حكاية سايبرسبيس!
استطرد رقم «صفر» قائلًا: لقد أتاحَت شبكة «الإنترنت» لأكثر من ٣٠ مليون إنسان في جميع أنحاء العالم الاتصال ببعضهم عن طريقها، مستخدمين في ذلك أكثر من ٩ ملايين جهاز كمبيوتر مشترك في هذه الشبكة. وعن طريقها تعارفَ مجموعةٌ من الشبان، من جنسيات مختلفة، والملفت للنظر أنهم جميعًا من الدول المتقدمة، وقد أجمعوا على أن الثروات الطبيعية الموجودة في أرض العرب … ليست ملكًا لهم، بل إنها ملكُ مَن يقدرها، ويستطيع استثمارها … والاستفادة منها.
وهم يرون من وجهة نظرهم القاصرة طبعًا، أن الدول العربية ليست أهلًا لهذا، ويستدلون على ذلك بأنهم يبيعون بترولهم خامًا، ويكدسون أموالهم في بنوك أمريكا وأوروبا، ويستوردون كلَّ شيءٍ بنقودهم، حتى إن هناك دولًا كبيرةً كالصين مثلًا أصبحت تعجُّ بالمصانع التي تصنع لهم كلَّ شيء.
قال «أحمد»: أليس هذا حقيقيًّا؟
قال رقم «صفر»: نعم ولكن وكما تعرفون؛ فالحكومات العربية أنفقَت الكثير من عائدات بترولها … على تنمية وتعمير دولها … وبناء الكثير من المصانع … ولها استثماراتٌ عديدةٌ في كثير من دولِ العالمِ.
إلهام: أقلُّها الدول العربية!
رقم «صفر»: هذا صحيحٌ … ولكنهم الآن يتجهون إلى الدول العربية ليستثمروا فيها أموالهم، وهذا يعني أنهم أهلٌ لامتلاك هذه الثروة، وكيف لا يكون ذلك … وهم أصحاب الحضارة، التي مهَّدَت الطريق لتقدُّمِ أوروبا والعالمِ بأسرِه. المهم أن هذه الجماعة من الشبان لديهم أفكارٌ يعتقدون أنها قيِّمة، عن مشروعات ينقصها التمويل. وقد وجدوا ضالتَهم … في نفس المنطقة. من خلال مستثمرٍ عربيٍّ يُدعَى «منجي الثاقب»، يعيش في دولة أوروبية، ويستثمر أمواله في شراء القصور … والشقق الفاخرة والمتاجرة فيها. وقد اشترى بعضَ المحلات الشهيرة، وأصبح يستعين بالكمبيوتر في تنظيم أعماله.
أحمد: ومن هنا، وعن طريق الكمبيوتر تعاملَت العصابة معه …
رقم «صفر»: هذا صحيحٌ … فقد اشترك في شبكة الإنترنت؛ لتسهل السيطرة على أعماله المنتشرة في الكثير من دولِ العالمِ.
ريما: وبالتالي أصبح هناك مجالٌ للدخول على اتصالاته بالشبكة.
رقم «صفر»: نعم … وقد مارسوا عليه ضغوطهم … بإيهامه أنه إنْ لم يخضع لهم، سيقع فريسةً سهلةً لهم؛ فبإمكانهم تدميرُ المخزونِ من المعلوماتِ، في كافةِ أجهزةِ الكمبيوترِ الخاصةِ بإدارةِ أعمالِه، عن طريق «فيروس الكمبيوتر» … مما قد يسبِّب له خسائرَ بالملايين، وهم أيضًا يعملون على محاولةِ اختراقِ كودِ حساباته السرية في البنوك والسرقة منها إذا لم يخضع لهم. وحدَّدوا مطالبهم منه … وهي: مشاركتهم في أرباح شركاته والتي تُقدَّر بالملايين.
عثمان: ولماذا لم يستعِن بخبراء كمبيوتر محترفين لتأمين اتصالاته؟
رقم «صفر»: لقد فعل هذا … وهذا ما أثارهم … ودفعهم لبثِّ «فيروس الكمبيوتر» على البرنامج الخاص بأحد مشروعاته، مما سبَّب له خسائرَ تُقدَّر بالملايين. وتسبَّبَت في إرباكه … فأوقف عمليةَ الاستعانة بالخبراء. ولغرابة القضية وحداثتها، فقد أسندت للمنظمة لخبرتها في التعامل مع مثل هذه الأساليب الحديثة والغريبة في الجريمة أن تحميَه من هذه المنظمة. وسأترك لكم الوقت للتفكير جيدًا في القضية، واقتراح ما يمكن عمله، والمطلوب منكم دراسةٌ وافية لكل جوانب الموضوع وإعدادُ تقريرٍ فرديٍّ لكلٍّ منكم، يحوي تصوره الشخصي لكيفية التعامل مع هذه القضية. وتقريرٌ جماعيٌّ، شاملٌ، وافٍ تُعِدُّونه سويًّا.
لديكم الخبراء، ومعامل المقرِّ، برجاء الاستعانة بهم، وسأترك لكم تحديدَ موعد اللقاء الثاني. لكم تحياتي وشكرًا.
سمع الشياطين أزيزًا خافتًا لمقعد رقم «صفر»، ثم صوت خطواته البطيئة الواثقة تبتعد. فتوجهوا إلى مائدة مستديرة في أحد أركان القاعة، وجلسوا حولها يلفُّهم الصمتُ ما بين مفكر ومترقب إلى أن قالت «ريما»: هل سنُحاربهم على الشاشة؟!
أحمد: هذا ممكن.
إلهام: ولكننا لم نعتَد هذا النوع من الحرب!
عثمان: نعم … فأشعر بأنني ألعب على جهاز أتاري، أو أُلاعب أحدَ أجهزة الكمبيوتر!
مصباح: نحن نريد التعاملَ المباشرَ مع إنسانٍ … لنشعرَ بلذةِ المواجهة.
أحمد: أنت عندما تُلاعب الكمبيوتر «شطرنج» مثلًا، فأنت تلاعبُ مصممَ البرنامج … وهذا يعني أنك في حالةِ مواجهةٍ مستمرة، مع عقل الإنسان وبراعاته.
إلهام: نعم … ولكن المواجهة ليست عقلًا فقط … بل مواجهةٌ … وانفعالٌ وردودُ أفعالٍ.
أحمد: معكم حقٌّ. ولكن لا تنسَوا أن الحرب على شبكة الإنترنت ستكون بين إنسان وإنسان من خلال الشاشة. وليست بين إنسان وبرنامج.
عثمان: وكرتي الجهنمية، مع مَن سأستخدمها؟
مصباح: وما تعلمناه من فنون الكاراتيه!
أحمد: ولماذا تصورتم المواجهة بيننا وبينهم على «الإنترنت» فقط؟ تأكدوا أن المواجهة الفعلية بيننا وبينهم ستكون أهمَّ مراحلِ العملية.
ثم نهض واقفًا وهو يقول: ولنبدأ الآن بإعداد تصورنا عن العملية، ثم سار متجهًا إلى غرفة المعلومات، ومعه باقي الشياطين. وعلى أجهزة الكمبيوتر تفرَّقوا، وبرأسِ كلٍّ منهم العديد من التصورات المبهمة وأسئلة تحتاج إلى إجابة، وكان أهم ما عرفوه، أن منظمة الشياطين … كانت من أوائل المشتركين في الشبكة، وأنها تحصل منها على ما تريد معرفته فقط، ولا تبثُّ عليها معلوماتٍ تخصُّها، لشكِّها في عامل الأمان الذي يحميها، ووجود احتمال تسرُّب هذه المعلومات إلى جهات معادية؛ فقد وقعَت حوادثُ مماثلةٌ لذلك؛ كحادثة طفل الثالثة عشرة، الذي تلقَّى عن طريق هذه الشبكة كيفية صناعة قنبلة، وأحداث أخرى كثيرة، منها … الاستيلاء على حسابات في البنوك وتحويل أرصدتها لصالحِ أشخاصٍ آخرين.
إلا أن «ريما» قد اندهشَت كثيرًا، عندما علمَت أن إيراد شبكة «الإنترنت» عام ٢٠٠٠ يُقدَّر بحوالي ٤٥ ألف مليون دولار في أمريكا وحدها. والتفتَت تبحث عن «أحمد» لتُخبرَه بما عرفت، فلم تجده، فقد كان في هذه اللحظة قابعًا وحده في غرفة الاتصال بصحبة جهاز الكمبيوتر، فهو يعرف كيف يُجري الاتصالات التليفونية … على شاشته باحترافٍ، فماذا كان يدور برأسه؟!
لقد التقط «أحمد» على شاشة الكمبيوتر أحد الهواة يقوم بالتجول، بحثًا عمَّن يتخاطب معه على الشاشة. إنه «بيتر» من لندن طالبٌ في الصف الثاني الثانوي، ومن هواة الكمبيوتر، وقد أقام «أحمد» معه حوارًا جذبه إليه، وتطرَّق في الحديث معه، إلى الحوارات المفتوحة بين أعضاء الشبكة، وألمح إلى الجماعات المنظمة التي تعتنق أفكارًا معينة، وكان يقصد بذلك معرفةَ ما إذا كان لديه علمٌ بجماعة «سايبرسبيس» … أم لا؟
لم يكن لدى «بيتر» أية معلومات عنهم، ولكنه وعد «أحمد» بالسهرِ مع الكمبيوتر، حتى يصلَ إليهم، إلا أنه طلب منه أن يُحادثَه عن العرب وعن الإسلام، مما دفع «أحمد» لسؤاله عمَّا يعرفه هو عن الحضارة العربية، فهالَه أن صورةَ العرب لديه مشوهةٌ للغاية، وأفكاره عن الحضارة العربيةِ … لا تتعدَّى حدودَ الجمل والصحراء، إنها الصورةُ التي يروِّج لها أعداءُ هذا الوطنِ، مع أنه مهبطُ الرسالات.
تواعد «أحمد» مع «بيتر» على ميعاد يومي، يلتقون فيه على شاشة الكمبيوتر، وودعه ليتجول مرةً أخرى بحثًا عن جماعة «سايبرسبيس».
فالتقط حوارًا علميًّا بين اثنين من علماء الإلكترونيات، وهذا ما دلَّ عليه حديثهم؛ فقد كانَا يتحدثان عن حرب الدوائر الإلكترونية، وكان الحوارُ شيقًا ومفيدًا مما دفعه لأن يتابعَه، ويسجل كلَّ كلمة يقرؤها على الشاشة ليستفيدَ منها في التقرير الذي سيُعدُّه من جهة، ومن جهة أخرى … ليطلعَ الشياطين على أحدث اتجاهات الحروب ومبتكراتها.
وفي نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين يُعدُّون تقاريرهم لعرضها على رقم «صفر». كان رقم «صفر» يتصل بهم … فاختفَت المعلومات من على شاشات الكمبيوتر، ليظهرَ بدلًا منها، أعلى يمين الشاشة، دائرة حمراء تضيء وتختفي، ثم ظهرَت رسالة رقم «صفر» التي بدأت بتحية: مساء الخير. جاءنا من عملائنا في سويسرا أن ثريًّا عربيًّا آخر يُدعَى السيد «حسين الشريف» قد اتصلَت به جماعة «سايبرسبيس» ومارسَت معه نفس الضغوط التي مارسوها مع السيد «منجي الثاقب». برجاء التواجد في غرفة الاجتماعات الصغرى بعد أربعين دقيقة من الآن. على أن يكون معكم التقارير التي أعددتموها … لكم تحياتي.
في قاعة الاجتماعات كانت التقارير التي أعدَّها الشياطين عن شبكة الإنترنت شيقةً للغاية، وتحوي الكثيرَ من المعلومات الهامة والمفيدة … إلا أن ما قرأه عليهم «أحمد» في تقريره كان هو المفاجأة الكبرى بحق.