المغامرة … تنتهي الليلة!
عاد «أحمد» من رحلة الكازينو العائم «الليل الهادئ»، وهو مشغولٌ تمامًا؛ فهذه المعلوماتُ التي عرفها من «هربرت» لا تعني شيئًا. ما دام موعدُ تحرُّك السيارة التي تحمل الماء الثقيل ليس تحت يده.
قال في نفسه، وهو يجلس في المقرِّ وحده: ماذا يقصد «هربرت» بذلك؟ وهل هو فعلًا لا يعرف الموعد؟ أم أنه يعرف ويريد أن يُضلِّلنا؟
فجأة بدأ جهاز الاستقبال يُسجِّل رسالة. عندما انتهى أخذ يقرؤها. كانت الرسالة تقول: ما هي نتائج اللقاء؟ الشياطين.
فكر «أحمد» لحظة، ثم قال في نفسه: قد ينكشف وجودُهم إذا أرسلتُ لهم رسالة؛ فمن يدري، ماذا يفعل «هربرت» معي الآن؟ قد أكون مراقبًا، وتُصبِح هناك مشكلة … فجأةً رن جرس الباب. انتظر لحظة ثم أخذ مسدسه واتجه إلى الباب. وقف لحظة، فجاءه صوتٌ عرفه. كان الصوت يتحدث بلغة الشياطين التي لا يعرفُها أحَد. فتح الباب بسرعةٍ فاندفعَت فتاةٌ إلى الداخل. نظَر لها لحظة، ثم غرِق في الضحك؛ فقد خلعَت الفتاةُ باروكةَ الشعر التي تضعُها فوق رأسها وظهر «باسم».
قال: لقد وصلتُ منذ قليل، واتصلتُ بالشياطين، ثم اقترحتُ أن آتيَكَ لنعرفَ ماذا حدث، خوفًا من المراقبة؛ ولهذا أيضًا، لبِستُ هذه الثياب، حتى لا يكشفَنا أحَد.
قال «أحمد»: لقد تصرَّفتُم تصرُّفًا جيدًا. ومنذ لحظاتٍ كنتُ أفكِّر كيف أُخبِركم بما عندي!
جلس الاثنان، وأحضر «أحمد» قلمًا وورقًا، ثم أخذ يرسمُ نفس الخريطةِ التي رآها مع «هربرت» ويشرح ﻟ «باسم» طريقة المرور. لكن «باسم» قطَع كلام «أحمد» متسائلًا: متى تتحرَّكُ السيارة؟
نظر له «أحمد» لحظةً ثم قال: هذه هي القضية. إن «هربرت» لا يعرف حتى الآن متى تبدأ رحلة السيارة.
قال «باسم»: إذن، فكُلُّ ما لدينا لا يساوي شيئًا.
ثم أضاف بسرعة: وكيف فكَّرتَ؟
قال «أحمد» بعد لحظة: فكَّرتُ أن نظلَّ كما نحن. أنتم في مكان، وأنا في مكان. لكننا في نفس الوقت يجب أن نكون على اتصالٍ سريع، وقريب.
سأل «باسم»: كيف؟
أجاب «أحمد»: يجب أن تَتبعُوني من بعيد. وسوف أتحرَّك إلى النقطة «س»، وهناك سوف أنتظر مرور السيارة. لو أن قائد السيارة اكتشف مكاني، فسوف أشكُّ في «هربرت»؛ لأنني سوف أحدِّد له النقطة، وساعتَها سوف تكون لنا خطةٌ أخرى، ويكون «هربرت» قد كشَف نفسه.
انتظر لحظةً فقال «باسم»: لا بأس.
ثم وقف مباشَرة وهو يضع الباروكةَ فوق رأسه، وأضاف: سوف نكون قريبين منك … دون حاجةٍ إلى أي اتصالاتٍ بيننا. يكفي أن نعرف من خلال «جهاز الشياطين» أنك تحرَّكْت.
ثم فتح الباب، وانصرف بسرعة. وقف «أحمد» لحظةً يبتسم. فكَّر: إن الشياطين يعرفون دائمًا كيف يتصرَّفون. خلَع ملابس السهرة التي لم يكن قد خلَعها بعدُ، ثم ألقى نفسه على السَّرير. حاول أن ينام، لكنه لم يستطع. أخذ يُجري بعض التمارين النفسية، حتى استغرق في النوم، لكنه فجأةً أستيقَظ على رنين جرَس تليفون. رفع السماعة وكان المتحدِّث «هربرت» يقول: أعتذر عن الاتصال في مثل هذه الساعة، لكن الأمر ضروريٌّ أن أتحدَّث إليك.
صمَت لحظةً ثم أضاف: لقد تحرَّكَت السيارة منذ دقيقتَين.
ثم سأل بسرعة: ماذا ستفعل؟
فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم قال: سوف أكون في موقع النقطة «س».
فقال «هربرت»: أتمنى لك التوفيق.
وضَع «أحمد» السماعة، ثم قفز يُجهِّز أشياءه التي سوف يحتاجها داخل الحقيبة السِّرية. وفي لحظات، كان خارج المقَر. فكَّر لحظة: هل يستقل سيارة الشياطين؟ إن ذلك سوف يكشفه.
قال في نفسِه: إن ذلك سوف يؤكِّد ما أفكِّر فيه. إذا كان «هربرت» عميلًا لرقم «صفر» أو عميلًا مزدوجًا، بيننا وبين هذه العصابات. أَسرعَ إلى سيارة الشياطين. وفي سرعةِ الصاروخ كان ينطلق خارجًا من باريس في اتجاه النقطة «س»، بين «باريس» و«موناكو».
فكَّر «أحمد»: إن عَربةَ النقل لن تكون لها سرعةُ سيارتي. ولا بد أن أصل هناك قبلَها. كانت الساعةُ قد تجاوزَت الثانيةَ صباحًا والطريق يكادُ يكونُ خاليًا من السيارات، أو المارَّة. نظر في عداد السرعة. كان المؤشرُ يشير إلى رقم ٣٠٠. قال في نفسه: أحتاج إلى ساعتَين للوصول إلى النقطة «س». بعد ساعة، جاءته رسالةٌ من الشياطين. كانت الرسالةُ تقول: نحن وراءك.
ابتسم وقال في نفسِه: عظيم. إن كلَّ شيءٍ يتحرَّكُ في خَطِّه المرسوم.
لكنه فجأةً فكَّر: هل يُمكِن أن يخدعَه «هربرت»، ويكون وقتُ قيام السيارة قبل ذلك، أو يكون طريقُها مختلفًا؟ فجأةً وجد مجموعةً من الرجال يقفون في منتصف الطريق، خلف سيارةٍ تقف بعَرض الشارع. كانوا يظهرون كأشباحٍ من بعيد. خفض «أحمد» سرعة السيارة وقال في نفسه: هل تكونُ هذه أول جولة؟ وصل عند السيارة ثم وقف. اقترب أحدُهم. كان يرتدي ثيابَ الشرطة. طلب منه رخصةَ السيارة، ورخصةَ القيادة.
سأل «أحمد»: لماذا؟
ابتسَم الرجلُ وهو يُشيرُ إليه أن ينزل. فكَّر «أحمد» لحظة، ثم نزل في حذَر. قال له الشرطيُّ: أنت تتجاوز السرعة المقرَّرة!
ابتسم «أحمد» وقال: أنتَ لم تَرَني حتى تحكُمَ هذا الحكم؟
ردَّ الشرطيُّ: إن الرادارَ قد رصَد سرعتَك!
فكر «أحمد» بسرعة: هل أستطيع أن أرى بطاقتَكَ العسكرية؟
ابتسم الشرطيُّ وقال: هذه ليست مهمتَك.
كان «أحمد» يفكِّر في الوقتِ الذي يَمُر. لكن فجأةً غمَره ضوءٌ قويٌّ من الخلف. كان واضحًا أنه ضوءُ سيارة … فكَّر بسرعة أن يأخذ بعضَ الوقت ليرى إن كانت السيارة سوف تمُر، أو أنها سوف تقِف. قال للشرطي: إنه من حقي أن أعرف إن كنتَ شرطيًّا رسميًّا أم لا.
كانت السيارة قد اقتربَت. فجأةً تحرَّكَت السيارة التي تعترض الطريق، ومرَّت عَربَة نقل. نظر لها «أحمد» مأخوذًا. لقد كانت سيارة مرسيدس خضراء. فكَّر بسرعة: إن «هربرت» قد خدَعني في موعد قيام السيارة. وهؤلاء أيضًا يمكن أن يُفسِدوا المغامَرة. فجأةً لمعَت أنوارٌ أخرى، ثم اقتربَت سيارةٌ صغيرة، ألقى «أحمد» عليها نظرة. كان يركبُها أربعةٌ من الرجال يبدو عليهم الكِبَر.
قال واحدٌ منهم: لا داعيَ للعطلة؛ فكأس العالم لا ينتظر أحدًا!
ابتسم الشرطيُّ وقال: إذن، الحَقْ به يا سيِّدي!
لكنَّ نظرةً واحدةً من «أحمد» كانت كافيةً لأن يعرف مَن هؤلاء الرجال. قال الشرطيُّ مرةً أخرى: تفَضَّل يا سيدي!
إلا أن أحدَهم قال: أرى أنكم تؤخِّرون هذا الشاب.
قال «أحمد» بسرعة: هل أرى بطاقتك؟
أخرج الشرطيُّ بطاقةً وقدَّمها ﻟ «أحمد» مبتسمًا وهو يقول: هل تكفيك هذه؟
أخذ «أحمد» البطاقة وقرأَها. ثم قال: لا بأس. ما الذي تريده الآن؟!
قال الشرطيُّ: أن تبقى معنا حتى الصباح!
ألقى «أحمد» نظرةً سريعةً على المكان. كان هناك أربعةُ جنودٍ آخرين. قال في نفسه: إن الموقف معقَّدٌ الآن. ويجب أن أنصرف بسرعة وإلا انتهى كلُّ شيء. مدَّ يده بالبطاقة إلى الشرطيِّ الذي مدَّ يدَه ليأخذها. إلا أن «أحمد» كان قد جذَب ذراع الشرطيِّ بسرعة، ثم دار به دورةً كاملةً وتركَه فسقَط على الأرض. في نفس اللحظة، كان الشياطين قد قفَزوا من سيارتهم واشتبكوا بسرعةٍ مع بقية رجال الشرطة، وفي دقائقَ كانت المعركة قد انتهَت.
قال «أحمد»: ينبغي أن نتخلَّص منهم!
ردَّ «قيس»: القيود الحديدية.
وبسرعة ربطوهم بالقيود الحديدية، ثم حرَّكوا سيارة الشرطة إلى جانب الطريق، وقفزوا في سيارة الشياطين. كان «فهد» يجلس إلى عجلة القيادة، فرفع سرعة السيارة إلى النهاية.
قال «أحمد»: لم تمُرَّ سيارةٌ غيرُها!
سأل «قيس»: ماذا لو كان هؤلاء الرجالُ شرطةً حقيقية؟
ردَّ «أحمد»: لا أعتقد وإن كان لدينا عُذرُنا.
ضغط زرًّا في تابلوه السيارة فانطلق شعاع. ارتدَّ بسرعة. وسجَّلَت شاشة الجهاز خمسة كيلومترات.
قال «أحمد»: إننا خلفهم مباشرةً وبيننا وبينهم خمسة كيلومتراتٍ فقط.
مرَّت دقائق. وظَهرَت عربة النقل الخضراء.
قال «أحمد»: استعدُّوا؛ فقد يحدُث عملٌ مجنون!
ضحك «فهد» وقال: إنها مغامَرةُ الجنون!
ثم أعطى العربة إشاراتٍ ضوئية، تعني أن تقف. واستجابت العربة بسرعة، ثم وقفَت على جانب الطريق. نظر الشياطين إلى بعضهم، وهمس «مصباح»: إن استجابة العربة لنا، يعني أنها لا تخشى شيئًا.
فجأةً كان طابورٌ من السيارات يقترب. أخذَت سيارة الشياطين جانبًا، ثم وقفَت، ونزل الشياطين بسرعة. أخذ طابور السيارات يمُر. كانت كلُّها سياراتٍ عادية. لكن بينها كانت عربة نقلٍ زرقاء اللون تتقدَّم في هدوء. نظر لها «قيس» ولم يعلِّق. في نفس الوقت، توقَّفَت سيارة، وقال سائقها: هل لديكم مشاكل؟
ردَّ «مصباح» بسرعة: لا شيء!
فانطلقَت السيارة. اقترب «أحمد» و«باسم» من العربة المرسيدس الخضراء، أخرج «أحمد» بطاقتَه، رفعَها في وجه السائق، الذي ابتسم قائلًا: لا بأس. ما الذي يمكن أن نفعله؟
كان هناك اثنان يجلسان بجواره، ولا يبدو على وجوه الجميع أثرٌ لشيء. فكَّر «أحمد» ﺑ «سرعة»: ربما كانوا لا يعرفون طبيعةَ ما تحملُه السيارة!
نظر إلى الرجل، وقال: نريد الكشف على موتور العربة.
نظر له السائق لحظة، ثم انفجر في الضحك، وقال: هل أنت متأكدٌ من ذلك؟
ابتسم «أحمد» وقال: هناك عربةُ نقل مرسيدس خضراء، ارتكبَت حادثًا ونحن نبحث عنها.
قال السائق: لا بأس. تفضل!
قفز إلى كابينة السيارة ثم رفع غطاء الموتور. في نفس اللحظة سأل «أحمد»: أين رقم الموتور؟
أرشدَه السائق إليه. قرأَه بسرعة، ولم يكن هو الرقم الذي يبحث عنه. اعتذَر للسائق، وشكَره ثم انصرف، وعندما تحرَّكَت عربة النقل، نظر «أحمد» إلى الشياطين صامتًا. لكن فجأة، كان جهاز الاستقبال يسجِّل رسالة، عندما قرأها «أحمد»، كانت من رقم «صفر» يقول فيها: «لقد تغيَّرَت السيارة.» ثم أعطى أوصافَها ورقمَها، ورقمَ موتورها. كانت سيارة نقلٍ عسكرية، وفي نهاية الرسالة قال رقم «صفر»: «لا بأس. أتمُّوا المغامرة.»
ثم أضاف في نهايتها: «وجهة نظر «أحمد» صحيحةٌ، ويجب تحقيقُها.»
نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «أحمد»: لا بأس، فلنغيِّر النقطة «س»، وننتقل إلى النقطة «ك»، حتى لا يكشفَنا «هربرت».
وبسرعة، قفَز الشياطين إلى السيارة، وانطلَقوا لتَكمِلة المغامَرة.