عصابات … «الماء الثقيل»!
قال رقم «صفر»: الآن. لقد عرفتُم مهمَّتكم، وهي مهمةٌ ثقيلة، لكن، في نفس الوقت، تعني الدفاعَ عن بلادنا.
سكَتَ لحظةً، ثم سأل: هل لديكم أسئلة؟
قالت «إلهام» بسرعة: هل سيكونُ عميلُنا من فرنسا هو المرجع؟
ردَّ الزعيم: نعم؛ فلدَيه كل المعلومات!
سأل «عثمان»: هذه أول مرة نعتمد فيها اعتمادًا كاملًا على عميلٍ من عملائنا؛ فدائمًا كنا نلجأُ إليهم عندما نحتاج!
قال رقم «صفر»: إن هذه مهمةٌ خاصة!
سأل «أحمد»: هل هو مصدرُ المعلومات؟
أجاب رقم «صفر»: نعم. ومعه عُملاءُ لنا في أمريكا أيضًا، كانت لديهم معلوماتٌ عن هذا الاتفاق السِّري بين دولةٍ معادية ومجموعةٍ من عصابات العالم!
مرةً أخرى سأل «أحمد»: هل هو عميلٌ قديم؟
انتظَر رقم «صفر» لحظةً قبل أن يقول: لا أستطيع أن أقول إنه عميلٌ قديم. لكنه ليس جديدًا في نفس الوقت!
ثم أضاف: إذا كنتَ تريد مزيدًا من المعلومات عنه، فيُمكِن أن تلجأ إلى قِسْم المعلومات في المقر السِّري، وسوف تجد ما تريد!
توقَّف لحظة، ثم سأل: أرى أنك تهتم بالعميل أكثر من اهتمامك بالمغامَرة!
أجاب «أحمد»: لأن المغامرة سوف تعتمد عليه كثيرًا.
مرَّت دقائقُ قبل أن يقول الزعيم: أعتقد أن عملاءنا موثوقٌ بهم تمامًا، وإلا ما جاءتنا هذه المعلومات.
ثم أضاف بعد قليل: ما لم تكن تفكِّر في اتجاهٍ آخر!
ابتسم «أحمد» وقال: فقط، من أجل الحرص على خطواتنا!
قال رقم «صفر»: لا بأس. وأنا أوافقك، وأرجو أن تكون النتائج سليمة!
مرَّت دقائق، كان الشياطين يتابعون الحوار بين الزعيم و«أحمد» بكثير من الاهتمام؛ فهذه أول مرة يدور فيها هذا الحديث الطويل. قطع رقم «صفر» الصمتَ قائلًا: أظنكم تعرفون أن العملية سوف تتمُّ وسط صخبِ اهتمامِ العالم بكأس كرة القدم، والبطولة العالمية؛ فقبل ذلك بعام، انشغلَت الدنيا بكأس العالم. وسوف يستمر اهتمام الناسِ بهذه البطولة، بعد نهايتها … ربما لعامٍ آخر. ووسط هذا الاهتمام، يمكن أن تحدُث أشياءُ كثيرة، ولاحظوا أن فرنسا ليست بعيدة عن إيطاليا؛ فحدودهما واحدة؛ ولذلك وقع الاختيار على فرنسا، حتى تتم العملية من خلالها؛ فسوف يكون زحف الفرنسيين كبيرًا لحضور المباريات، ووسط الزحام، ينتقل «الماء الثقيل». ربما في حراسة المسئولين، دون أن يدريَ أحدٌ شيئًا.
صمت لحظة ثم أضاف: إنني أُعيد أشياءَ أعرف أنكم فكَّرتم فيها، فقط لأُذكِّركم بها. وأنا في انتظار أسئلتكم مرةً أخرى!
لم يسأل أحدٌ من الشياطين؛ فقد كانوا يريدون الانصراف؛ فالعمليةُ سوف تتم كما قال الزعيم خلال أسبوع. وهذا يعني أنهم في حاجة إلى الوقت، حتى لا تفوتَ العملية. كان الصمتُ يغطِّي المكانَ الفسيح؛ حيث عُقِد الاجتماع في القاعة الكبرى، التي كانت غارقةً في ضوءٍ هادئ لا تلمع فيه سوى الخريطة الإلكترونية، التي انسحبَت تفاصيلها الآن.
قطع رقم «صفر» صمتَ القاعةِ قائلًا: أتمنى لكم التوفيق!
وقبل أن ينصرف قال: وأتمنى ألا يكون ما تفكِّر فيه صحيحًا أيها العزيز «أحمد»! ثم أخذَت خطواتُه تتباعد، حتى اختفت تمامًا …
قالت «زبيدة» متسائلة: الزعيم لم يُحدِّد مجموعة المغامرة!
ردَّ «أحمد»: من المؤكَّد أننا سوف نعرف، عندما نصل إلى غرفنا!
أخذ الشياطين طريقهم إلى باب قاعة الاجتماعات، في اتجاه غُرفهم شرق المقرِّ السِّري. كان «أحمد» يسير وبجواره «عثمان» الذي سألَه: هل تظنُّ أن ما نفكِّر فيه يمكن أن يحدث!
نظَر له «أحمد» لحظة، ثم قال: إنه مجرَّد احتمال، وأرجو ألا يكونَ صحيحًا!
عندما دخل «أحمد» غرفته، كانت شاشةُ التليفزيون تحمل أسماءَ مجموعة المغامرة، وهي تضُم «أحمد»، «باسم»، «قيس»، «فهد»، «مصباح». في نفس الوقت أعطى التليفزيون إشارةً حمراء، تعني أن أحدًا على الطرف الآخر.
رفع «أحمد» سماعة التليفون فجاء صوت «باسم» يسأل: متى نرحل؟
أجاب «أحمد»: بعد ربع ساعة!
وضَع السماعة فاختفت الإشارة الحمراء. فكَّر «أحمد» لحظةً ثم ضغط زِرًّا في جهاز التليفزيون فظهرَت صورةُ المسئول في الأرشيف الخاصِّ بالمقرِّ السِّري، تحدَّث «أحمد» إليه تليفونيًّا يطلُب معلوماتٍ عن عميل رقم «صفر» في باريس، مرَّت دقيقة، ثم جاء فيلمٌ تليفزيونيٌّ عن العميل.
بدأ بالبيانات الخاصة، الاسم، والسن، والمؤهِّلات … ثم ظهَرَت صورته، كان عمره خمسةً وأربعينً عامًا. قصير القامة. نحيل القوام. عيناه زرقاوان. شعره غزير. يبدو الدهاء في ملامحه … كان الفيلم يصوِّر حياته في بيته، الذي لم يكن به أحدٌ سواه. البيتُ صغيرٌ أنيقٌ تميِّزه مكتبةٌ عامرةٌ تبدأ من الصالة، وتمتدُّ حتى حجرة المكتب، فيبدو كأنه مخزنٌ للكُتب. كان رقمه ٧٠ بين عملاء الزعيم، وكان اسمه «هربرت جليم هاي». أخذ «أحمد» يتأمل «هربرت» وهو يتحرَّك كعصفور، حركةً رشيقةً دقيقة. قال في نفسه: إن ملامحه تُوحي بالكثير. لكني أتمنى أن أكون مخطئًا … لمعَت لمبةٌ حمراءُ في التليفون، فرفَع السماعة بسرعة. جاء صوت «قيس» يقول: لقد تأخَّرتَ أيها الصديق!
نظر «أحمد» في الساعة الإلكترونية التي تظهر في أعلى شاشة التليفزيون، فعرف أنه تأخر فعلًا. ردَّ معتذرًا: سوف أكون عندكم حالًا!
وفي لحظات، كان قد جذَب حقيبته السِّرية، ثم قفز خارجًا من الغرفة التي أُغلقَت بمجرد أن غادرها. أخذ طريقه إلى حيث المصعد، الذي هبط به ثلاثةَ طوابقَ تحت الأرض، وعندما غادره كانت بقية المجموعة تقف هناك، بجوار السيارة التي سوف ينطلقون بها. وعندما أصبَح بينهم قال مبتسمًا: أعتذر؛ فقد أخذَتني بعضُ البيانات التي كان من الضروري أن أعرفها. قفز الشياطين داخل السيارة، حيث جلس «قيس» إلى عَجَلة القيادة، فانطَلقَت بهم إلى خارج المقرِّ السِّري. كان الخروج من المقرِّ يتم من خلال سردابٍ طويل، يظل يرتفع شيئًا فشيئًا، وعندما يصل إلى البوابة يكون في مستوى سطح الأرض تمامًا، وهذا يعني أنه يرتفع بمقدار ثلاثة طوابق، هي التي يهبطها المِصعَد. عندما اقتربَت السيارة من البوابة الأخيرة كانت هناك جملةٌ مكتوبةٌ على شاشةٍ سِرِّية، قرأ الشياطين عليها: نحن في انتظاركم!
ابتسم «أحمد» وقال: إنها رسالةٌ من «إلهام»!
قال «مصباح» لقد فاتتها هذه المغامرة، وكانت تتمنى أن تكون فيها!
قال «أحمد» مبتسمًا: أظُن أنها ليست المغامرةَ الأخيرةَ!
كان الطريق ممتدًّا أمامهم حتى نهاية البصَر. شريطٌ أسفلتي أسود، يبدو كثعبانٍ عملاق يلتوي بين كلِّ مساحةٍ وأخرى، بين الرمال الصفراء، كان يبدو أن الشياطين مستغرقون في تفاصيل مغامرتهم.
لكن فجأةً قال «مصباح»: هل تظنون أن الدولة المعادية سوف تصنع مزيدًا من القنابلِ الذَّرِّية.
ردَّ «قيس»: بالتأكيد وإلا ما خرجنا في هذه المغامرة، وهي قد فكَّرَت في الحصول على الماء الثقيل!
مرةً أخرى سأل «مصباح»: وهل نحتاج إلى كل هذا العدد من القنابل الذرية، ومنطقتنا لا تحتمل؟!
ردَّ «أحمد»: إنه الإحساس بالخطر، والرغبة في التوسُّع!
ضحك «باسم» وقال: أي خطرٍ وأي توسُّع؟ إن المنطقة كلها تسعى إلى السلام، وهي تتجنَّب الحرب والخطر، فإن تم السلام، فسوف ينتهي التوتُّر، وينتهي النزاع.
قال «فهد»: هذا إذا كان العدو جادًّا فيه، لكنه كما ترى أنه يُحاوِل التخلُّص من أهله، وإلا فعليه أن يُعيد إلى أهل الأرض حقَّهم في أراضيهم!
قال «أحمد»: إن العدُو لغزٌ، لا يعرف أحدٌ حله!
ثم أضاف بعد لحظة: إنه لو استخدم القنابل الذَّرية، فسوف يكون هو الآخر في دائرة الخطر؛ فالمسافة كلها لا تحتمل المزيد من الأسلحة حتى السلاح التقليدي.
صمَت لحظة، ثم أضاف شاردًا: في بعض اللحظات، أتصوَّر أن هناك من يلعب لعبةً كبرى لهدم العالم؛ فنحن نعرف ماذا حدث بعد قنبلة «هيروشيما» وآثارها التي لا تزال موجودةً حتى الآن … برغم مرور خمسة وخمسين عامًا … وهي تُعتبَر قنبلةً بدائية؛ فهي أول قنبلةٍ ذرية في العالم. ما بالنا الآن وقد تطوَّرَت الأسلحة وأصبحَت شيئًا مخيفًا؟ إن القوى العظمى نفسها تسعى إلى التصالح والبُعد عن الدمار؛ لأنه سوف يكون دمارًا نهائيًّا.
سكَتَ لحظة، ثم تساءل: أليست المسألة لغزًا؟ وكأنها مقولة «شمشون»: عليَّ وعلى أعدائي.
مرَّت دقائقُ صمت، لم يكن يُسمَع خلالها سوى صوتِ انطلاق السيارة، لكن فجأةً سأل «فهد»: أظن أن هذه ليست مغامرتَنا؛ فهناك مسألةٌ أخرى!
ابتسم «أحمد»، وظهَرَت الدهشة على وجوه الآخرين.