان مثل الفرق بين ضوء الشمس والشمس. التفرد في نفس الحيوان لا وجود له؛ لأنها ضعيفة وتابعة لأبدانها. الإنسان وحده هو الفرد. أما أنفس الحيوان فإنها ناقصة غير كاملة وضعيفة؛ لأنها لم تجد إلا الإحساس والحركات، لم يشعَّ فيها نور النفس الشريفة، ولم ينبت فيها شعاع العقل الكريم، فوجب أن تكون تابعة لأبدانها، جارية على مشارفها.٢٥

(٤) أحوال النفس (ابن سينا)

والنفس أول موضوع وآخر موضوع ألَّف فيه ابن سينا بينهما أربعون عامًا. النفس من طبيعيات «الشفاء» ومن «النجاة» وما يشابهها في رسالة «أحوال النفس».٢٦ وهو الذي فصل موضوع النفس وأكمله ونسق قواها النباتية والحيوانية والناطقة.
وتتراوح النفس عند ابن سينا بين المستوى الفزيولوجي والنفس الإشراقية الخالصة مع النفس الفلكية. فقوى النفس نوعان: تسخير واختيار. والتسخير طريقتان: متكثرة وهي النباتية وواحدة طبيعية وهي الحيوانية. والقصد والاختيار نوعان: متكثرة وهي النفس الإنسانية، وواحدة وهي النفس الفلكية.٢٧ فتتدرج النفس من أسفل إلى أعلى، من النباتية إلى الحيوانية إلى الإنسانية إلى الفلكية ضمن قوى النفس.
ثم يحذف ابن سينا النفس الفلكية في قسمة تفصيلية لأحوال النفس النباتية والحيوانية والإنسانية. وتنقسم النباتية إلى غاذية ومنمية ومولدة، والحيوانية إلى محركة باعثة وفاعلة، ومدركة من الخارج (الحواس الخمس) ومن الداخل (الحواس الداخلية الخمس) والإنسانية العالمة والعاملة. ويفصل ابن سينا الحواس الداخلية الخمس: الحافظة وهي الذاكرة، الوهمية وهي المعاني غير المحسوسة، والمتخيلة في الحيوان، والخيال كصورة في الإنسان، والفانطاسيا وهو الحس المشترك. ويفصل عمل الحواس بأنها تتم بإدراك أول ثم ثانٍ، تدرك ولا تفعل ثم تدرك وتفعل، وتدرك صور المحسوسات بالحس ومعاني المحسوسات بالعقل.٢٨ وكل مدرك بآلة، وإدراك النفس لا يكون بآلة.

وتنقسم الغاذية إلى الدافعة والماسكة والجاذبة والهاضمة. وتنقسم القوى المحركة إلى الشهوة والغضبية وهي النزوعية التي تصب مع الخيال في القوة المتخيلة. والشهوة الحيوانية والقوى الحافظة تصب في الوهم ثم إلى العقل العملي. والأخلاط الأربعة هي الرطوبة واليبوسة والبرودة والحرارة.

وهناك تقابل بين الفرد والمجتمع في قوى النفس. فالقوى المحركة في الحيوان غير الناطق هو الأخير المخدوم، والحواس الخمس الجواسيس، والقوة المتصورة صاحب البريد، والقوة المتخيلة الفيج الساعي بين الوزير وصاحب البريد، والقوة المتوهمة الوزير، والذاكرة خزانة الأسرار.

وفي رسالة «في القوى الإنسانية وإدراكاتها» تتم قسمة الإنسان إلى علن وهو الجسم وسر وهو الروح. وينقسم الروح إلى إدراك وعمل، ثم ينقسم الإدراك إلى حيواني وإنساني. وينقسم الحيواني إلى الحواس الخمس الظاهرة البصر والسمع واللمس والذوق والشم، والمشاعر الأربعة الباطنة، الوهم والحافظة والمخيلة والذاكرة. ثم ينقسم العمل إلى منشئي (نباتي) وحيواني ومنشئي إنساني.٢٩ والإدراك الإنساني يهدف إلى الاتصال. فالنفس مرآة تعكس الله إذا وصلت إلى درجة من التطهر.
وفي «مبحث عن القوى النفسانية» وصف ابن سينا النفس ومراتبها من النفس البدنية حتى النفس الإشراقية. فصولها عشرة. أكبرها الحواس الظاهرة كما هو الحال في الكيفيات في علم الكلام ثم مراتب النفس وجوهريتها ثم النفس الحيوانية وإثبات الجوهر العقلي المفارق، ثم باقي الفصول.٣٠ وواضح استقلال موضوع النفس عن الطبيعة وتكوينها من العناصر الأربعة ثم التدرج من النفس النباتية إلى الحيوانية إلى الإنسانية بقواها الظاهرة والباطنة وإثبات جوهر فيها بطريقة المنطقيِّين، أي على نحو رياضي من أجل إثبات مفارقتها.
وتتكرر نفس البنية في «رسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها» التي ألفها بعد الأولى بأربعين عامًا مما يدل على أن موضوعَ النفس لديه موضوعٌ ثابت ودائم حتى ليقال بحق إنه فيلسوف النفس.٣١ وتقوم بنية هذه الرسالة الثانية على خطوات ثلاث: التمايز بين النفس والبدن، بقاء النفس بعد فناء البدن، مراتب البقاء وأحواله.٣٢ والأولان موضوعان فلسفيَّان بالأصالة، والثالث موضوع كلامي وكأن الفلسفة هي مزيد من العقلانية للعقائد وتأسيس فلسفي لها. وتبدو هذه المراحل الثلاث وكأنها صعود من الجسم إلى النفس إلى العقل.٣٣ فكيف يتهم الغزالي الفلاسفة بإنكار حشر الأجساد وهو ما يقول به اعتمادًا على الشرع وحده؟

وتهدف هذه التقسيمات كلها إلى إثبات خلود النفس بالإضافة إلى بعض البراهين الرياضية، ويقدم ابن سينا ثلاثة: الأولى ثبات النفس وتغيُّر البدن، والثاني مبدأ السلوك، والثالث أنها ليست في محل.

هناك إذن عوامل ثلاثة: عالم الجسم وعالم النفس وعالم العقل، من أدنى إلى أعلى، أو من أعلى إلى أسفل في وجود تراتبي، العقل والنفس والجسم. العقل أول ما خلق الله، وهو جوهر روحاني، نور محض لا في جسم ولا في مادة، إدراك للذات وخالقه، عقل محض اتفق عليه الحكماء الإلهيون والأنبياء مما يدل على اتفاق الحكمة والشريعة. له ثلاثة تعقلات: يعقل خالقه، ويعقل ذاته واجبة بالأول، ويعقل كونه ممكنًا لذاته. وحصل من تعقل خالقه عقل هو أيضًا جوهر، عقل آخر كحصول السراج من السراج. وحصل عن تعقله ذات واجبة بالأول نفس هي أيضًا جوهر روحاني كالعقل إلا أنها في الترتيب أقل منه. وهو التشبيه الأثير عند الصوفية الذي يتجاذب مع التشبيهات العلمية مثل انجذاب إبرة إلى جبل عظيم من المغناطيس لتشبيه انجذاب النفس إلى الأنوار الإلهية. نظرية العقول إذن هي الرباط بين النفسانيات والطبيعيات والإلهيات.

ويتحدَّث ابن سينا عن العلاقة بين النفس والجسم، بين الفعل والانفعال، في رسالة «الفعل والانفعال». بالرغم من أنها ليست في النفس صراحة إلا أنها أقرب إلى موضوعات النفس ومضمونه كمقدمة لتبرير الوحي والمعجزات والآيات والكرامات والإلهامات والمنامات والسحر والأعين والمؤثرات والطلسمات والنيرنجيات والحيل كما هو الحال عند إخوان الصفا في رسالة «السحر والعزائم». فالفعل والانفعال هو المدخل لدراسة النبوة والوحي والإلهام والمعجزة.

وتقوم على قسمة رباعية عقلية محكمة اعتمادًا على أربعة مفاهيم: الفعل، والانفعال، والنفس، والجسم، من أدنى إلى أعلى. وفي هذه الحالات الأربع تأثير البسائط وليس تأثير المركبات في بعضها رغبة في الاختصار، تخلو من أثر الكواكب والأجرام العلوية.٣٤
  • (١)

    أثر الجسماني في الجسماني كما يبدو في النيرنجيات والطلسمات والحيل (الأجسام المعدنية). وتعتمد على خواص الأجسام الأرضية والعناصر فيها مثل جذب المغناطيس للحديد وللكيمياء، وتفاعل المواد، وتأثير الأجسام المعدنية بعضها على بعض وعلم الحيل والهندسة.

  • (٢)

    أثر الجسماني في النفساني. وهو ليس حالة خاصة بل الصنف الثاني من السحر بعد الصنف الأول وهو أحد أقسام النفساني في النفساني. والصنفان الأولان يشملان نوعَين من الخيال والوهم. وهو تأثير الصور والأشكال والألوان والتحريكات والتسكينات في النفوس مثل تأثير المعشوق في العاشق، وقد كتب ابن سينا في ذلك من قبل في «رسالة العشق» واستعمال مفهومَي القبض والبسط لوصف حالة العاشق. ويشمل أيضًا تأثير صور الحيوانات الحسنة في أصحابها. والتحريكات والتسكينات مثل الأغاني والمعازف والملاهي والرقص. وهو أقرب إلى السحر الطبيعي بالمعنى المجازي، ومثل تأمل العبر في السموات والأرض، وهو ليس مفروضًا «إن من البيان سحرًا».

  • (٣)

    أثر النفساني في الجسماني، وهو النوع الثالث من المعجزات، كرامات الأولياء ومعجزات عيسى بمعنى خرق قوانين الطبيعة والكرامات لقوم مخصوصين من استجابة الدعوات، وهي ليست أنواعًا كبيرة مثل أثر النفساني في النفساني، وهي إما نعمة أو نقمة، إما استشفاء وخلاص أو وباء وقحط، وأمراض للمؤمنين والكافرين على السواء.

  • (٤)
    أثر النفساني في النفساني. وهي أكثر الآثار الأربعة تفصيلًا، يحاول فيه ابن سينا إيجاد مقولة علمية للأمور الدينية مقدمًا تفسيرًا علميًّا نفسيًّا لها، ويتضمن:
    • (أ)

      الوحي والكرامات. فالوحي إلقاءٌ خفيٌّ في النفوس البشرية المستعدة من الأمر العقلي بإذن الله، في حالة اليقظة وفي حالة النوم، كما يشمل النفث في الرُّوع.

    • (ب)

      الآيات والمعجزات. وهي ثلاثة أصناف: الأول فضيلة العلم بأن يُؤتَى المستعد للتعليم العلمَ من غير تعليم بشري وهو حال الرئيس الأمي. النفس كبريت والعقل الفعال نار. والثاني تخيل القوم، أي إعطاء القوة على تخيُّل الماضي والمستقبل، وهو ما يعادل الإخبار بالغيب عند المتكلمين، مثل إخبار الرسول بموت النجاشي وهو ما يسمى الرؤيا. ويكون ذلك للأنبياء في حالتَي النوم واليقظة. وهما يتعلقان بإعجاز القرآن.

    • (جـ)

      الإلهامات والمنامات ويتداخل مع تأثير النفساني في الجسماني، وتكثر وتقل حسب استعداد النفوس وصفاتها وخلوصها عن المحسوسات ودنس الأبدان ومقتضى العادات. وقد تصدق بروعة الأمر على ما هو عليه دون تأويل أو بمحاكاة شيء قريب أو بعيد مما يتطلب تعبيرًا وتأويلًا. والسبب في ذلك محاكاة القوة المتخيلة لكل ما يلقاها في حالتَي النوم واليقظة، قوة أو ضعفًا، أما إذا كان السبب مزاج البدن أو غلبة أحد الأخلاط وليس صفاء النفس فهي أضغاث أحلام.

    • (د)
      أنواع السحر والأعين والمؤثرات، ويتم ذلك عن طريق تأثير النفوس البشرية في قوتَي التخيل والوهم في النفوس الضعيفة مثل البلْه والصبيان، تخيل في الداخل في الخارج. التخييل في النفوس مثل سحرة موسى التي أبطلها الله. ويدخل فيه مسيس الجن. والوهم في النفوس ليس للخير وصلاح العالم بل للشر للأشخاص مثل غرز الإبر في الأجسام والتوسط إلى ذلك بالأصنام، وأثر العين في الرقي والتعاويذ والتمائم.٣٥

والسؤال هو: كيف يوضع الوحي والمعجزات مع الكرامات والأولياء؟ كيف يوضع الوحي والمعجزات مع السحر والطلسمات وهي كاذبة وخبيثة؟ وهل الوحي خفاءٌ أم تجلٍّ وظهور في العالم طبقًا لأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، أي دخول في المكان والزمان؟ ولقد استقر الأمر أن الوحي والمعجزات للأنبياء وأن الإلهام والكرامات للأولياء، كما أن دليل الوحي داخلي وليس خارجيًّا، الإعجاز وليس المعجزة. وهل تتوقف الإلهامات والمنامات على درجة صفاء النفس أم على حاجة المجتمع وكمال الرؤية؟

وإذا تساوت معجزات الأنبياء السابقين فإن معجزة محمد هو الإعجاز القرآني وليس خرق قوانين الطبيعة. هو إعجاز أدبي وليس تدخلًا في قوانين الطبيعة الثابتة. قد أثرت معجزات الأنبياء في البعض دون البعض الآخر. لذلك تحولت المعجزة إلى إعجاز وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا.

واضح أن ابن سينا هنا تجاوز الإشراق الصوفي إلى الإغراق في تصوف القرن الرابع وما به من كرامات وإلهامات، وأنه تحوَّل من العقليات إلى السمعيات في علم الكلام في إطار من القسمة الفلسفية وبأقصى قدر ممكن من التحليل العلمي الطبيعي.

تدخل نظرية النبوة إذن مرة في الطبيعيات والإلهيات كصلة بين السماء والأرض، النبوة كأحد أبعاد الوجود، ومرة كأحد مظاهر النفس والعقل في نظرية الاتصال، ومرة ثالثة في الاجتماع والسياسة، النبوة كضرورة اجتماعية وكنظام سياسي.

ويتجلَّى موضوع النفس في علاقة الله بالعالم طالما أن النفس هو الرابط بين الإلهيات والطبيعيات الإلهية في صراع بين التصور العلمي للنفس والتصور الإلهي لها. وهي عبارة تكشف عن الإلهيات المقلوبة لإفساح المجال لعمل القدرة الإلهية. وتفعل العناية الإلهية بالتدريج خلقت أولًا القوة المنمية ثم الغاذية لحفظ الجسم ثم المولدة لإبقاء الجسم كما هو الحال في التطور الأفقي. كما أنها تبدأ من أعلى إلى أسفل طبقًا لنظرية الفيض والتطور الرأسي. واجتماع الطبيعة والعناية الإلهية لا يؤدي إلى شيء ضار في الطبيعة ولا يمنع شيئًا نافعًا. فالطبيعة مضافة إلى الله تُنتج منفعة لا ضررًا. وهو مقياس أصولي. والعناية الإلهية هي التي حولت الطبيعة من العناصر الأربعة إلى الطبيعة المتنفسة ذات النفس؛ لأن الطبيعة بذاتها عاجزة أن تخلق فيها حياة. والحواس الظاهرة في الحيوان، والخمس الباطنة من صنْع العناية الإلهية في الطبيعة. وضعت القوة المبصرة في الحيوان. والحاسة المشتركة والقوة المتصورة لحفظ صور المحسوسات، المتذكرة والحافظة والمتوهمة والمتخيلة. ومهما تم وصفُ الطبيعة فإن التصديق لا يتم إلا بالعناية الإلهية.٣٦

(٥) النفس الجسمية (ابن باجه)

ويركز ابن باجه على النفس الطبيعية كما يركز إخوان الصفا والفارابي وابن سينا على النفس الخالدة. ويتناول موضوع النفس في حديثه عن علم النفس باعتباره أشرف العلوم، ودخول القيمة في الطبيعة واستعمال حجة الأشرف والأخلق والأولى. فمعرفة النفس أولى من معرفة غيرها.٣٧ ويعني الأشرف الأول والأساس، أي البُعد الميتافيزيقي وليس النزوع الذاتي الإشراقي، الأنطولوجي وليس المعرفي، الموضوعي وليس الذاتي. وكل ذلك يقوم على منطق الأخلق والأحرى والأولى على المستوى النفسي والأخلاقي والكوني وليس المنطق الصوري مثل علاقة الأنواع بالأجناس بالفصول.

ومعرفة النفس أساس تأسيس العلوم: المنطق والطبيعيات والإلهيات والإنسانيات، أي العلم المدني. وإذا كان شرف العلم بيقينه فعلم النفس أشرف العلوم ليقينه. وإذا كان شرف العلم بموضوعه فعلم النفس أشرف العلوم مثل علم الفلك لشرف النفس والفلك.

وكما يربط علم النفس في الحكمة النظرية بين المنطق والطبيعيات والإلهيات فإنه يربط أيضًا في الحكمة العملية بين الأخلاق والاجتماع والسياسة، بين الفرد والمجتمع والسلطان. هو نموذج الحكمة النظرية والحكمة العملية بعد الحكمة النقلية والدخول في المعاني والموضوعات بعد تحليل النصوص والتحول من الشكل إلى المضمون.

وهناك ثلاثة مستويات للعلم من أدنى إلى أعلى: اللواحق الذاتية العامة وهو العرض العام على سبيل الاستعارة، واللواحق الذاتية الخاصة وهو العرض الخاص، والجوهر.٣٨

وابن باجه هو فيلسوف النفس ولكنه لا يذكر ابن سينا نظرًا لارتباطه بالفارابي. لذلك برزت لديه النفس المنطقية والسياسة أكثر من النفس النزوعية.

ويشارك الإنسان الجماد والحيوان في أمور، ويختلف معهما في أمور أخرى. أفعال الجماد والحيوان اضطرارية وأفعال الإنسان إرادية اختيارية ويتضمن الأعلى الأدنى ولا يتضمن الأدنى الأعلى. كلما صعدنا زادت درجة الاختيار والعقل والكمال. وكلما هبطنا زادت مرتبة الضرورة والحيوانية والنقص. ويشترك الحيوان والجماد في الأسطقس في الهبوط والصعود القصريَّين.٣٩ ويشارك الحيوان الإنسان في النفس العادية والمولدة والنامية. كما يشاركه في الحس والتخيل والتذكر. ثم يتدرج الهرم صعودًا، ويتفرد الإنسان بالقوة الفكرية. لذلك امتاز الإنسان بالتذكر دون غيره واستدعاء الذاكرة من ثنايا المادة.٤٠ كما يتميز الإنسان بالاختيار تعبيرًا عن آية إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ، وبأنه عقل وإلهام كما هو الحال في مبدأ العدل عند المعتزلة الذي يشمل الحرية والعقل مما يدل على أن الفلسفة تطوير للاعتزال، وأن المعتزلة هم حكماء المتكلمين، والفلاسفة متكلمو الحكمة، بل إن تدبير المتوحد أول أصل من الأصول الخمسة عند المعتزلة، التوحيد. ومن ثَم جمع ابن باجه في تدبير المتوحد بين أصلَي التوحيد والمعدل.٤١
والغاية من هذا التحليل كلِّه هو الفعل الإلهي، وهو الفعل الفكري من الدرجة الثالثة حيث يصبح الفعل الإنساني فعلًا إلهيًّا.٤٢ وتعني «إلهي» هنا مجازيًّا الكامل الفاضل العلوي. فلولا الله في النفس لكان الإنسان حيوانًا. وفضائل الحيوان شكلية؛ لأنها تمام النفس البهيمية. تتفق الفلسفة والأخلاق والتصوف إذن على إمكانية أن يصير الإنسان إلهًا عمليًّا بالرقي صراحة. وهو ما يظهر أيضًا في علم أصول الدين عن لا وعي، من التجسيم إلى التشبيه إلى التنزيه. وتقرب الحكمة هنا من أحوال الصوفية وهي مواهب إلهية.
النفس إما جماد أو حيوان وظائفها التغذي والنمو والتولد والحس والحركة أو إنسان بإضافة النفس الناطقة.٤٣

والأجسام ثلاثة أنواع. الأولى تتفرد بأجسامها مثل الحيوان الذي لا توجد له حركة محصلة مثل تربية الأولاد، والنمل والنحل والعنكبوت مع الإنسان (الرضاع). والثانية مشتركة للجميع أيضًا وقد تنفرد بها بعض الأجسام لبعض الحيوان مثل الذباب والدود. والثالثة مشتركة للجميع لا تتفرد بها أجسام دون غيرها.

والأجسام إما حاضرة، مشتركة بين الإنسان والحيوان، وقد توجد مفردة في بعض الحيوان، وإما غائبة. فالجسم ليس بالضرورة مرئيًّا.

وتتحدد أحوال الإنسان بأطوار العمر في ثلاثة أطوار. الأول الطفولة حيث التغذي والنمو، والثاني في السنوات المتقدمة ابتداء من وجود الصور الروحانية بالطبع وللحيوان وحده حتى تمام المدة للإنسان وحده. والثالث ظهور باقي الأسنان (ضرس العقل) ابتداء من الكهل المتدبر، والشيخ صاحب جودة الرأي والهَرِم الحكيم، وفي حالة النقص يتحول الطور الأخير إلى طور بهيمي أشبه بالحيوان.٤٤
١  الفارابي، فصول المثاني، ص٢٧–٣٠، الفقرة ٧.
٢  وذلك على نقيض القديس أوغسطين. فالنفس عنده كيف لا كم.
٣  الفارابي، الدعاوى القلبية، فقرات ٨-٩؛ السياسات المدنية ص١٥٧–١٦٢.
٥  الفارابي، السياسات المدنية، ص١٤٧–١٤٩، ١٥٢–١٥٦.
٦  وذلك مثل ميرلوبونتي في «ظاهرات الإدراك الحسي» و«بنية السلوك».
٧  الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة، ص٤٤–٦٨. أكبرها وحدة النفس ثم المنامات ثم أجزاؤها ونطقها ثم الأخلاق والوحي، السابق ص٤٤-٤٥.
٨  السابق ص٤٥–٤٨.
٩  هي نظرية الحسن بن الهيثم في «الإبصار»، وأعادها هوسرل في الظاهريات.
١٠ 
الفارابى، الدعاوى القلبية، فقرات ٨-٩.
١٢  السابق، ص٥٤–٥٧.
١٣  التراث والتجديد، ص١٢٧–١٣٥.
١٤  وذلك مثل أوغسطين وبرجسون.
١٥  الإمتاع، ج٣، ١٠٦–١١٠.
١٦  كما هو الحال عند أوغسطين وإخوان الصفا.
١٧  التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ج١، ١٩٨-١٩٩.
١٨  السابق، ج٢، ١٩٨–٢٠٦.
١٩  السابق، ج٢، ١٣٣، ج٣، ١٠٦-١٠٧، ١١٤، ج١، ٢٧-٢٨، ٦٣.
٢٠  التوحيدي، المقابسات، ص٢٨٠–٢٨٢، ٣٢١–٣٢٦.
٢١  السابق، ج١، ١٩٨–٢٠٦.
٢٢  السابق، ج٢، ٢٠٥.
٢٣  السابق، ج٢، ٩٠.
٢٤  السابق، ج٣، ١١١.
٢٥  السابق، ج٣، ١٢٢-١٢٣.
٢٦  لابن سينا أربع رسائل مطبوعة في النفس: (١) مبحث في القوى الإنسانية (٢) معرفة النفس الناطقة وأحوالها. (٣) رسالة في الكلام على النفس الناطقة. (٤) في السعادة والحجج العشرة على أن النفس جوهر.
٢٨  ابن سينا، أحوال النفس، ص٦٧-٦٨، ٧٤–٧٨.
٢٩  ابن سينا، في القوى الإنسانية وإدراكاتها في تسع رسائل، ص٦٠–٧٠.
٣٠  الحواس الظاهرة (ص٥)، مراتب النفس (٤)، جوهريتها (٤)، النفس الحيوانية وإثبات الجوهر العقلي المفارق (٣)، باقي الفصول (٢)، وعناوين الفصول العشرة كالآتي: (١) في إثبات القوى النفسانية، (٢) في تقسيم القوى النفسانية الأولى، (٣) في أنه ليس شيء من القوى النفسانية حادثًا عن امتزاج العناصر الأربعة بل وارد عليها من الخارج، (٤) في تفصيل القوى النباتية، (٥) في تفصيل القوى الحيوانية، (٦) في تفصيل القول في الحواس الظاهرة، (٧) في تفصيل القول في الحواس الباطنة، (٨) في ذكر النفس الإنسانية مع مرتبة بدئها إلى مرتبة كمالها، (٩) في إقامة البراهين الضرورية في جوهرية النفس الناطقة على طريقة المنطقيين، (١٠) في إقامة الحجج على وجود جوهر عقلي مفارق للأجسام عن القوى النفسانية، ص١٧٢–١٧٥.
٣١  وتتكوَّن من مقدمة وخاتمة وثلاثة فصول، والخاتمة أكبر من الفصول، وأكبر الفصول الأول وأصغرها الثاني. وهي أصغر فصولًا من رسالة «أحوال النفس».
٣٢  (١) في إثبات أن النفس جوهر مغاير للبدن، (٢) في بقاء النفس بعد البدن، (٣) في مراتب النفوس في السعادة والشقاوة بعد مفارقة النفس عن البدن. وواضح بنية هذا الفكر والفلسفة الحديثة منذ ديكارت، إما قولًا بالأثر والتأثر طبقًا للمنهج التاريخي أم بنية الفكر في كل حضارة طبقًا للمنهج البنيوي.
٣٣ 
ابن سينا، معرفة النفس، ص١٨٤–١٨٩.
٣٤  ابن سينا، الفعل والانفعال، ص٢-٣.
٣٥  السابق، ص٣–٩.
٣٦  ابن سينا، أحوال النفس، ص١١٣؛ القوى النفسانية، ص١٥٦–١٥٩.
٣٧  وهو معنى عبارة السيد المسيح الشهيرة «ماذا لو كسبت العالم وخسرت نفسك»، وآية إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
٣٨  ابن باجه، تدبير المتوحد، ص٤٢-٤٣.
٣٩  مثل هوسرل وبرجسون وفلسفة المستويات.
٤٠  وذلك مثل برجسون في «المادة والذاكرة».
٤١  ابن باجه، تدبير المتوحد، الباب الثاني، ص٤٩–٥٤.
٤٢  كما هو الحال عند اسبينوزا.
٤٤  ابن باجه، تدبير المتوحد، ص٨٨–٩٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤