أفكارٌ مجنونةٌ في المطار!
سأل «مصباح»: ماذا تعني؟
ردَّ «فهد»: إن الحوار الطويل الذي دار حول عميل رقم «صفر» بين الزعيم و«أحمد» يثير الانتباه، بالإضافة إلى أن الزعيم قال ﻟ «أحمد»: إذا كنتَ تُريد المزيد من المعلومات عن العميل فعليكَ بقِسْم المعلومات في المقر، أليست هذه مسألةً لافتةً للنظر!
ابتسم «أحمد» دون أن يرُد. في نفس الوقت قال «مصباح» الذي لاحظ الابتسامة: إن «أحمد» يبتسم، وهذا يعني وجود شيء، ويبدو أن «فهد» عنده حق!
ردَّ «أحمد»: دعُونا من ذلك الآن؛ فهذه مجرَّد احتمالات، يمكن أن تكون صحيحة، ويمكن أن تكون خاطئة. المهم، هو مهمَّتنا الصعبة التي أمامنا.
صمَت لحظة، ثم أضاف: وحتى لا نعود إلى هذا الموضوع مرةً أخرى أَلفِت نظركم إلى ضرورة الحذَر في التعامل مع «هربرت جليم هاي»، أو العميل رقم «٧٠»، أو عميل رقم «صفر» في باريس!
ظهَرَت الدهشة على وجوه بقية المجموعة، وسأل «قيس» بسرعة: ماذا تعني؟
قبل أن ينطق «أحمد» كان «فهد» يقول: تمامًا كما تصوَّرْت!
قال «أحمد»: ينبغي أن نُنهِيَ هذا الحوارَ الآن، ودعُونا نؤجِّل مناقشتَه حتى نصل إلى هناك، وكما قُلت، ينبغي أن نتعامل مع «هربرت» بحذَر.
كاد «مصباح» ينطق إلا أن «أحمد» سبقَه قائلًا: كما اتفقنا … سوف نؤجل هذا الموضوع الآن، وعلينا أن نفكِّر في مهمتنا الرئيسية!
مرَّت لحظات، قبل أن يبدأ «أحمد» في طرح موضوع المغامرة الجديدة قال: كما ذكَر رقم «صفر» أن «الماء الثقيل» الذي هو أهم عنصرٍ من عناصر صناعة القنبلة الذَّرية، قد دخلَت في ترويجه عصاباتُ العالم الكبرى، ورغم أن المتاجرة فيه محظورة؛ لأنها تخضع للحكومات، إلا أن هذه العصابات لا تخضع لأحد، ولا يهمُّها سوى تحقيقِ مكاسبها؛ ولذلك لجأ العدُو إلى هذه العصابات للحصول على كميةٍ من الماء الثقيل، تكفي لصناعة قنبلتَين ذَريتَين!
سأل «مصباح»: لماذا وهو يملكُ قنبلةً ذرية؟
ردَّ «أحمد» هذه ليست قضيتَنا. إن القضية هي كشف هذه العصابات من خلال عملية التهريب التي تتم عَبْر الأراضي الفرنسية إلى أحد المواني، ثم في البحر المتوسط حيث تكون إحدى بوارج العدوِّ الحرَسِية في انتظار باخرة النقل.
توقف لحظةً قبل أن يضيف: أنتم تذكُرون أنه كانت لنا مغامرةٌ سابقةٌ في نفس القضية … لكنها لم تكن أمام العصابات.
قال «باسم»: كانت مغامرةً رائعة!
استَمرَّ «أحمد»: إن دَورَنا الآن هو إرشاد السلطات الفرنسية إلى هذه العصابة، وينتهي دَورُنا عند هذا الحد!
سأل «مصباح»: إذن فسوف نتحرك من خلال معلوماتنا عن طريق «هربرت».
ردَّ «أحمد»: نعم.
انتظَر لحظةً ثم أضاف: نعم «هربرت جليم هاي».
قال اسم العميل، بطريقةٍ تُوحي بشيءٍ ما. لكنَّ أحدًا لم يُعلِّق، فقد اتفقوا على أن تؤجَّل مناقشة الموضوع حتى يحين وقته. كانت قد انقضَت أكثر من ساعتَين وكان هذا يعني أن الوصول إلى المطار قد أصبح وشيكًا … تساءل «قيس» مبتسمًا: هل نُطبِّق قاعدةَ السفر المتفَق عليها!
قال «أحمد»: لا بأس؛ فالسفر وشريك السفر يمكن أن يقدِّما معلوماتٍ دون أن يدري أحدٌ، مع ذلك فأظن أن المسألة لا تحتاج؛ لأن كلَّ شيءٍ مرسوم، ولأن حركة الأحداث سوف تكون في فرنسا!
بعد قليلٍ ظهَر المطار من بعيد. كانت هناك طائرةٌ تبدو كعملاقٍ معلَّقٍ في الهواء تأخُذ طريقها إلى الأرض. في نفس الوقت، وفي مكانٍ آخر من المطار كانت طائرةٌ أخرى تأخذ طريقها إلى الفضاء، فكان المنظر لافتًا للنظر. عندما دقَّت الساعة الثانية ظهرًا كانت سيارة الشياطين تدخُل مكان الانتظار، وبسرعة كانوا يغادرونها ويأخذون طريقهم إلى الصالة الداخلية، وكعادة «أحمد» اتجه إلى حيث سوق الكتب والصحف، أخذَت عيناه تجريان على عناوين الكتب المعروضة ثم توقَّفَت عند كتاب، جذَبه عنوانُه، كان اسم الكتاب «صائد الجواسيس»، مدَّ يده وأخذه ثم قلَّب عدة صفحات، جرت عيناه عليها بسرعة، ثم اشتراه واشترى صحف اليوم، ثم لحق بالشياطين. كانت بقية المجموعة تقف أمام باب الدخول في صالة السفر، كانت هناك نصف ساعة قبل أن يحلَّ موعدُ إقلاعِ الطائرة إلى باريس. غير أن الوقت انقضى بسرعة، وجاء صوتُ مذيعةِ المطار تدعو المسافرين إلى باريس للتوجُّه إلى الطائرة. غير أن «أحمد» صاح فجأة: لن نسافر إلى باريس!
نظَر له الشياطين في دهشة، حتى إن أحدًا منهم لم يَنطِق بكلمة. نظر «أحمد» إلى وجوههم مبتسمًا، ثم قال: يجب أن نبدأ من هنا!
سأل «فهد»: إن البداية هي السفر إلى باريس، وليس إلى أي مكانٍ آخر؟
وقال «باسم»: ماذا تعني بهذا التصرُّف؟
كان صوت مذيعة المطار يتردَّد مرةً أخرى. لكن «أحمد» قال: سوف نسافر إلى روما أولًا … ثم نتجه من هناك إلى باريس!
تساءل «مصباح»: هل هي قضية «هربرت»؟
ردَّ «أحمد»: نعم، إننا يجب أن نكون حَذِرين من البداية!
ثم أضاف بسرعة: إن هناك طائرةً سوف تتجه إلى روما بعد نصف ساعة، ولا بأس أن نحاول إيجاد مقاعد لنا!
قال قيس: أعتقد أنه من الصعبِ العثور على مقعد الآن، في هذا الوقت المزدحم بالمسافرين لمشاهدة مباريات كأس العالم!
ردَّ «أحمد»: علينا أن نحاول حتى لو اقتضى الأمرُ أن نسافر إلى «مدريد»، أو أي عاصمةٍ أوروبية أخرى، قبل أن نصل إلى باريس!
كانت الفكرة ذكيةً تمامًا، وهي أن يتحقق هدف «أحمد» من العملية الأخرى؛ ولذلك أسرع الشياطين إلى مكاتب الطيران الموجودة في المطار، كلٌّ يبحث عن مقاعد للمجموعة. مرَّت ثلثُ ساعةٍ وظهر «قيس» يقول: لا تُوجَد مقاعد إلى روما، ولكن يُوجَد مقعدان فقط إلى مدريد!
ردَّ «أحمد» بسرعة: إذن فليسافر اثنان إلى «مدريد». إن هذه فكرةٌ جيدة، والظروف الصعبة تساعدنا أكثر!
أَسرعَ «قيس» وحجز المَقعدَين، له وﻟ «مصباح». بعد دقائقَ ظهر «فهد» ليقول: هناك مقعدٌ واحدٌ إلى «بون».
ردَّ «أحمد»: لا بأس. سافِر أنت إلى «بون»!
ثم أضاف: سوف تختلف مواعيدُ الوصول إلى باريس. وأنتم تعرفون مقرَّنا هناك في شارع «سان ميشيل»، من يصل إلى باريس يتوجه إلى المقَر، فقط لا نريد أن نتصل بعميل رقم «صفر» قبل أن نجتمع مرةً أخرى.
وأضاف بعد لحظة: إلى اللقاء إذن!
انصَرَف «مصباح» و«قيس» وخلفَهما مباشرةً انصرف «فهد» هو الآخر، وبقي «أحمد» و«باسم». نظر «باسم» إليه وقال: هذه فكرةٌ مجنونة، لكنها رائعةٌ في نفس الوقت!
ابتسم «أحمد» وقال: الحقيقة أنها خطرَت لي فجأةً مع أني لم أفكِّر فيها، ولم تكن في خاطري إطلاقًا!
ثم أضاف: لكنها تحقِّق ما أفكِّر فيه.
ثم قال بعد لحظة: علينا أن نجد لنا طريقة، نرحل بها الليلة!
فجأةً قال: إن عندي فكرةً أخرى مجنونة!
نظر له «باسم» في دهشة ثم همَس: «أحمد» ماذا حدث؟ إن أفكارك مجنونةٌ تمامًا هذه المرة!
ضحك «أحمد» وقال: لا بأس؛ فالجنون فنون. ما دامت الفنون جنونًا، اسمع، ما رأيك لو طِرنا إلى المغرب. إننا سوف نكون قريبين جدًّا، ومن هناك يمكن أن نتصرَّف!
هزَّ «باسم» رأسه قائلًا: أظن أننا لن نجد وسيلة مواصلات من المغرب؛ فأنت تعرف أن أشقاءنا هناك مولَعون بكرة القدم، وأظن أنهم سوف يزحفون إلى روما بأعدادٍ هائلة!
قال «أحمد»: لا بأس. مع ذلك، فهي فكرةٌ طيبة!
وبعد ساعةٍ كان «أحمد» و«باسم» يستقلَّان الطائرة إلى «الدار البيضاء».