الربط بين العرق والثروة
قَدِم المهاجرون من شتى أنحاء العالم إلى أمريكا طواعية منذ اكتشافها؛ بسبب الوعد بمُستقبلٍ أفضل. بمعنى أن أمريكا هي المكان الذي إذا اجتهَدتَ فيه، يمكنك أن تتعبَّد كما تشاء، وتعتنق معتقداتٍ سياسيةً مختلفة، وتَنجح اقتصاديًّا، وتُمرِّر ذلك الثراء والرخاء إلى أبنائك من بعدك. ولكن حقيقة هذا الادِّعاء كانت ولا تزال مختلفة تمامًا، ومن الصعوبة بمكان بلوغها بالنسبة إلى الكثير من الأمريكيين، لا سيما عند النظر إليها من خلال عدسة العرق.
بداية، كانت الثروة في الولايات المتحدة، ولا تزال، قائمة على العديد من الحقائق، من بينها الأصول المرئية، مثل الأراضي والأموال (جيرستل ٢٠٠١: ٧؛ أوليفر وشابيرو ١٩٩٥: ٢). تتضمن معادلة الثروة أيضًا الأصول غير المرئية، مثل التعليم، والمعرفة والمهارات المتخصصة، والفرص، والامتيازات. ويتَّسم تاريخ النمو الاقتصادي للولايات المتحدة بطابَعٍ عرقي إلى جانب كونه قائمًا على الطبقية. ولم يُخلِّف ذلك منظومةً اجتماعيةً متدرجة عرقيًّا فحسب، بل خلَّف أيضًا منظومةً اقتصادية لا بد أن نفهمها من أجل البدء في تفكيكها. سوف يَستكشِف هذا الفصل الدور الذي لعبه العرق وتقاطعاته مع الطبقية، وإلى حدٍّ ما، مع النوع الاجتماعي، والجغرافيا، من أجل الحفاظ على التفاوت في الثروة. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدُّم حتى الآن، لا تزال سياسات وممارسات الماضي المتعلِّقة بحيازة الأراضي، وامتلاك المنازل، وجمع الثروة التي كانت تحابي النخبة من الأمريكيين الأوروبيين تحافظ على التفاوت في الثروة بين الجماعات الملوَّنة المُعرقَنة حتى يومنا هذا (أوليفر وشابيرو ١٩٩٥؛ وشابيرو وآخرون ٢٠١٠). ولكن دعنا أولًا نبحث كيف نشأت هذه المنظومة وقت ميلاد ديمقراطيتنا في القرن التاسع عشر.
(١) حيازة الأراضي خلال الفترات الاستعمارية
خلال الفترات الاستعمارية كانت حيازة الأراضي مقتصرة على الذكور البيض الأثرياء على امتداد الساحل الشرقي، وأخيرًا فيما أصبح يُعرف بعد ذلك الولايات الجنوبية. خلال هذه الفترة، من عام ١٦٠٤ حتى عام ١٨٠٠، كانت المطالبة بالأراضي من الأمريكيين الأصليين تتمُّ إما عن طريق المقايضة أو الاتفاقيات أو المصادرة. بحلول عام ١٨٠٠، أدى المرض، والحرب، والمعاهَدات الأمريكية الاستعمارية إلى نزوح معظم القبائل إلى غرب جبال الأبالاش. ومع حلول منتصف ثلاثينيات القرن التاسع عشر، أجاز قانون تهجير الهنود الصادر عام ١٨٣٠ للحكومة ترحيل آلافٍ آخرين من الأمريكيين الأصليين إلى الأراضي الواقعة غرب نهر المسيسيبي، ولقي المئات حتفهم جراء تلك الخطوة، التي يُطلَق عليها «درب الدموع» (انظر الفصل السادس لنظرةٍ أكثر شمولًا على القوانين الأمريكية المتعلِّقة بمصادرة أراضي الأمريكيين الأصليين). بحلول عام ١٩٠٠، وبموجب قانون إتاحة الأراضي العامة للاستخدام الزراعي الصادر عام ١٨٦٢، الذي منَح المستوطنين قطعًا من الأراضي العامة بمساحة ١٦٠ فدانًا، سُمح لآلافِ الأمريكيين البِيض بالاستيلاء على أراضٍ كان يشغلها الهنود الأمريكيون فيما سبق. إضافة إلى ذلك، قسَّم قانون دوز للملكية الفردية لعام ١٨٨٧ الأراضي التابعة للقبائل إلى حصصٍ فردية. وكانت الأراضي التي تُعتبَر زائدة تُباع إلى مشترين بيض. وحتى عام ٢٠٠٧، لا يزال ٦٠ بالمائة من الأراضي التي كان يُفترض أنها مملوكة للأمريكيين الأصليين في المحمية الهندية؛ غير مملوك للجماعة القبَلية. وخسر الأمريكيون الأصليون ٩٥ بالمائة من أراضيهم حتى الآن؛ إذ تم تهجيرهم على نحوٍ مُمنهَج من قِبَل الحكومة الأمريكية، التي هيَّأت في نفس الوقت فرصًا قانونية للمستوطنين البيض للاستحواذ على الأراضي مع اتجاه الدولة غربًا. وقد أطلَق بعضُ المؤرِّخين على هذه العملية أيضًا اسم «المصير الحتمي»، وبرَّروا ذلك بالحاجة إلى مزيد من الأراضي لاستيعاب ضغط البيض والمهاجرين الذين يحتاجون للاتجاه غربًا وتخفيف الزحام في الساحل الشرقي (زِن ٢٠٠٣: ٦٨٦).
من يملك الأرض؟
«خسر الأمريكيون الأصليون ٩٥ بالمائة من أراضيهم.»
خسائر مبكرة
خلال عقود من استعمار الأوروبيين الأوائل للأمريكتَين، بدأت الأمراض في إهلاك السكان الأصليين. فقد تُوفي عدد لا حصر له من الأمريكيين الأصليين جرَّاء أمراضٍ أوروبية، مثل الجدري، والملاريا، والحصبة. وفي نيو إنجلاند وحدها، انخفضت أعداد السكان الأصليين بنسبة ٧٠ بالمائة. ورأى الكثير من المُستوطِنين من أوروبا في الأوبئة دليلًا على رضا الرب عن ادِّعاء ملكية الأرض واستعمارها.
إرث التخصيص
خلال أواخر العقد الأول من القرن التاسع عشر بدأت الحكومة الأمريكية في تحديد إقامة الأمريكيين الأصليين في المحميات، بهدف تحويلهم إلى مُزارعين. ولكن العديد من المحميات كانت تحوي مواردَ ضخمةً في مجال الزراعة، وزراعة الغابات، والتعدين. وأتاح قانون دوز للملكية الفردية لعام ١٨٨٧ الكثير من هذه الأراضي للشراء من قِبَل البيض. و«خُصِّص» لكل ذكَرٍ هندي ١٦٠ فدانًا، مع بيع الأراضي «الزائدة» لمُلَّاك المزارع ورجال الأعمال.
فيما بين عامي ١٨٨٧ و١٩٣٤، انخفضَت حيازات الأراضي لدى القبائل من ١٣٨ مليون فدان إلى ٤٨ مليون فدان.
لا تزال آثار تخصيص الأراضي ملموسة اليوم، في ظل «تقسيم» العديد من المحميات بين القبائل، والأفراد من الهنود وغير الهنود، والحكومات المحلية والفيدرالية. وبدون الامتلاك الفعلي للأراضي، يظلُّ الأمريكيون الأصليون من بين أفقر مُواطني البلد.
سار تخصيص الأراضي جنبًا إلى جنب مع السياسات الهادفة إلى دمج الهنود داخل ثقافة البيض. فمنذ ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى عشرينيات القرن العشرين، أُرسل آلاف من الأطفال الهنود إلى مدارسَ داخليةٍ خارج المحميات الهندية. وكان احتكاكهم بأُسرهم وبالتقاليد — بما في ذلك اللغة، والدين، والملبس — مقيَّدًا، وغالبًا ما كان يصل إلى مرتبة الحظر. وكانت العديد من المدارس تُرسل الطلاب للعمل كخدم في منازل البيض المحليِّين. وتُوفي الكثر من الأطفال من المرض والإهمال.
اقتلوا الهندي الذي بداخله، وأنقذوا الإنسان (الجنرال ريتشارد برات، مؤسس مدرسة كارلايل الهندية للتدريب الصناعي، ١٨٩٢، استُشهد به في معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
يحدوني قدرٌ وافر من الأمل في أن يمتلك الشعب الهندي هذه الأرض من جديد. لن يكون ذلك في حياتي، ولكن ربما يرى أحفادي يومًا تُصبح فيه كل الأراضي داخل حدود المحمية مملوكة فعليًّا للشعب الهندي وتحت إدارته (كريس شتاينبروك، رئيس مؤسسة «إنديان لاند تنيور»، مينيسوتا ٢٠٠٥، من تواصلٍ شخصي مع ريتشيل موريتز، متحف مينيسوتا للعلوم، سبتمبر ٢٠٠٦).
يمثل شعب الشيروكي دراسة حالةٍ مُثيرة للغاية في فهم كيفية سير هذه العملية على الأرض. ففي عام ١٨١٩، قرَّر شعب الشيروكي، في محاولة منهم للعيش في سلام مع التيار الدائم التمدد من المستوطنين البيض المتَّجهين غربًا، التعايُش معهم. وتبنَّوا أيضًا سياسةً فيدرالية كي يُصبحوا «مُتحضِّرين». وكان هذا يعني الاستقرار على قطع من الأراضي، والتحول إلى مزارعين. وقاموا بتأسيس حكومة كدولة ذات سيادة، ولكن لم يُعترف بحكومتهم قطُّ من قِبَل ولاية جورجيا. وبحلول العقد الثاني من القرن التاسع عشر وعلى الرغم من تبنِّيهم لطُرق وأساليب البيض المتحضرة، (بما في ذلك تأسيس هرمياتٍ عرقية داخل شعب الشيروكي)، كان ثمَّة ضغط من مواطني جورجيا البيض لدفع الحكومة الفيدرالية إلى تهجير الشيروكي لإفساح المجال للمزارعين البيض الراغبين في زراعة محاصيل القطن المجزية (ياربرو ٢٠٠٧: ٣٠).
تحويل «البنيين» إلى بيض/تهجير الشيروكي
لقد وضعت سياسة التحضر فعليًّا من أجل دمجنا داخل أمريكا، وكان هدفها أن تجعلنا مُزارعين في نهاية الأمر، وتجعلنا نعيش مثلما يعيش المُستعمِرون. لقد كانت سياسة التحضُّر من أجل جعلنا بيضًا بنيِّين (ريتشارد ألين، محلل سياسي، شعب الشيروكي، ٢٠٠٣: معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
قصة الشيروكي
بحلول عام ١٨١٩ كان شعب الشيروكي قد تنازل عن أكثر من ٩٠ بالمائة من أراضيه للحكومة الأمريكية، وتبنَّى سياستها القائمة على خلق هنودٍ «مُتحضِّرين» بتحويلهم إلى مُزارعين. أدار شعب الشيروكي مزارع ومشاتل في ألاباما، وجورجيا، وتينيسي، وفي عشرينيات القرن التاسع عشر بدءوا في نشر جريدة شيروكي فونيكس، وهي جريدة تتحدَّث بلغتَين. بل إن البعض منهم امتلك عبيدًا. وقاموا بتشكيل حكومة ودستور على غرار حكومة ودستور الولايات المتحدة. ولكن لم تَعترف ولاية جورجيا بوضعهم السيادي، واعتبرتهم بدلًا من ذلك مُستأجِرين يعيشون على أراضي الولاية. حين تقدَّم المُستوطنون البيض جنوبًا، مُتلهِّفين لزراعة القطن، استولوا على الماشية المملوكة للشيروكي، وحرقوا بلداتهم، واستولوا على أراضيهم. وبدءوا أيضًا في الضغط على الحكومة الفيدرالية للاستحواذ على إقليم الشيروكي.
الأراضي محل النزاع مملوكة لجورجيا، ولا بد أن تَحوزها، وسوف تحوزها (تقرير الهيئة التشريعية لولاية جورجيا، ١٨٢٧، استُشهد به في معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم.)
ربما تُنهب ممتلكاتنا أمام أعيننا؛ وقد يُمارس العنف على مواطنينا؛ بل قد تُسلَب أرواحنا، ولا يوجد أحدٌ ينظر إلى شكاياتنا بعين الاعتبار. نحن مجرَّدون من صفتنا القومية، محرومون من حق التصويت، نحن محرومون من العضوية في العائلة البشَرية! ليس لدينا أراضٍ ولا منازل، ولا مقبرة يُمكن أن تُسمى ملكًا لنا (زعيم قبائل الشيروكي، رسالة إلى مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب، ١٨٣٦، استُشهد به في معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
بما أنها قد نشأت وسط عرقٍ آخر ومُتفوِّق، فلا بد بالضرورة أن تَستسلم لقوة الظروف وتتلاشى قبل وقتٍ طويل (الرئيس أندرو جاكسون، الرسالة السنوية الخامسة للكونجرس، ١٨٣٣، استُشهد به في معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
فرص المواطن (الأبيض) العادي
في عام ١٨٢٨ انتُخب أندرو جاكسون رئيسًا على أساس برنامجٍ قائم على خلق فرصة أكبر «للمواطن العادي». ولكن أفكاره حول جَعْلِ أمريكا أكثر ديمقراطية لم تمتد إلى الأمريكيين الأصليين؛ فالهنود، من وجهة نظر جاكسون، لا ينبغي أن يُصبحوا مثل البيض، وإنما يجب أن يحافظوا على أنفسهم كهنود؛ على أرضٍ بعيدة عن مدن البيض ومُستوطَناتهم. وفي عام ١٨٣٠ أقر الكونجرس قانون تهجير الهنود، الذي أمر بتسليم أراضي قبائل الشيروكي، وكري، وتشوكتو، وتشيكاسو، وسيمينول شرق المسيسيبي.
درب الدموع
على مدى نحو عقد، دخَلت قبائل الشيروكي في حربٍ قانونية ضد تهجيرهم، وفازت باستئنافَين في المحكمة الأمريكية العليا. ولكن خلال شتاء عام ١٨٣٨، أرغمهم الجيش على مغادَرة منازلهم تحت تهديد السلاح. وتمَّ اقتيادهم في اتجاه الغرب إلى «الإقليم الهندي» المؤسَّس حديثًا في أوكلاهوما الحالية. بحلول عام ١٨٤٠ تم تشريد أكثر من ٤٦ ألف هندي شرقي؛ مما أتاح ٢٥ مليون فدان لاستيطان البيض.
في عام ١٨٢٣، انتُخب أندرو جاكسون رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية. كان لجاكسون شعبيةٌ هائلة وسط الطبقة العاملة أو «المواطنين العاديين»، خاصة صغار المزارعين. اعتُبر جاكسون، الذي كان أحد أبطال حرب ١٨١٢، الشخص الذي سيقود البلاد بينما هي ماضية في دفع شعبها نحو الغرب. وقد تشكَّلت فِكَره بشأن الهنود بفعل مِهنته السابقة كجندي في الحرب. وأدَّى هذا الانحياز إلى اتخاذ قراره بتهجير ليس فقط الشيروكي، بل أيضًا تهجير قبائل كري، وتشوكتو، وتشيكاسو، وسيمينول من أراضيهم. خاضت قبائل الشيروكي، على خلفية درايتها بقوانين ومحاكم الولايات المتحدة، حربًا قانونية ضد تهجيرهم على مدى أكثر من عشر سنوات. ولكن في عام ١٨٤٠ بدأ التهجير على أشدِّه مع استنفاد خياراتها القانونية كافة. وهذه هي القصة السياسية والاقتصادية وراء الاضطراب الذي صار معروفًا باسم «درب الدموع»، الذي ورد ذكره من قبل في هذا الفصل وفي فصولٍ أخرى. وقد أتاح هذا النزوح لمختلف الجماعات القبلية إلى إقليم أوكلاهوما الجديد ملايين الأفدنة من الأرض أمام أولئك المزارعين والمستوطنين البيض الجدد (زِن ٢٠٠٣: ٦٨٦).
ثمة مثالٌ آخر لضياع الأرض ومُصادرتها؛ هو الأرض التي خسرتها قبائل أوجيبوا أو أنيشينابه بولاية مينيسوتا في أواخر القرن التاسع عشر. فقد أُرغمَت هذه القبائل على التنازل عن أراضيها لإفساح مجالٍ للمزارعين من المهاجرين البيض، وتم ترحيلهم إلى «محمية الأرض البيضاء». ولكن بحلول عام ١٩٢٠ رأى سكان «الأرض البيضاء» معظم تلك الأراضي وقد بيعت على نحوٍ غير قانوني لشركات الأخشاب وللحكومة الأمريكية. لمزيد من المعلومات الأساسية عن العواقب المعاصرة لتلك القضية تحديدًا انظر قانون تسوية الأراضي بمحمية الأرض البيضاء لعام ١٩٨٥ (الكونجرس الأمريكي ١٩٨٥).
الغزو الأمريكي لكاليفورنيا المكسيكية
[إن] مصيرنا الحتمي أن ننتشر في شتى أنحاء القارة التي وهبنا الله إياها من أجل التنمية الحرة للملايين من سكاننا الذين يتضاعفون سنويًّا (جون أوسوليفان، كاتب عمود ومحرر، ١٨٤٥، استشهد بها في معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
الحرب المكسيكية الأمريكية
في عام ١٨٤٦ اندلعت الحرب بين الولايات المتحدة والمكسيك بعد سنوات من التوتُّر والنزاع حول توسُّع الأولى نحو المحيط الهادئ. ومع مطلع عام ١٨٤٧، سيطرت الولايات المتحدة على كاليفورنيا وبقية ما كان آنذاك شمال المكسيك. وحوصر آلاف المكسيكيين الذين يعيشون في المناطق الحدودية.
الكاليفورنيون الإسبان
كان يشغل كاليفورنيا آلاف من الكاليفورنيين الناطقين بالإسبانية؛ وكان من بينهم أشخاص من سلالة مُستوطنين أوروبيين من إسبانيا والمكسيك إلى جانب أمريكيين أصليين، وأولئك المنحدرين من أصل أوروبي وأصلي مُختلَط ممَّن تبنَّوا الثقافة الإسبانية وتحوَّلوا إلى المذهب الكاثوليكي، وعاشوا هناك لأجيال. وبحلول عام ١٨٥٠، كان نحو ٢٠٠ من عائلات كاليفورنيا العريقة تمتلك حوالي ١٤ مليون فدان من الأرض في الإقليم. وكان الكاليفورنيون يَتكسَّبون من تربية الماشية، وصناعة النبيذ، وزراعة محاصيل الفاكهة الحمضية؛ لذلك كان امتلاك الأرض أمرًا بالغ الأهمية لهم.
إن حكومتنا هي حكومة البِيض … وعلى مدار التاريخ الإنساني كاملًا، ما من مثال لعرق ملوَّن مُتحضِّر، من أي لون، وُجد أهلًا لتأسيس حكومةٍ حرة والحفاظ عليها (السيناتور الأمريكي جون سي كالهون، في مناظرة حول ضم الأراضي المكسيكية، عام ١٨٥٠، استُشهد به في معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
النَّهَم بالذهب
في ٢٤ يناير ١٨٤٨، وقبل أسبوع من توقيع معاهدة جوادالوبي هيدالجو، اكتُشف الذهب في كاليفورنيا الشمالية، وسرعان ما وجَد أصحاب المزارع أراضيهم وقد غمَرها الأمريكيون البيض والمهاجرون من شتى أنحاء العالم. وفي أعقاب حُمى الذهب، صار الكثير من الوافدين الجدد يرون في امتلاك جزء من أراضي كاليفورنيا حقًّا وهبه الله لهم. وتصاعدت الخصومات العرقية وتزايدت وتيرة العنف، وكان جزء منها موجَّهًا ضد مُلاك الأراضي الكاليفورنيين.
قانون نزع الأراضي
سرعان ما ترك التأسيسُ السريع لأغلبيةٍ سياسيةٍ بيضاء — وهو الأمر الذي عجَّل به استقلال كاليفورنيا في عام ١٨٥١ — أصحاب المزارع الكاليفورنيين بلا حيلة. وصدَمَتهم الهيئة التشريعية للولاية بفرض ضرائبَ باهظةٍ على الأراضي. وجاء قانون نزع الأراضي لعام ١٨٥١ ليُثقِل كاهلهم أكثر بمطالبتهم بالخضوع لعمليةٍ بطيئة ومكلِّفة لإثبات حقوقهم في الأرض قانونًا؛ ما أجبر كثيرين على الاستدانة على نحوٍ بالغ. وتدريجيًّا اختفى أصحاب المزارع الكاليفورنيون. وبنهاية القرن، كان معظم مواطني الولاية المكسيكيين السابقين يعملون كعُمال مهاجرين بأجورٍ زهيدة.
كيف وقَع مثل هذا الانتزاع المصدَّق فيدراليًّا للأراضي؟ وقَّعت الحكومة الأمريكية، على الورق على الأقل، على اتفاقية تقضي بحيازة الأراضي كأمانة لأفراد القبائل لمدة ٢٥ عامًا. في نهاية الخمسة والعشرين عامًا، أكدت الحكومة أن كل شخص سوف يكون «مُندمجًا» في الثقافة الأمريكية بما يكفي لتمكينه من إدارة اﻟ ١٦٠ فدانًا المخصَّصة له. وكان الاستثناء في هذا القانون أن الهنود ذوي «الدم المختلط» يستطيعون تجنُّب فترة اﻟ ٢٥ عامًا، وهي مدة الائتمان، وبيع الأرض لمن يشاءون. وكان الافتراض الكامن وراء هذا الاستثناء أن «ذوي الدم المختلط» ربما سرَّعوا من عملية الاندماج والتحضُّر تلك؛ ومن ثم كانوا قادرين على التفكير بعقلانيةٍ كافية لتقرير ما يفعلونه بأراضيهم.
من الأشياء المُثيرة التي وجدها مؤلفو هذا الكتاب أثناء العمل مع أمناء متحف مينيسوتا للعلوم الدور الجوهري للأنثروبولوجيين في المساعدة في استمرار هذا الخداع القانوني ضد السكان الأصليين في الأرض البيضاء. وكان أليش هردليتشكا بمعهد سميثونيان وألبرت جينكز بجامعة مينيسوتا، هما عالما الأنثروبولوجيا محل النقاش. فلدى سفرهما إلى محمية الأرض البيضاء، استخدم العالمان أحدث ما وصل إليه علم الأعراق في عصرهما، من جراحة حج القحف، ومخططات لون البشرة، وعيِّنات شكل الشعر لتحديد درجة نقاء «الدم» (ومن ثم مستوى التفكير) للأمريكيين الأصليين محل البحث (جولد ١٩٩٦: ٨٨). وقد استُخدم هذا النوع من علم الأعراق في المحاكم في مينيسوتا وأماكنَ أخرى للمساعدة في حسم قراراتٍ قانونية مُلزمة؛ لذا، كان ثمة عاقبة في غاية الخطورة، في هذه الحالة كما في حالاتٍ أخرى، من الاعتقاد بأن من الممكن تحديد الهوية العرقية/الإثنية لشخصٍ ما من خلال تلك العلامات الشديدة السطحية. ويُخبرنا التاريخ أن نتيجة هذه القرارات عادةً ما كانت لصالح هيكل السلطة البيضاء والوضع «العرقي» الراهن. فقد كان الأمريكيون الأصليون عقبة في طريق التوسُّع الغربي، واعتبرتهم الحكومات الفيدرالية، والمحلية، والإقليمية عناصر يُمكن التضحية بها في الديمقراطية التوسعية.
ثمة مثالٌ آخر لمصادرة قِطَع ضخمة من الأراضي وقع في الغرب والجنوب الغربي. في الجزء الغربي من الولايات المتحدة، أتاحت الحرب الأمريكية المكسيكية للولايات المتحدة ضمَّ أكثر من نصف الأراضي المكسيكية من خلال معاهدة هيدالجو في عام ١٨٤٨. وأصبح مواطنو المكسيك السابقون الناطقون بالإسبانية مقيمين فيما يُعرف اليوم بولاية كاليفورنيا. في ذلك الإقليم في ذلك الوقت، كانت بعض العائلات المكسيكية العريقة تَمتلك أكثر من ١٤ مليون فدان. وكانت لغة الإقليم هي الإسبانية. وساهم كلٌّ مِن حُمَّى الذهب عام ١٨٤٨ ومعاهدة هيدالجو في تمهيد الطريق لعملياتٍ ضخمة غير قانونية وحكومية على حدٍّ سواء لنزع الأراضي (زِن ٢٠٠٣: ٢٧٠). حين صارت كاليفورنيا ولاية في عام ١٨٥٠، أدَّت ضرائب الأراضي الباهظة بالعديد من أصحاب المزارع الأثرياء سابقًا الذين كانوا يمتلكون تلك الأراضي الشاسعة إلى تقليل حجم أراضيهم، أو خسارتها، أو بيعها. وبنهاية القرن التاسع عشر، انتقلت ملكية الأراضي، خاصة الأراضي الزراعية، من ملاك الأراضي المكسيكيين السابقين إلى ملاك الأراضي البيض (فليز إيبانيز ١٩٩٦: ٩١).
خلال القرن العشرين، كان من أكثر عمليات مصادرة الأراضي من قِبَل الحكومة الأمريكية تأثُّرًا بدوافع عرقية هي عملية الاستيلاء على أراضي الأمريكيين اليابانيين أثناء احتجازهم في معسكرات الاعتقال في الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية (انظر فصل «الحرب العالمية الثانية: معضلةٌ أمريكية» في كتاب رونالد تاكاكي «مرآةٌ مختلفة: تاريخ أمريكا متعددة الثقافات» (٢٠٠٨)). كان الأمريكيون اليابانيون جزءًا من سكان كاليفورنيا لما يزيد على قرن من الزمان، وكثيرًا ما كانوا يَتفاوَضون من أجل الاعتراف بهم كمواطنين بناءً على صفتهم في التعداد السكاني كمنغوليين (انظر مقال هاني لوبيز في الفصل السادس). قامت البحرية اليابانية بقصف القاعدة البحرية الأمريكية في بيرل هاربور، بهاواي في ٦ ديسمبر عام ١٩٤٢. وفي الشهور التالية، انضمت الولايات المتحدة إلى الجهود الحربية لجبهة الحلفاء للقتال ضد كلٍّ من هتلر في ألمانيا واليابانيِّين. ولكن في داخل الولايات المتحدة، كان ثمة قرارٌ حكومي باعتقال حوالي ١٢٠ ألف أمريكي ياباني ومُصادَرة منازلهم، وممتلكاتهم، وأعمالهم. وبالطبع كان هذا النوع من الرد المُمنهَج من جانب الحكومة يعني وجود تحيزاتٍ راسخة بالفعل ضد المواطنين اليابانيين (تاكاكي ٢٠٠٨: ١٢٠). وربط قانون الهجرة لعام ١٩٢٤، صراحة بين صفة المواطنة والهجرة؛ إذ نصَّ أساسًا على أن الأشخاص الذين لا يستطيعون أن يُصبحوا مواطنين أمريكيين بموجب القانون لا يمكنهم الهجرة إلى الولايات المتحدة. لذا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تضاءلت هجرة اليابانيين إلى نحو ٦٠٠ شخص سنويًّا. ولكن لم يكن قبل عام ١٩٨٨، أي بعد ٤٥ عامًا، أن اعتذَرت الحكومة الأمريكية رسميًّا للأمريكيِّين اليابانيين، ثم قامت بصرف تعويضاتٍ مالية للناجين وأُسَرهم عن ممتلكاتهم والخسائر الأخرى التي تكبَّدوها (تاكاكي ٢٠٠٨: ١٢١).
اعتقال الأمريكيين اليابانيين
إنني عازم إن كان لديهم قطرةٌ واحدة من الدم الياباني، فسوف يَذهبون حتمًا إلى المعسكر (كولونيل كارل بيندتسين، مدير عمليات، إدارة السيطرة المدنية للجيش في زمن الحرب، ١٩٤٢، استُشهد به في معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
جذور الاعتقال
ترجع جذور اعتقال الأمريكيين اليابانيين إبان الحرب العالمية الثانية إلى إرث من الكراهية العرقية لليابانيين. بدأ الشعب الياباني في الهجرة إلى هاواي وكاليفورنيا حوالي عام ١٨٩٠، وعملوا في الزراعة أساسًا. ولكن ظهور اليابان في المشهد العالمي في مطلع القرن العشرين أدى إلى تيارٍ مُتصاعِد من التعصُّب ضدهم بين الأمريكيين البيض؛ ففي كاليفورنيا، أُقرَّت قوانينُ تُحبط هجرة اليابانيين وتحظر على غير المواطنين امتلاك أو تأجير الأراضي.
ترحيلٌ إجباري
في ٧ ديسمبر ١٩٤١، هاجمت القوات الجوية اليابانية القاعدة البحرية الأمريكية في بيرل هاربور، بهاواي؛ ما تسبَّب في دخول أمريكا الحرب العالمية الثانية. وخلال الشهور التالية، أجبرت الحكومة الفيدرالية نحو ١٢٠ ألف أمريكي ياباني، كان ثلثاهم تقريبًا مواطنين أمريكيين، على دخول «معسكرات الترحيل الحربية» عبر الغرب. وخسر المُعتقلون منازلهم، وأراضيهم، وأعمالهم. وعانوا كذلك من أزماتٍ نفسية وجسمانية فاقت الخراب الاقتصادي الذي ألمَّ بهم.
«التحيُّز العرقي، هيستيريا الحرب»
كان أعداء أمريكا الأوروبيون يُعتبَرون في العادة ضحايا مُضلَّلون لقادة مُستبدِّين، بينما كان اليابانيون يُطلَق عليهم «الطفيليات الصفراء»، و«الكلاب المسعورة»، و«الرجال القِرَدة». وفي عام ١٩٨٨ اعتذرت الحكومة الأمريكية رسميًّا للأمريكيين اليابانيين، معترفة بأن الاعتقال كان قائمًا على «تحيُّزٍ عرقي، وهيستيريا الحرب، وفشل للقيادة السياسية.» وبدءًا من عام ١٩٩٠ قامت الحكومة بصرف تعويضاتٍ مالية للمُعتقلين الناجين.
نحن متهمون بالرغبة في التخلص من اليابانيين لأسبابٍ نرجسية، ونحن مدانون بالفعل؛ إنها مسألة ما إذا كان الإنسان الأبيض هو من يعيش على ساحل المحيط الهادئ أم الإنسان البُنِّي … لو أن جميع اليابانيين أزيحوا غدًا، فلن نشعر بغيابهم أبدًا في غضون أسبوعين؛ لأن المزارعين البيض يمكنهم تولي زمام الأمور وإنتاج كل شيء يزرعه اليابانيون. ولا نرغب أيضًا في عودتهم عندما تضع الحرب أوزارها.
المثال الأخير لخسارة الأقليات أراضيها؛ مأخوذ من عناوين صحفٍ رئيسيةٍ حديثة تَنطوي على عنصرية، عن وزارة الزراعة الأمريكية والدعوى التي أقيمت ضدهم من قِبَل مُزارعين أمريكيين سود. منذ نهاية العبودية في عام ١٨٦٨، استطاع بعض السود، على الرغم من العنصرية المنهجية الشديدة، أن يُصبحوا مزارعين في الجنوب. وزادت أعدادهم في عام ١٩١٠، حين حصل ٢١٨ ألف مزارعٍ أمريكي من أصلٍ أفريقي على حصة مِلْكية في ١٥ مليون فدان. ولكن بحلول عام ١٩٩٢ تقلَّصت هذه الأعداد إلى ٢٫٣ مليون فدان يَملكها ١٨ ألف مزارعٍ أسود. وادَّعى العديد من المزارعين السود على مدى أجيال أنهم قد حُرموا من المزايا الفيدرالية والفرص المالية التي ساعدت في دعم صغار المزارعين البيض ومؤازرتهم (كوم ٢٠١٠: ١). وكان من بين أعضاء الحكومة الأمريكية الذين خلصوا في النهاية إلى أن مثل هذا التحيز العرقي كان موجودًا؛ باحثو وزارة الزراعة الأمريكية أنفسهم. ونتيجة لنشر النتائج التي توصَّل إليها باحثو وزارة الزراعة الأمريكية في عام ١٩٩٧ والتي لم يكن من المُمكن التبرؤ منها أو إنكارها، وجد مكتب الحقوق المدنية بوزارة الزراعة الأمريكية (والذي كان شبه متوقِّف عن العمل بفعل الإهمال الذي تعرض له في عهد إدارة ريجان) أيضًا أن مكتب وزارة الزراعة الأمريكية المخصَّص للتعامل مع شكاوى الحقوق المدنية كان غارقًا في فوضى عارمة (كوم ٢٠١٠: ٢).
في عام ١٩٩٧، قام مجموعة من المزارعين الأمريكيين السود برفع دعوى قضائية جماعية ضد وزارة الزراعة الأمريكية. وإجمالًا، مُنِح ٢٢ ألف مزارع في النهاية ٢٫٣ مليار دولار كتسوية، ولكن كان هذا المبلغ لحوالي واحد من كل عشرة مزارعين ممَّن وقَّعوا على عريضة الدعوى في الأساس. فلم يكن غالبيتهم مستحقًّا لأي تسوية؛ نظرًا لتناول دعاويهم بدقةٍ شديدة من قبل محامي الحكومة ورفضها لأسبابٍ فنية. ولكن تحت إدارة أوباما الجديدة، وافقت وزارة الزراعة الأمريكية على إعادة النظر في القضية، وقدَّم الرئيس أوباما ١٫٢٥ مليار دولار أخرى للمزارعين الذين تم استبعادهم من القضية الأولى. وقد صارت هذه التسوية الثانية والأموال التي خصصت لتمويلها ساحة لمعركةٍ كبرى بين الجمهوريين المحافظين والديمقراطيين الأكثر ليبرالية في الكونجرس. (كوم ٢٠١٠: ٢) ويبدو أن الإعلام المحافظ يُعارض أيضًا المبالغ المدفوعة؛ إذ يرى أن الدفع للمزارعين الأمريكيين الأفارقة له صلة بقضية شيرلي شيرود. وشيرلي شيرود هي مسئولة وزارة الزراعة الأمريكية السوداء التي اقتُطعت تعليقاتها حول تفاعلاتها مع المزارعين البيض في الماضي من سياقها ونعَتها الإعلام المحافظ «بالعنصرية» (انظر الفصل الثاني عشر لمزيد من التفاصيل). وقد ظل تخصيص هذه الموارد للمزارعين السود معلَّقًا في الكونجرس منذ خريف ٢٠١١.
في الجزء التالي من هذا الفصل، سوف نتناول كيف كان جمع الثروة يتحقَّق من خلال ملكية المنازل في هذا البلد. وسوف يَنصبُّ التركيز على التواطؤ الذي حدث بين مؤسساتٍ، مثل البنوك، والمجالس العقارية، وصناعة الرهن العقاري، والحكومة الأمريكية في الماضي لخلق سوق إسكان مُنفصلة عنصريًّا. وكان لهذا التواطؤ، ولا يزال، عواقبُ ملموسةٌ للغاية بالنسبة إلى الملوَّنين في مقابل الأمريكيين الأوروبيين ومؤخرًا الآسيويين فيما يتعلق بجمع وتوريث الثروة من جيل إلى الجيل التالي.
(٢) سوق الإسكان
كما رأينا في موضعٍ سابق في هذا الفصل، تُجمع الثروة وتُورث من خلال تملُّك الأراضي والمنازل، ومن خلال التعليم، والمزايا المُستمَدَّة من السياسات الموضوعة لتعزيز الاستثمارات الاقتصادية والتعليمية. على سبيل المثال، فيما بين عامي ١٩٣٤ و١٩٦٢، قامت إدارة الإسكان الفيدرالية بتأمين ١٢٠ مليار دولار في صورة قروض إسكان جديدة، ولكن ذهب أقل من ٢ بالمائة من هذه القروض إلى غير البيض. ويُقدم كتاب ميلفن إل أوليفر وتوماس إم شابيرو الفذ «ثروة السود، ثروة البيض: منظورٌ جديد للامساواة العرقية» (١٩٩٥) أسلوبًا مختلفًا لفهم الطبيعة العسيرة للامساواة العرقية من خلال النظر إلى جمع وتوريث الثروة الخاصة عبر الزمن، وليس إلى الدخل فقط. وتبين حقيقة هذا الأسلوب أن التمييز في منْح قروض الرهن العقاري قد حجَّم الفرص بالنسبة للكثير من الملوَّنين في الولايات المتحدة؛ ما أدى بالتبعية إلى تحجيم فُرصهم في جمع ما يَكفل له أمانًا ماليًّا دائمًا؛ لذا فإن هذه الحقيقة هي التي تخلق فجوة في الثروات، حيث البيض كجماعة على قمة الهرم العرقي والاقتصادي.
كان من الطرق التي استطاع بها الأمريكيون العاديون المُنتمون إلى الطبقة العاملة امتلاك منازل في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين من خلال ميثاق حقوق المحاربين القدماء (انظر شكل ١٤-٣). فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان هذا الميثاق حافزًا للجنود لشراء منازل. ولكن بينما كان هذا هو الهدف المنشود، فإن عددًا محدودًا جدًّا من الجنود المنتمين إلى أعراقٍ ملونة هم من استطاعوا الاستفادة منه (أوليفر وشابيرو ١٩٩٥: ١٦). ولم يستطع الجنود الملونون، خاصة السود، الاستفادة من «الثروة السكنية». في ثلاثينيات القرن العشرين، وبعد انتهاء مرحلة الكساد العظيم، وهي فترة من الركود الاقتصادي تسبَّبت في انهيار بورصة وول ستريت للأوراق المالية، وإغلاق آلاف الشركات، وتسريح ملايين الأمريكيين من أعمالهم، وضعت الحكومة الأمريكية وبنوك الدولة خطةً لتقييم مخاطرة شركات الرهن العقاري حين تقدم رهونًا عقارية في المناطق السكنية. وجاء تقييم الأماكن التي يقطن فيها الملوَّنون منخفضًا، وتذيَّلت الأحياء التي يسكنها السود المقياس (أوليفر وشابيرو ١٩٩٥: ١٧). وأدت هذه السياسة وما ترتَّب عليها من ممارسات إلى عملية سُميت ﺑ «الخطوط الحمراء»؛ نسبة إلى عملية تلوين تلك المناطق ذات المُخاطرة العالية للبنوك وشركات الرهن العقاري على خريطة المناطق السكنية باللون الأحمر، والتي تَصادف أيضًا أن كانت هي ذاتها المناطق التي يتركز فيها الملوَّنون؛ ومن ثم أقرَّت كلٌّ من البنوك وشركات الرهن العقاري، بالتواطؤ مع الحكومة الأمريكية، هذه الممارسات لعقود. أُنهيت هذه الممارسة بموجب القانون في عام ١٩٦٨، ولكن حسبما يُخبرنا الباحثون، لا يزال العديد من تلك الممارسات قائمًا بطرقٍ غير ملحوظة من خلال التوجيه العرقي والإثني (أوليفر وشابيرو ١٩٩٦: ١٨٥). ومؤخرًا، أدركت الولايات المتحدة مجدَّدًا مدى هشاشة المجتمعات المفصولة عنصريًّا والمنخفضة الدخل في ظل ظهور سوق الإسكان عالية المخاطر. وتشير الأرقام القومية إلى أن العدد الهائل من الأحكام الصادرة بغلق الرهون قد أثر، مرة أخرى، على المُلاك من الأعراق الملوَّنة (استرادا ٢٠٠٩: ١).
الأبيض: لون المال
«لقد أدى التمييز في قروض الرهن العقاري إلى تحجيم الفُرص أمام الكثير من الملونين لاكتساب أمانٍ مالي طويل المدى.»
الفجوة في الثروات
إن امتلاك منزل يزداد قيمةً بمرور السنين هو الوسيلة الأكثر شيوعًا التي يَبني بها الأمريكيون قاعدة من الأمان المالي. ولكن نظرًا لأن الحصول على قروضِ رهن عقاري يسيرة التكلفة عادة ما يكون أصعب على الأشخاص الملوَّنين من البيض، فإن فرصهم لبناء تلك القاعدة أقل بكثير.
واليوم، يبلغ صافي ثروة الأسرة الأمريكية المتوسِّطة من أصلٍ أفريقي حوالي عُشْر صافي ثروة الأسرة البيضاء المتوسطة. ويُعزى جزءٌ كبير من ذلك التفاوت إلى المعدلات المتفاوتة لتملُّك المنازل بين هاتين الفئتين وأيضًا إلى انخفاض قيم المنازل المملوكة للسود مقارَنةً بالمنازل المملوكة للبيض. وتظلُّ الفجوة مستمرة مع انتقال الثروة — أو الفقر — من الأب إلى الابن.
عدم المساواة في قروض الرهن العقاري
في عام ٢٠٠٣، أفاد المجلس الفيدرالي لفحص المؤسسات المالية بأن احتمالات رفض طلبات الحصول على قروض الرهن العقاري المقدَّمة من السود والأمريكيين الأصليين بلغت حوالي ضعف احتمالات رفض طلبات البيض. فيما بلغت احتمالات رفض طلبات الهسبان ١٫٥ مرة من طلبات البيض، أما الآسيويون — بصورتهم النمطية الثابتة ﮐ «أقلية نموذجية» — فقد كانت احتمالات قبول طلباتهم أعلى قليلًا من البيض.
معدلات أعلى لغير البيض
كشفت البيانات التي جمعتها الحكومة الفيدرالية في عام ٢٠٠٤ بموجب قانون غلق الرهن العقاري للمنازل عن أنه حتى عند قبول طلبات قروض الرهن العقاري للملوَّنين، يكونون أكثر عرضة للحصول على قروض «عالية المخاطر» ذات تكلفة أعلى. وتُقدَّم هذه القروض بمعدل فائدة أعلى من المعدلات القياسية بنسبة ٠٫١ بالمائة إلى ٠٫٦ بالمائة. وعلى الرغم من أن هذا الفارق قد يبدو للوهلة الأولى ضئيلًا، من الممكن بمرور الوقت أن يعني آلاف الدولارات في صورة مبالغ فائدةٍ إضافية. على سبيل المثال، سوف يَبلغ إجمالي مبلغ الفائدة على قرض رهنٍ عقاري قيمته ١٨٠ ألف دولار على ٣٠ عامًا بفائدة ٦٫٥ بالمائة ٢١ ألف دولار إضافية عن نفس القرض العقاري بفائدة ٦ بالمائة.
فيما بين عامي ١٩٣٤ و١٩٦٢، قامت الحكومة الفيدرالية — من خلال إدارة الإسكان الفيدرالية — بتأمين ١٢٠ مليار دولار في صورة قروض إسكان جديدة. وذهب أقل من ٢ بالمائة من هذه القروض إلى غير البيض.
ميثاق حقوق المحاربين القدماء: انعدام في تكافؤ الفرص
«استفاد القليل من الجنود المنتمين إلى الأقليات من برنامج التعليم والإسكان المعروف بميثاق حقوق المحاربين القدماء، الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية.»
امتلاك المنازل والتغير الاجتماعي
أصبح قانون إعادة تأهيل الجنود لعام ١٩٤٤، والمعروف باسم «ميثاق حقوق المحاربين القدماء»، حافزًا قويًّا للتغيير الاجتماعي والاقتصادي في أمريكا في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تشجيع الحلم
كان من ضمن المزايا المقدَّمة لجنود الجيش السابقين العائدين من الحرب رهونٌ عقارية منخفضة الفائدة ذات دفعاتٍ مقدَّمة مُنخفضة. وهكذا جعل ميثاق حقوق المحاربين حلم امتلاك منزل حقيقة للملايين؛ مما عزَّز نمو الطبقة المتوسطة الأمريكية. وعلى الرغم من أن التشريع قد حدد أن كل محاربٍ سابق مستحق لهذه المزايا، لم يكن الكثير من المحاربين السابقين المنتمين للأقلية قادرين على تحقيق أي ربح.
الآثار الدائمة للتمييز في الإسكان
غالبًا ما يكون الأشخاص الذين تزداد منازلهم في القيمة السوقية قادِرين على استخدام تلك القيمة المالية للعقار في المساعدة في تمويل تعليم الأبناء، أو معاشهم. إضافة إلى ذلك، تؤدي الزيادة في قيمة منازلهم إلى تجميع ثروة تُورَّث إلى أبنائهم وحتى إلى أحفادهم. في المقابل، لا يُحقِّق الأشخاص المقيدون بالشراء في الأحياء التي لا تزداد فيها قيمة المنازل سوى زيادةٍ مُتواضِعة «ثروة إسكانية» على مدار السنين. وبذلك تستمر الانعكاسات المالية للتمييز في الإسكان من العقود الماضية إلى اليوم.
حلمٌ واحد ونهاياتٌ مختلفة
كان هيرب كاليسمان ويوجين برنيت في نفس العمر والخبرة العسكرية، ولكنهما لم يتشاركا في مزايا ميثاق حقوق المحاربين القدماء بالتساوي.
•••
«هيرب كاليسمان»
في عام ١٩٥١ استفاد هيرب كاليسمان وزوجته دوريس من قرض رهنٍ عقاري منخفض الفائدة بموجب ميثاق حقوق المحاربين القدماء لشراء منزل قيمته ٩٠٠٠ دولار في لفيتاون. كان من ضمن عوامل الجذب في هذه الضاحية الجديدة الواقعة في لونج أيلاند، بنيويورك، أنها أتاحت لهما العثور على مدارس مُمتازة لأبنائهما. وفي عام ٢٠٠٦، قُدِّرت قيمة المنزل، الذي لا يزالان يعيشان به، ﺑ ٤٢٠ ألف دولار.
•••
«يوجين برنيت»
بعد الحرب، مُنِع يوجين وزوجته برنيس من شراء منزل في لفيتاون. وقيل لهما إن «أصحاب هذه المنطقة العمرانية الجديدة لم يُقرِّروا بعدُ بيع هذه المنازل للزنوج.»
ونظرًا لحرمانهما من السكن بالضواحي ذات القيم الإسكانية السريعة النمو، لم يَستَطِع الزوجان برنيت تحقيق الكثير من الأمان المالي من خلال امتلاك منزل مثل الزوجَين كاليسمان.
«ها قد ذهب الحي هباءً»
«لا يزال التمييز العنصري المُنتشر في الإسكان قائمًا إلى اليوم، ولكنه يتَّخذ أشكالًا أقل بروزًا.»
الخطوط الحمراء في الماضي
في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين، طوَّرت البنوك على مستوى البلاد نظامًا للتقييم لقياس مخاطر إقراض الرهن العقاري في المناطق السكنية. كانت المناطق التي يَقطنها الملوَّنون ذات تقييمٍ منخفض (بمعنى أن معدَّل خطورة العجز عن سداد أقساط الرهن العقاري بها أعلى) وتذيَّلت أحياء الأمريكيِّين الأفارقة المقياس. وكانت البنوك وشركات التأمين تتردَّد في إجراء صفقات عمل في المناطق المُنخفضة التقييم؛ مما أدى إلى تحجيم قُدرة الناس على شراء منازل هناك؛ ومن ثم انخفاض قيم العقارات. ولما كانت المناطق «غير المرغوبة» يُشار إليها باللون الأحمر على الخرائط التي كانت البنوك وشركات التأمين ترسمها، فقد سُمي هذا الإجراء ﺑ «الخطوط الحمراء». وعلى الرغم من أن إجراء الخطوط الحمراء كان تمييزيًّا إلى حدٍّ كبير، فقد كان قانونيًّا تمامًا.
التوجيه العرقي اليوم
حظر قانون الإسكان العادل الفيدرالي لعام ١٩٦٨ إجراء الخطوط الحمراء، ولكن لا يزال التمييز في الإسكان قائمًا من خلال ممارسة «التوجيه العرقي»؛ إذ يقوم الوكلاء العقاريون بتوجيه الراغبين في شراء منازل من الأقليات إلى الأحياء التي يقطن بها أشخاص من نفس الخلفية الإثنية والطبقية. يُحجِّم هذا الإجراء من اختيارات السكن والأحياء ويُديم أنماط الفصل العنصري. وقد وجدت دراسة أجراها الاتحاد الوطني للإسكان العادل ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية فيما بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٥ أن التوجيه العرقي قد ظهر بين الأفراد الذين خضعوا للاختبار — البيض والسود على حدٍّ سواء — في نسبة ٨٧ بالمائة من الوقت.
النزوح الأبيض
ثمة نمط يتمثَّل في مغادرة البيض لأي حي بمجرد انتقال أشخاص من أعراقٍ أخرى إليه ميَّز المدن على مستوى البلاد لعقودٍ عدة. يظهر هذا النمط المسمى «النزوح الأبيض» حين تنتقل بضع عائلات من الملونين من الطبقة المتوسطة إلى الأحياء التي يسيطر عليها البيض. فيرحل بعض السكان البيض، خوفًا من انخفاض قيمة منازلهم. ومع حدوث هذا، يُغادر المزيد من سكان الحي البيض وتتوافد أعدادٌ متزايدة من الملونين. ومع استمرار تغيُّر التكوين الاقتصادي والعرقي للحيِّ، يستمر النزوح الأبيض في التسارع.
يقلِّل الفصل العنصري الناجم عن التمييز في الإسكان والنزوح الأبيض من فرص التعليم والعمل. ويُلحِق أضرارًا بالغة بأحياء المدينة والضواحي الأقدم. وأيضًا يعمِّق الانقسامات العرقية والسياسية في أمريكا ذات الطابع الحضري.
من الطرق الإيجابية لاستخدام التعداد السكاني قياس الفصل العنصري على المستوى القومي من خلال ما يُسمى ﺑ «مؤشر عدم التشابه». فرغم القوانين الواردة بالكتب، لا يزال الواقع هو أن معظم المدن الأمريكية لا تزال مقسمة عرقيًّا. والفترة الزمنية لهذه الدراسة هي من ١٩٨٠ إلى ٢٠٠٠. والمدن الثلاث التي خضعت للفحص والمراجعة من أجل هذه الدراسة هي شيكاغو، وسان دييجو، ونيو أورليانز. من هذه البيانات يتَبيَّن أن شيكاغو كانت الأكثر تعرُّضًا للفصل العنصري بين المدن الثلاث، فيما حلت نيو أورليانز في المركز الثاني (وربما ازدادت انفصالًا في ٢٠١٠؛ إذ تسبب إعصار كاترينا عام ٢٠٠٥ في ترحيل وهجرة العديد من الفقراء خارج الولاية، لا سيما الأمريكيين الأفارقة). ولا شك أن هذه واحدة من المناطق التي لا يزال أمام المثقَّفين، وجماعات النشطاء المجتمعيين، وصناع السياسات، والهيئات الحكومية الكثير من العمل من أجل إتاحة فرصٍ متساوية في مجالَي الإسكان وجمع الثروة.
(٣) كيف يتمكَّن المهاجرون الجدد من دخول سوق الإسكان؟
إذا كان المهاجرون الجدد فقراء، فإن أمامهم كفاحًا مريرًا لجمع الأموال وتأسيس الجدارة الائتمانية التي يحتاجون إليها. والمثال الذي سوف نستعين به يُركِّز على الهامونج في مينيسوتا. انتقلت أعدادٌ كبيرة من الهامونج إلى الولايات المتحدة وإلى مينيسوتا قادمين من لاوس في عام ١٩٧٩ (تاكاكي ٢٠٠٨: ٢٨٤)، كان من بينهم الزوجان يانج. تأقلم الزوجان يانج على الحياة في الولايات المتحدة؛ إذ كانا يعيشان في البداية في إسكانٍ اجتماعي ثم في منزلٍ مكوَّن من ثلاث غرف نوم مع أبنائهما السبعة. واستطاعا في النهاية شراء منزل، ولكن القيام بهذا استغرق منهما ١٧ عامًا من وقت وصولهما إلى البلاد. وقد استطاعا في النهاية شراء منزل بمقدمٍ صغير وبمساعدة قرضٍ حكومي، ولكنه كان كائنًا في حيٍّ فقير. وكانا آنذاك لا يستطيعان تحمُّل تكاليف الإقامة في منزلهما إلا بمساعدة من أبنائهما الذين كانوا قد كبروا وساعدوا في المساهمة في أقساطهما الشهرية. في مينيابوليس، أظهرت بيانات تعداد عام ٢٠٠٠ أن ٧٦ بالمائة من البِيض يمتلكون منازل، وأن ٥٥ بالمائة من الهامونج يمتلكون منازل، وأن ٤٠ بالمائة من الأمريكيين الأفارقة يمتلكون منازل، و٤٠ بالمائة من الهسبان/اللاتينيين يمتلكون منازل. وكان متوسط قِيَم المنازل كالتالي: كانت منازل البيض في ذلك الوقت تساوي ١٤١٢٠٠ دولار؛ ومنازل اللاتينيين تساوي ١١١٢٠٠ دولار؛ ومنازل الأمريكيين الأفارقة تساوي ١٠٧٥٠٠ دولار؛ ومنازل الهامونج تساوي ٩٣ ألف دولار.
قياس الفصل العنصري في الإسكان
«على الرغم من انتهاء الفصل العنصري المقنَّن، لا تزال معظم المدن الأمريكية منقسمة عرقيًّا.»
قياس الفصل العنصري في الإسكان
مؤشِّر عدم التشابه هو أحد وسائل رسم خريطة الفصل العنصري في المدن الأمريكية. تتراوح القيم في المؤشر من ٠ إلى ١٠٠؛ كلما ارتفع الرقم ارتفع مستوى الفصل العنصري بين أي فئتين. وتعتبر القيمة ٦٠ (أو أعلى) مرتفعة للغاية، بينما تشير القيمة ٤٠ أو ٥٠ إلى فصلٍ متوسط، أما القيمة ٣٠ أو أقل، فتعتبر منخفضة نوعًا ما. ونقدم فيما يلي بيانات مؤشر عدم التشابه للفصل العنصري لثلاث مدنٍ أمريكية هي: شيكاغو، وسان دييجو، ونيو أورليانز.
•••
«شيكاغو»
منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين، أخذ الأمريكيون الأفارقة واللاتينيُّون يَنزحون إلى ضواحي شيكاغو بأعدادٍ مُتزايدة. ولكنهم لم يكونوا موضع ترحيب في جميع المجتمعات. وفي مناطقَ عديدةٍ يواجهون مستوًى من الفصل العنصري مُساوٍ لمستوى الفصل في المدينة من الداخل.
«سان دييجو»
برَز الملوَّنون بكثافة في النمو السكاني لهذه المنطقة خلال تسعينيات القرن العشرين. غير أن مستويات الفصل العنصري بالنسبة إلى السود وتزايُد معدلات الفصل العنصري بالنسبة إلى اللاتينيين؛ تُشير إلى أنه لا يزال يوجد الكثير للقيام به لضمان وصول هذه المجموعات السكانية إلى جميع الموارد الإسكانية على نحوٍ متساوٍ.
«نيو أورليانز»
جذب الفصل العنصري في نيو أورليانز الانتباه على المستوى القومي في عام ٢٠٠٥، كأحد آثار إعصار كاترينا. ولعل في تحدِّي إعادة إعمار المدينة فرصة لتغيير نمط الانقسام الاقتصادي والعرقي بها. فهل ستبدو خريطة نيو أورليانز ٢٠٢٠ مختلفة تمامًا، أم ستظل المدينة مؤلَّفة من أحياءٍ منفصلة عنصريًّا إلى حدٍّ كبير؟
الفصل العنصري وإعصار كاترينا
كشف الدمار الذي خلَّفه إعصار كاترينا في عام ٢٠٠٥ على نحوٍ دراماتيكي مدى وتأثير الفصل العنصري في الإسكان في نيو أورليانز. فقد كان أكثر الأحياء تأثُّرًا بدمار كاترينا الجزء السُّفلي من الحي التاسع؛ حيث كان جميع السكان تقريبًا من الأمريكيين الأفارقة الرقيقي الحال، وحي ليكفيو؛ حيث كان معظم السكان من البيض المنتمين للطبقة المتوسِّطة. لم يكن العديد من سكان الحي التاسع يملكون الوسائل اللازمة لإخلاء المدينة، واضطروا إلى الاحتماء من العاصفة في ملعب سوبردوم أو مركز المؤتمرات. وبعد مرور عام، لم يكن الجزء السفلي من الحي التاسع قد أُعيد فتحه لسكانه. في المقابل، عاد سكان ليكفيو خلال تلك الفترة، وأُعيدت خدمات المدينة هناك.
قصة عائلة
ينظر مجتمع الهامونج إلى العقارات باعتبارها مفتاح الحصول على ثروة في هذا البلد (كو فانج، وسيط عقاري بمنطقة سانت بول، ٢٠٠٦: معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
عائلة يانج
وصل جون سو يانج ولينتو يانج إلى مينيسوتا قادمَين من لاوس في عام ١٩٧٩. وعثرا على مسكنٍ تابع للإسكان الاجتماعي مكوَّن من ثلاث غرف نوم في سانت بول، وفي هذا المنزل قاما بتربية أبنائهما السبعة. بدأ الزوجان يانج في البحث عن منزل في عام ١٩٩٦، حين بلغت ابنتهما الكبرى ١٨ عامًا تقريبًا. في الثقافة التقليدية للهامونج، يعيش الأبناء مع والدَيهم حتى بعد بلوغ سن الرشد ويُساعدون في إعالة الأسرة. ولكن قواعد الإعانة العامة للولاية تفترض أن الأبناء يُغادرون منزل الأسرة بمجرد بلوغ السن القانونية، وهو ١٨ عامًا. وواجه الزوجان يانج احتمال الاضطرار إلى الانتقال إلى شقةٍ أصغر تتبَع الإسكان الاجتماعي مع تقدُّم أعمار المزيد من أبنائهما.
اشترى الزوجان يانج منزلهما في الجانب الشرقي من سانت بول في عام ١٩٩٦ بمقدمٍ صغير وبمساعدة قرضٍ حكومي. وكانوا المُنتَمين الوحيدين للهامونج في المربع السكني. بعد حوالي عشر سنوات، كان أربعة من أولادهما الخمسة لا يزالون يعيشون في المنزل، البعض منهم برفقة زوجاتهم وأبنائهم. وبفضل مساعدة الأبناء، يستطيع الزوجان يانج تحمُّل أقساط المنزل، برغم أن كليهما لا يعملان ولا يُجيدان الإنجليزية.
العرق وامتلاك المنازل في مينيسوتا
تضم المدينتان التوءمان مينيابوليس وسانت بوليس سابع أعلى معدل لتملُّك المنازل على مستوى البلاد؛ إذ بلغ ٧٢ بالمائة في عام ٢٠٠٠. غير أن ثمة تفاوتًا كبيرًا في قيمة المنازل لا يزال قائمًا بين البيض والملوَّنين. فعلى الرغم من أن الأمريكيين الهامونج يحظون بثاني أعلى معدَّل في تملك المنازل في المدينتين التوءمَين، فإنهم يعيشون بالأساس في أحياء أكثر فقرًا؛ ومن ثم تقل قيمة منازلهم. وفي عام ٢٠٠٠ كان أكثر من ٦٠ بالمائة من سكان مينيسوتا من الهامونج يعيشون تحت خط الفقر.
نِسَب مئوية نسبية لتملك المنازل وقيم المنازل
«البيض»
نسبة امتلاك المنازل: ٧٦ بالمائة.
متوسط قيمة المنزل: ١٤١٢٠٠ دولار.
•••
«الهامونج»
نسبة امتلاك المنازل: ٥٥ بالمائة.
متوسط قيمة المنزل: ٩٣ ألف دولار.
•••
«اللاتينيون»
نسبة امتلاك المنازل: ٤٠ بالمائة.
متوسط قيمة المنزل: ١١١٢٠٠ دولار.
•••
«الأمريكيون الأفارقة»
نسبة امتلاك المنازل: ٤٠ بالمائة.
متوسط قيمة المنزل: ١٠٧٥٠٠ دولار.
(٤) استمرار فجوة الثروات
يُوضِّح ميلفن أوليفر ودالتون كونلي الفارق بين الثروة والدخل في أحد الفيديوهات التي تُعرض في معرض العرق. وتُعرض تعليقاتهما على فجوة الثروات في نسخة تلك المحادثة الواردة بهذا الفصل.
حين نتحدث عن الفجوة في الثروات في عام ٢٠١١، فنحن لا نزال نتحدث عن حقيقة أن الفجوة في الثروات بين أسر البيض والأمريكيين الأفارقة قد زادت أكثر من أربعة أضعاف فيما بين عامي ١٩٨٤ و٢٠٠٧. وكذا نتحدث عن حقيقة أن أسر البيض المتوسطة الدخل تمتلك الآن ثروةً أكبر بكثير من أسر الأمريكيين الأفارقة العالية الدخل. وتعكس الزيادة المضاعفة أربعة أضعاف سياساتٍ عامة، مثل التخفيضات الضريبية على الدخل الاستثماري والمواريث، التي تفيد الأكثر ثراءً وتتسبَّب في التمييز المستمر في الإسكان، والائتمان، وسوق العمل (معهد دراسات الأصول والسياسة الاجتماعية ٢٠١٠: معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).
يُصوِّر معرض العرق فجوة الثروات من خلال استخدام أكداس من النقود. وكانت هذه صورة في غاية القوة والتأثير في هذا المشروع؛ لكونها تُوضِّح في إطارٍ تصويريٍّ أن العامة يُمكنهم أن يفهموا كيف يبدو التفاوت في الثروة وكيف يَسير. تقول تتيانا ميشيده، أحد المشاركين في تأليف تقرير «الفجوة العرقية تزداد إلى أربعة أضعاف»: «إن الفجوة هي فرصةٌ ممنوعة وتضمَن عدم المساواة الاقتصادية العرقية للجيل القادم» (شابيرو، ميشيده، وسوليفان ٢٠١٠: ١). لا يزال هناك الكثير من الجهد يتوجَّب القيام به!
إن الطريق نحو سد فجوة الثروات سوف يتطلَّب حكومةً مُتوافقة، وتأييدًا، وجهدًا سياسيًّا. ونأمُل في ظل وجود مقترحات مثل المُبادَرة الوطنية الجديدة «خلق مجتمعات الفرصة»، التي تقدَّم بها أوباما، أن يكون لدينا نقطة بدايةٍ رائعة (فوكس وتروهافت ٢٠١٠).
فجوة الثروات
- ميلفن أوليفر: لو كان ثمة شيءٌ واحد أودُّ أن يفهمه الناس بشأن فجوة الأصول، أو فجوة الثروات في أمريكا، فهو أن هذه فجوة صنعَتْها قراراتٌ حكومية في الغالب، اتُّخذت من قِبَل مؤسساتٍ حكومية تُعطي فرصًا مختلفة لأشخاصٍ مُختلِفين لخلق الأصول، وتنميتها، وكسبها.
- دالتون كونلي: ثمة تاريخٌ طويل في أمريكا للسياسة الحكومية الواضحة في استبعاد الأمريكيين الأفارقة من قِطعة من الكعكة، من جمع الثروات. ويعود تاريخ ذلك إلى عصر العبودية؛ حيث لم يكن العبيد، بحكم القانون، يَمتلكون أجسادهم بالطبع، ناهيك عن الأصول الأخرى. حتى بعد الحرب الأهلية، كانت ثمة سياسات مثل القوانين السوداء في الجنوب، التي كانت تَفرض على السود رسومَ ترخيص ضخمة لبدء مشروعٍ ما، دون أن تفرض شيئًا على البيض.
- ميلفن أوليفر: إن الفارق بين الثروة والدخل يَبرز فعليًّا عند النظر إلى الفروق بين السود والبيض. فبينما يمتلك السود عشرة سنتات مقابل كل دولار من الثروة التي يَمتلكها البيض، فإنهم يَملكون اثنين وستين سنتًا في مقابل كل دولار من الدخل؛ إذن ففجوة الثروة أكبر بكثير من فجوة الدخل؛ لذا إذا كانت الثروة مهمة لتأمين فرص تحسين الحياة، فإن السود إذن يُواجهون صعوبةً كبيرة للغاية في تحقيق ذلك مقارنة بالبيض.
- دالتون كونلي: في عصر ما بعد الحقوق المدنية من الصعوبة بمكانٍ الحديث عن العرق والطبقة ككيانين منفصلَين؛ نظرًا لتداخلهما الشديد معًا في مجتمعنا. فالكثير من الأشياء التي نَقرنها بالعرق في ظاهرها، مثل الاختلافات في معدَّلات الادخار أو الاختلافات في التعليم والأداء، هي في الواقع اختلافاتٌ طبقية حين تجمع البيانات وتقارن الأفراد القادمين من ظروفٍ اقتصاديةٍ مُتشابهة. ولكن العامل المعقَّد هنا هو أن تلك الظروف الاقتصادية تتحدَّد وفقًا للعرق، من خلال أوجه التفاوت التاريخية، ومن خلال الديناميات المعاصرة؛ حيث يَحصل البيض على فُرَص العمل على نحوٍ غير متكافئ أكثر مما يفعل السود وجماعات الأقلية الأخرى. إذن فالعرق مهم، إلا أن أهميته غالبًا ما تكون غير مباشرة من خلال الوضع الطبقي، أو الموقف المالي للأسرة.
شراء منزل
- دالتون كونلي: : يأتي صافي ثروة الأسرة من عدة مصادر. ولكن المصدر الأكبر، بالنسبة إلى غالبية الأُسر الأمريكية، هو القيمة العقارية التي يَحصلون عليها من منزلهم. وقد شهد النصف الأخير من القرن العشرين ارتفاعاتٍ مَهولة في قيم العقارات، والتي كانت في الأساس بمنزلة برنامج لتكوين الثروة لمعظم الأمريكيين البيض.
- ميلفن أوليفر: في ثلاثينيات القرن العشرين، أقدمت الحكومة الفيدرالية على استحداث مجال التشييد والبناء ودعمه. وفي سبيل ذلك، استحدثت إدارة الإسكان الفيدرالية، التي كانت مهمتها توفير القروض، أو توفير الدعم للقروض، للأمريكيين العاديين حتى يتسنَّى لهم شراء منزل.
- دالتون كونلي: وفَّرت الحكومة الأمريكية قروضًا قليلة الفوائد للجنود العائدين من الحرب وغيرهم من الأمريكيين البيض بعد الحرب العالمية الثانية، من أجل إحداث انتعاشٍ في حركة امتلاك المنازل وانتِشار الضواحي، والتي استبعد منها السود.
- ميلفن أوليفر: من الأمثلة الرائعة، المُجتمعاتُ التي نشأت على الساحل الشرقي والمسماة ليفيتاونز. كانت هذه المجتمعات عبارة عن مساكنَ شعبيةٍ بُنيت بتكلفةٍ معقولة للغاية وقت بنائها.
- جون إيه باول: حين تمَّ الانتهاء من بناء ليفيتاون، أظن أنها كانت تضم أكثر من ١٧ ألف وحدة يقطنها ٨٢ ألف شخص. وكان البناء على نطاقٍ ضخم. وأعني بهذا أن بعض الناس يقولون إن ليفيتاون كانت موازية للسيارة تي موديل فورد. فقد جعلت الإسكان متاحًا لأبناء الطبقة العاملة في أمريكا. وجعلت الشراء أرخص من الإيجار، وأتاحت للناس فرصةً للخروج من المدن إلى الضواحي.
- ميلفن أوليفر: كانت معظم هذه المجتمعات لا تَشترط دفعة مقدمة؛ لذلك كان العديد من الناس يَقفون في الصفوف لأيام في انتظار التوقيع، وكان أول شخص في الصف يَحصل على المنزل. وكانت هذه المنازل مموَّلةً من إدارة الإسكان الفيدرالية. وكانت كل المنازل في مجتمعات ليفيتاون لها ما نُطلق عليه عقودًا تقييدية. وكانت هذه العقود عبارة عن اتفاقياتٍ قانونية مُلزمة تقضي بأن أي شخص أسوَد أو لاتيني، أو صيني، وفي بعض الحالات يهودي، لا يستطيع الحصول على تلك المنازل، ولا يستطيع شراءها.
-
جون إيه باول: حتى عام ١٩٦٠، كان اﻟ ٨٢ ألف شخص الذين يَعيشون في ليفيتاون
مدعومين بقوةٍ بالمال العام، وهو ما كان لا يعني أموال البيض
فحسب، بل أموال السود أيضًا. ولم يكن ثمة أَسودُ واحدٌ يعيش في
ليفيتاون.
لم يكن السود مُستبعَدين من سوق الإسكان تمامًا، ولكن سوق الإسكان المعروضة أمامهم كانت في الغالب هي سوق الإسكان العام. والإسكان العام، في المقام الأول، أنشئ حصريًّا في المدينة المركزية، مع بعض، إن لم يكن قليلًا جدًّا، من الاستثناءات. وبعد الحرب العالمية الثانية، بدأنا في بناء مشروعاتٍ أكبر وأكبر للإسكان العام، سُميت «الجيتو العمودي». فإذا بكَ، على حين غِرة، تُركز أعدادًا كبيرة من الفقراء الملوَّنين في مكانٍ واحد. وبعد ذلك خلال «الخمسينيات» و«الستينيات»، ظهرت أيضًا فكرة إجلاء الأماكن التي كان السود يَعيشون فيها من قبلُ. وقد أطلق بعض الناس على ذلك مسمى «التجديد الحضري». وأطلق عليه آخرون اسم «الإزالة الحضرية»؛ حيث قمنا بإزالة أحياءٍ كاملة، وفي بعض الأحيان كانت هذه الأحياء نابضة بالحياة والنشاط.
- ميلفن أوليفر: في عام ١٩٩٤ حين ألقيتَ نظرة على المسح الخاص بالدخل والاشتراك في برامج الإسكان، كان بإمكانك أن ترى صاحب منزل اشترى منزلًا على طراز ليفيتاون في عام ١٩٥٠، ربما اشتراه مقابل ٥ آلاف دولار، يملك ثروة تُقدر بحوالي ٣٠٠ ألف دولار في صورة قيمةٍ عقارية لذلك المنزل. وهذا مثال لاستثمارٍ تنامى بمرور الوقت. ألقِ نظرة على أسرةٍ مماثلة من الأمريكيين الأفارقة في ذلك المسح لم تُتح لها فرصة لشراء مثل ذلك المنزل، أو اضطُرَّت إلى شراء منزل في المدينة من الداخل، وستجد أنها تملك ثروةً أقل بكثير. ومن هنا تبدأ في إدراك كيفية نشأة نسبة العشرة إلى واحد بين ثروة البيض وثروة السود.
سوق الإسكان
- دالتون كونلي: يُعدُّ سوق العقارات هو ملتقى الثقافة والاقتصاد؛ فالبيض بوصفهم الأغلبية، يُسيطرون على السوق فعليًّا. فيُمكنهم الانتقال من مكان إلى مكان، ونظرًا لكونهم الجماعة الأكبر، ونظرًا لسياسة العرض والطلب، إذا أراد البيض العيش في مكانٍ ما، فسوف يقود ذلك الأسعار نحو الارتفاع. وإذا لم يكن لهم رغبة في العيش في مكانٍ ما، فسوف يهوي ذلك بالأسعار.
-
بيفرلي دانيال تيتوم: ربما أكون مسئولة قروض تَعتبر نفسها تقدمية، ومتفتِّحة
للغاية، شخصٌ محدود التحيُّز، إن لم يكن عديم التحيُّز تمامًا.
ولكني قد أعمل لدى بنك يَفرض معدلات فائدة أعلى على … نعم نحن
نقدم قروضًا، ولكننا نفرض فائدة أعلى من … نحن نفرض معدَّل
فائدة أعلى على الأشخاص الذين يعيشون في أحياءٍ بعينها.
لذا لنفترض أنه حين يأتي شخصٌ ملوَّن من ذلك الحي لمقابلتي، قد أميل إلى إعطاء هذا الشخص قرضًا ميسَّرًا. ولكن إذا كانت سياسة البنك هي منح قروض بفائدةٍ معيَّنة في حيٍّ بعينه، فسوف أقوم بتطبيق تلك السياسة، بصرف النظر عن توجُّهي الشخصي الخاص، ولكنَّني بقراري هذا أُعزِّز العنصرية المؤسسية التي تنطوي عليها تلك السياسة.
- ميلفن أوليفر: من الحالات المُثيرة للاهتمام حالة محرِّر (بجريدة) وول ستريت جورنال كان يملك منزلًا في أتلانتا وتمَّ نقله إلى المقر الرئيسي للجريدة في واشنطن أو نيويورك. واضطرَّ إلى بيع منزله. وقام بعرض المنزل للبيع وجاء بمُثمِّن لتقدير قيمته. وحين حصل على التقدير، لم يُناسبه. فقد بدا أقل من قيمة المنازل الأخرى في المنطقة بحوالي من ٥ إلى ١٠ آلاف دولار. وحين توجَّه إلى منزله، أدرك أنه حتى بدون وجوده هناك، كان واضحًا أن هذا المنزل كان مملوكًا لشخصٍ أمريكي من أصلٍ أفريقي. فقد كان يَحوي لوحات وأعمالًا فنية ذات طابعٍ أمريكيٍّ أفريقي؛ ومن ثمَّ قرَّر أن يطلب حضور مُثمِّنٍ آخر، وأخرج جميع الصور الفوتوغرافية التي تشي بالطابع الأمريكي الأفريقي، وكذا جميع اللوحات، وزال كل شيء من شأنه أن يُعطي انطباعًا بأن هذا المنزل يخص أمريكيًّا من أصلٍ أفريقي. وجاء التقدير متَّسقًا مع التقدير الذي كان يعرفه في الحي. بعبارةٍ أخرى، حتى اليوم، لا تزال فكرة أن منزلًا في مجتمع كله من البيض، ولكنه مملوك لأمريكي من أصلٍ أفريقي تقلُّ قيمته عن منزل مملوك لشخص أبيض.
- إدواردو بونيلا-سيلفا: معظم البيض، حين تَطلب منهم وصف الحي الذي يقطنونه، يخبرونك: «أنا أقطن بحيٍّ جميل.» وبعدها تسألهم: كم تبلغ نسبة الأشخاص في الحي الذين يُعتبَرون من الأقليات؟ فيقولون: «حسنًا، إنه حي يغلب عليه البيض في المُجمَل.» والحق أنهم لا يتعاملون مع حقيقة كونهم يعيشون في حيٍّ أبيض باعتبارها مشكلة؛ لأن البياض في نظرهم ليس عرقًا؛ فهم أشخاص طبيعيون ولُطفاء. والأشخاص الوحيدون الذين يُعتبَرون عرقيِّين في أمريكا هم الملوَّنون.
- دالتون كونلي: لنضرب مثالًا: إذا كنتُ صاحبَ منزلٍ أبيضَ بلا أي نزعات تمييزية، وأرى أن الأمريكيين الأفارقة قد بدءوا في الانتقال إلى الحي الذي أقطنه، فقد لا يكون لديَّ أي سببٍ اجتماعي-نفسي لكي أرغب في الفرار، والنزوح، وتصفية منزلي. ولكن إذا فكَّرتُ في أن الأشخاص الآخرين ممَّن يقطنون حيي سوف يقومون بتصفية منازلهم، يُصبح لديَّ حافزٌ اقتصادي لتصفية المنزل والفرار من ذلك الحي قبل أن يفعل الآخرون؛ فالأسعار سوف تهبط بمجرد ظهور حمى البيع. وبالطبع يتحول الأمر إلى دائرةٍ مفرغة. فحتى لو لم يكن ثمَّة أي رغبةٍ نفسية لدى أي شخص في مجتمع البيض في البيع من أجل تجنُّب الاندماج مع السود، فإن لديهم جميعًا رغبةً اقتصادية في أن يكونوا أول النازحين قبل ملاحظة أي هبوط في الأسعار؛ ومن ثم يتحوَّل الأمر بالطبع إلى دائرةٍ مُفرغة، والتي تُمثِّل مشكلةً ضخمة. وكيف لك أن توقف عملية نزوح البيض وتيار إحلال الطبقات الوسطى محلَّ الطبقات الدنيا المعاكس؛ حيث يَنزح البيض إلى الأحياء المُتدهورة ويدفعون الأسعار نحو الارتفاع من أجل أنفسهم على حساب السكان السود المحليِّين؟
(نُسخت بتصريح من كاليفورنيا نيوزريل.)
المراجع
-
Estrada, Vanessa Correra:2009 The Housing Downturn and Racial Inequality: Executive Summary. Policy Matters, A Quarterly Publication of the University of California, Riverside 3(2): 1–11. Fall.
-
Fox, R., and S. Treuhaft:2010 The President’s 2011 Budget. Creating Communities of Opportunity. Oakland, CA: Policylink.
-
Gerstle, Gary:2001 American Crucible: Race and Nation in the Twentieth Century. Princeton: Princeton University Press.
-
Gould, Stephen Jay:1996 The Mismeasure of Man. New York: W.W. Norton.
-
Kromm, Chris:2010 The real story of racism at the USDA. Facing South (July 22). http://nameorg.org/pipermail/name-mce_nameorg.org/2010-July/006093.html, accessed November 16, 2011.
-
Oliver, Melvin L., and Thomas M. Shapiro:1995 Black Wealth, White Wealth: A New Perspective on Racial Inequality. New York. Routledge Press.
-
Shapiro, T. M., T. Meschede, and L. Sullivan, L.:2010 The Racial Wealth Gap Increases Fourfold. Waltham, MA: The Heller School for Social Policy and Management, Brandeis University.
-
Takaki, Ronald:2008 A Different Mirror: A History of Multicultural America. New York. Back Bay/Little Brown and Company.
-
U.S. Congress:1985 White Earth Reservation Land Settlement Act of 1985. www.welsa.org/pdf/whiteearthlandsettlementact.pdf, accessed November 26, 2011.
-
Velez Ibanez, Carlos:1996 Border Visions: Mexican Cultures of the Southwest. Phoenix: University of Arizona Press.
-
Yarbrough, Fay:2007 Race and the Cherokee Nation: Sovereignty in the Nineteenth Century. Philadelphia: University of Pennsylvania Press.
-
Zinn, Howard:2003 A People’s History of the United States: 1492–Present. New York: Harper-Collins.
قراءات أخرى
-
Cramer, R., M. Huelsman, J. King, A. Lopez-Fernandini, A., and Newville, D.:2010 The Assets Report 2010: An Assessment of President Obama’s 2011 Budget and the Changing Policy Landscape for Asset Building Opportunities. Washington, D.C.: New America Foundation.
-
Cytron, N.:2010 Improving the Outcomes of Place-based Initiatives. San Francisco, CA: Community Investments, Federal Reserve Bank of San Francisco.
-
Mallach, A.:2010 Facing the Urban Challenge: The Federal Government and America’s Older Distressed Cities. Washington, D.C.: What Workscollaborative.
-
Massey, Douglas S., and Nancy A. Denton:1993 American Apartheid: Segregation and the Making of the Underclass. Cambridge, MA. Harvard University Press.
-
National Alliance of Community Economic Development Associations:2010 Rising Above: Community Economic Development in a Changing Landscape. Washington, D.C.: NACEDA.
-
Treuhaft, S., K. Rose, and K. Black:2010 When Investors Buy Up the Neighborhood: Preventing Investor Ownership from Causing Neighborhood Decline. Oakland, CA: PolicyLink.
-
Wiedrich, K., S. Crawford, S., and L. Tivol:2010 Assets & Opportunity Special Report: The Financial Security of Households with Children. San Francisco, CA: Federal Reserve Bank of San Francisco.