ثالثًا: منطق الحدود والتصورات

(١) منطق الحدود العقلية

بعد إثبات شرعية المنطق بدأ المنطق في التكوين ابتداء من الحدود والتصورات قبل التصديقات والبراهين طبقًا لقسمة المنطق الرباعية عند المناطقة المسلمين. المنطق تصور وتصديق، والتصور يُنال بالحد، والتصديق يُنال بالبرهان.

(أ) الكِنْديُّ

بدأ الكِنْديُّ منطقَ الحدود العقلية في رسالته «في حدود الأشياء ورسومها». واستمر عند إخوان الصفا والفارابي والتوحيدي وابن سينا. في منطق الحدود يتضح ارتباط أقسام الحكمة الثلاثة؛ المنطق والطبيعيات والإلهيات. إذ لا يوجد حدٌّ فاصل بين حدودها. تحديد المقولات العشر جوهر الطبيعيات، وكذلك تحديد معاني المادة والصورة، والقوة والفعل، والعلة والمعلول جوهر ما بعد الطبيعة. وهي مجرد حدود في مجموعات متتالية دون أن يجمعَها نسقٌ، مجرد موضوعات متفرقة، نوع من التذاكير.

(ب) إخوان الصفا

ويخصص إخوان الصفا أيضًا «رسالة في الحدود والرسوم»، الرسالة العاشرة من القسم الثالث في النفسانيات العقليات. فالحدود أدخل في نظرية المعرفة المرتبطة بالنفس منها في علم المنطق. وتتداخل حدود المنطق والطبيعيات والنفسانيات العقليات والإلهيات. فالرسالة مجرد تحديد للألفاظ المستعملة في الأقسام الأربعة. وتتجاوز الموضوعات الطبيعية مع الحدود المنطقية إلى حدٍّ كبير. وأحيانًا تنتظم الحدود في مجموعات متتالية طبيعية ونفسية. ويربطها الإخوان بصفات الحكيم السبعة. وهي الأفعال المحكمة، والصنائع المتقنة، والأقاويل الصادقة، والأخلاق الجميلة، والآراء الصحيحة، والأعمال الذكية، والعلوم الحقيقية. ويعتمد فيها الإخوان على العقل الصرف دون وافد أو موروث.١
والحد طريق إلى معرفة الحقيقة خلاف الأصوليين في نقدهم لمنطق الحدود خاصة ابن تيمية في بيانه أن التصور لا يُنال بالحد. تعرف الأشياء البسيطة بمعرفة صفاتها، والمركبة بمعرفة بسائطها.٢ تأتي المعرفة البسيطة أولًا. والحد أقرب إلى الموضوعات منه إلى الألفاظ فيتداخل المنطق والطبيعيات مما يدل على صعوبة الفصل بين العقل والوجود.٣ وتقوم قسمة الأشياء إلى بسيط ومركب على رؤية ميتافيزيقية وليس بناء على تحليل عقلي أو طبيعي. فهل العالم الحي والوجود من البسائط؟ يبدو أن البسيط عند الإخوان هي مفاهيم ما بعد الطبيعة، والمركب هي الموضوعات الطبيعية. وتتداخل الأشياء المصنوعة مثل السرير مع الأشياء الطبيعية مثل الحيوان كنماذج للمركب. ويتم تعريف المبادئ مثل الأشياء دون تصنيفها إلى بسيط ومركب.٤
ومن حيث الشكل اللغوي تكون الحدود مفردةً أو جمعًا.٥ وقد تكون لفظًا واحدًا أو اثنين أو مركبًا من جملة.٦واللفظان إما موصوف وصفة أو مضاف إليه ومضاف. وقد يكون اللفظان على التقابل مثل الهيولى والصورة، الوجود والعدم، العلة والمعلول، الجوهر والعرض مما يدل على بنية فلسفية واحدة، المركز والأطراف. وقد يكون التقابل بين الكلي والجزئي، العام والخاص، البرودة والبارد، القدرة والقادر، الأحداث والمحدث. وقد يكون العموم والخصوص بتكرار الموصوف وتغير الصفة مثل الجسم والجسم الشفاف، الشعاع وانعكاس الشعاع. وقد يكون التقابل على التضاد، مثل النور والظلمة، والنهار والليل، الحرارة والبرودة، الرطوبة واليبوسة، الزمان والمكان. وقد يتحدد موضوع واحد من جهتين مختلفتين، مثل حدود الأنهار، ومن أي موضع تجري الأنهار كلها، الأرض ومركز الأرض، البحار وزيادة البحر. وأحيانًا يتم تحديد لفظين معًا، مثل الغيم والسحاب من أجل رفع التداخل بينهما. فالتعريف هنا للتشابه أو العلاقة بين موضوعين.
ويتم طرح أكثر من سؤال عن نفس اللفظ مما يدل على غياب التنظيم الدقيق للمنهج القاموسي، والانتقال من موضوع إلى آخر دون نسق، ربما لتتويه القارئ وسلب قدراته الفكرية من أجل تجنيده إلى الجماعة. وأحيانًا أخرى يتم الحد بحدٍّ بيِّن كما هو الحال في منطق الحدود والتصورات والتعريف الذي يقوم على تصورَين من أجل الوصول إلى تصور واضح بذاته، وهو ما يستحيل عند ابن تيمية في نقض المنطق.٧ فكلُّ سؤال عن خاصية يُحتم الإجابة بخاصيَّتَين مما يستدعي تحديدَ كلٍّ منهما بخاصيتَين أخريَين إلى ما لا نهاية.٨ وأحيانًا يتوقف التسلسل، ويصعب إيجاد تعريف لاحق لتصور في تعريف سابق. وتنكر بعض الموضوعات مثل القيم، والقدرة، والإرادة، والبخار، والدخان، والبرق، والأرض، والهواء، والفلك، والرياح.٩ وأحيانًا يكون التعريف طويلًا، وأحيانًا قصيرًا. ويكون كيفيًّا أو كميًّا، مثل عدد الألوان المتناهية بأصباغها وعدد الأنهار، ومن أي موضع قمري، ومد بحر فارس جزره في اليوم والليلة.١٠
وتشمل الطبيعيات حوالي ثلث الموضوعات. لا فرق بين الإنسان والطبيعة. فالإنسان كائن طبيعي، والطبيعة عالم إنساني طبقًا للتقابل بين العالم الأصغر والعالم الأكبر.١١ وتتراوح باقي الموضوعات بين الإنسانية وما بعد الطبيعة والإلهية والدينية.١٢ والغالب عليها المثاليات ثم الباطنيات ضد التشيؤ والخارجية في الفكر الديني. فالغرض من الطبيعة إنضاج كل شيء بالحرارة طبقًا لترتيب الآلة للمنافع. وتظهر بعض الموضوعات الغيبية ضمن الموضوعات الطبيعية مثل الجن والشياطين.
وتدخل ضمن الحدود بعض المسائل الدينية، مثل الإيمان والكفر، والإسلام والدين مع الطبيعيات، وكأن الهدف دراسة الدين على نحو طبيعي أو دراسة الطبيعة على نحو ديني تجاوزًا للتقابل بين الدين والطبيعة أو الوحي والواقع ومتسربة وسط الطبيعيات. وهي تعريفات عادية لا اتجاه لها. إنما المهم هو درجات الشرف ورُتَبها. ويغلب عليها طابع الاستسلام كما هو الحال في الإيمان الشعبي.١٣ وتغيب التعريفات الفعالة مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الإيمان تصديق، والإسلام تسليم، والدين طاعة، والطاعة انقياد. وأجرة الأجير بعد الثواب والعقاب وكأن المؤمن أجير.١٤ وفي مقابل ذلك تعريف الباري كسلطة مطلقة، سبب كل موجود، ومبدع المبدعات، ومخترع الكائنات، غاية كل شيء ومنتهاه، أيديولوجية الطاعة للناس، وأيديولوجية القوة للسلطان.

والصدق والكذب في الأقاويل، والصواب والخطأ في الضمائر، والخير والشر في الأفعال، والحق والباطل في الأحكام، والضرر والنفع في الأشياء المحسوسة. فالمنطق منطق الشعور، ومنطق الأفعال، ومنطق الأشياء، لا فرق بين النظر والعمل، والفكر والقول، والقضايا والمعايير.

والدنيا بقاء النفس مع الجسد إلى وقت الافتراق بالموت. والموت ترك النفس لاستعمال البدن أو بقاء النفس بعد مفارقة الجسد وخلودها في عالمها. والآخرة نشوءٌ ثانٍ بعد الموت، والجنة عالم الأرواح، المرتبة العليا، جنة النفس النباتية صورة الحيوانية، وجنة النفس الحيوانية صورة الإنسانية، وجنة نفس الإنسانية صورة الملائكة، وصورة الملائكة درجات ومقامات من الله، مقربين وغير مقربين. والبعث انتباه النفوس من نوم الغفلة ورقدة الجهالة. والنوم اشتغال النفس عن الجسد بغيره مع شمول عنايتها به. والقيامة قيام النفس من قبرها وهو الجسد الكائن الذي كانت فيه فزهدته، وبعدت عنه. والحشر لجميع النفوس الجزئية نحو النفس الكلية، واتحادها به. والاتحاد امتزاج الجواهر الروحانية؛ كامتزاج صوت الزِّير والبم، والحساب موافقة النفس الكلية النفوس الجزئية بما عملت عندما كانت مع الأجساد، والصراط هو الطريق المستقيم القاصد إلى الله تعالى.١٥ ويتم تأويل المعاد تأويلًا باطنيًّا روحيًّا في مراتب الشرف والكمال. ويتم تأويل ألفاظ المنطق، مثل اللفظ والكلام والصدق والكذب وبعض موضوعات الهندسة، مثل الشكل والعدد والنسبة والسطوح تأويلًا روحيًّا.

(ﺟ) ابن سينا

وقد كتب ابن سينا «رسالة في الحدود». ويظن البعض أن أشرف قوة في تأليف الحدود. وقد يكون ذلك صحيحًا في العلم الطبيعي وليس في المنطق، فالبرهان أشرف، البرهان المطلق الذي يجمع بين برهان الوجود وبرهان السبب. وقد كتبت الرسالة بناء على طلب بعض الأصدقاء مما يدل على أن تحديد معاني الألفاظ كان مطلبًا ثقافيًّا فلسفيًّا في القرن الرابع بعد أن شاعت منذ عصر الترجمة قبل ذلك بقرنين من الزمان. وهي شبيهة برسالة الكِنْدي وإخوان الصفا والفارابي وأبي حيان. وقد ألَّفها ابن سينا على الارتجال والبديهة، من الذاكرة دون الاستعانة بنصوص مدونة، وافدة أو موروثة.١٦

وتحديد معاني المصطلحات من أصعب الأمور سواء كان حدًّا أو رسمًا؛ نظرًا للجهل بالمواضع التي منها تفسد الرسوم والحدود. لذلك وجبت الإشارة أيضًا إلى مواضع الزلل على قدر الوسع. ووجه الصعوبة في الحد الحقيقي في الحد ذاته وليس في الحاد. المهم في الحد أن يكون دالًّا على ماهية الشيء. ووجه الصعوبة في الحد الناقص والرسم مطوية في نفس ابن سينا دون الإعلان عنها. وينقد أدعياء العلم المتاجرين به عند الملوك. والجرأة على ذلك جهلٌ بالمواضع. فالحد نقدي، سلبي وإيجابي.

والحدود مرة كبيرة مثل حد العقل والنفس والصورة، ومرة صغيرة مثل حد الكوكب والشمس والقمر. فالحدود الإنسانية تحتاج إسهابًا، والطبيعية أدق وأقصر. والحد جزء من صناعة المنطق بشرط عدم الإطالة. وتستمر بعض الألفاظ المعربة مثل الأسطقس مع استبقاء العنصر. وتظهر بعض مصطلحات الطب مما يدل على أنه جزء من الطبيعيات في علوم الحكمة، ولا تهم الألفاظ بل مضامينها، فلا مشاحة في الأسماء. وفي تحديد بعض ألفاظ الطبيعة يتم تشخيصها. فالطبيعيات علم إنساني، تحتاج كما يحتاج البشر.١٧
ومن المحتمل أن يكون ابن سينا قد اتبع لا شعوريًّا المنهج الأصولي في تحديد معاني الألفاظ المتشابهة كما هو معروف في مباحث الألفاظ، المحكم والمتشابه. كلُّ حد اسم مشترك يمكن التمييز فيه بين معنيين لرفع الخلط بينهما. الخلق اسم مشترك. الخلق لإفادة وجود كيف كان، والخلق لإفادة وجود حاصل عن مادة وصورة كيف كان دون أن يتقدمه شيء بالقوة. والإبداع اسم لمفهومين، تأسيس شيء عن لا شيء وليس بواسطة شيء، وأن يكون للشيء وجودٌ مطلق عن سبب بلا توسط ولا يكون موجودًا بذاته بل يفتقد ذاته افتقادًا تامًّا. والأحداث يقال على وجهين، زماني، إيجاد شيء بعد أن لم يكن له وجود في زمان سابق، وغير زماني، إفادة الشيء وجود ليس في ذاته في كل زمان. والقديم يقال على وجوه، بالقياس إلى زمان في الماضي أكثر زمانًا، والقديم المطلق الذي يقال على وجهين، بحسب الزمان مثل وجود شيء ما غير متناه، وبحسب الذات، الشيء الذي ليس له مبدأ زماني، الواحد الحق. وكلها مصطلحات من لا شيء، لا بواسطة ولا بغير واسطة، على عكس الخلق الذي قد يكون من مادة أو صورة. المعاني الإسلامية حاضرة في الذهن. وفي نفس الوقت، يقوم ابن سينا بنقد المعاني المضادة، والقرآن الحر في اللاشعور في كلتا الحالتين.١٨ وهنا يبدو لله كعامل محدد في المنطق، وأن المنطق في أقصى صوره يتحول إلى إلهيات. المنطق إلهيات معلنة جهورية، والإلهيات منطق صامت مكبوت.

(٢) منطق الحدود اللغوية النفسية (أبو حيان)

ويحاول التوحيدي في «المقابسات» رصدَ أهمِّ التعريفات الفلسفية أسوة بالكِنْدي وإخوان الصفا وابن سينا ويحولها من المستوى العقلي الصوري إلى المستوى النفسي الشعوري. فقد كان الكِنْدي وابن سينا يساهمان في الثقافة العالمة، ثقافة الخاصة في حين كان أبو حيان وإخوان الصفا يساهمان في الثقافة الشعبية، ثقافة العامة. ويغلب عليها طابع النقل والترويج الشعبي للفلسفة. ومعظمها مستمدٌّ من أبي الحسن العامري وأبي سليمان المنطقي. ويغلب عليها النفسانيات الطبيعيات ثم الأخلاقيات ثم المنطق ثم الإلهيات.١٩ وأهم موضوعات المنطق: الكلام، الشعر، الغناء، الإيقاع، اللحن، النغم الوترية، الطنين، الجدل، المحال، الباطل، القسمة، المدخل، المنطق، الصناعة، الصدق، الحد، الرسم، الخاصة، الممكن، الممتنع، القول المطلق، الكيفية، الكمية، الصدق، الكذب، الحق. ويضم منطق اليقين ومنطق الظن. كما يضم الموسيقى من الرياضي.

ومعظمها تعريفات قصيرة يسهل حفظها، واضحة بسيطة حتى يسهل استيعابها. وتتفاوت مستويات المناظرة من مجرد مقارنة إلى حوار طويل، لكلِّ طرفٍ ممثلُه؛ مثل مناظرة النحو والمنطق بين متَّى بن يونس وأبي سعيد السيرافي. يتجاوز أبو حيان منطق الحدود إلى منطق الجدل في المناظرات، النحو والمنطق، النثر والنظم، البلاغة والخطابة، الحساب والبلاغة. وتتكرر بعض الموضوعات مثل اليقين، والذكر، والمعرفة، والنفس، والحس، والحركة، والفرح، والغناء. كذلك تتكرر بعض المناظرات مثل النثر والنظم والنثر والشعر.

ويتخلل هذا التحليل اللغوي للألفاظ معظم أعمال أبي حيان وليس فقط في «المقابسات»؛ ففي «الإمتاع والمؤانسة» تقضي ليالٍ بأكملها في تحليل الألفاظ، مثل الأول والآخر، الظاهر والباطن، القبض والبسط عن طريق ثنائية الحس والعقل. كما يتم تحليل ألفاظ غريبة لمعرفة أصلها وفصلها.٢٠ وفي «الهوامل والشوامل» تحلل المترادفات غير المطابقة، مثل العملية والسرعة، الصمت والسكون، النطق والكلام، الفرح والسرور، الجلوس والقعود، المزاح والهزل، النزوح والبعد، الحجب والصدر.
ونادرًا ما تُصاغ الحدود على المستوى المادي كما هو الحال في المنطق العلمي مثل أن الموضوع هو الشيء الحامل للصفات، وأن الكلام هو الهواء في الرئتين كما هو الحال في فزيولوجيا الكلام وعلم الأصوات. وأقل ندرة ما تصاغ على المستوى الصوري كما هو الحال في المنطق التقليدي مثل ما قيل في التضاد بين السلب والإيجاب. فالسلب هو نفي شيء من شيء، والإيجاب إثبات شيء من شيء. والحد ليس فيه حكمٌ ولا إثبات. بل هو قول دال على أمر دلالة مفصلة كما أن الاسم يدل عليه دلالة مجملة. والفرق بين الكلي والكل: أن الكلي متأخر عن أجزائه، والكل متقدم عليها. والكلي استقرائي والكل استنباطي. وقليلًا ما تصاغ عن طريق القسمة والترتيب في أنواع. فالواحد بالجنس مثل الإنسان، وواحد بالنوع مثل زيد وعمرو، وواحد غير متجزئ مثل النقطة والشخص، وواحد في الموضوع إما متصل بالفعل وكثير بالقوة أو واحد بالذات وكثير في الحد، وواحد في المناسبة، وواحد في الحد وكثير في الاسم. وأنواع الاختلاف ستة: بالإضافة، والتضاد لأن المضاد لا يضاف، والقنية أي الوجود، والعدم، والإيجاب، والسلب.٢١
والغالب هو صياغة الحدود على المستوى اللغوي المنطقي ثم نقله إلى المستوى النفسي. فيغلب على المنطق التحليل اللغوي لألفاظ الطبيعة والأخلاق. فالمنطق لغة، واللغة كلام وطبيعة لأنها حديث النفس. وتُشير إلى شيء في الخارج. واللغة تبدأ من النفس وتهدف إلى التأثير في النفس. منطق الحدود كما يبدو في «المقابسات» من عمل النحويين في المنطق، وتمثُّل البلاغيين له، وإخضاع اللفظ للمعنى، والمنطق للشعر، والفلسفة للأدب. فعند أبي سليمان يبهرج النحويون في الكلام إعرابًا وصيغًا، ولكن المنطقيين يُقيمون المعنى في النفس بصورته الخاصة فيخرج اللفظ سليمًا. فإذا جنح اللفظ كان المعنى من قبل جانحًا.٢٢ لذلك كان شرط معرفة الألفاظ ليس فقط اشتقاقه وتصريفه بل فهم معانيه. وفي عديد من المسائل تكون الإجابة عن المضمون، عن طريق تحليل اللغة؛ لأنها قد تكون من باب الأسماء والصفات. ومن ثَم يكون السؤال عن السؤال، والإجابة في تحليل ألفاظ السؤال، كلام على كلام، وليس تحليل الأشياء كما يشير القرآن إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. وهو موضوع بيئي عربي خالص في أهمية معرفة اللغة، وبسبب مزاحمة اللغات الأعجمية للعربية. ولا يقتصر التحليل فقط على المصطلحات الفلسفية بل يمتد أيضًا إلى الألفاظ العربية العامة بما في ذلك ألفاظ النباتات والحيوانات. وقد يصل ذلك إلى حد التفَيقه والتعالم، مثل عشر كلمات عينها ولامها واحد.٢٣

ويضع أبو حيان بنيةً للألفاظ المترادفة تُشبه بنية أحكام التكليف الخمسة في علم الأصول ومبحث الألفاظ وربما أيضًا بداية تحليل الألفاظ في منطق العبارة في منطق خماسي يقوم على نسق مزدوج بين اللفظ والمعنى ومضاعف بين الاتفاق والاختلاف ومستوى محايد بين الطرفين الإيجاب والسلب، والمطلق والنسبي على النحو الآتي:

وفرقٌ بين المعاني في النفس وكثرتها. وهي بلا نهاية. أما تراكيب الحروف فهي متناهية. وعادة ما يكون أحد المعاني سلبًا والآخر إيجابًا. فالعجلة للجسم سلب، والسرعة للروح إيجاب. والهزل سلب، والمزاح إيجاب.٢٤ والصد سلب، والحجب إيجاب. وأحيانًا يكون القياس الحسي والعقلي، السطح والعمق أو المكان والزمان أو الخارج (الموضوع) والداخل (الذات). البعد للمسافة، والنزح أكثر عمقًا. والسرور في حاجة إلى فاعل والفرح لا يحتاج إلى فاعل. القعود بعد الوقوف، والجلوس بعد الاستلقاء، والسكون للكلام أو الأشياء، والصمت للإنسان المتكلم. كما يقدم أبو حيان ومسكويه في «الهوامل والشوامل» فروقًا دقيقة للمعاني في النفس. فالمعنى قائم بالنفس، والمراد تحول المعنى إلى إرادة، والغرض انطلاقه كالسهم مما يكشف عن مسكويه اللغوي المغاير لحكم أبي سليمان عليه.٢٥
يظهر المنطق مرتبطًا باللغة، وليس بعمليات الفكر. فتحليل اللغة أقرب مدخل شعبي إلى المنطق، تحديد معاني الألفاظ كما فعل سقراط من قبل. ولا حرج من تحليل لفظ الله تحليلًا لغويًّا منطقيًّا. فالذات والصفات والأفعال والأسماء هي في النهاية ألفاظ. لفظ الباري ليس محالًا لأنه ليس له صورة في النفس لأن له شهادة من العقل تُثبت إنيَّته، وبارتفاع صورته اتفقت كيفيته. ومن ثَم فهو غير المحال. وهو تحليل لغوي خالص وليس تحليلًا عقائديًّا كما هو الحال في علم الكلام.٢٦ كما يصف أبو حيان مراتب الإضافة، ويُحيل إلى أبي سليمان الذي يجعل الإضافة كلها إلى الجزء الإلهي. فالعالم هو المضاف والله هو المضاف إليه مما يدل على وجود الإلهيات كإطار مرجعي للمنطق وكأن الإضافة بالضرورة إضافة رأسية لا أفقية، تكشف البعد الإلهي أكثر مما تكشف البعد الطبيعي.٢٧ وفي نفس الوقت يظهر الجانب الإشراقي في تعريف الحق على نحوٍ إنشائي وكأن الصوفي الأديب هو الذي تغلَّب على الفيلسوف اللغوي. فالحق بين منهاجه، منير سراجه، معقول بيانه، معلوم برهانه.٢٨
ثم تتحول الحدود اللغوية المنطقية إلى أسسها النفسية. فالواحد مثلًا اسم مشترك يدل على معانٍ كثيرة. وأليق المعاني الذي يشار إليه من جميع معاني الوحدة والاتحاد. هي الوحدة المجردة التي لا توجد من حيث هي في النفس فتكون حاكمة عليها ولا التي توجد من الواقع. وعلى هذا الترتيب يصير الواحد هو أول موجود يستحق الوصف بأنه القوة الأولى، أول معقول للذات الأولى، الوحدة المحضة. ثم بعد ذلك يأتي العقل الثاني ثم الأنا المحض وهو النفس والذي حصل له من الذات الأولى الوجود، ومن الذات الثانية الصورة. وهذا الفعل منه هو التوحيد أي تجريد الذات عن جميع الكثرات التي تتعلق على الذوات وتحيط بها من الصفات. ومع النفس تظهر الميتافيزيقيا، الواحد الذي يفيض عنه العقل الأول والنفس. وهو أحد معاني التوحيد، أي تجريد الذات عن الكثرة والتعدد والصفات. تحيل النفس إلى الواحد، والواحد يحيل إلى النفس بحيث تتحول النفسانيات إلى إلهيات والإلهيات إلى عقليات ونفسيات.٢٩ والفرق بين الوحدة والنقطة: أن الوحدة نقطة ما لا وضع له، والنقطة وحدة ما لا وضع لها. الوحدة مبدأ الواحدية، وهي من الكم المنفصل، والنقطة مبدأ الكم المتصل. ووجود الوحدة موضوعها في النفس المتوهم، ووجود النقطة موضوعها في الجوهر الطبيعي ومتعلق الحس.٣٠

وكما يهبط الفيض والواحد من الميتافيزيقا المجردة إلى أعماق النفس كذلك تنتقل اللغة من تحليل الأسماء إلى تحليل الأصوات. فالاسم مركب من حروف، والحروف أصوات مع تفصيل في كيفية مخارج الحروف والهواء والحبال الصوتية. ثم ينتقل من الأصوات إلى صناعة الموسيقى، أحد التعاليم الأربعة، ومقارنة الصوت البشري بالصوت الآلي وأثره على النفس، وإدراك الجمال ارتفاعًا، والقبح هبوطًا بالإضافة إلى المقياس الأخلاقي توحيدًا بين الجمال والخير، والقبح والشر. ويستوي في ذلك الموسيقى والشعر. بل إن البهائم والطير تُنصت إلى اللحن الشجي. وقد يصير اسمٌ من الأسماء أخفَّ عند السماع من اسم طبقًا للقدر المنظوم للنفس. فالاسم له وضع في الجسم وفي النظم في المفردات. يُحدث أثرًا في النفس فتقشعر. وربما قام له شعرُ البدن وحدث منه دوارٌ في النفس.

ويمتد الأمر من الكلام إلى الشعر إلى الغناء إلى الموسيقى. ويتساءل أبو حيان: هل الغناء أفضل أم الضرب أي العزف؟ وأيهما أفضل: المغنِّي أم الضارب؟ الموسيقى علم وقد يقترن بها عمل.٣١ إن كان الغرض إظهار أثر العلم للحس لتتبين النسب المؤلفة في النفس وإظهار الحكمة في ذلك كان جميلًا ومستحسنًا. فإن كان منظومًا شعريًّا غزليًّا يقوم على تمويهات الشعر وخداعِه في تراكيب تُحرِّك النفس وتُكثر وجوهه اشتدت الدواعي وقويت على ما ينقض العفة ويُثير الشبق؛ لأن الشعر وحده يفعل ذلك. وهي أسباب شرور العالم. وسببُ الشرِّ شرٌّ. لذلك يعافه العقل، وتحظره الشريعة، وتمنع منه السياسة. ومن ثَم تكون الموسيقى وحدها أفضل من الغناء الهابط المسف طبقًا لمقاييس العقل والشرع والمجتمع،٣٢ فالمنطق ما هو إلا بداية لاكتشاف عوالم اللغة والمجتمع والطبيعة.

(٣) منطق التصور والتصديق (الفارابي)

عرض الفارابي مسائلَ منطقية متفرقة بطريقة جزئية تحليلية دون بناء كلي للمنطق ودون موقف نقيض كما هو الحال في «النكت فيما يصح ولا يصح من أحكام النجوم» الذي ينتقد فيه علمَ التنجيم مدافعًا عن علم الفلك.٣٣

وهي مجرد تصورات في مجموعات متتالية دون أن يكون هناك نسقٌ بينها، مجرد موضوعات متفرقة لا نسقَ فيها، نوع من التذاكير في آخر أربع رسائل في «المجموع» و«عيون المسائل» و«المسائل الفلسفية»، و«فصوص الحكم» و«التعليقات». هي أقرب إلى الفتاوى الفلسفية على طريقة الأحكام الشرعية. وتدل أسماء الرسائل الأربع على أنها مجرد تذاكير، تأملات متفرقة قبل أن تتحول إلى بنية محكمة عند ابن سينا.

ويمتد منطق التصور والتصديق ليشمل أقسام الحكمة الثلاثة؛ المنطق والطبيعيات والإلهيات. إذ لا يوجد حدٌّ فاصل بين حدودها. فتحديد المقولات العشر هو جوهر الطبيعيات، وكذلك تحديد معاني المادة والصورة، القوة والفعل، العلة والمعلول، وهي الموضوعات الرئيسية في علم ما بعد الطبيعة. في «عيون المسائل» الأولوية للطبيعيات والإلهيات على الإنسانيات والمنطق. فالمنطق أقلها. وفي «المسائل الفلسفية» الأولوية للمنطق ثم للطبيعيات والنفس أقلها. وفي «فصوص الحكم» تغلب الموضوعات الإشراقية وتطغى على الموضوعات المنطقية كلية. وهي أقل القليل مما يدل على احتواء التصوف للفلسفة، والإشراق للمنطق، وتواري الفارابي المنطقي أمام الفارابي الصوفي، وانحسار الفارابي العقلي أمام الفارابي القلبي. وهو نفس عنوان ابن عربي «فصوص الحكم». وفي «التعليقات» الأولوية للطبيعيات ثم النفس ثم المنطق ثم الإلهيات دون ذكر اسم يوناني واحد، وذكر اسم «الله» مرة واحدة إشارة إلى التحول في منظور المنطق من الوافد إلى الموروث.

ولما كان المنطق هو علم التصورات والتصديقات، يقسم الفارابي العلم إلى تصور مطلق وتصور مع تصديق. وأهمية التصور المطلق أن كل تصور يحتاج إلى تصور مسبق حتى ينتهيَ إلى تصور أول لا يحتاج إلى تصور آخر، هو التصور المطلق. وهذا إبداع جديد للفارابي لا نظير له عند أرسطو. اعتمد عليه أيضًا ابن تيمية في نقد المنطق والشكل واللفظ والتصور والتصديق والمضمون والمحتوى لإكمال منطق أرسطو. التصور الأول شعوري، التصور الديني للعالم الذي يوجه به الوحي الذهن. والتصديق يحتاج إلى تصديق آخر حتى نصلَ إلى تصديق أول وهي أحكام أولية للعقل، مثل الكل أعظم من الجزء. بديهيات العقل إذن ليست فقط تصورات بل أيضًا تصديقات. لذلك يميز الفارابي بين التصور التام والتصور الناقص. التصور التام هو التصور الأدبي الذي لا يحتاج في تصوره إلى تصور آخر. أما التصور الناقص فهو الذي يعتمد في تصوره على تصور آخر. كما يميز بين التصديق اليقيني والتصديق الظني. التصديق اليقيني هو التصديق البديهي الذي لا يعتمد على تصديق في حين أن التصديق الظني هو الذي يعتمد على تصديق آخر.٣٤
والتصور بالعقل لشيء في الخارج هو إحساس بشيء ثم عمل العقل فيه. فتحصل صورة الشيء في الحس وفي العقل وفي الجسم، أي في الجسم بالانفعال. ويؤدي الحس المشترك إلى التخيل ثم إلى قوة التمييز الذي يقوم بتنقيح المحسوسات للعقل، وهنا يتحول المنطق الصوري إلى منطق مادي، والمنطق العقلي إلى منطق حسي. ويتحول المنطق كلُّه إلى نظرية في المعرفة العامة بتناول عدة موضوعات أخرى، مثل السؤال عن الحفظ والفهم أيهما أفضل، يجمع بين المنطق والفلسفة وعلم النفس. والفهم أهم من الحفظ. الفهم للمعاني والحفظ للألفاظ. الفهم محدَّد بالقوانين في حين أن الحفظ غيرُ محدَّد بالألفاظ. الفهم يقين أما الحفظ فعرضة للنسيان والغلط. الفهم قياس على الكليات، والحفظ تمثيل قد لا تتشابه فيه الأجزاء والأشخاص. الفهم واحد للجميع بالأنواع والأجناس، والحفظ متباين طبقًا لقدرات الأفراد. الفهم مُجدٍ ومفيد، والحفظ غير مجدٍ ولا مفيد. الفهم فعل الإنسان الخاص، قياس في التدبير والسياسات، ونظر في العواقب. أما الحفظ فإنه اعتماد على جزئيات عُرضة للخلط والضلال، والأمور بأشخاصها.٣٥
ويعرض الفارابي موضوع الأسماء الخمسة: الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام. ويتساءل هل الفصول داخلة تحت الجنس والنوع نظرًا لأن الجنس والنوع كلِّيان عقليان في حين أن الفصل والخاصة والعرض العام حسية جزئية. والحد يؤلف من جنس وفصل، كلي وجزئي مثل «الإنسان حيوان ناطق». فيكون الحيوان جنسًا، والناطق فصلًا. الحد لموجود والفصل هو الذي يحققه. وهو المقوم لوجوده. الحد لا يكون لشيء معدوم أو غيبي. ومن ثَم لا يمكن حدُّ الله؛ لأن الله لا فصل له. وحقيقة الجنس والفصل أن يعقلَا معانٍ مختلفة تكون لها لوازم، يشترك الجميع في بعضها، وهي الجنس، ويختلف في البعض الآخر وهو الفصل. وهي لوازم لا مقومات بالإضافة إلى معانيها. وهي مقومات للمعنى العام من حيث المفهوم؛ لأن المعاني العامة ليس لها وجود في الأعيان بل في الأذهان. واللوازم بحسب المفهوم لا بحسب الموجود، مثل الحس والحركة والإرادة لوازم للنفس ولكنها مقومات للحيوان من حيث مفهوم الحيوان في الذهن. والنطق مقولة ذهنية. والبسائط لها لوازمها في ذواتها، لا أكثر فيها ولا فصل لها مثل الكيفيات. إنما الفصل للمركبات. يحاذي الفصل الصورة كما يحاذي الجنس المادة. والناطق ليس فصل الإنسان بل لازم من لوازم الفصل وهو النفس الإنسانية. ولا سبيل البتة إلى معرفة الفصول المنوعة وإدراكها. وإنما يدرك لازم من لوازمها. فلا سبيل إلى معرفة ما يفصل النفس النباتية عن الحيوانية وعن الناطقة. وما يقال إنها فصل هو من لوازمها. الناطق يدل على الفصل المقوم للإنسان. وهو معنى أوجب له أن يكون ناطقًا. والحد على هذا النحو يكون رسمًا لا حدًّا. وكذلك الأمر فيما تتميز به الأشخاص وما تتم به الأمزجة. والميت يُحمل عليه الإنسان باشتراك الاسم، فيقال هو الإنسان. وحمله غير واجب. فالإنسانية تتضمن الحيوانية. ولا يصح أن يُحمل على الميت أنه حيوان. وأقل الأشياء التي يحتاج إليها في تعريف المجهولات شيئان معلومان. والموضوع هو الشيء الحامل للصفات. والأحوال مختلفة مثل الماء والجمود والغليان، والثوب للسواد والبياض. فواضح أن المنطق عند الفارابي هو منطق الذهن والطبيعة وما بعد الطبيعة في آنٍ واحد. وهو نموذج للإبداع الجزئي الحثيث الذي يبزغ من التفكير في الموضوع.٣٦
وتظهر مسائل متفرقة من مبحث الألفاظ، مثل الاسم المشكِل الذي قد يعني الاسمَ المشترَك الذي لم يُقصَد به معنًى واحد، أو الاسم المتواطئ. وله مسميات عديدة قد لا تتقدم وتتأخر وقد تتقدم وتتأخر، مثل الجوهر والعرض، والقوة والفعل، والنهي والأمر. والأسماء غير المخلصة ثلاثةُ معانٍ: العدم؛ مثل جاهل أو أعمى، وضع الشيء عن أمر موجود؛ مثل عدد الزوج، ورفع الشيء عن أمر لم يكن فيه أصلًا، لا في كلِّه ولا في بعضه؛ مثل الله لا ثابت، لا خفيف، ولا ثقيل. وهي الأسماء السلبية أو العدمية أو الناقصة كما هو الحال في اللاهوت السلبي.٣٧
ويعرض الفارابي للمقولات العشر. فالجوهر والعرض بين المنطق والطبيعيات بل وما بعد الطبيعة؛ لأن المنطق منطق وجود، والطبيعة صورية، وما بعد الطبيعة طبيعيات مقلوبة. والسؤال في الجوهر كيف يحمل بالتقدم والتأخر.٣٨ والسؤال في العرض كيف يحمل على الأجناس العالية. والفعل والانفعال في الكيفية مقولة واحدة بالعرض ومقولتان بالجوهر. والفعل أثبت، والانفعال أقرب إلى الزوال. فيجمع الفارابي بين الوحدة والاختلاف في نظرة كلية واحدة كالعادة. وليس من المضاف بالرغم من اقترانهما بل من اللزوم. واللزوم أقوى من المضاف. المضاف نسبيٌّ (من النسبة)، في حين أن اللزوم ضروري، لا يتوقف أحدهما على الآخر. ومع ذلك لا يتكافآن في لزوم الوجود، فالفعل أكثر لزومًا من الانفعال. ويعرض الفارابي للمقولات في صيغة تساؤلية حتى يمكن التحول من النقل إلى الإبداع؛ مثل: هل ينقسم المضاف إلى أنواع ذاتية، وما هي هذه القسمة؟ ويتساءل على النسبة في صيغة «له». وهل المساوي وغير المساوي الخاص الكم، والشبيه وغير الشبيه الخاص؟ هل المساواة مقولة كمية والشبه مقولة كيفية؟٣٩
ويتساءل الفارابي: كيف يكون وجود الأشياء العامية وهي الكليات، وعلى أي جهة؟ الكليات توجد بالعرض في حين أن الأشخاص توجد بالأساس. الأولوية في الوجود للأشخاص على الكليات. وهو ما يتفق مع النظرية الواقعية في المنطق. ولا يعني ذلك أن الكليات أعراض؛ فالكليات لها وجود في الذهن. يجمع الفارابي بين النظرتين الواقعية والمثالية كما جمع بين أرسطو وأفلاطون. والكليات ضربان: كلي بالجوهر لا تعرف من موضوعاتها ذواتها، وكلي بالعرض تعرف من موضوعاتها ذواتها. والأشخاص ضربان، شخصي بالجوهر لا يعرف من موضوعاته ذواتها، وشخصي بالعرض تعرف من موضوعاتها ذواتها.٤٠

وتتداخل موضوعات المنطق والطبيعة وما بعد الطبيعة مثل الهوية. فهوية الشيء عينيته ووحدته وتشخصه وخصوصيته ووجوده المتفرد. له كل واحد لا اشتراك فيه. والهو هو معناه الوحدة والوجود ويسمى رابطة؛ لأنه يربط بين المعنيَين. ومعناه الوجود بالحقيقة. وإذا كان الموضوع اسمًا مشتركًا تغيرت الرابطة بحسب تغيُّر الموضوع فلا يكون واحدًا.

وتقوم الشركة في الصفات كلِّها إلا الوضع والزمان. فبهما يكون التشخص. ولما كان الوضع ينتقل فإن التشخيص لا يدوم به. ومن ثَم يتشخص الوضع بذاته وبالزمان (وليس بالمكان)، والزمان يتشخص بالوضع. وكل زمان له وضع مخصوص؛ لأنه تابع لوضع مخصوص من الفلك. ويتشخص الوضع بالمكان؛ لأن نسبته لما يحويه مغايرةٌ لنسبة المكان الآخر لما يحويه. والحقيقة أن المشاركة ليست في الوضع والزمان. كما أن الوضع لا يتشخص بالزمان. إذ قد يكون الوضع خاصًّا بالجماد في حين أن الزمان خاصٌّ بالإنسان إلا إذا كان المقصود زمان الفلك، وهو إسقاط من الإنسان على الطبيعة: والزمان لا يتشخص بالوضع وإلا كان خلطًا بين الزمان والمكان، بل يتشخص بالفردية والوعي الذاتي.

وتبرز قضية الرابطة بين الموضوع والمحمول في سؤال: هل قضية الإنسان موجود ذات محمول أم لا؟ وقد اختلف القدماء فيها بين الإثبات والنفي. والفارابي يُثبت القولين، كل في جهة. ففي العلم الطبيعي غير ذات محمول وفي البناء المنطقي ذات محمول. هي قضية فعل الكينونة الشهيرة بين اللغة العربية التي لا يظهر فيها واللغات الأجنبية التي يظهر فيها. الوجود في اللغة العربية ليس في حاجة إلى إثبات في اللغات الأجنبية؛ لأنه متضمن في الموضوع في حين أنه في حاجة إلى إثبات في اللغات الأجنبية؛ لأن المحمول إضافة معنًى. يميز الفارابي بين المنطق والطبيعة كما هو الحال في الرد على جالينوس في التمايز بين العلم الطبيعي والطب. ويتساءل عن المحمول والموضوع في كتاب القياس من أي الأسماء؟ ويردُّ بأنها من الأسماء المنقولة. الجوهر هو الموضوع، والعرض هو المحمول. لا يوجد إذن فرقٌ في الأسماء بين المنطق والطبيعة، كلاهما يخضع لبنية واحدة.٤١
والمقدمات مكتسبة وليست بالفطرة. ولا يفصِّل الفارابي كثيرًا فيها على عكس تفصيل القضايا، المتضادات والمتقابلات. ليست المتضادات مثل البياض والسواد. كما أن العلم بالأضداد ليس واحدًا بل من جهات متعددة. فقد يوجد حكمان متناقضان من جهتَين مختلفتَين كلاهما صحيح. وهي مسألة جدلية من حيث الممكن على الأكثر. أما المتقابلان فهما الشيئان اللذان لا يوجدان في موضوع واحد من جهة واحدة في وقت واحد. وهي أربعة: المضافان، والمتضادان، والعدم والملكة، والموجبة والسالبة.٤٢
والوجوب والإمكان والوجود هي جهات القضايا في المنطق أو تصورات ما بعد الطبيعة. وهي معانٍ مركوزة في الذهن لا يوجد أوضح منها. سمَّاها المتكلمون منذ الجويني في «العقيدة النظامية» أحكامَ العقل الثلاثة، الوجوب والإمكان والاستحالة. وأصبحت في علم الكلام المتأخر أحكام العقل وأحكام الوجود في نفس الوقت. فالمنطق في علوم الحكمة يعادل نظرية العلم في علم الكلام. والطبيعيات تعادل نظرية الوجود، والإلهيات تعادل نظرية التوحيد والعدل، والإنسانيات، أي الأخلاق والاجتماع والسياسة والتاريخ تُعادل النبوات، أو السمعيات، النبوة، والمعاد، والإيمان والعمل، والإمامة.٤٣
وفي منطق البرهان يتساءل الفارابي: هل تتكافأ الأدلة، وجود دليل للشيء ونقيضه؟ ويُجيب الفارابي بأن النفي المطلق والإيجاب المطلق خطأ. إنما الأمر في حاجة إلى تخصيص للأمور. فإذا كانت الأمور إما ممكنة أو ضرورية فالممتنعة ضرورية سالبة، وكأن الممكن يعتمد على المشهورات والمقنعات والظنون الحسنة والتقليدات. هنا لا تتكافأ الأدلة حيث لا يوجد دليل أو حجة. أما الأمور الضرورية فهي التي توجد، أو لا توجد، ويكون الدليل عليها صحيحًا، والدليل على نقيضه واهيًا. يبدو الفارابي هنا عالمًا مدققًا لا يُطلق الحكم. وهو أقرب إلى نفي تكافؤ الأدلة في الحالتين كما هو الحال في نظرية العلم في علم أصول الدين.٤٤
والتمثيل هو الحكم بالجزئي على الجزئي لاشتراكهما في المعنى الكلي حين يكون أحدُهما أقلَّ ظهورًا من الآخر. والقياس الجدلي هو ردُّ الشيء إلى المشارك له في علته للحكم بمثل الحكم الذي أوجبتْه العلةُ وهو التمثيل. وهو تداخل مع القياس الشرعي والاشتراك في العلة بين الأصل والفرع مع أن القياس الشرعي ليس حكمًا بالجزء على الجزء بل حكمًا بالأصل على الفرع، أي بلغةِ المنطق: بالكلي على الجزئي. وهذا نموذج تركيب الوافد على الموروث.٤٥
ونظرًا لارتباط المنطق بالرياضة ظهرت الموضوعات الرياضية متداخلة مع الموضوعات المنطقية، فالنقطة كيفية في الخط، وهو مثل التربيع؛ لأنها حالة للخط المتناهي. ويعتبر السطح نهاية ومقدارًا. وهو ليس مقدارًا بالجهة التي هو بها نهاية. المقدارية تفترض بُعدَين، مثل الفصل والجنس، وليس كالصورة والمادة كبُعدَين للجهة. والوحدة فاعلة للعدد. لذلك هي جزء له. والنقطة بالمماسة. إذا بطلت المماسة بالحركة لم تبقَ النقطة، ولم يبقَ الخط الذي النقطة مبدأ له. هنا تتحول الهندسة إلى ميكانيكا، من هندسة ثابتة إلى هندسة متحركة. وكلُّ ما له أول وآخر فنسبتُه اختلافٌ مقداريٌّ؛ كالوقت، أو عددي؛ كالواحد والعشرة، أو معنوي؛ كالجنس والنوع. والوجود لا أول ولا آخر له بذاته. والعدد ضربان، أحدهما المعاد وهو النفس، أي العقل، والآخر المعدود، وهي أعيان الموجودات. وكلاهما غير معدود. إنما المعدود هي الأعيان. وما في الأعيان محدود دون زيادة أو نقصان إلا بالآفة وبالعرض. وما في العقل غير محدود يقبل الزيادة والنقصان بالذات. الأولى كم، والثانية كيف. فالرياضيات أيضًا لا تنفصل عما بعد الطبيعة.٤٦

ولما كانت الموسيقى جزءًا من العلم الرياضي، وكانت الرياضيات والمنطق على التبادل فقد بدأ الفارابي رسالةً في «إحصاء الإيقاع» بالإضافة إلى «الموسيقى الكبير». ورسائل ابن سينا وإخوان الصفا داخل الرسائل الرياضية. وهو غير كتاب «الإيقاعات» أو «الإيقاع» أو «في الإيقاع». ويظهر التراكم الفلسفي عند الفارابي بنقد كلام الكِنْدي في الإيقاع على عكس ابن سينا الذي لا يُشير إلى أحد من السابقين صمتًا على مصادره. بل إن الفارابي يذهب إلى أبعد من الكِنْدي إلى مصادره عند الموصلي وأبي منصور بن طلحة، مصادر الكِنْدي. ويذكر كتاب الموصلي «تأليف النغم»، وكتاب «المؤنس» لمنصور بن طلحة. نقَد الفارابي الكِنْديَّ بأنه قلَّد إسحاق دون أن يختبرَ بنفسه. فالعلم عنده تجربة ذاتية بناء على تجارب شخصية وليس نقلًا عن القدماء على عكس ابن سينا الذي حوَّل الفهم إلى حفظ، والإبداع إلى تجميع. ومن ثَم يكون تطور الموسيقى من الكِنْدي إلى الفارابي هو تطورها الطبيعي من النقل والتقليد إلى البحث والإبداع. فقد ذهب على الموصلي أشياء كثيرة مع حِذْقه بالألحان المسموعة وارتياض دربته بالصناعة العملية كما يذهب على البادئ بصناعة لم يسمع فيها شيئًا قبله. عيبُ الموصلي ربما الإبداع الصرف دون تأصيلٍ له في التراث الموسيقي قبله. ويذكر الفارابي أسماءَ السابقين تأهيلًا للموضوع في التراث وذاكرًا لمن أتَوا بعده مثل الكِنْدي.

ويصحح الفارابي أخطاءَ السابقين؛ مثل الكِنْدي، ومنصور بن طلحة، من أجل إكمال العلم. ويراجع التراث الموسيقي، ويبيِّن تقليد التلاميذ للأساتذة، وينعَى نقص الإبداع. فقد كان الكِنْدي على مذهب إسحاق الموصلي. ولما كان الفارابي ضد التقليد فإنه يراجع ويتحقق بنفسه. خطأُ التقليد هو الاستمرار في الخطأ الأول كما أخطأ إسحاق وتبعه مقلدوه؛ مثل الكِنْدي، ومنصور بن طلحة، فقد ظن الكِنْدي أن بعض الإيقاعات غيرُ مستعملة في عصره، وأن المستعمل هو الذي ذكره إسحاق. وقد أخطأ إسحاق في ذلك. لم يتكلم الكِنْدي عن بصيرة وخبرة شخصية بالإيقاعات، وإنما تابع إسحاقَ وقلَّده من غير أن يمتحن قولَ إسحاق في الألحان. كما أنه لم يتأمل أشعار العرب وألحانهم حتى يجرب بنفسه ويقول عن بصيرة، ويحكم عن دراية عما استعمل وما لم يستعمل حتى لا يتابع إسحاق في أحكامه وينقل عن كتبه. ولما كان العلم شعورًا بالموضوع لم يشعر إسحاق ومَن تبعه مثل الكِنْدي بالهزج ولا بشيء من ضروبه. فشرط الإبداع هو الشعور بالموضوع.٤٧
والتراث الموسيقي هو التراث المحلي، من إسحاق الموصلي إلى الكِنْدي إلى منصور بن طلحة في حين لم تُذكر بيئة الوافد إلا نادرًا.٤٨ويحال إلى البيئة العربية في بغداد وليس إلى بيئة جغرافية مغايرة. ويتحدث عن أهل زمانه وليس زمان غيره. والموضوع نفسه محلِّي صرْف، وليس الموضوع اليوناني، مستمد مما اشتهرت به بغداد من موسيقى وألحان وغناء. وتبدأ الرسالة بالتراث المحلي، وذكر إسحاق أولَ صاحب لهذه الصناعة بالرغم من أن النص مبتورٌ من أوله.
وفي رأي الفارابي أن المؤسس الأول للموسيقى هو إسحاق الموصلي، وأن المؤسس الثاني هو الكِنْدي الذي أدخل الفلسفة على صناعة الموسيقى لتأسيس العلم والبحث في القوانين ولكن الكِنْدي أوهم أن ما كتبه مأخوذٌ عن اليونانيِّين وسماها بأسماء إسحاق. قام الكِنْدي بعملية «التضمن الكاذب»، المضمون من الوافد، واللفظ من الموروث. كان المحلي عند الكِنْدي أضيقَ نطاقًا، والوافد أوسع نطاقًا؛ لذلك اختار الكِنْدي ما اتفق من الوافد مع الموروث من إسحاق الموصلي والوافد من اليونان من أجل وضع قوانين الموسيقى، وسماها بأسماء إسحاق وهي أسماء زمانه. كما أوهم أنها إيقاعات غير التسعة التي يستعملها العرب بل وافدة من اليونان، ولا يستعملها العصر. والإيقاعات التي كتبها الفارابي، وهو أفضل مَن تُمثِّل الموروث، إنما هي مستمدة من الألحان العربية والأشعار العربية ومتداولة بين ملحِّني العرب بالرغم من ذكر الكِنْدي أنها غير مستعملة في العصر وأن المستعمل هو ما ذكره إسحاق مع أن إسحاق قد أخطأ في بعضها، وأن ما أصاب فيه صنفٌ واحد فقط. ولم يُؤلَّف بعد الكِنْدي لحنٌ عربي استُعمل فيه إيقاعٌ خارج الألحان القديمة في زمانه. بل إن الألحان القوية المقننة في زمانه كانت أكثرَ مما في زمن الفارابي. ومع ذلك كلُّ ما ذكره الفارابي كان موجودًا في زمانه وزمان إسحاق٤٩
لم يقتصر الأمر على بغداد حيث عاش إسحاق، بل امتد إلى خراسان حيث عاش منصور بن طلحة، وقد كانَا متعاصرَين. تبعه الكِنْدي، وقرأ كتابه مع أن منصور تَبِع إسحاقَ في الإيقاعات دون زيادة علم. وثق به الكِنْديُّ. ولو أنه تأمَّل الألحان بنفسه لوجد أن معظمها معطَّلٌ في الألحان العربية، وأن كثيرًا مما ذكر أنها معطلة، ما زالت مستعملةً في أشعار العرب. للفارابي حسٌّ تاريخي، ما هو مستعمل وما هو غير مستعمل من الألحان بالإضافة إلى حسِّ الإبداع، وضرورة ممارسة الموسيقى وليس مجردَ نقلِها. كان إسحاق معذورًا؛ لأنه لم يكن صاحبَ فلسفة ولا مُقتفيًا أثرَ الفلاسفة، ولا قصد أن ينحوَ نحوهم، ولا سمع مذاهبهم في الموسيقى. إنما اجتهد بنفسه أن يلتقط ما خُيِّل إليه من النغم والإيقاع والتي كان على دراية باستعمالها وسماعها. فأثبت ما عرف. وأصاب في كثير مما كتبه. ولم يبعد فيما أخطأ فيه من الصواب. وهو مشكور عليه. وكل ما كتبه يُعدُّ رأيًا له صائبًا وشاهدًا لما أوجبه البرهان التعليمي، يستند إليه ويُصلح ما أخلَّ به. ونظرًا لاتِّباع الكِنْدي له فإنه لا رأْيَ له من نفسه عن بصيرة. وذكر أن بعض الألحان مستعملةٌ في عصره وهي ليست كذلك ولا في أي عصر سواء بسيطة أو مركبة. وهي التي غلط فيها إسحاق، وهي الخفيف والهزج. ويُطالب الفارابي بالنظر في كتاب الكِنْدي المشجر المحقق من صدْق حكمه، هنا يبدو الفارابي عالمًا ومؤرخًا، مبدعًا وواعيًا بالتراث الموسيقي القديم. كما تبدو أهمية الجمع بين الفلسفة والموسيقى، مثل الكِنْدي والفارابي لاكتشاف قوانينها وليس فقط ممارستها كإسحاق الموصلي. فالحقيقة مشروطة بالبحت النظري المجرد. ومع ذلك التجربة موصلة أيضًا للحقيقة. والأكمل ازدواجها مع البحث النظري. أما التقليد فليس رأيًا، والأفضل المراجعة والتحقق الذاتي وإلا صدرت أحكامٌ خاطئة في الزمان والتاريخ.٥٠
١  تضم الرسالة أربعة أقسام؛ الأول مقدمة عن المعرفة والحقائق والصفات البسيطة والمركبة (ص٣٥–٣٨٤)، والثاني نماذج الحدود (ص٣٨٥–٣٩٢)، والثالث حديث عن الشكل والعدد والنسبة والهندسة والسطح والنبات والدنيا والبعث والألوان والنور والخضرة والسعود والطعوم (ص٣٣٩–٣٩٣)، والرابع خاتمة.
٢  عدد الحدود (١٣٨)، البسيط (١٣٢)، المركب (٦).
٣  لا تتجاوز مصطلحات المنطق الصرف الجنس والشخص والخاصة. وقد حاول ديكارت واسبينوزا في الفلسفة الغربية نفس الشيء.
٤  هناك أمثلة ستة من المركب الطيني ماء تراب. السكنجبين – عسل خل السرير – صورة + خشب الكلام – ألفاظ + معانٍ. اللحن – نفحات حادة + نفحات غليظة. الحيوان نفس + جسد. والبسيط مثل: الهيولى، الصورة، الجوهر، الصفة، الشيء، الموجود، المعدوم، العدم، القديم، المحدث، الأحداث، العلة، المعلول.
٥  الجمع مثل الحركات، الجهات، المعادن، الرياح، الألوان، الثلوج، السيول، الأنهار، الزلازل، الجبال، الجزائر، البراري، الوديان.
٦  اللفظ المركب مثل العقل الفعال، الطبيعة الفاعلة، حدود الأنهار، قوس قزح، مركز الأرض، زيادة البحر، الطبائع الأربعة، الأركان الأربعة، الأخلاط الأربعة، المولدات الكائنات، أجرة الأجير. والجملة مثل: من أي موضع تجرى الأنهار كلها، عدد الألوان المتناهية بأصباغها، مد بحر فارس وجزره في اليوم والليلة.
٧  الرسائل ج٣، ص٣٨٧.
٨  مثل ما الفلك؟ جسم شفاف كروي محاط بالعالم. وما العالم؟ السابق ص٣٨٧.
٩  الغيم، السابق، ص٣٨٩، القدرة، ص٣٨٦، ٣٩١، الإرادة، ص٣٨٦، ٣٩١، البخار، ص٣٩٨، الدخان، ص٣٨٨، ٣٨٩، البرق، ص٣٨٨، ٣٨٩، الأرض، ص٣٨٧، ٣٩٠، الهواء، ص٣٨٧، ٣٩٠، الفلك، ص٣٨٧، ٣٩٠.
١٠  السابق، ص٣٨٩، ٣٩٠-٣٩١.
١١  الموضوعات الطبيعية (٩٩)، مثل: الحرارة، البرودة، الرطوبة، اليبوسة، اللون، الدائمة، الصوت، الحركات، حالتهن في الأفعال، النور، الظلمة، النهار، الليل، المكان، الزمان، العالم، الكواكب، الجسم، الجسم الشفاف، النار، الهواء، الماء، الأرض، الجهات، الطين، الزبد، البخار، الدخان، البرق، المعادن، النبات، الحيوان، الإنسان، الرياح، الطبيعة الفاعلة، الأثير، النسيم، الزمهرير، الشعاع، انعكاس الشعاع، السحاب، المطر، الرعد، الصاعقة، الضباب، الآلة، قوس قزح، عدد الألوان المتناهية بأصباغها، الثلوج، البرد، السيول، حدود الأنهار، من أي موضع تجرى الأنهار كلها، الزلازل، الخسوف، الجبال، الجزائر، البراري، العذران، حركة الأرض، البحار، زيادة البحر، مد بحر فارس وجزره، في اليوم والليلة، الطبائع الأربعة، الأركان الأربعة، الأخلاط الأربعة، المولدات الكائنات.
١٢  الإنسانيات (١٠)، وتتعلق معظمها بنظرية الفيض، مثل: العقل الفعال، النفس، الإرادة، العقل الإنساني، القدرة، الاختيار، الجهل، الاعتقاد، الوهم، الإلهيات (٩)، مثل: العالم، العلم، الحي، القادر، الفاعل، الباري، القدرة، الصفة. ما بعد الطبيعة (٢٤)، مثل: الهيولَى، الصورة، الجوهر، الشيء، الموجود، المعدوم، الوجود، العدم، القديم، المحدث، الأحداث، العلة، المعلول. الدينية (١٤)، مثل: الإيمان، الإسلام، الدين، الكفر، الشرك، الجحود، المعصية، الطاعة، المعاد، الثواب، العقاب، المعروف، المنكر، أجرة الأجير، الدنيا، الآخرة، الجنة، جهنم، البعث، النوم، القيامة، الحشر، الحساب، الصراط.
١٣  الإيمان تصديق بما يخبر به الإسلام، تسليم بلا اعتراض، الدين طاعة من جماعة لرئيس ينتظر منه نيل الجزاء، المعصية خروج من الطاعة، الطاعة انقياد لأمر نهي الناهي، المعروف فعل ما جرت به العادة ولم تنهَ عنه الشريعة والسنة، المنكر فعل ما لم تجربه العادة لا في الشريعة ولا في السنة ج٣ ص٣٩٢. الباري علة كل شيء، وسبب كل موجود ومبدع المبدعات، ومخترع الكائنات ومتقنها، ومتممها، ومكملها ومبلغها إلى أقصى مدى غاياتها ومنتهى نهاياتها بحسب ما يأتي في كل واحد منها ج٣ ص٣٨٦.
١٤  كما هو الحال في الوضع العربي في الخليج الآن.
١٥  السابق، ص٣٩٣، ٣٩٧-٣٩٨.
١٦  الحدود، تسع، ص٧٢–٧٥.
١٧  السابق، ص٧١–٧٩، ٩٠-٩١.
١٨  السابق، ص٨١، ١٠١-١٠٢.
١٩  النفسانيات الطبيعيات حوالي النصف، والأخلاقيات حوالي الثلث، والمنطق الخمس، والإلهيات لا تكاد تُذكر. الحدود في «المقابسات» (١١٤)، الأخلاقيات (٣٢)، النفس (٢٧)، الطبيعيات (٢٦)، المنطق (٢٦)، الإلهيات (٣)، المقابسات، ص٣٠٨–٣١٩.
٢٠  وذلك مثل: الجشهم، حمحم، لاثية، لاوته، الشاكد، الذود، حدرة، عكرة، عجرمة، خطر، عرج، الآل، الآثم، مناضيب، مناحيب، العروب، الضبهاء، المندلى المطير، القنيل، الإمتاع والمؤانسة، ج٣، ١٢٦-١٢٧، ١٩١–١٩٣، ٢٠١-٢٠٢.
٢١  السابق ص٧٨، ٢٨٤، ٢٤٠-٢٤١، ٣٠٨، ٣٢٧.
٢٢  وهذا ما سماه عثمان أمين مثالية اللغة العربية، انظر «الجوانية»، ص١٤٩–١٨٤؛ في اللغة والفكر، ص٣١–٣٦، فلسفة اللغة العربية، ص٢١–٥٦.
٢٣  هي: البعو، الجعو، السعو، الشعو، الصعو، الفعو، اللعو، النعو!
٢٤  كان النبي يمزح ولا يقول إلا حقًّا، الهوامل والشوامل، ص١٢.
٢٥  المقابسات، ص٨، ١٣-١٤.
٢٦  السابق، ص٣١٩.
٢٧  السابق، ص٢٤٠-٢٤١.
٢٨  السابق، ص٣٢٧.
٢٩  السابق، ص٢٨٦–٢٨٨.
٣٠  السابق، ص٢٧٩.
٣١  وذلك بناء على التوجه القرآني وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، الهوامل والشوامل، ص٢٠–٢٤، ٢٦٢–٢٦٤، ٢٢٠، ٢٣٠–٢٣٣.
٣٢  المقابسات، ص٣٢٩.
٣٣  عيون المسائل (٢٢)؛ المنطق (٢)، (١-٢)؛ الطبيعيات والإلهيات (١٧)، (٣–١٩)؛ الإنسانيات (٣)، (٢٠–٢٢)؛ المجموع، ص٦٥–٧٥؛ وفى المسائل المتفرقة في طبعة حيدر أباد، المسائل (٤٢)؛ المنطق (٢٦)؛ الطبيعيات (٢)؛ النفس (٣)؛ الدين (١)؛ فصوص الحكم، المسائل (٦١)؛ الإشراقيات (٥٩)؛ المنطق (٢)، (٥٩-٦٠)؛ التعليقات، مسائل (١٠٢) متفاوتة طولًا وقصرًا؛ الطبيعيات (٤٤)؛ النفس والعقل (٣٠)؛ المنطق (١٦)؛ الله (١٢).
٣٤  عيون السائل، المسألتان الأولى والثانية، المجموع، ص٦٥، ١٠٥. وهو يُشبه ما قاله كانط بعد ذلك في «نقد الشيمائية الترنسندنتالية» مما يدل على أن الفلسفة الحديثة هي عصر وسيط في إطار الذاتية.
٣٥  المسائل، المجموع، ص٩٢، ولمحمد عبده مقال في نفس المعنى في العروة الوثقى.
٣٦  المسائل، الجموع، ص١٠١–١٠٤، ١٠٦-١٠٧، ١٧٣-١٧٤؛ فصوص الحكم، ص١٧٤.
٣٧  المسائل، المجموع، ص٩٤-٩٥، ١١١-١١٢.
٣٨  السابق، ص٩٥-٩٦.
٣٩  السابق، ص٩٤، ٩٨–١٠٤.
٤٠  السابق، ص٩٤، ١١٠-١١١.
٤١  السابق، ص٩٧، ١٠٠.
٤٢  السابق، ص٩٦-٩٧، ١٠٩-١١٠.
٤٣  عيون المسائل، المجموع، ص٦٥.
٤٤  السابق، ص، ١٠٤-١٠٥.
٤٥  السابق، ص١١٢-١١٣.
٤٦  في الفلسفة الغربية المعاصرة كان السؤال عن العدد عند هوسرل في «فلسفة الحساب» في العقل أم في النفس وليس في الأعيان.
٤٧  الفارابي، إحصاء الإيقاع، نصوص فلسفية، ص٦١-٦٢، ٧٥–٧٧.
٤٨  الموصلي (١٨)؛ الكندي (١٣)؛ منصور بن طلحة، العرب (٧)؛ اليونان (٢).
٤٩  إحصاء الإيقاع؛ نصوص، ص٧٦-٧٧.
٥٠  السابق، ص٧٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤