«الخطَّة» على سطحِ الليلِ الهادئ!
كان المكانُ الذي ذهب إليه، عبارةً عن كازينو عائم، باخرة متوسطة الحجم تقطَع مسافةً في نهر السين، ثم تعودُ، خلال ثلاث ساعات.
عندما وقف «أحمد» أمام الباخرة قرأ اسمها: «الليل الهادئ». ابتسم. نظر إلى «هربرت» الذي قال: إنه ليلٌ هادئٌ فعلًا.
ثم أضاف بنفس الابتسامة: ولو أنه مشحونٌ بأشياءَ أخرى!
ابتسم «أحمد» وقال: أتمنى أن يكون مشحونًا فعلًا!
في نفس اللحظةِ اقترب شابان وفتاة. كانوا يتحدثون باللغةِ الفرنسية، وإن كانت لهجتُهم مختلفة.
قال «هربرت»: أظن أنهم بعضُ السياح. إن أغلبهم يفضِّلون هذا المكان؛ لأنه هادئٌ فعلًا!
ابتسم «أحمد» وقال: إنني أحسُدُ هؤلاء الذين يجدون الوقتَ ليعيشوا حياتَهم الشابَّة!
ضحك «هربرت» وقال، وهو يغادر مكانه: هيا بنا؛ فوقت الإبحار قد حان.
في نفس اللحظة أيضًا، تقدَّم الثلاثة، بخطواتٍ أوسع، حتى تجاوَزوا «هربرت» و«أحمد»، ثم صَعِدوا إلى الباخرة بعد قليل، كانت الباخرة تتحرك من مكانها إلى عَرض النهر. كان «أحمد» لا يزال يقف عند مؤخرة الباخرة يتأمل الليل الهادئ. والأنوار الكثيرة التي تُضيءُ شاطئ النهر.
قال «هربرت» مبتسمًا: هل أعجبك المنظر؟!
ردَّ «أحمد» بهدوء: نعم. إنه منظرٌ ممتعٌ فعلًا!
ضحك «هربرت» ضحكةً صغيرة، وقال: لهذا يفضِّله المُحبُّون!
عندما أصبحَت الباخرة في عَرض النهر، وأخذَت الطريق إلى رحلتها، سأل «هربرت»: هل تُحبُّ الجلوسَ على السطح؟
قال «أحمد»: أُفضِّلُ المكانَ المغلقَ الآن … حتى ننتهيَ من مهمتنا. وربما استطعنا الصعود إلى السطح في طريق العودة!
تقدَّم «هربرت» إلى الداخل، فتَبِعه «أحمد» كان هناك صالونٌ صغير، فأشار إليه «هربرت»، وما إن جلسا حتى أشار إلى «الجرسون» وطلب مشروبًا مثلجًا. وعندما ابتعد «الجرسون» نظر «هربرت» إلى «أحمد» مبتسمًا وقال: هل نبدأُ العمل؟
ابتسم «أحمد» قائلًا: أظنُّ ذلك أفضل، حتى أستطيعَ أن أستمتعَ بالرحلة!
بسرعة، أخرج «هربرت» من جيبه الداخلي خريطة، ثم بسطَها أمامه. نظر «أحمد» إلى الخريطةِ وأخذ يتأمَّلُها مستغرقًا. في نفس الوقت الذي كان فيه «هربرت» يتأمل «أحمد»، ولكن ذلك لم يمر على «أحمد»؛ فقد كان يُلاحِظ «هربرت» بطَرفِ عينه.
قال «هربرت»: هذه هي خطَّتهم.
ثم بدأ يشرح ﻟ «أحمد» كيف ستمُر سيارة «الماء الثقيل»، قادمةً من باريس إلى روما. إنها سوف تستغل فرصة زحام الطريق؛ فسوف يخرج كثيرٌ من الفرنسيين وغيرهم من فرنسا إلى إيطاليا، لمشاهدة مباريات كأس العالم. ولأن الطريق سوف يكون مزدحمًا تمامًا، خصوصًا وهناك هواة ركوب السيارات، فإن المرور سوف يكون سهلًا؛ لأن نقط التفتيش لن تكون دقيقةً في تفتيشها. نظرًا للضغطِ الشديد. وهذه مسألةٌ طبيعية. سوف تمرُّ السيارة من إمارة «موناكو» على الحدود الفرنسية الإيطالية. وسوف تتجه إلى روما، حتى تصل إلى ميناء «نابولي» هناك. سوف تكون إحدى السفن التجارية في انتظارها. وعندما تحملها سوف تُبحِر بحمولتها من الماء الثقيل وسط بضائعَ أخرى إلى جزيرة «صقلية»، وهناك سوف تكون إحدى البوارج الحربية في انتظارها. وسوف تنتقلُ شحنة «الماء الثقيل» إلى البارجة التي تحرُسُها بارجتان حربيتان وإحدى الغواصات، لتخرج إلى عَرْض البحر المتوسط، حيث المياه الدولية، وحيث لا يُوجد تفتيشٌ على أية باخرة أو غيرها.
كان «أحمد» يستمعُ إلى «هربرت» في تركيزٍ شديد. وعندما توقَّف «هربرت»، سأل «أحمد»: ما نوع سيارة الشحن؟
ردَّ «هربرت»: مارسيدس خضراء اللون.
سأل «أحمد» مرةً أخرى: ما رقمُها؟
قال «هربرت»: هذه مسألةٌ ليست هامَّة؛ فأرقامُ السيارة سوف تتغير بين كلِّ مسافةٍ وأخرى، حتى لا يعرفها أحَد.
فكَّر «أحمد» قليلًا ثم قال: إن مجرد عبور سيارةٍ خضراء، لا يعني أنها هي السيارةُ المقصودة؛ فهناك عشراتٌ غيرها، لها نفس اللون.
أجاب «هربرت»: هذا صحيح، ولكن موعد المرور هو الذي سوف يُحدِّد السيارة.
سأل «أحمد»: إذن، ما هو الموعد؟
ابتسم «هربرت» وقال: هذا ما لم أعرفه بعدُ، لكني سوف أعرفه يقينًا عندما تتحرك السيارة.
ثم سأل هربرت: ما هي خطَّتكم إذن؟
مرَّت لحظة، قبل أن يقول «أحمد»: أعتقد أنني في حاجة إلى عددٍ من الزملاء. وسوف أستدعيهم فورًا!
ثم ابتسم قائلًا: هل هناك معلوماتٌ أخرى؟
ابتسم «هربرت» هناك اسم السائق، ورقم موتور السيارة.
انتظَر لحظة، ثم قال: إن السائق يمكن أن يتغيَّر في الطريق، لكن رقم موتور السيارة، فإنهم لن يستطيعوا تغييره إلا إذا غيَّروا الموتور نفسه، وهذه مسألةٌ مستحيلة!
هزَّ «أحمد» رأسَه، ثم قال: هذه ملاحظةٌ هامة!
ابتسَم «هربرت» وقال متسائلًا: هل تحتفظ بالأرقام جيدًا؟
ابتسم «أحمد» وأجاب: نعم.
قال «هربرت»: حتى لو كان الرقم كبيرًا.
ضحك «أحمد» ضحكةً خافتةً ثم قال: حتى لو كان عشرين!
وقبل أن ينطق «هربرت» سأل «أحمد»: ألم تُلاحِظ أن الجرسونَ لم يقدِّم لنا الطلبات بعدُ، برغم مرور الوقتِ!
ضحك «هربرت» وقال: أنت يقِظٌ تمامًا. أظُن أنه لم يفعل ذلك؛ لأنه رآنا ونحن مستغرقان في الحديث؟
نظر «هربرت» حوله، ثم رفع يدَه، فأقبل «الجرسون» بالمثلَّجات، وعندما وضعها أمامهما قال «هربرت»: لقد تأخَّرتَ كثيرًا.
ابتسم الجرسون وقال: خشيتُ أن أُفسِد انشغالكما بالحديث.
ثم قدَّم اعتذاره، وانصرف. وقبل أن يرفع «أحمد» زجاجة المشروب إلى فمه سأل: هل لدينا المزيد؟
ابتسم «هربرت» وقال: هذا كلُّ ما عندي.
ثم ضحك، فقال «أحمد»: لا بأس. إن ما عندك رائعٌ تمامًا. فقط سوف أظل في انتظار الموعد.
قال «هربرت»: ومتى سوف يصل الزملاء، حتى تكون السيارة في انتظارهم؟
أجاب «أحمد»: أفضِّل أن أتركهم يتصرفون!
ثم وقف قائلًا: ما زلتُ لم أسمع رقم موتور السيارة!
ابتسم «هربرت» وقال: فعلًا … لقد أخذَنا الحديث بعيدًا عنه.
ثم أخرج ورقةً صغيرة، وبدأ يكتب الرقم عليها. كان الرقم مكونًا من ثمانية أعداد. في نفس اللحظة كان «أحمد» يقرأ ما يكتبه «هربرت». وعندما انتهى، سأل: هل حفِظته؟
ابتسم أحمد وقال: تستطيع أن تمحُوَه وسوف أُعيده عليك.
أخذ «هربرت» يمحو الرقم بالقلم. إلا أن «أحمد» ابتسم، وهو يسحب الورقةَ الصغيرةَ. ثم أخرج مسحوقًا من جيبه، ونثَره فوق الورقة. فاختفى الرقم نهائيًّا، ثم ذكَر الرقم ﻟ «هربرت» الذي نظر له دهشًا وهو يقول: هذا شيءٌ رائعٌ!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: هكذا علَّمَنا الزعيم.
ثم أضاف: هل يمكن أن نصعد إلى السَّطح. أريد أن أستمتعَ بنهر السِّين!
ابتسم «هربرت»، وقفز بقوامه الذي يُشبِه العصفور، وصعدا معًا إلى السطح. وهناك، كان نفس الشبان الثلاثة يجلسون وقد انهمكوا في الحديث. علَّق «هربرت»: جلسة حب.
ابتسم «أحمد» وقال: هذا حقُّ الشباب!
لكنه كان يعرف مَن هؤلاء الشبان الثلاثة.