الفَصْل وعدم المساواة
ساهمت القوانين التي تنحاز إلى البِيض دون غيرهم في إيجاد مظاهر عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي نراها في الولايات المتحدة اليوم.
في الفصل السابق، رأينا كيف استخدم المُشرِّعون وواضعو القوانين نفوذهم الهائل في إظهار الاختلاف العرقي؛ ذلك النفوذ الذي استُخدِم على مدى التاريخ في تعزيز الوحدة العرقية بين البِيض من خلال منحهم قدرةً أعلى على الوصول إلى الموارد السياسية والاقتصادية. وفي هذا الفصل الأخير من الجزء التاريخي، ندرس جوانبَ أخرى من هذه القصة، وهي العمليات العكسية التي استطاعت من خلالها القوانين الفيدرالية والقوانين الداخلية للولايات والمستعمرات حظر أو تقييد الوصول إلى موارد مُتساوية أمام الأشخاص ذوي الأصول غير الأوروبية. سوف نستعرض التفسيرات القانونية للعِرْق، ولا سيَّما العنصرية، فيما يتعلق بقضايا المواطَنة والحقوق المَدنية، ومِلكية الأراضي وحيازتها، وتنظيم التنوُّع البيولوجي والثقافي لدى البشر.
في هذا الفصل، لسنا بصدد التأكيد على الحركات الاجتماعية أو السياسية المُناهِضة للعنصرية، ولا بصدد مناقشة الهُويات العرقية التي جعلت العرق أكثر من مجرد محاولةٍ فاشلة لتصنيف الاختلاف بين البشر. هذا الإغفال المُتعمَّد لتلك الجوانب يُمثل حالةً مؤقتة، اعترافًا بأن «الأشخاص المُستهدَفين بالعنصرية لا «يصنعونها»، ولا تُكفَل لهم حرية «التفاوض» بشأنها، على الرغم من أنهم ربما يتصدَّون لها ولمُقترفيها ويُحاولون اجتياز العقبات التي تضعها في طريقهم. … ليس ثمة جانبٌ اختياري وإيجابي للعنصرية بالنسبة لضحاياها، وهي لا تُولي أي اعتبار للسيمترية على الإطلاق» (فيلدز ٢٠٠١: ٤٨). في الأجزاء التالية، وعلى مدار الكتاب ككلٍّ، سنتطرق إلى آراء مهمة من الآراء المخالِفة المناهِضة للعنصرية التي تكوِّن صورةً أكثر اكتمالًا للتكوينات العرقية وغيرها من التكوينات العنصرية الأخرى. أما الآن، فإننا نريد إلقاءَ الضوء على قوة العنصرية التي تقرُّها الدولة ونتائجها التاريخية. وينصبُّ تركيزنا الأول في هذا الصدد على التجارب الأساسية التي استطاعت بنجاحٍ وعلى وجوهٍ شتى تحديد الأشخاص الملوَّنين على أنهم عرضةٌ بموجب القانون للهجوم والانتقاد على أسسٍ عِرْقية. وتُواصل هذه التجارب — المتمثِّلة في العبودية، والحروب، والهجرة، وغيرها — تحديد العقبات المشتركة أمام تحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في هذه المجتمعات والمسارات المختلفة نحو تحقيقها.
•••
لم تُقرَّ فقط كلَّ أشكال التجريد التدريجي والتشريعي من الحقوق على مدى العشرين عامًا الماضية، لكنها قدَّمت أيضًا أشكالًا أخرى تضمَّنت عددًا من أكثر العادات والتقاليد صرامةً وحزمًا التي وُضِعت للسيطرة على العُمَّال المرتبطين بعقودٍ طويلة الأجل في المستعمَرة. وفي الوقت نفسه، كانت هذه القوانين حاسمة في تجريد العبيد من أي امتيازاتٍ أو حقوق مُستحَقَّة للعُمَّال البِيض المرتبطين بعقودٍ طويلة الأجل خلال الفترة نفسها.
اشترعَ قانونٌ وُضِعَ عام ١٧٠٥ بحزمٍ أن السود ليس لهم الحق في أيِّ حماية بموجب القانون، كما عُنيت القوانين التالية التي وُضِعت حتى عام ١٧٩٢ بتحديد وضع العبيد وتوضيحه في مقابل وضع الخدم البِيض.
بالإضافة إلى ذلك، قيَّدت قوانينُ الرقيق فرصَ العمل، والانتقال، وغيرها من الحقوق أمام السود الأحرار، ودعت إلى توقيع مزيدٍ من العقوبات الصارمة على الأزواج المُنتمين إلى أعراقٍ مختلفة، لا سيَّما الذين يسعون إلى شرعنة زواجهم وجعله قانونيًّا. أقرَّت مُستعمَراتٌ وولاياتُ عبيدٍ أخرى قوانين الرقيق الخاصة بفرجينيا وعدَّلتها؛ الأمر الذي أضفى وحدةً قانونيةً ضمنية على أنظمة العبودية التي تختلف من منطقة لأخرى. بعد إقرار التعديل الثالث عشر للدستور الأمريكي عام ١٨٦٥، تغيَّر شكلُ العبودية القانونية إلى نظام المُزارَعة، وعبودية الديون، وتأجير السجناء، وغيرها من الاستراتيجيات التي تهدف إلى إحكام السيطرة على العُمَّال السود (جينز ١٩٨٦). واستمرت بعضُ هذه الممارسات حتى القرن العشرين، حيث تداخَلت مع فترة الفَصْل العنصري الذي أقرَّته قوانين جيم كرو والذي نناقشه على مدى هذا الفصل (بلاكمون ٢٠٠٨).
كشفت القوانين المتعلقة بالعبودية أحيانًا عن أوجه تشابُهٍ واختلاف في وضع الهنود الأمريكيين والأمريكيين الأفارقة. على سبيل المثال، كان قانونُ عام ١٦٦٧ المذكور آنفًا الذي صرَّح أن التعميد ليس بالطريق الملائم الذي يحصل من خلاله السودُ على حريتهم؛ يضم أيضًا الهنود الواقعين في أسر العبودية، وانتقصَ قانونان آخران وُضِعَا عام ١٦٨٢ من شأن كلتا المجموعتين بتصنيفهما ضمن «الزنوج والعبيد الآخرين». وبطبيعة الحال، عكست تصوُّراتُ البِيض المُستعمِرين للهنود «مشكلة» السيادة القَبَلية ومقاوَمة الهنود لاستعمار البيض واستيطانهم لأراضيهم. ومن هنا جاء الاستثناءُ الوحيد لقانونٍ وُضِعَ عام ١٦٣٩، يحظر على العبيد الأفارقة حملَ أسلحة إلا في حال الدفاع عن المُستعمَرة في مواجهة غارات الهنود وهجماتهم. في الواقع، جاء تمرُّدُ بيكون عام ١٦٧٦، الذي جَمَعَ العُمَّال معًا عبر التصنيف العنصري الناشئ الذي يضم السود والبِيض، مناهِضًا للهنود على نحوٍ صارم في مطالباته بتطبيق سياساتٍ أكثر عدوانية لتوطين هؤلاء العُمَّال وتخويلهم صلاحياتٍ أكبر للحصول على أراضي السكان الأصليين (هيجينبوثام ١٩٧٨، روديجر ٢٠٠٨).
«ملحدون»، و«بربريون»، و«همجيون» — كلماتٌ استُخدِمَت بأساليب ودرجاتٍ مختلفة للإشارة إلى ضحايا الاستعمار الحديث في حقول التجارب الأيرلندية وفي أمريكا الشمالية — لا تتضمَّن أيَّ إشارة مباشرة إلى علم الأحياء، السمة المميِّزة لمُعتقَد تفوُّق العرق الأبيض خلال القرن التاسع عشر، ولا تتضمن أيضًا أي إشارة إلى لون البشرة. بدلًا من ذلك، انبثقت هذه الآراء التعميمية الشاملة عن مناقشات المستعمِرين بشأن عدم اعتناق السكان الأصليين للمسيحية وغياب ما أسماه المُستعمِرون مُمارسة الإنتاج الزراعي المستقر (٢٠٠٨: ١٨).
بعبارةٍ أخرى، كانت الثقافة — وليس العرق — هي المتَّهم الأساسي في إظهار الهنود الأمريكيين بمظهر غير المُستحقِّين أساسًا لأراضيهم أو لتقرير مصيرهم. ومن وجهة نظر بعض المفكرين الرومانسيين الذين يعود تاريخهم إلى القرن السادس عشر، فإن الممارسات الثقافية «التقليدية» أو «البدائية» لهؤلاء «الهمجيِّين النبلاء» قد أعادت إلى الأذهان فترةً سابقة من العلاقات الإنسانية اتَّسمت بقدرٍ أكبر من الانفتاح والصدق، بل وكانت مضاهيةً على نحوٍ إيجابي في كثير من النواحي للمُمارسات الثقافية لمُجتمعات البيض «المُتحضِّرة» (باترسون ١٩٩٧). ومع ذلك، منذ القرن الثامن عشر، خالفَ كثيرٌ من الأمريكيين البِيض هذا المنطق؛ إذ اعتقدوا في إمكانية «الارتقاء» بالهنود من خلال التثقيف (الأنجلوأمريكي) الملائم، وهي إمكانيةٌ رحَّب بها توماس جفرسون على عكس فِكَره بشأن دُونية السود المتأصِّلة فيهم بالفطرة والتي لا يُمكن إصلاحها. في الواقع، رأى البعضُ أن إنقاذ الهنود من الثقافة الهندية كان بمنزلة التزام وواجبٍ مسيحي؛ ومن ثمَّ كان الوضعُ — رغم سوْداويَّته — يُمكن الخلاص منه. ويَكمن الحل في قدرة الهنود على الاقتداء بالنماذج الثقافية الموضوعة من قِبَل البِيض فيما يخصُّ قضايا الدين، والمعيشة، واللغة، وغيرها. والأمران سيَّان إن كانوا يَرغبون في القيام بذلك أم لا.
ومن غير المُستغرَب أن فكرة الارتقاء بالهنود لاقت تأييدًا ورواجًا أكبر خلال القرن التاسع عشر؛ حيث حقَّقت الولايات المتحدة الهيمنة العسكرية والسياسية على أراضي الأمريكيِّين الأصليين. وانتهت ممارسة الاعتراف بالقبائل الهندية على أنها أممٌ مُستقلة ذات سيادة عام ١٨٧١ عندما وافق الكونجرس على قانون الاستيلاء على مخصَّصات الهنود وأموالهم. على المستوى المحلي، حكمت الولاياتُ المتحدة الشعوبَ الهندية من خلال وكلاء مكتب الشئون الهندية، الذي تأسَّس عام ١٨٢٤ ليكون أقدم مكتب تابع لوزارة الداخلية الأمريكية. لخَّصَ عالِم الأنثروبولوجيا ومؤسِّس جمعية أودوبون الوطنية، جورج بيرد جرينيل، الموقف عام ١٨٩٩عندما كتبَ أنَّ «للوكيل الهندي السلطة المطلقة في تنظيم الشئون في محميته … وهذه السلطة تفوق في حدودها المطلقة أي شيءٍ آخر نعرفه في هذه الدولة. المحاكم منوطة بحماية المُواطنين، بيد أن الهنود ليسوا مواطنين، وليس ثمة ما يَحميهم. وللكونجرس وحده سلطة تنظيم الآلية التي يعيشون بها ومكان ذلك.» ما الذي كان يعنيه ذلك بالضبط للهنود الأمريكيِّين؟
لسوء الحظ، تُرجِمَ إيمانُ الأمريكيين القوي بإمكاناتهم الكامنة فيما يخصُّ «الحضارة والتمدُّن» إلى برنامجٍ تشريعي للإبادة الثقافية للهنود الأمريكيين الذين صمدوا أمام عمليات القتل التي استهدفت شعوبهم خلال الحروب (ثورنتون ١٩٨٧). وبدءًا من أواخر القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين، طبَّق مكتبُ الشئون الهندية سلسلةً من السياسات الموضوعة بهدف إجبار الهنود على الاندماج في «الثقافة الأنجلوأمريكية»، وذلك على سبيل المثال، من خلال نقل الأطفال الهنود من محمياتهم إلى مدارسَ داخلية حيث يتلقَّون تعليمهم على أيدي مدرِّسين بِيض. وكان الهدفُ الأساسي من هذه السياسات — وهي إجراءاتٌ كانت تهدف ظاهريًّا إلى تعزيز رفاهية الهنود — هو الطمسُ الشامل للمُمارسات الهندية الثقافية. وبدءًا من ثلاثينيات القرن العشرين، غيَّر المُشرِّعون هذا النهج رأسًا على عقب ووضعوا سياساتٍ فيدراليةً جديدة تهدف إلى الحفاظ على الثقافات الهندية. عكَسَ هذا التغيير تحوُّل علماء الأنثروبولوجيا عن نموذج «التطوُّر الثقافي» والتصنيف الثقافي. وفقًا لعالِم الأنثروبولوجيا لي بيكر (٢٠١٠)، فإن المفاهيم الجوهرية لعلماء الأعراق البشرية عن الثقافة — والتي تمَّ صقلها بصفةٍ أساسية من خلال بناء «الشخصية الهندية» — كان من شأنها أن تُشكِّل الأساسَ لمفهوم عِرْقٍ ناشئ طُبِّقَ فيما بعدُ في الدراسات الأنثروبولوجية للأمريكيِّين ذوي الأصول الأفريقية.
على مدار القرن التاسع عشر، أدى التوسُّع العدواني صوب الغرب من خلال الحروب والاستيلاء على الأراضي، والهجرة المُتزايدة لغير الأوروبيين، إلى زيادة حجم الدولة وسكانها بدرجةٍ كبيرة؛ حيث ازداد العدد بمعدل ستة أضعافٍ من عام ١٨٠٠ إلى عام ١٨٦٠ فقط. وحسب ما أقرَّه واضعو القوانين الأمريكية وغيرهم، من زعماء العصر، فقد تمخَّضت عن هذا النمو نطاقاتٌ وتحدِّياتٌ عِرْقيةٌ جديدة تجاوزت، وإنِ ارتبطت أيضًا بالمشكلات التي أحدثها الشعبان «الأسود» و«الأحمر». ولنأخذْ مثالًا على ذلك حالة تكساس، التي كانت تحت حُكم المكسيك ملاذًا للهاربين. لم تكن حقيقة أن تكساس ومعظم الأراضي المكسيكية الأخرى آهلةً بالسكان أمرًا ذا أهميةٍ بالنسبة إلى المُستوطنين الأمريكيين الذين ظنوا أنهم أقدر من الهنود الأمريكيين أو المكسيكيين الكاثوليك المتحدِّثين بالإسبانية على حُكم هذه الأراضي. اصطدم المستوطنون مع الحكومة المكسيكية بشأن محاولات الولايات المتحدة في الضم العسكري للأراضي، والتعريفات الجمركية، والعبودية (التي حظرتها المكسيك قانونًا عام ١٨٢٩ لكنها مُورِسَت بموجب قانونٍ إقليمي يجيز «العمالة الدائمة بعقود طويلة الأجل») (مشروع التاريخ الاجتماعي الأمريكي ١٩٨٩). أسفرت سنواتُ الصراع والعدوان عن اندلاع حالة من التمرُّد عام ١٨٣٥، وفي العام التالي لذلك أسَّس المستوطنون المنتصِرون جمهورية تكساس المستقلة المالِكة للرقيق. وضمَّت الولاياتُ المتحدة تكساسَ كدولة رقيق تُجيز العبودية عام ١٨٤٥.
تصاعدت حدَّة التوتُّرات بين الولايات المتحدة والمكسيك خلال ما يقرب من عشر سنوات، وهي الفترة التي استغرقتها تكساس حتى تحصل على حقِّ دخول الاتحاد (بسبب المقاومة التي لاقتها في الشمال نظير ما قامت به من توسيعٍ لنطاق «سُلطة العبيد» في الجنوب داخل مجلس الشيوخ). وبعد محاولتَين فاشلتين لشراء نيو مكسيكو وكاليفورنيا من الحكومة المكسيكية، بدأت الولايات المتحدة الحرب المكسيكية الأمريكية (١٨٤٦–١٨٤٨)، التي انتهت بمعاهدة سلام تم بمقتضاها نقل ملكية أراضي كلٍّ من نيو مكسيكو وكاليفورنيا إلى الولايات المتحدة وتوسيع حدود تكساس ناحية الجنوب. وإجمالًا، طالبت الولايات المتَّحدة بنصف الأراضي الوطنية بالمكسيك — حوالي ١٫٢ مليون ميل مربع من الأراضي — وما يقرب من ٨٠ ألف نسمة من السكان الناطقين بالإسبانية، وكان معظمهم من أصولٍ إسبانية ومن الهنود الأمريكيِّين الذين اضطلعوا بالأعمال الشاقة المُنخفِضة الأجور اللازمة لتحقيق أرباحٍ من الزراعة، وتربية المواشي، والتعدين، والصناعة (مشروع التاريخ الاجتماعي الأمريكي ١٩٨٩). بعد مرور نصف قرن، لعبَ مجددًا الاشتباكُ العسكري الأمريكي دورًا مهمًّا في زيادة الوجود اللاتيني بالدولة. وفي عام ١٨٩٨، أضافت الولايات المتحدة إلى جُملة سكانها السكانَ الأصليين لإقليم بورتوريكو وجزر الكاريبي الأخرى (مثل سكان كوبا وجمهورية الدومينيكان) نتيجةً للحرب الإسبانية الأمريكية.
كانت هذه الفترة نفسها فترةَ صراعٍ وعنف عُنصريَّين قويَّين في كاليفورنيا، ارتبطا باكتشاف الذهب على يد النجَّار جيمس مارشال عام ١٨٤٨ في مصنع للأخشاب على النهر الأمريكي. أدَّى اكتشافُ مارشال إلى اندلاع حمَّى الذهب في كاليفورنيا، التي ساعدت في دعم الاقتصاد الوطني، وجَلبت مئات الآلاف من مُنقِّبي الذهب إلى الولاية، وكان من بينهم مُهاجرون من كل أنحاء العالم. أدَّى هذا النمو السكاني الهائل في نهاية الأمر إلى تجريد الأرض من مصادر الغذاء الطبيعي التي يعتمد عليها هنودُ كاليفورنيا. عندما شرع الهنودُ في شنِّ غاراتٍ وهجماتٍ على مدن التعدين ومُستوطَنات البِيض بغرض الحصول على الغذاء، ردَّ المجلس التشريعي لكاليفورنيا بسَنِّ قانون التعاقد الطويل الأجل لعام ١٨٥٠، وهي تسميةٌ مُضلِّلة لا تعبر عن فحوى القانون. في الواقع، أجاز هذا القانون الاستعباد الفعلي للشعوب الهندية على أيدي المُستوطِنين البِيض، وهي ممارسةٌ باتت شائعة وتضمَّنت خطفَ الأطفال الهنود وبيعهم. وفي عام ١٨٥٣، شرع المستوطنون في احتجاز السكان الهنود المتبقِّين في مراكز احتجازٍ عسكرية. بلغ عدد الهنود الذين عاشوا في كاليفورنيا قبل عام ١٨٤٩ نحو ١٥٠ ألف نسمة، وبحلول عام ١٨٧٠، لم يبقَ منهم سوى أقل من ٣٠ ألف نسمة.
كان من بين مُنقِّبي الذهب الكثيرين عشراتُ الآلاف من العُمَّال المهاجرين الصينيين الذين قُوبِلوا بإجحافٍ شديد وواسعِ النطاق في سان فرانسيسكو ومناطق أخرى. بعضُ عُمَّال المناجم الصينيين لم يُسمَح لهم، على سبيل المثال، بسوى العمل في المواقع التي هجَرها عُمَّال المناجم البِيض وانصرفوا عنها. نما شعورٌ عدائي تجاه الصينيين على مدى العقود التالية لذلك، أشعل فتيلَه الاعتقادُ بأن العُمَّال الصينيين ينتزعون الوظائف من البِيض؛ مما أدى إلى محاولات تجمهُر عنيفة لإخلاء المدن الغربية من أي وجودٍ صيني. كما أشرنا في الفصل الرابع، استُوحيَت توصيفاتُ التهديد السياسي الآسيوي أو «الخطر الأصفر» من التصريحات العلمية والطبية عن «الأمراض الصينية المُعدِية»، ومن تهديدِ الصحة البدنية والعقلية للأمريكيين الذي يفرضه مجرد وجود العُمَّال الصينيين. في النهاية، أصدر الكونجرس قانون إقصاء الصينيين لعام ١٨٨٢، الذي يحظر هجرة المزيد من العُمَّال الصينيين، ويَحظر كذلك منحَ الجنسية للمُهاجرين الصينيين المقيمين في الولايات المتحدة، لمدة عشر سنوات. وبعد ذلك بعامَين، وسَّع الكونجرس نطاق القانون ليشمل الحظرُ كلَّ المهاجرين الصينيين. استمرت موجة العنف الواسعة النطاق ضد الصينيين حتى أوائل القرن العشرين، بما في ذلك عملياتُ الإعدام من غير محاكمة التي نفَّذتها جماعاتٌ أهلية على غرار تلك العمليات التي ارتُكِبَت أساسًا ضد السود في الجنوب (وكذلك ضد الأمريكيِّين ذوي الأصول الإيطالية واليهود).
ومن ثمَّ، على الرغم من أن الجدل والنقاش الجاري يتمركز عمومًا حول السكان ذوي الأصول اللاتينية، لاقى المهاجرون الآسيويون منذ قرنٍ مضى قدرًا كبيرًا من الاهتمام المُتزايد من جانب المُشرِّعين الأمريكيين. يستخدم المؤرِّخون وخبراء القانون بانتظام القضيتَين التاليتَين من قضايا المحكمة العليا للولايات المتحدة لبيان عدم الجدوى والخطورة المتأصلتَين في مُطالبات الآسيويين للحصول على الجنسية. في أكتوبر ١٩٢٢، تقدَّم رجلُ الأعمال الياباني تاكاو أوزاوا بطلبٍ للحصول على الجنسية الأمريكية بموجب قانون منح الجنسية الصادر عام ١٩٠٦، الذي قَصَرَ أحقية الحصول على الجنسية على الأشخاص البِيض والأشخاص أفريقيِّي المولد أو ذوي الأصول الأفريقية. لم يتحدَّ أوزاوا الشروط العرقية للقانون، لكنه فنَّد حدود الفئة العرقية البيضاء. رأى أن الأشخاص المُنحدِرين من أصولٍ يابانية ينبغي أن يُصنَّفوا على أنهم من البِيض؛ ومن ثمَّ يكونون مؤهَّلين لأن يُصبحوا مواطنين حاصلين على الجنسية ومتمتِّعين بكل حقوق المواطن الطبيعية. لم تُتوَّج قضيته بالنجاح، بدلًا من ذلك، أصدر القاضي المشارِك جورج ساذرلاند قرارًا قضائيًّا بإجماع الآراء بأن اليابانيين لا يُنظَر إليهم عمومًا على أنهم «قوقازيون»؛ ومن ثمَّ فإنهم ليسوا من البِيض. وبالأحرى، فإن اليابانيين بوصفهم يُمثلون «عِرقًا غير قابل للاندماج» لا يشملهم أيُّ قانون متعلِّق بمنح الجنسية أو التجنُّس. بعد مرور عقدَين، خلال الحرب العالمية الثانية، أُجبِرَ ١٢٠ ألف شخص يَنحدرون من أصولٍ يابانية على دخول «مراكز الترحيل الحربية» أو معسكرات الاعتقال بموجب الأمر التنفيذي رقم ٩٠٦٦ الصادر عن الرئيس فرانكلين روزفلت، وكان معظمهم مواطنين أمريكيين.
بعد مرور ثلاثة أشهر على قضية أوزاوا ضد الولايات المتحدة، أصدر القاضي المشارِك ساذرلاند حُكمًا في قضية الولايات المتحدة ضد بهجت سينغ ثيند. في هذه القضية، سعى ثيند — وهو مواطنٌ هندي مولودٌ في الهند — إلى الحصول على الجنسية الأمريكية استنادًا إلى التصنيف الأنثروبولوجي المعاصر للهنود المُنحدِرين من جنوب آسيا على أنهم «قوقازيون». لكنه لم يَربح القضية أيضًا؛ حيث رفضت المحكمة حُجته على أساس أن هذا التضمين في العرق القوقازي كان بمنزلة «تلاعب بالحقائق العلمية» ولا يتفق مع «فهم الإنسان العادي» (هاني لوبيز ١٩٩٦). وهكذا، صنَّف قرارُ ثيند الهنودَ المنحدرين من جنوب آسيا على أنهم «آسيويون» لأول مرة. ولم يكن هذا ضربة موجَّهة ضد المهاجرين الساعين إلى الحصول على الجنسية فحسب، وإنما أيضًا ضد الهنود الآسيويين الذين حصلوا على الجنسية من قبلُ، والذين وَجدَ الكثيرُ منهم أن وضعهم كمُواطنين قد أُسقِطَ وصار مُلغًى. بمجرد تجريد الهنود الآسيويين من حقوق المواطنة، صاروا خاضعين لقانون تملُّك الأجانب لأراضي كاليفورنيا، الذي يحظر على الأجانب غير المستحقِّين للمواطنة تملُّك الأراضي الزراعية، وغيره من الإجراءات القانونية التي استهدفت تجريد المهاجرين من حقوقهم. وبإنشاء «المنطقة المحظورة للآسيويين» عام ١٩١٧ التي حالت دون وصول أيِّ هجرةٍ إضافية من آسيا لدعم مجتمعاتها، غادر معظمُ الهنود الآسيويين البلاد حتى إن عدد السكان الهنود الآسيويين انخفضَ بحلول عام ١٩٤٠ بمعدل النصف، ليُصبح ٢٤٠٥ نسمة. قَصَرَ الكونجرس — منذ مباحثاته الأولى لموضوع المواطنة عام ١٧٩٠ وحتى عام ١٩٥٢ — منحَ الجنسية على «الأشخاص البِيض»، ولم يهتم بإزالة القيود العرقية على الهجرة بدرجةٍ كبيرة حتى عام ١٩٦٥ (هاني لوبيز ١٩٩٦). تمثِّل بنودُ الإقصاء على أسسٍ عِرْقية سمةً مميَّزة في قوانين الهجرة الفيدرالية، ولا تتغيَّر سوى الفئات المستهدفة (ناي ٢٠٠٤).
يُحيلنا هذا إلى مُنتصف القرن العشرين وإلى التحدي الخاص بتفسير مفهوم العدالة العرقية منذ أن أصدرت المحكمة العليا للولايات المتحدة حُكمها في قضية براون ضد مجلس التعليم في توبيكا عام ١٩٥٤. من المعروف أن القرار الصادر في قضية براون أسقط المبدأ القائل بتوفير مرافق للسود «مُنفصلة لكنها متكافئة»، والذي أرست دعائمه قضيةُ بليسي ضد فرجسون عام ١٨٩٦ (راجِع المخطط الزمني في هذا الفصل)، وأجازَ قانونيًّا الدمج العنصري في كل المدارس العامة في الولايات المتحدة. ولا شك أننا شهدنا منذ ذلك الحين كثيرًا من التطوُّرات السياسية والاجتماعية والثقافية الهائلة التي تُشير إلى أن المجتمع الأمريكي يتحوَّل إلى مجتمع شامل على نحوٍ مُتزايد.
يرى كثيرون أن أفرادًا مثل باراك أوباما وسونيا سوتومايور يتبادَرون إلى الذهن على الفور عند التطرُّق إلى هذا الأمر، ولديهم كلُّ الحق في ذلك. يُمثِّل كلٌّ من باراك أوباما بوصفه أول رئيس أمريكي من أصولٍ أفريقية، وسوتومايور بوصفها أول قاضية من أصلٍ لاتيني تُعيَّن في المحكمة العُليا؛ تغييرًا اجتماعيًّا لم تكن لتتصوَّره غالبًا الأجيالُ السابقة. فإنجازاتهما تتَّسم بأنها ذات أهمية وتعكس التغيُّرات الثقافية والديموغرافية الأساسية التي تعكس تصوُّراتنا ومفاهيمنا العرقية بشأن التنوع، بل وتُوسِّع نطاقها. وعلى نحوٍ مماثل، تجدر الإشارة إلى الزيادة التي حدثت في أعداد الأمريكيين المنتمين إلى أعراقٍ متعدِّدة، والتي تُمثِّل الاتجاهَ المتصاعد لحالات الزواج بين الأعراق المصحوب بتغيُّراتٍ في طرق جمع بيانات التعداد الأمريكي (انظر الفصل الثالث عشر). لا شك أنَّ تكوُّن أمريكا من أعراقٍ متعددة ليس بالأمر الجديد. وكما يشير بينتر (٢٠١٠: ٣٨٥)، «لطالما طغت عاداتُ الأمريكيين الجنسية المُخالِفة للقانون على الخطوط الدقيقة الفاصلة بين الأعراق، ودفعت بالمفكِّرين المهتمين بالعرق إلى حافة الجنون.» ومع ذلك، فإنَّ الهيمنة الحالية للأمريكيين تُضعِف على نحوٍ سافر مكانة التصنيفات البيولوجية العرقية وتهدم أساطير النقاء العرقي، مهما كانت محدَّدة، وتدفعنا دفعًا إلى إعادة التقييم النقدي للحقائق الاجتماعية المختلفة بشأن العرق والعنصرية (انظر الفصل الثالث عشر).
إذن، في ضوء هذا التطوُّر المؤكَّد، أين نحن كدولة من قضايا المساواة الاجتماعية العرقية؟
-
تُقرُّ الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة من الناحية النظرية بالسيادة القَبَلية للهنود الأمريكيِّين. بيد أنَّه من الناحية العملية يتعيَّن على كثير من القبائل أن تكون بمنزلة كياناتِ ضغط ذات مصالحَ خاصة؛ إذ يتعيَّن عليها توفير المخصَّصات الفيدرالية السنوية اللازمة للخدمات التعليمية والصحية وغيرها، بمجرد فحصها من قِبل مكتب الشئون الهندية. ماذا عسانا أن نفعل بنموذج السيادة القائم على وجود «أمم داخل أمة» من منظور العدالة العرقية؟ ما البدائل الموجودة؟
-
كما أشرنا أعلاه، يتمركز الجدل الراهن فيما يتعلَّق بسياسة الهجرة ومنح الجنسية حول السكان ذوي الأصول اللاتينية بصفةٍ عامة. ولسوء الحظ، كثيرًا ما يتضمَّن الخطابُ المتعلِّق بهذه المسألة افتراءاتٍ في حق المواطنين غير الأمريكيين ويُشوِّش الوضعَ القانوني لمواطنة المهاجرين وأطفالهم، وكذلك للوافدين من أراضٍ أمريكية مثل بورتوريكو. ألم يكن من المُمكن لهذا الجدل أن يكون بنَّاءً على نحوٍ أكبر لولا استخدام التعبير المجازي «الأجانب غير الشرعيين» الذي يميل إلى أن يجعل السكان ذوي الأصول اللاتينية عِرْقًا متجانسًا وينتقص قدرهم من الناحية العرقية على غرار ما يحدث من حيث اللغة واللون؟
-
مع احتدام المنافسة الاقتصادية العالمية بين الولايات المتحدة ودول مثل الصين والهند، هل يجدر بنا أن نخشى عودة «الخطر الأصفر» أو غيره من التعبيرات البلاغية المُعادية للمهاجرين أو الدالة على كراهية الأجانب، على غرار التعبيرات البلاغية التي تستهدف الأمريكيين ذوي الأصول العربية خلال «الحرب على الإرهاب»؟
-
يرى بعضُ الباحثين أن العرقَين الأبيض والأسود لا يزالان يمثِّلان للبعض طرفَي نقيض في طيف الاحتمالات العنصرية والعرقية المتعدِّدة. وبذلك، فإن محاباة البِيض والانتقاص من شأن السود (أو الاستيلاء الاستراتيجي على مخصَّصاتهم) يُحدَّان من الآفاق المستقبلية التي تأمل في وجود مجتمعٍ أمريكيٍّ متكامل تمامًا. فهل هم محقُّون في ذلك، وإن كانوا كذلك، فكيف لنا أن ننقض الالتزامَ الأيديولوجي بهذا النهج الشديد الرسوخ بشأن العنصرية؟
من الواضح أننا حقَّقنا إنجازاتٍ هائلةً على صعيد العدالة العرقية. بيد أننا نحذِّر من الاعتقاد بأن الولايات المتَّحدة مُجتمعٌ تسود فيه المساواة العرقية أو أنه سيصير يومًا كذلك دون اليقظة والعمل المُستمرَّين. وكما رأينا، فإنَّ المساواة الاجتماعية العرقية عمليةٌ ديناميكية وهدفٌ مراوغ. ودون وجود خارطة طريق واضحة، لن تسير الجهودُ الساعية نحو تحقيق المساواة في مسارٍ خطِّي، ولن تَمضي قدمًا دون عوائق. في الواقع، إن التقدُّم الذي نلاحظه ونحتفي به حاليًّا جاءَ مُتقطِّعًا، وعلى الرغم من التخلي عن العدالة أكثر من مرة، فإنه يُمثل تضحيةً كبرى ونضالًا سياسيًّا من جانب الشعوب الملوَّنة وحلفائهم البِيض. ونعلمُ أن التحدياتَ الكبرى لا تزال موجودة في شكل المعتقدات السائدة المخالِفة للمنطق بشأن الاختلاف العرقي ومظاهر عدم المساواة المنهجية في الصحة، والثروة، والفرصة التعليمية. سندرس هذه التحديات في الجزء الثالث.
المخطط الزمني للفَصْل وعدم المساواة (١٦٥٠–٢٠٠٠)
استطاع المهاجرون من الذكور البِيض التصويتَ غالبًا منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها أقدامهم أراضي أمريكا، بينما لم يتسنَّ ذلك للسود الذين عاشَ أسلافهم في هذه البلاد لقرونٍ طويلة.
لو كان بوسع هؤلاء المكسيكيِّين أن يطَّلعوا على ما يعتمل في صدري في هذه اللحظة، لعَرَفوا مدى الخزي الذي أشعرُ به كأمريكي … وعلى الرغم من أنه لم يكن في استطاعتي البوح بذلك وقتها، فقد كان هذا أمرًا يستوجب الشعور بالخزي بالنسبة لكل أمريكي ذي آراءٍ ومبادئَ قويمة، وقد شعرت بخجلٍ شديد منه في أعماق قلبي.
إنَّ الحُكم الذي سيَسمح لهم بالإدلاء بشهادتهم هو نفسه الذي سيكون من شأنه السماح لهم بكلِّ حقوق المواطنة المتساوية، وربما نراهم قريبًا عند صناديق الاقتراع، وفي مقصورة المحلفين، وفي منصة القضاة، وفي مجالسنا التشريعية.
نعتقد أنهم [السود] لا يدخلون تحت مظلة كلمة «مواطنون» الواردة في الدستور، ولم يكن مرادًا لهم أن يدخلوا يومًا تحت مظلَّتها، وبالتالي فإنهم لا يحق لهم أن يُطالبوا بأيِّ حقوق أو مميزات تُمنح بموجب تلك الوثيقة.
لم تُلغَ العبودية حتى نالَ السودُ حقَّ الاقتراع.
إنكم تعترضون باستمرار على أخلاق [الصِّيني]. يقول مُسافروكم إنه فاسد الأخلاق؛ ومبعوثوكم الدينيون يُسمُّونه شقيًّا، ومفوضوكم ينعتونه بالقذارة. … ومع ذلك، تسمح له زوجاتكم بأن يقوم على خدمتهن عند تناول الطعام، ويسمحن له بالدخول إلى مخادعهن، ويأتمنَّه على ثيابهن وحُليِّهن، بل ويأتمنَّه أيضًا على حياتهن من خلال منحه التحكُّم الكامل في مطابخهن وإعداد طعامهن. ثمة تناقضٌ صارخ هنا.
لم يشهد العالَمُ مثل هذه القوانين الهمجية التي تُفرَض على شعبٍ حُر؛ فقد أجاز هذا القرار وحده، وها هو الآن يدعم، كلَّ ممارَسات التمييز الجائرة، والحرمان من حماية القانون، والسرقات التي يَرتكبها العامة في حق الملايين من أكثر مناصري الدولة ولاءً وإخلاصًا.
أصدرت المحكمة العليا للولايات المتحدة حُكمًا ضده، مشيرةً إلى أن الأمريكيِّين الأصليين ليسوا مواطنين؛ لأنهم يدخلون ضمن الولاية القضائية لقبائلهم ويدينون بالولاء لها.
فشلَ التعديلُ الرابع عشر فشلًا ذريعًا في إنجاز ما نرى أنه الهدف المرجوُّ منه فيما يخصُّ العرق الهندي، ولا تزال توجد في هذه الدولة طبقةٌ من الشعب مُحتقَرة ومنبوذة [والتي] لم يُعدَّ أفرادها حتى الآن أعضاءً في أي مجتمعٍ سياسي، وليسوا مُخوَّلين للحصول على أيٍّ من الحقوق أو الامتيازات أو الحصانات المكفولة لمواطني الولايات المتحدة.
إذا [استَطاع الصينيون الحصول على الجنسية الأمريكية]، فسيكون في ذلك يقينًا انحرافٌ شديدُ الانحطاط عن المُثُل الوطنية لأجدادنا، وفي هذه الحالة سيُصبح نَيلُ الجنسية الأمريكية أمرًا غير ذي أهمية بالتأكيد.
لا يجوز بيعُ، أو منح، أو نقل ملكية، أو تأجير، أي جزءٍ من المبنى المذكور إلى أيِّ زنجي — رجلًا كان أو امرأة — ولا يجوز منحُ إذْن أو ترخيص باستخدام أو شغل أي جزءٍ من هذا المبنى لأيِّ زنجيٍّ باستثناء الخَدَم العاملين في المنزل، أو البوَّابين، أو السائقين، المُوظَّفين لتلك الأغراض كما هو مذكورٌ آنفًا.
أؤكِّدُ أن الشخص الذي يخرق قانونًا يرى بضميره أنه قانونٌ ظالم ومُجحِف، وعلى استعدادٍ لقبول عقوبة السجن من أجل أن يُوقِظ ضمير المجتمع كي يرى ما هو عليه من ظلم وحيْف، إنَّما يُعبر في الواقع عن أعلى درجات احترام القانون.
إذا كان ثمة أيُّ افتراضٍ جوهري يُشكِّل الأساس لنظامنا، فهو أن الإثم شخصيٌّ وليس أمرًا يُمكن نقله وراثيًّا.
رجَّحَت القوانينُ الأمريكية، التي عزَّزتها القيمُ والعاداتُ الثقافية، الموازينَ لصالح فريقٍ على حساب كل الفِرق الأخرى. كلُّ ما يحتاج له المرءُ هو النظر في وجوه السلطة في أمريكا ليرى كيف تطوَّر ذلك الأمر عبر الزمن.
قوانين جيم كرو
تُوضِّح هذه العينة البسيطة من تلك القوانين كيف أنها أثرت في كل منحًى من مناحي الحياة تقريبًا.
لا يجوز قانونًا لشخصٍ زنجي وشخصٍ أبيض البشرة أن يلعبا معًا أو برفقة أحدهما الآخر في أيٍّ من ألعاب الورق، أو النَّرْد، أو الدومينو، أو الداما.
يكون الزواج باطلًا عندما يكون أحد الزوجين أبيضَ البشرة والآخر حاملًا لواحد على ثمانية، أو أكثر، من الدم الزنجي، أو الياباني، أو الصيني.
تُقام مدارسُ مجانيةٌ منفصلة لتعليم الأطفال المُنحدِرين من أصولٍ أفريقية، ولا يجوز قانونًا لأي طفلٍ مُلوَّن الالتحاقُ بأيٍّ من مدارس البِيض، كما لا يجوز قانونًا لأي طفلٍ أبيض الالتحاقُ بمدارس المُلوَّنين.
توفر كلُّ خطوط السكك الحديدية التي تُقلُّ رُكَّابًا في الولاية (بخلاف خطوط السكك الحديدية التي تجوب الشوارع العامة) مرافقَ متكافئة، وإن تكن منفصلة، للأعراق البيضاء والمُلوَّنة؛ وذلك من خلال توفيرها عربتَي رُكَّابٍ أو أكثر في كل قطار من قطارات الركَّاب، أو من خلال تقسيم العربات بحاجزٍ فاصِل، حتى يتسنَّى توفير مرافقَ منفصلةٍ.
لا يجوز قانونًا تقييدُ أي سجينٍ أبيض البشرة، أو شدُّ وثاقه أو ربطه بسجينٍ زنجي.
لا يجوز لحلَّاقٍ مُلوَّن أن يعمل حلَّاقًا لدى سيداتٍ أو فتياتٍ بِيض البشرة.
أيُّ شخصٍ يُتهم بطباعة، أو نشر، أو توزيع مادةٍ مطبوعة، أو مكتوبة بالآلة الكاتبة، أو مكتوبة بخط اليد، تُحرِّض على، أو تسعى إلى، موافقةٍ عامة، أو معلوماتٍ عامة، أو حُججٍ أو اقتراحاتٍ، لتأييد المساواة الاجتماعية أو الزواج العرقي بين البِيض والزنوج، يُتهَم بارتكاب جُنحة، ويُعاقَب بدفع غرامة لا تزيد عن خمسمائة دولار، أو بالسجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، أو يُعاقَب بالغرامة والسجن معًا وفقًا لتقدير المحكمة.
أيُّما امرأةٍ بيضاء تحمَلُ بإرادتها أو دون إرادتها من شخصٍ زنجي أو مولاتو … يُحكَم عليها بالسجن لمدة لا تقل عن ثمانية عشر شهرًا.
بموجب هذا، استقرَّ رأيُّ اللجنة المَعنيَّة بالشركات في ضوء ما لها من ولايةٍ وسلطة إلى مطالبة شركات الهاتف في ولاية أوكلاهوما بتوفير أكشاكٍ منفصلة للعملاء البِيض والمُلوَّنين عندما يوجد ما يستدعي وجود تلك الأكشاك المنفصلة.
نشأتُ في الجنوب؛ إذ وُلِدتُ عام ١٩٥١ في ولاية مسيسيبي المُطبِّقة لقوانين جيم كرو، في بلدةٍ صغيرة تُسمَّى لوريل.
كنتُ أجلس في الفناء الخلفي عندما كنتُ في السادسة من عمري، وكانت لي جارة تُدعى «الآنسة هيلين»، هكذا كنا نُناديها، كانت سيدةً عجوزًا من الجنوب من الطراز النموذجي، وكانت لديها كلُّ الصلاحيات التي تُتيح لها تدريبَ أي طفلٍ أبيض على كيفية التصرُّف كشابٍّ مهذَّب. أعني أن ما كنتَ تحتاجه كي تعيش في الجنوب هو أن تكون شابًّا مُهذَّبًا، يحترم الكبار ويُبجِّلهم؛ ومن ثمَّ كانت تُعلِّمني دائمًا متى أقول «السيد فلان»، ومتى أقول «السيدة فلانة»، ومتى أستخدم الصيغ المختصرة في حديثي، وكيف أنه يتعيَّن عليَّ التحدُّث دون فتح فمي عن آخره، وكيف أنه يتعيَّن عليَّ إبعاد مِرفقيَّ عن المنضدة، وكنت أحبُّ هذه السيدة حبًّا جمًّا.
لذا، كنت أجلسُ في الفناء الخلفي لمنزلي أراقبُ ذلك الرجلَ الأسود الذي يعمل في الفناء الخلفي لمنزلها وهو يَجمع القَشَّ. ذلك الرجل الأسود العجوز، كان عمره يناهز ٧٠ عامًا تقريبًا، لستُ متأكدًا. وبينما كنتُ أرقبه، شعرتُ بفضولٍ يدفعني إليه. كان اليومُ يومًا شديدَ الحرارة في صيف مسيسيبي؛ إذ كانت درجة الحرارة تقارب ٨٠ أو ٩٠ أو ١٠٠ درجة! لا أدري! وكان الرجل يرتدي قميصًا ذا أكمامٍ طويلة. وكنتُ أتساءل بفضولٍ: لماذا يرتدي شيئًا كهذا في يوم حارٍّ كذلك اليوم؟ لذا، قررتُ أن أذهبَ إليه وأسأله. سألته قائلًا: «لماذا ترتدي قميصًا كهذا؟ ألا تتعرَّق؟» فأجابني بقوله: «حسنًا، إنني أرتديه لأنه يجعلني أتعرَّق، وعندما أتعرَّق على هذا النحو، ثم تهبُّ نسمةٌ عليلة، فإنني أشعر كما لو أني أجلس في مكيِّف هواءٍ. إنه يحافظ على برودة جسمي.»
رأيتُ أنَّ هذه هي الحكمة التي يكتسبها المرءُ بالتقدم في العُمر. وبينما كنا نتحدث، عادت الآنسة هيلين؛ هذه السيدة البيضاء الرائعة المُوقَّرة المُثقفة، وسألتنا: «عمَّ تتحدثان؟» استعدتُ في ذهني قواعد السلوك التي تعلَّمتُها؛ إذ كانت ثمَّة طريقةٌ معينة في الجنوب على الأقل لمخاطبة الناس، لا سيما الأكبر سنًّا. إذا كان الأشخاصُ في عُمر والديَّ، فيجب أن أدعوهم «السيد جونسون» أو «السيدة سميث». وإذا كانوا أكبر سنًّا بقليل، فيجب أن أدعوهم «السيد فلان» أو «السيدة فلانة» لكن مع استخدام الاسم الأول لكلٍّ منهما. إنه شكلٌ من أشكال الاحترام. كنتُ قد علمتُ أن اسمه جو، وعندما سألتني الآنسة هيلين: «إلى مَنْ تتحدث، وماذا تفعل؟» أجبتها قائلًا: «أتحدثُ إلى السيد جو» في محاولة مني لإبهار الآنسة هيلين بإجابتي المُحترَمة. لكنها نظرت إليَّ وقد اعتلتْ وجهَها نظرةٌ مرتبكة، ثم قالت: «لا، يا عزيزي! جو ليس «السيد»، جو»، ثم استخدمت كلمة «زنجي».
كانت لحظةً مُهمة للغاية في حياتي، ولم أتذكر هذه اللحظة حتى بلغت نحو ٣٠ أو ٤٠ عامًا، وهو ما يَنطبق على معظم هذه اللحظات والظروف الفارقة التي تُساهم في تكوين المرء وتشكيله؛ فلا بد أن تسقط كلُّ الجدران قبل أن يتسنَّى للمرء تأمُّل ماضيه وإعادة تفسيره.
لكنني عندما أذكرُ تلك اللحظة الآن وأتفكر فيها، أعلم أن شيئًا مهمًّا قد حدث، ونظرتُ إلى وجه الآنسة هيلين وكان هو نفسه ذلك الوجه المسيحي المُحب الذي كنت دائمًا ما أذكره. كانت امرأةً رقيقة، وقد نظرتْ إلى جو نظرةً عطوفة وحانية. ثم نظرتُ إلى جو لأرى إن كان الأمر قد ترك أيَّ أثر في نفسه، إلا أن جو كان يومئ برأسه فحسب، ويبتسم؛ لذا، قلتُ في نفسي، وسطَ عالمي كطفل أبلُغ من العمر ستة أعوام: «حسنًا، إنه أمرٌ مألوف، العرق الأبيض وتميُّزه أمرٌ مألوف، ويجب ألَّا أتعامل مع هذا الرجل على أنه إنسانٌ مثلي.» في هذه اللحظة، لم يعدْ جو إنسانًا، صار مجرد عامِل فناءٍ يعمل لدى الآنسة هيلين.
منحتني لحظةُ صمته إحساسًا بالتفوق. وعندئذٍ، شعرتُ أنَّ ما كان يتعيَّن عليَّ أن أفهمه بشأن عِرْقي الأبيض، وما كان عليَّ أن أدركه، هو أنني أحببتُه. إنه لم يكن بالأمر الذي يُشعرني بالارتباك والحيرة، بل إنه أشعرني بالارتياح؛ لأنني فهمتُ العالمَ في هذه اللحظة، فهمتُ لماذا أشربُ من منابع مياهٍ مُنفصلة، فهمتُ في تلك اللحظة لماذا أرتادُ مدرسةً مُنفصلة، ولماذا كانت مدارس السود مُهمَلة وضعيفة. فهمتُ لماذا أستقلُّ حافلةً مدرسية جيدة، بينما أمرُّ في طريقي بالسود وهم يذهبون إلى مدارسهم سيرًا على الأقدام. كلُّ الأمور اتضحت وصارت مفهومة. كان الأمرُ بالنسبة إليَّ مثل لحظة الكَشْف التي يقول فيها لسانُ حالي: «حسنًا، إنه مختلف!» وكان أفضل شيءٍ على الإطلاق أن هذا الأمر كان طبيعيًّا ومألوفًا للجميع.
حققتُ نجاحًا منقطع النظير. أنشأتُ شركتي الخاصة عام ١٩٨٦. وما حدث في ذاك الوقت نفسه أنني بلغتُ قمة النجاح الذي يُمكن لرجلٍ أبيضَ أن يبلغه؛ أصبحتُ أملك المال، والمكانة الاجتماعية الرفيعة، والسلطة، ومنزلًا جميلًا، صارت لديَّ سياراتٌ كبيرةٌ خاصة بالشركة، لكنني كنت أشعر وكأني أموت داخلها؛ ثمة شيءٌ ما تحطَّم، ولم أكن أدري ما هو.
ما حدث هو أنني عام ١٩٨٨ كنتُ جالسًا أمام شاشة التليفزيون، وكان اليوم يوافق الذكرى العشرين لاغتيال د. مارتن لوثر كينج. وكعهدي بالمحطات التليفزيونية والصحف؛ فإنها دائمًا ما تعود بالأحداث إلى الوراء وتقدِّم نوعًا من العرض الاسترجاعي لكلِّ المادة الفيلمية التي شاهدتها في سنوات تَنشئتي للدكتور كينج وهو يسير عبر هذه المدن الصغيرة والمُغبرة بولاية مسيسيبي.
شاهدتُ، وللمرة الأولى نظرتُ وتفحَّصتُ الناسَ، ليس الخارجين في مسيراتٍ، وإنما الناس على جانب الطريق، الذين يُلقون الأحجار ويلوِّحون بأعلام ولاياتهم الكونفدرالية، ويَصيحون بلهجاتٍ مُهينة «الأمريكيون الحُمر»، ثم صدمتني حقيقة الأمر وقلت صائحًا: «يا إلهي! هؤلاء أهلي، هذا أبي، وهذه أمي، وهذا أنا». هذا ليس تاريخًا أسود، إنه تاريخي؛ هذا هو ما شكَّل هويتي وكينونتي.
علمتُ أنَّه ينبغي لي فعل شيءٍ، عليَّ أن أكتشف حقيقة ما كنتُ عليه. لم أكن أدري بالضبط كيفية القيام بذلك، بيد أنني أدركتُ أن التجربة التي تبادَرت إلى ذهني فورًا كانت تجربة الفناء في الجنوب مع جو. وأدركتُ أن العالمَ كلَّه قد تشكَّل في تلك اللحظة، لكنني أخطأتُ فهمه ولم أنتبه. كان ثمة أمرٌ ينبغي أن أفهمه بشأن صمته، إنه أمرٌ يتعلق بصمت السود وانعدام رؤيتهم في أمريكا اليوم، وكيف أن ذلك يَمنحنا — نحن البِيض — الامتيازَ الذي نحظى به. إنه الصمت.
(٢-١) من المفهوم التحرُّري إلى المفهوم الرَّجعي
وبينما شارفَ عصرُ الحقوق المَدنية على الانتهاء، حدث تحوُّلٌ في مبدأ عمى الألوان، ليتحوَّل من مفهومٍ تحرُّري إلى مفهوم رَجعي.
(٢-٢) عمى الألوان والمحاكم في مجتمعٍ ديمقراطي
بعد أن تقاعد رائدا الحقوق المَدنية ويليام برينان وثيرجود مارشال من عملهما في المحكمة العليا في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، وُضِعَت قضايا العرق في المحكمة العليا ضمن اختصاص مجموعةٍ راسخة من خمسة قضاة محافظين. قضت هذه المجموعة بعدم دستورية كل المساعي الإصلاحية القائمة على العرق تقريبًا، مع وجود استثناءاتٍ ضئيلة للغاية. بالاستناد إلى منطق عمى الألوان، قضت المحكمة ببطلان كلٍّ من المساعي الحكومية والفيدرالية التي تهدف إلى زيادة تمثيل الشركات المملوكة لأقلياتٍ بين تلك الشركات التي تحصل على عقودٍ حكومية، مما أدى إلى تضييق الخناق بدرجةٍ كبيرة على إجراءات الاندماج في ممارسات التوظيف الحكومي، وإعاقة الجهود الرامية إلى إنشاء دوائر تصويتٍ انتخابية يشكِّل فيها البِيض الأغلبية. وفي استثناءٍ نادر لهذا التوجه، أيدت المحكمة العليا عام ٢٠٠٣ شكلًا مقيَّدًا من التمييز الإيجابي في مجال التعليم العالي في قضية جروتر. إلا أن هذا القرار عَكَسَ تراجعًا عن نهج مجموعة القضاة المحافظين الذين تقاعدوا منذ ذلك الحين من المحكمة. وتحت قيادة رئيس المحكمة وقتها، القاضي جون روبرتس، أضحى هجوم المحكمة العليا على الإصلاحات العرقية أكثر ضراوةً وعدائيةً. وفي عام ٢٠٠٧، استخدمت المحكمة عمى الألوان لعرقلة جهود المناطق التعليمية الرامية نحو الحفاظ على هيئة طُلَّابية موحَّدة ومتكاملة. استُخدِم العرق في كلٍّ من سياتل ولويفيل كنقطة تميز بسيطة تُتاح من خلالها تحويلات الطلاب من أجل الحفاظ على المكاسب المُحرَزة بصعوبة في دمج مناطقها التعليمية وتوحيدها. وصفَ رأي روبرتس هذا الأمر بأنه ضربٌ من «التمييز»، وقضى ببطلانه. من شأن هذه اللغة الاستعراضية التي صيغ بها هذا القرار أن تفرض تحدياتٍ جديدة في قضية جروتر. في الواقع، يبدو على الأرجح أنها تشجِّع على رفع دعاوى قضائية من أجل مراعاة العرق في وضع السياسات الحكومية العامة، كالحال في القرارات المتعلِّقة باختيار أماكن المدارس أو في جمع بيانات التعداد، وهي مجالاتٌ لم يُعتقَد أبدًا من قبلُ أن تتعرَّض لهجومٍ على أساس مبدأ عمى الألوان.
يرى مؤيدو عمى الألوان وجوبَ منع التمييز الإيجابي؛ لأنه يُشجِّع على الانقسامات العرقية، ويدعو إلى الاعتماد على الصور النمطية، ويُلحق الوصمة بالمُستفيدين المزعومين منه. أما المعارضون، فيقولون إن المصدر الحقيقي للانقسامات، والصور النمطية، والوصمة في المجتمع هو الفَصل المستمر، بل والمتزايد، ويقولون إن المناهج المُوجَّهة على أساس العرق تُقدِّم الحلَّ الوحيد الملائم في هذا الشأن. وفيما يتعلق بالتعريف الضيِّق للتمييز الذي طرحته المحكمة، فإن المدافعين عنه يرون أن إصلاح أي شيءٍ بخلاف التعصب الأعمى المباشر من شأنه أن يجعل المحاكم تنتقد أفعال المسئولين الحكوميين والرد على الظلم المترسِّخ في الأذهان. يقول النقَّاد إن المسئولين الحكوميين، شأنهم شأن غيرهم من المتعصِّبين لدينٍ أو حزب أو رأي، لم يتعلَّموا التصريح بدوافعهم التمييزية؛ ومن ثمَّ فإن الحماية الفعلية من التمييز تستوجب النظر فيما وراء كلمات المُمثِّلين الحكوميين لإدراك أثر أفعالهم، والنماذج التاريخية، والسياق الأشمل. بالإضافة إلى ذلك، يشير النقَّاد إلى أن كثيرًا من الضرر الواقع حاليًّا على غير البِيض يرجع إلى الظلم المترسِّخ في الأذهان، أو بعبارةٍ أخرى، إلى عدم التفاعُل مع الأضرار وأوجه الظلم السابقة، وعلى الحكومة أن تعمل على عدم تفاقُم الأمور على الأقل.
إنَّ عمى الألوان، من مُنطلَق صياغته على هذا النحو، أشبه فيما يبدو بحوارٍ سياسي له حُجج تؤيِّده وأخرى تعارضه. إلا أن هذه الحجج السياسية لا تهتم بمراعاة دور المحاكم المميَّز في إرساء الديمقراطية الدستورية. للمحاكم القدرة على التأثير في إرادة جمهور الناخبين وتحويلها، وعندما تقضي المحكمة بعدم دستورية قانونٍ ما، فإنها تجزم بأن القانون الأساسي للدولة يحظر ما تُريده الأغلبية. من جانب، يعدُّ هذا إجراءً مناهضًا للديمقراطية؛ لأنه ينطوي على تأثير هيئةٍ صغيرة غير مُنتخَبة في إرادة الناخبين وتحويلها. ومن جانبٍ آخر، فإنه يعني التطبيق الكامل للديمقراطية؛ حيث إنه يُعبِّر عن أعمق القيم الديمقراطية للدولة في اللحظات التي يسعى فيها الناخبون إلى استخدام قوة الأرقام ضد المجموعات المُستضعَفة أو الفِكَر المُستهجَنة. وبصيغةٍ ساخرة، فإن المحاكم تحمي الديمقراطية من خلال التصدِّي لاستبداد الأغلبية وتلافيه. ونظرًا لأن عمى الألوان تفسير للدستور، فإنه يجب أن يُقيَّم من هذا المُنطلَق، وليس بوصفِه مجرد حُجةٍ سياسيةٍ معارضة لاستخدام العِرق.
كيف ينجح عمى الألوان عند تقييمه على أنه تفسيرٌ للدستور؟ دعنا نتذكر قضية المدرسة لعام ٢٠٠٧، والتي فيها منعت المحكمة مدينة لويفيل من مواصلة جهودها في الحفاظ على مدارسَ متكاملةٍ وموحَّدة. أثارت سياسة لويفيل جدلًا كبيرًا على المستوى المحلي، وتقدَّمت مجموعة من المرشَّحين للترشُّح لمجلس التعليم واعدين بإنهاء استخدام العرق؛ لكنهم خسروا الانتخابات، ثم رفعوا دعوى قضائية، وكسبوها في نهاية الأمر في المحكمة العليا. أو دعنا نُراجع قضية مكليسكي، وهي القضية المتعلِّقة بعقوبة الإعدام في جورجيا. كان المجلس التشريعي بولاية جورجيا يعلم يقينًا أن نظام عقوبة الإعدام الخاص بالولاية قد أصدر حُكمًا بالإعدام شنقًا لأعدادٍ غير متكافئة على نحوٍ كبير للغاية من الأمريكيين الأفارقة، ورفضَ اتخاذ أي موقف حيال ذلك. ومع هذا، عندما الْتمس السودُ المساعدة القانونية، رفَضت المحكمة الْتماسهم تاركةً إياهم تحت رحمة النظام السياسي. أخفق عمى الألوان عندما أسقط إجراء التمييز الإيجابي في الوقت الذي لم يُحرِّك فيه ساكنًا فيما يتعلق بسوء المعاملة المستمر؛ ومن ثمَّ فإن إخفاقه كمبدأٍ دستوري هو إخفاقٌ مزدوَج. عندما تتصدى الأغلبياتُ المحلية للمشكلات الصعبة المحيطة بالفَصل العنصري ويختارون اتخاذَ إجراءٍ بسيط حيال ذلك، تُعطَّل المحكمة الديمقراطية وتُحظَر جهودهم. لكن عندما ترفض الأغلبيات المحلية تصحيح الممارسات التي تُضحِّي، بل وتقتل، مجموعةً مُستضعَفة تاريخيًّا — وهي المجموعة التي كان التعديل الرابع عشر للدستور قد أقرَّ فعليًّا بحمايتها — فإن المحكمة لا تَكترث وتمضي في طريقها دون أن تُبالي.
(٢-٣) السياسة الثقافية لعمى الألوان
يتغلغل الآن مبدأُ عمى الألوان في المجتمع الأمريكي، وربما يكون الطريقة السائدة لتكوين تصوُّر عن العرق والعنصرية. وتوجد أمثلة على التفكير القائم على عمى الألوان في كل مناحي السياسة والثقافة. في هذا السياق، دعنا نُعِد النظر في عمى الألوان بوصفه إطارًا ثقافيًّا يسعى إلى الإجابة عن الأسئلة التالية: (١) ما الأمور التي تندرج ضمن العرق، وتلك التي لا تندرج ضمنه؟ (٢) ما الأمور التي تندرج ضمن العنصرية، وتلك التي لا تندرج ضمنها؟ (٣) ما العلاقة بين العرق، والعنصرية، وعدم المساواة؟ وما المطلوب ضمنيًّا من المجتمع؟
بادئ ذي بدء، يَفهم عمى الألوان العرق على أنه أمرٌ يزيد قليلًا عن مجرد لون البشرة. وهذا المفهوم الذي يَختزل العرق في لون الجلد أو البشرة فقط له تاريخٌ طويل وتدرُّجي في الواقع، وربما يُمكن إيجازه على أفضل نحو من خلال العبارة التي تقول إن «الكلَّ واحدٌ تحت بشرته». لم تكن هذه الوصية، التي شاعت خلال حقبة الحقوق المَدنية، مطلَبًا اجتماعيًّا بل كانت مطلبًا أخلاقيًّا؛ وربما كان من الأدقِّ التعبير عنه على النحو التالي: «الكَفُّ عن معاملة الأشخاص على نحوٍ أفضل أو أسوأ بناءً على عِرْقهم، ومعاملة الجميع بدلًا من ذلك كما لو كانوا جميعًا واحدًا تحت بشرتهم.» مع هذا، يعدُّ مفهوم العرق الحالي (الذي يتلخَّص في كونه مجرد لون البشرة) وصفًا ظاهريًّا للديناميات الاجتماعية. في ضوء هذه الرؤية، يَنحصِر وجود الجماعات العرقية في كونهم أفرادًا يتكتَّلون معًا على نحوٍ لا عقلاني على أساس الاختلافات الاعتباطية فيما يخصُّ المظهر الخارجي للجسم. فهي ليست بمجموعاتٍ تكوَّنت عبر تاريخٍ من الدُّونية والاستغلال؛ ومن ثم فإنها لا تزال تشغل منازلَ مختلفةً حتى في الوقت الحالي. وبما أن العرق يتعلَّق باللون فحسب، فإنه بالأحرى لا يمتُّ بصلة على الإطلاق إلى وضع الفرد أو الجماعة داخل المجتمع.
ماذا إذن عن العلاقة بين العرق والعنصرية وعدم المساواة؟ بعد تجريد العرق والعنصرية من كل مضمون تقريبًا، يصير عمى الألوان عاجزًا فيما يبدو عن تفسير الصلة المستمرة بين العرق وعدم المساواة في الولايات المتحدة. بيد أن هذه الصلة أكيدة ولا مجال لنكرانها ويمكن للجميع ملاحظتها بسهولة. دعنا نستشهد ولو بمثالٍ واحد فقط. يقلُّ متوسط ثروة السود على نحوٍ بالغ عن متوسِّط ثروة البِيض، في الوقت نفسه الذي عانى فيه الأمريكيون الأفارقة على نحوٍ غير متكافئ خلال الركود الاقتصادي الحالي. وفقًا لجريدة نيويورك تايمز «اعتبارًا من ديسمبر ٢٠٠٩، انخفض متوسط ثروة البِيض بنسبة ٣٤ في المائة ليُصبح ٩٤٦٠٠ دولار أمريكي، بينما انخفض متوسط ثروة السود بنسبة ٧٧ في المائة ليُصبح ٢١٠٠ دولار أمريكي.» (باول ٢٠١٠) كيف يمكن تفسير ذلك من منظور عمى الألوان؟
تذكر أنَّ عمى الألوان يُعرِّف العنصرية على أنها مجرَّد الإتيان على ذِكر العرق. والجانب الآخر لذلك هو أن أيَّ إشارة إلى ثقافة المجموعة تُعامَل على أنها «لا تندرج ضمن العنصرية». يشير إدواردو بونيللا-سيلفا (٢٠٠٣: ٢٨) إلى «العنصرية الثقافية» على أنها سمةٌ أساسية مما يُصطلَح على تسميته ﺑ «العنصرية القائمة على عمى الألوان»: «العنصرية الثقافية عبارة عن هيكل يقوم على حُججٍ ذات أسسٍ ثقافية من قبيل «المكسيكيون لا يُركِّزون كثيرًا على التعليم» أو «السود لديهم الكثير من الأطفال» لتفسير وضع الأقليات في المجتمع.» وفي ضوء الدلالات المرتبطة بعمى الألوان، فإن الإشارات الصريحة إلى لون البشرة أو استخدام الألقاب والنعوت العنصرية المنطوية على ازدراءٍ صريح هي فقط ما تُعتبَر من قبيل العنصرية. وعلى النقيض من ذلك، فليس ثمَّة أي علاقة ظاهريًّا بين التهويل بشأن النقائص الثقافية أو السلوكية لدى غير البِيض، وبين العنصرية، ورُهاب الأجانب وكرههم. تَذكَّر المُفردات المتغيرة لحقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين؛ المفترسون الأقوياء، عصابات الشوارع، ملكات الرخاء، أو تأمَّل الجماعات العرقية الحالية التي تُثير الرُّعب في مجتمعنا؛ المهاجرون المكسيكيون غير الشرعيِّين، والإرهابيون المسلمون. بصرف النظر عن هستيرية التعليق، أو الإجراءات العقابية المُتعسِّفة التي تلجأ إليها الحكومة، يؤكِّد عمى الألوان على أن العرق غير متورِّط ما دام أن التركيز ينصبُّ على الثقافات الفاشلة أو السلوك السيِّئ، حتى عندما يُنسَب إلى جماعاتٍ كاملة بطرقٍ تحمل أوجهًا شبه غريبة بالصور النمطية العنصرية التي سادت في الماضي؛ ومن ثمَّ فإن عمى الألوان يردُّ على مسألة عدم المساواة المستمرة للجماعات العرقية بأن تلك الجماعات إنما اكتسبَت أفضليتها النسبية، أو استحقَّت حرمانها النسبي من الأفضلية، بسبب الاختيارات والقيم والقدرات المتأصلة في تلك الجماعات نفسها. وبناءً عليه، فإن السعي إلى تعديل سوء توزيع الامتيازات والصعاب يعني الانخراط في «هيكلة اجتماعية» غير مشروعة، آخذًا من أولئك الذين يُقدِّرون قيمة العمل الجاد لمكافأة أولئك الذين يتَّسمون بعقلية الاستحقاق. وإزاء عدم المساواة المسوَّغة على أنها مشروعة، ومكفولة، ومُكتسبَة، ومُستحقَّة، يُخبرنا عمى الألوان أن المجتمع محظورٌ عليه أخلاقيًّا فعلُ أي شيء.
بصراحةٍ شديدة، يبدو التجسيدُ الحالي لعمى الألوان مسخَّرًا للحفاظ على الوضع العنصري الراهن. ويكمن النجاح الهائل لعصر الحقوق المَدنية في هزيمة تفوُّق البِيض، ليس فقط كمجموعة من الفِكَر وإنما أيضًا في مُمارساته الأكثر قبحًا. ويستمر هذا الأسلوب في مكافحة غياب العدالة العرقية، في الوقت نفسه الذي تطوَّر فيه التمييز وظلَّ مترسِّخًا بقوة، بل وأحيانًا منشودًا بهِمَّة. طالبَ عمى الألوان بجرأة بإسقاط قوانين جيم كرو في الأساس. ومؤيِّدو عمى الألوان المعاصرون يتخفَّون في الشرعية الأخلاقية لهذا التاريخ، مُعلنين بصوتٍ عالٍ اعتراضهم على المُمارسات المُلغاة بالفعل وساعين إلى نَسبِ أبطال عصر الحقوق المَدنية وشعاراته إليهم. لكن من الناحية العملية، فإنهم يُدافعون عن عدم المساواة المستمرة. وباستخدام المبالَغة البلاغية لعمى الألوان، فإنهم يعترضون على التمييز الإيجابي، ويرفضون إمعان النظر على نحوٍ انتقادي في المُمارسات التمييزية، ويتَّهمون كلَّ مَن يتحدَّثون بصراحة عن استمرار المشكلات العرقية بالعنصرية، ويُجيزون — بل ويُعزِّزون — الصورَ النمطية التصنيفية ما دامت تتَّخذ من المفردات الثقافية والسلوكية قناعًا لها.
-
روبن كيلي: العنصرية عبارة عن نظامٍ معرفي مُعقَّد إلى حدٍّ ما، يُستخدَم فيه
العلم والدين والفلسفة لتبرير عدم المساواة والتراتُبية الهَرَمية.
وهذا أمرٌ جوهري.
العنصرية، ببساطة، ليست ضربًا من الشعور العميق الذي يعتريك عندما ترى شخصًا مختلفًا عنك. وفي الواقع أنك إذا نظرت إلى تاريخ العالم، فستجد أن ثمة الكثير من الأشخاص الذين يبدون مختلفين ويُنظَر إليهم على أنهم جذَّابون وغير جذَّابين. أتدري، إنَّ الأمر لا يتعلق حتى بالشكل الذي تبدو عليه، وإنما يتعلق بالمعنى الذي يسبغه الناسُ على مظهرك وشكلك. وهذا أمرٌ نتعلَّمه ونكتسبه. إنه سلوكٌ مكتسَب ومتعلَّم، كما ترى.
- جوزيف جريفز: خلقت أمريكا الأعراق المحدَّدة اجتماعيًّا بالاشتراك مع تاريخها الاستعماري إزاء الهنود الأمريكيين واستعبادها للأمريكيين الأفارقة. وفي نظامٍ اجتماعي يُحدَّد فيه الحقُّ في انتزاع أراضي الغير أو حياتهم عن طريق صفاتك العرقية، كان من المهم وضع قواعد لتحديد هُوية كل شخص.
- جيمس هورتون: لكنَّ الشيء الذي يجعل العبودية الأمريكية مُميَّزة للغاية أنها تعتمد على العرق؛ فالعبودية في أمريكا هي نوعٌ من العبودية، مبرَّر بأسلوبٍ مختلف مثلًا عن أسلوب تبرير عبودية غرب أفريقيا؛ بمعنى أن الأشخاص كانوا يُؤسَرون في المعارك، ومن ثمَّ فإنهم يقعون في نوع من الأسر. فَكِّر في الأمر لبُرهة. كان من المُمكن أن يخسر أيٌّ منا تلك المعركة. كان من الممكن أن يقع أيٌّ منا في الأسر. كان من الممكن أن يصبح أيٌّ منا عبدًا. لكن عندما تؤسِّس العبودية على مسألة العرق، فالأمر مختلف؛ لأنه لو كان أحدُنا أسود البشرة، والآخر أبيض البشرة، والعبودية مرتبطة بسواد البشرة، فلا مجال أبدًا لأن يُصبِح الأبيض عبدًا.
- ميا باي: حسنًا، لا يُحبِّذ كثيرٌ من الناس الاعتقادَ في وجود صلةٍ طبيعية بين الديمقراطية والعبودية، لكن لا يُمكنك التحايل على حقيقة أنهما نشآ معًا في هذه الدولة. والجنوب، الذي أنتج لنا مفكِّرينا الديمقراطيين العِظام أمثالَ جفرسون، والروَّاد الثوريين، كان مجتمع رقيقٍ كما تعلم.
- جون ايه باول: وكثيرٌ من البِيض يقولون: «حسنًا، كما تعلم، لا نريد أن نسمع شيئًا عن العبودية. فلا شأن لي بذلك، وقد جاء والداي بعد تلك الفترة بكثير.» إنهم لا يُدركون أنَّ حتى قدرتهم على المجيء كانت جزءًا من النظام العنصري، أنَّ حقيقة أنهم استطاعوا المجيء إلى الولايات المتحدة كانت بالفعل إحدى الفوائد المرتبطة بكونهم من البِيض؛ لأنك إذا كنت صينيًّا أو أسود البشرة، لما استطعت المجيء.
- روبن كيلي: لم يكن العرق أبدًا مسألة تتعلق بالفئات والطبقات، وإنما كان مسألة تتعلق بإنشاء التراتبيَّات الهَرَمية؛ فالعرق كان يتعلَّق بالتفوق العرقي، وكان نظامًا عنصريًّا يقوم على الاستعلاء حيث تُهيمن مجموعة على الأخرى.
- جيمس هورتون: وهنا حقًّا مربط الفرس؛ فثمَّة بعضُ الأماكن، على سبيل المثال، مثل فرجينيا، عرَّفَ قانون فرجينيا الشخصَ الأسود البشرة بأنه شخصٌ يحمل أصولًا أفريقية بنسبة واحد على ستة عشرة. وعرَّفت فلوريدا الآن الشخصَ الأسود البشرة بأنه شخصٌ يحمل أصولًا أفريقية بنسبة واحد على ثمانية. وقالت ألاباما: «يكون المرءُ أسود البشرة إذا كان يَحمل أيَّ أصولٍ سوداء؛ أيَّ أصولًا أفريقية في المُطلق.» لكن، أتدري ما يعنيه ذلك؟ يُمكنك السير عبر حدود إحدى الولايات وتتغيَّر حرفيًّا الدلالة القانونية للعِرق. والآن، ما الذي يعنيه العرق في ضوء هذه الظروف؟ إذا منحتَني السلطة، فيمكنني أن أجعلك أيَّ عِرق تُريد أن تكونه؛ لأنه بنية سياسية اجتماعية، وليس مسألة تتعلق بعلم الأحياء.
-
بيلار أوساريو: في الواقع، إذا قرأتَ القوانين المتعلقة بالعرق الآن، فسوف تجد أن
ثمة تاريخًا كاملًا كان على المرء فيه كمُهاجر، كي يصبح مواطنًا
حاصلًا على الجنسية في هذه الدولة، أن يُصنَّف على أنه أبيض البشرة
أو أسود البشرة. وكلُّ مَن كانوا يُحاولون الحصولَ على الجنسية
تقريبًا، كلُّ القضايا التي رُفعت إلى المحكمة العليا، باستثناء
قضيةٍ واحدة حسب ما أعتقد، كلُّها كانت لأشخاصٍ يحاولون أن
يُصنَّفوا على أنهم من البِيض؛ لذا، كان على المحكمة أن تصدر
قراراتٍ تتعلق بتحديد مَن يَندرجون ضمن البِيض ومَن لا يندرجون
ضمنهم، وهل يُصنَّف الأرمن ضمن البِيض؟ أو هل ثمة عددٌ من القضايا
التي تتعامل مع الآسيويين وما إذا كانوا من البِيض أو من غير
البِيض؟ ومن ثمَّ فإن أحد الأمور التي كان من شأنها أن تَحدُث أن
يتقدَّم شخصٌ إلى المحكمة ويقول: «حسنًا، إن لون بشرتي أبيض كلَون
بشرة أي شخصٍ آخر موجود هنا ويُصنَّف على أنه من البِيض.»
ومن المثير، كما تعلم، أن تقرأ هذه القرارات والآراء وتسمع المحكمة وهي تقول: «حسنًا، إن الأمر … لكن العرق لا يتعلق فقط بلون البشرة. إنه يتعلق أيضًا بأمورٍ أخرى، مثل مواقفك تجاه الأسرة، ومواقفك تجاه السياسة.» أليس كذلك؟ وأيًّا كان الأمر، فإن المحكمة غالبًا هي التي تُقرر مَن ينتسب إلى البِيض ومَن لا ينتسب إليهم بناءً على ما إذا كان يتراءى لها أن الشخص سيندمج سياسيًّا في هذا النوع من المجتمع الذي نحاول بناءه. وكان من الواضح جدًّا في بعض الأحيان أن هذا ما كانت تفعله المحكمة، أليس كذلك؟
- مي نغاي: من هنا تأتي هذه الفكرة التي ترى أن الآسيويين ليسوا فقط مختلفين بالدرجة التي يستحيل معها أن يُصبحوا مثل الأمريكيين الآخرين، بل توجد أيضًا فكرة تقضي بأنه نظرًا لوجود الكثير من الناس في آسيا، فإن هذا الخطر الأصفر يُرى على أنه حشدٌ من ملايين ملايين الأشخاص ذوي البشرة الصفراء الذين سيَجتاحون الدولة.
- بيلار أوساريو: يتعلق العرق في كثير من النواحي، حسب فهمنا له كبنيةٍ اجتماعية، بالمكان الذي سيعيش فيه المرء، وبالمدرسة التي سيَرتادها، وبالوظائف التي سيَتقلَّدها، وبحصوله على تأمينٍ صحي من عدمه؛ لذا، فإن العرق يَلعب دورًا مهمًّا للغاية في حياتنا.
(نُسخت بتصريح من كاليفورنيا نيوزريل.)
المراجع
-
American Social History Project:1989 Who Built America? Working People and the Nation’s Economics, Politics, Culture, and Society, vol. 1: From Conquest and Colonization through Reconstruction and the Great Uprising of 1877. New York: Pantheon Books.
-
Baker, Lee D.:2010 Anthropology and the Racial Politics of Culture. Durham, NC: Duke University Press.
-
Blackmon, Douglas A.:2008 Slavery by Another Name: The Re-enslavement of Black Americans from the Civil War to World War II. New York: Doubleday.
-
Borden, Philip:1970 Found Cumbering the Soil: Manifest Destiny and the Indian in the Nineteenth Century. In The Great Fear: Race in the Mind of America. Gary Nash and Richard Weiss, eds. pp. 71–97. New York: Holt, Rinehart and Winston, Inc.
-
Fields, Barbara J.:2001 Whiteness, Racism, and Identity. International Labor and Working-Class History 60: 48–56.
-
Haney López, Ian F.:1996 White by Law: The Legal Construction of Race. New York: New York University Press.
-
Higginbotham, A. Leon, Jr.:1978 In the Matter of Color: Race and the American Legal Process: The Colonial Period. New York: Oxford University Press.
-
Jaynes, Gerald D.:1986 Branches without Roots: Genesis of the Black Working Class in the American South, 1862–1882. New York: Oxford University Press.
-
Ngai, Mae M.:2004 Impossible Subjects: Illegal Aliens and the Making of Modern America. Princeton: Princeton University Press.
-
Painter, Nell Irvin:2010 The History of White People. New York: W. W. Norton and Company.
-
Patterson, Thomas C.:1997 Inventing Western Civilization. New York: Monthly Review Press.
-
Roediger, David R.:2008 How Race Survived U.S. History: From Settlement and Slavery to the Obama Phenomenon. London: Verso.
-
Thornton, Russell:1987 American Indian Holocaust and Survival: A Population History since 1492. Norman: University of Oklahoma Press.
إيان إف هاني لوبيز، عمى الألوان
-
Bonilla-Silva, Eduardo:2003 Racism without Racists: Color-Blind Racism and the Persistence of Racial Inequality in the United States. Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
-
Haney López, Ian:2007 A Nation of Minorities: Race, Ethnicity, and Reactionary Colorblindness, Stanford Law Review 59: 985.
-
Klarman, Michael J.:2010 Has the Supreme Court Been Mainly a Friend or a Foe to African Americans? SCOTUS Blog, February 1. http://www.scotusblog.com/2010/02/has-the-supreme-courtbeen-mainly-a-friend-or-a-foe-to-african-americans, accessed November 23, 2011.
-
Powell, Michael:2010 Blacks in Memphis Lose Decades of Economic Gains. New York Times, May 30.
-
Schmidt, Christopher W.:2008 Brown and the Colorblind Constitution, Cornell Law Review 94: 203, 234.
الفَصْل وعدم المساواة، ١٦٥٠–٢٠٠٠
-
Douglass, Frederick:1865 [1999] The Need for Continuing Anti-Slavery Work, speech at Thirty-second Annual Meeting of the American Anti-Slavery Society (May 10, 1865). Cited in Frederick Douglass: Selected Speeches and Writings. Philip S. Foner, ed. Adapted by Yuval Taylor. Chicago: Lawrence Hill Books.
-
King, Martin Luther, Jr.:1963 [1964] Letter from Birmingham Jail. Cited in Why We Can’t Wait. Martin Luther King, Jr. New York: Harper and Row Publishers.
-
Kwang Chang Ling [pseud.]:1878 Why Should the Chinese Go? A Pertinent Inquiry from A Mandarin High in Authority. In Alexander Del Mar, Letters of Kwang Chang Ling: The Chinese Side of the Chinese Question, By a Chinese Literate of the First Class, Communicated to the San Francisco Argonaut. p. 8. See http://content.cdlib.org/ark:/13030/hb3m3n99bq/?order=1&brand=calisphere], accessed January 29, 2012.
-
Trist, Nicholas P.:N.d. U.S. negotiator of the Treaty of Guadalupe Hidalgo, 1848, as reported by his wife, Virginia Trist. Trist Papers, University of North Carolina.
-
Turner, Henry McNeal:1883 [1967] Cited in The Burden of Race: A Documentary History of Negro-White Relations in America. Gilbert Ofosky. New York: Harper and Row.