من نبغ في طليطلة من الحكماء والفقهاء والأدباء
وأبو عمر أحمد بن محمد بن وسيم، كان فقيهًا متفننًا، شاعرًا لغويًّا نحويًّا، غزا مع محمد بن تمام إلى مكّادة، فلما انهزموا هرب إلى قرطبة، فاتبعه أهل طليطلة في ولاية واضح، وظفروا به فصلبوه، فقال حينئذ: كان ذلك في الكتاب مسطورًا وجعل يقرأ سورة ياسين حتى سقط من الخشبة. قال ابن حيان في تاريخه: صلب ابن وسيم في رجب سنة ٤٠١.
وأحمد بن عبد الله بن شاكر الأموي، يكنى أبا جعفر، كان معلمًا بالقرآن، توفي سنة ٤٢٤. وأحمد بن يحيى بن حارث الأموي، يكنى أبا عمر، وكان ميله إلى الحديث والزهد والرقائق، وكان ثقة. وأحمد بن إبراهيم بن هشام التميمي أبو عمر، كان معظمًا عند الخاصة والعامة، توفي في سنة ٤٣٠. وأحمد بن حية، كان فاضلًا متواضعًا حافظًا توفي في شعبان سنة ٤٣٩. وأحمد بن عبد الله بن محمد التجيبي، المعروف بابن المشّاط، يكنى أبا جعفر، كان ثقةً زاهدًا، غلبت عليه العبادة. وأحمد بن محمد بن يوسف بن بدر الصدفي، أبو عمر، كان زاهدًا عابدًا، توفي في ذي القعدة سنة ٤٤١. وأحمد بن قاسم بن محمد بن يوسف التجيبي أبو جعفر، يعرف بابن ارفع رأسه، كان رأسًا في الفقه، وشاعرًا مطبوعًا، بصيرًا بالحديث، وكانت له حلقة في الجامع، وتوفي ليلة عاشوراء سنة ٤٤٣. وأحمد بن سعيد بن أحمد بن الحديدي التجيبي، يكنى أبا عباس له رحلة إلى المشرق، حج فيها، وله أخلاق كريمة، توفي سنة ٤٤٦. وأحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن صاعد بن وثيق بن عمان التغلبي، قاضي طليطلة، يكنى أبا الوليد، استقصاه المأمون بن ذي النون، وكان مجتهدًا في قضائه صليبًا في الحق، صارمًا في أموره كلها، متبركًا بالصالحين، توفي قاضيًا لخمس باقين من رمضان سنة ٤٤٩.
وأحمد بن يوسف بن حمّاد الصدفي، أبو بكر، يعرف بابن العوّاد، كان معلمًا بالقرآن، حسن الضبط، ورعًا؛ توفي سنة ٤٤٩. وأحمد بن يحيى بن أحمد بن أحمد بن سُميق بن محمد بن عمر بن واصل بن حرب بن اليسر بن محمد بن علي، قال ابن بشكوال: كذا ذكر نسبه رحمه الله، وذكر أن أصلهم من دمشق من إقليم الغدّير(؟) يكنى أبا عمر، من أهل قرطبة، سكن طليطلة وتوفي بها في حدود الخمسين وأربعمائة.
وكان خروجه عن قرطبة في أثناء الفتنة، فولّاه أبو عمر بن الحذّاء قاضي طليطلة أحكام القضاء بطلبيزة، فسار فيهم بأحسن سيرة، وعني بالحديث، وكان مشاركًا في عدة علوم، وكان متهجدًا بالقرآن، له منه حزبٌ بالليل، وحزبٌ بالنهار. وكان ملتزمًا لداره، لا يخرج منها إلا للصلاة أو لحاجة. وكان يختلف إلى غلّة، له بحومة المترب، يعمرها بالعمل ليعيش منها.
وأحمد بن محمد بن عمر الصدفي، المعروف بابن أبي جنادة، المكنى بأبي عمر، كان من أهل العلم والعمل، صوامًا قوامًا، منقبضًا عن الناس، فارًا بدينه، ملازمًا لثغور المسلمين، توفي في شوال سنة ٤٥٠، وصلى عليه تمام بن عفيف، وحضر جنازته المأمون بن ذي النون ملك طليطلة. وأحمد بن مغيث بن أحمد بن مغيث الصدفي، المكنى بأبي جعفر، من جلّة علماء طليطلة، بلغ الرئاسة في العلم والحديث وعلمه، واللغة، والنحو، والتفسير، والفرائض، والحساب، وعقد الشروط. له فيها كتاب سمّاه المقنع، وكان كلفًا بجمع المال، توفي في صفر سنة ٤٥٩.
وأحمد بن محمد بن أيوب بن عدل، المكنى أبا جعفر، كان متوليًا الصلاة والخطبة بجامع طليطلة، وكان من أهل الصلاح والعفاف، توفي في ربيع الآخر سنة ٤٧٨، أي بعد سقوط طليطلة، لأنها سقطت في محرم، وقيل في صفر من تلك السنة. وأحمد بن يوسف بن أصبغ بن خضر الأنصاري، أبو عمر، كان ثقةً بصيرًا بالحديث والتفسير، عالمًا بالفرائض؛ رحل إلى المشرق وحج، ثم تولى القضاء بطليطلة ثم صُرف عنه، وتوفي بقرطبة سنة ٤٨٠. قال ابن بشكوال: إنه وجد على قبره بمقبرة أم سلمة أنه توفي في شعبان سنة ٤٧٩. وأحمد ابن بشر الأموي، وكان نبيلًا وقورًا، عاقلًا، انتقل من طليطلة إلى سرقسطة وبقي بها إلى أن توفي سنة ٤٨٥. وأحمد بن عبد الرحمن بن مطاهر الأنصاري، أبو جعفر، لقي كثيرًا من الشيوخ وأخذ عنهم وكان بصيرًا بالمسائل، مولعًا بحفظ الآثار، وتقييد الأخبار، وله كتاب في تاريخ فقهاء طليطلة وقضاتها، وقد نقل عنه ابن شكوال أكثر التراجم التي سبقت ونحن هنا نقلناها تلخيصًا عن ابن بشكوال، وتوفي بطليطلة في أيام النصارى سنة ٤٨٩. وأحمد بن إبراهيم بن قزمان المكنى أبا بكر، أخذ عن أبي بكر بن الغرّاب، وأبى عمرو السفاقسي، وحدّت عنه أبو حسن بن الألبيري، وإبراهيم ابن إسحاق الأموي المعروف بابن أبي زود، كنيته أبو إسحاق، توفي في رمضان سنة ٣٨٢. وإبراهيم بن محمد بن أشبح الفهمي، كان متفننًا عارفًا باللغة العربية والفرائض والحساب، وشُوِور في الأحكام، وتوفي في شعبان سنة ٤٤٨، وصلى عليه أحمد بن مغيث، وحضر جنازته المأمون. وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي عمر، كان صالحًا، وقورًا عاقلا، توفي في صفر سنة ٤٥١، نقل ذلك ابن شكوال عن ابن مطاهر. وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير الأموي، صاحب أبي جعفر بن ميمون الذي سبق ذكره، وكانا معًا كفرسي رهان في العناية الكاملة بالعلم والبحث عن الروايات. أخذا العلم معًا عن مشيخة طليطلة، ثم رحلا إلى قرطبة، فأخذا عن مشيختها، وسمعا بسائر بلاد الأندلس، ثم رحلا إلى المشرق، فسمعا معًا وكانا لا يفترقان. وكان السماع عليهما معًا، وكانت إجازتهما بخطهما لمن سألهما ذلك معًا. وكان لهما حلقة في المسجد الجامع. ورحل الناس إليهما من الآفاق، ولما توفي أحمد بن محمد بن ميمون انفرد أبو إسحاق بن شنظير بالمجلس، وكان فاضلًا ناسكًا، صوامًا، قوامًا، ورعًا، كثير التلاوة لكتاب الله، ما رؤي أزهد منه في الدنيا، ولا أوقر مجلسًا. كان لا يُذكر في مجلسه شيء من أمور الدنيا إلا العلم، ولم يكن يجرأ أحد أن يضحك بين يديه.
قال ابن مطاهر: إنه توفي سنة ٤٠١، ودفن بربض طليطلة. ونقل ابن شكوال عن أبي إسحاق إبراهيم بن وثيق أنه سمع أبا إسحاق إبراهيم بن شنظير يقول: ولدتُ سنة ٣٥٢، سنة غزاة الحكم أمير المؤمنين. وكانت وفاته ليلة الخميس من سنة ٤٠٢، وقال: هذا أصح من الذى ذكره ابن مطاهر. وأيضًا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن شنظير الأموي، كان من أهل العلم والدين، اختصر المدونة، والمستخرجة، وكان يحفظها ظاهرًا، ويلقي المسائل من غير أن يمسك كتابًا، قال ابن بشكوال: وكان قد شرب «البلاذر» انتهى.
قلت: ورد في ترجمة أحمد بن يحيي بن جابر البغدادي المؤرخ الشهير بالبلاذري أنه تناول بغير قصد كمية من حب البلاذر، أثرت في فكره تأثيرًا عظيمًا، حتى كانت تقع له نوبات جنون إلى أن مات. وهو صاحب تاريخ فتوح البلدان، من أجلّ التواريخ قدرًا.
وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن وثيق، أخذ عن أبي إسحاق بن شنظير، وصاحبه أبي جعفر بن ميمون، وكان ثقة. وإسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي الحارث التجيبي، وكان رجلا صالحًا، توفي سنة ٤٤٤. وأبو إبراهيم إسحاق بن محمد بن مسلمة الفهري، أخذ عن علماء الأندلس، ورحل إلى المشرق، وكان مشاوَرًا في بلده، وتوفي في رجب سنة ٤٦٩ عن تسعين سنة. وأغلب بن عبد الله المقري، كان قارئًا بحرف نافع.
وتمام بن عفيف بن تمام الصدفي الواعظ الزاهد، يكنى أبا محمد، أخذ عن أبي إسحاق بن شنظير، وعن صاحبه أبي جعفر بن ميمون، وعن عبدوس بن محمد، وشهر بالزهد والورع، وكان يعظ الناس، توفي في ذي القعدة سنة ٤٥١، ذكره ابن مطاهر. وأبو أحمد جعفر بن عبد الله بن أحمد التجيبي، من أهل قرطبة، من ساكني ربض الرصافة بها، استوطن طليطلة، وأخذ فيها عن أبي محمد بن عباس الخطيب، وأبي محمد الشنتجالى. وكان ثقة فاضلًا، قُتل في داره بطليطلة ظلمًا ليلة عيد الأضحى سنة ٤٧٥، ومولده سنة ٣٩٣. وجماهر بن عبد الرحمن بن جماهر الحَجْرمي، يكنى أبا بكر، أخذ عن علماء الأندلس، ثم رحل إلى المشرق حاجًّا سنة ٤٥٢، فلقي بمكة كريمة المروزية، وسعد بن على الزنجاني، ولقي بمصر أبا عبد الله القضاعي، وسمع منه تواليفه. ولقي بالإسكندرية أبا علي حسين بن معافى، ولقي شيوخًا كثيرين. وكان حافظًا للفقه على مذهب مالك، عارفًا بالفتوى وعقد الشروط. وكان حسن الخلق متواضعًا، معظمًا عند الناس وكان قصير القامة جدًّا. وتوفي لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٤٦٦، وهو ابن ثمانين سنة، وصلى عليه يحيى بن سعيد بن الحديدي، وازدحم الناس جدًّا حول نعشه.
وأبو القاسم خلف بن إبراهيم بن محمد القيسي المقرئ الطليطلى، سكن دانية وأخذ عن أبي عمرو المقرمي، وعن أبي الوليد الباجي، وتوفي يوم الاثنين عقب ربيع الأول سنة ٤٧٧. وأبو القاسم خلف بن سعيد بن محمد بن خير الزاهد الطليطلي، سكن قرطبة، قرأ القرآن على أبي عبد الله المغامي (نسبة إلى مغام، من قرى طليطلة، وقد سبق ذكرها) وتأدب به، وأخذ أيضًا عن أبي بكر عبد الصمد بن سعدون الركاني وكان رجلًا صالحًا ورعًا، متقللًا من الدنيا، يتبرك به الناس، كثير التواضع، وكان صاحب صلاة الفريضة بالمسجد الأعظم بقرطبة. قال ابن بشكوال: توفي رحمه الله يوم الاثنين ودفن عشية الثلاثاء، منتصف ذى القعدة سنة ٥١٥، ودفن بالربض، وصلى عليه القاضي أبو القاسم بن حمدين، وكانت جنازته في غاية من الحفل، ما انصرفنا منها إلا مع المغرب، لكثرة من شهدها من الناس.
وأبو الربيع سليمان بن إبراهيم بن أبي سعد بن يزيد بن أبي يزيد بن سليمان بن أبي جعفر التجيبي، كان مقرئًا أخذ عن عبدوس بن محمد، وعن محمد بن إبراهيم الخشني، وكان من أهل الصلاح، توفي في رمضان سنة ٤٣١. وأيضًا أبو الربيع سليمان بن عمر بن محمد الأموي، يعرف بابن صهبيّة، روى عن محمد بن إبراهيم الخشني، وعن الصاحبين: ابن شنظير وابن ميمون، وكانت له رحلة إلى المشرق، وكان يقرئ القرآن بجامع طليطلة. وكان ابن يعيش يستخلفه علي القضاء فيها، وكان مع هذا شاعرًا نحويًّا، خطاطًا. وأيضًا أبو الربيع سليمان بن محمد المعروف بابن الشيخ، من أهل قرطبة، لكنه مات في طليطلة، في الأربعين وأربعمائة. وكان بارع الخط، أفنى عمره في كتابة المصاحف. وأيضًا أبو الربيع سليمان بن إبراهيم بن هلال القيسي، كان رجلًا صالحًا زاهدًا، فرق جميع ماله، وانقطع إلى الله عز وجل، وكان مشاركًا في الحديث والتفسير، ولزم الثغور، وتوفي بحصن عرماج، وذكروا أن النصارى يزورون قبره ويتبركون به. وأبو عثمان سعيد بن أحمد بن سعيد بن كوثر الأنصاري، وكانت فتيا طليلطة تدور عليه وعلى محمد بن يعيش. وكان من أهل الفطنة والدهاء والثروة، توفي في نحو الأربعمائة. وأبو عثمان سعيد بن رزين ابن خلف الأموي، يعرف بابن دحية، ذكره أبو بكر بن أبيض في شيوخه وأثنى عليه. وأبو الطيب سعيد أحمد بن يحيي بن السعيد بن الحديدي بن التجيبي، روى عن أبيه وعن محمد الخشني، وجمع كتبًا لا تحصى، وكان معظمًا عند الخاصة والعامة، ورحل إلى المشرق حاجًّا، وسمع بمكة وبمصر، وبالقيروان. وكان أهل المشرق يقولون: ما مر علينا مثله. قال ابن مطاهر: توفي يوم الاثنين لخمس خلون من ربيع الأول سنة ٤٢٨. وإبراهيم بن يحيي بن إبراهيم بن سعيد، يعرف بابن الأمين، كُنيته أبو إسحاق، سكن قرطبة، وأصله من طليطلة، وكان من جلّة المحدثين، ومن كبار الأدباء، توفي بلبلة في جمادى الآخرة سنة ٥٤٤، قال ابن بشكوال: وأخذت عنه وأخذ عني. وأثنى عليه وعلى دينه وعلمه.
وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد الجهيني الطليطلي، سكن قرطبة، وسمع فيها من قاسم بن أصبغ، وصحب القاضي منذر بن سعيد، ورحل إلى المشرق سنة ٣٤٢، وكانت رحلته وسماعه مع أبي جعفر بن عون الله، وأبي عبد الله بن مفرج، فلقوا جلّة العلماء بالمشرق، ولما رجعوا إلى الأندلس رغب الناس إليه أن يحدّث فقال: لا أحدّث ما دام صاحباي أبو جعفر بن عون الله، وأبو عبد الله بن مفرج حيين، فلما ماتا جلس للسماع، وأخذ عنه العلماء الكبار: أبو الوليد بن الفرضي والقاضي أبو المطرف بن فطيس، وأبو عمر بن عبد البرّ، وأبو عمر بن الحذّاء، والخولاني، وغيرهم.
قال ابن الحذّاء: كان أبو محمد هذا شيخًا فاضلًا، رفيع القدر، عالي الذكر، عالمًا بالأدب واللغة ومعاني الشعر، ذاكرًا للأخبار، حسن الإيراد لها، وقورًا، وما رأيت أضبط لكتبه وروايته منه: وقال الخولاني: كان شيخًا ذكيًا، حافظًا لغويًا، رحل إلى المشرق، وسمع جلّة العلماء بمكة وبمصر وبالشام، وأسنّ ونيّف علي الثمانين بثلاثة أعوام، وصحبه الذهن إلى أن مات. قال ابن الحذّاء: ولد سنة ٣١٠، وتوفي يوم الاثنين لسبع بقين من ذي الحجة سنة ٣٩٥، زاد ابن حيان: ودفن بمقبرة مُتعة، وصلى عليه القاضي أبو العباس بن ذكوان. وكان السلطان قد تخير أبا محمد بن أسد هذه لقراءة الكتب الواردة عليه بالفتوح بالمسجد الأعظم بقرطبة، لفصاحته، وجهارة صوته، وحسن إيراده، فتولى ذلك مدة، إلى أن ضعف، وثقل بدنه، فاستعفى السلطان من ذلك فأعفاه، ونصب سواه، فكان يقول: ما وليت لبني أمية قط ولاية غير قراءة كتب الفتوح على المنبر، فكنت أتحمل الكافة دون رزق، ومنذ أُعفيت منها كسلت، وخامرني ذل العزلة. وكان حاضر الجواب، حارّ النادرة، وأخباره كثيرة. وكان يستحسن الاستخارة بالمصحف.
وأبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن أبيض بن محبوب بن ثابت الأموي النحوي، من طليطلة، سكن قرطبة، أخذ عن جلة العلماء، وكان أديبًا حافظًا، نبيلًا، أخذ الناس عنه، وجمع كتابًا في الرد علي محمد بن عبد الله بن مسرة، أكثر فيه من الحديث والشواهد، وأخذ عنه الصاحبان ابن شنظير وابن ميمون، وقالا: إن مولده في شعبان سنة ٣٢٩، وسُكناه بزقاق دُحين، وصلاته بمسجد الأمير هشام بن عبد الرحمن، توفي سنة ٣٩٩ أو سنة ٤٠٠. وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن عثمان، المعروف بابن القشاري، من طليطلة، وخطيب جامعها، كان ثقةً دينًا ورعًا، قليل التصنع. وكان الغالب عليه الرأي، وكان مشاورًا في الأحكام، وكان يعقد الوثائق بدون أجرة، وكان من الشعراء. توفي ليلة السبت لليلتين خلتا من شعبان سنة ٤١٧، وصلى عليه أبو الطيب بن الحديدي.
وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان بن سعيد بن زنين بن عاصم بن عبد الملك بن إدريس بن بهلول بن أزرق بن عبد الله بن محمد الصدفي، روى ببلده عن أبيه، وعن عبدوس بن محمد، وعن أبي عبد الله بن عيشون وغيرهم، وبقرطبة عن أبي جعفر بن عون الله، وأبي عبد الله بن مفرّج، وخلف بن قاسم وغيرهم، وكتب بمدينة الفرج عن أبي بكر بن يُنُّق، وأبي عمر الزاهد، وأبي زكريا بن مسرة، ورحل إلى المشرق مع أبيه سنة ٣٨١، فحج وسمع بمكة وبمصر وبالقيروان ثم عاد إلى طليطلة بلده، فأخذ عنه أهلها، ورحل الناس إليه من البلدان. وكان فاضلًا عابدًا زاهدًا، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، يتولى ذلك بنفسه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وله في هذا المعنى كتاب. وكان مع تواضعه مهابًا مطاعًا، يجله جميع الناس، ولا يختلف اثنان في فضله. وكان مواظبًا علي الصلاة بالمسجد الجامع، ومن جملة أوصافه أنه كان يتولى شغل كرمه بيده، وكان كثير الصدقات، وتوفي سنة ٤٢٤، وما رؤي علي جنازة بطليطلة ما رؤي على جنازته من ازدحام الناس لأجل التبرك به. وأبو محمد عبد الله بن بكر بن قاسم القضاعي، روى عن كثير من الشيوخ، ورحل إلى المشرق حاجًا سنة ٤٠٧، وسمع بمكة وبمصر وبالقيروان، وكان فاضلا ورعًا عفيفًا سليم الصدر، منقبضًا عن الناس، توفي سنة ٤٣١. وعبد الله بن سعيد بن أبي عوف العاملي الرباحي، انتقل من قلعة رباح إلى قرطبة، واستوطنها، ورحل حاجًّا، وكان ورعًا، مداومًا علي صلاة العشاء. وكان في رمضان يرابط في حصن وَلْمِش، توفي سنة ٤٣٢.
وعبد الله بن موسى بن سعيد الأنصاري، المعروف بالشارقي، يكنى أبا محمد أخذ عن القاضي بقرطبة، يونس بن عبد الله، وعن أبي عمر الطَّلَمنكي، وعن أبي عمر بن سُميق، وأبي محمد الشنتجالي وغيرهم، وحج وسمع في المشرق من أبي إسحاق الشيرازي ورجع إلى الأندلس واستوطن طليطلة، وانقطع إلى الله تعالى. ورفض الدنيا بلا أهل ولا ولد، إلى أن مات سنة ٤٥٦، واحتفل الناس بجنازته. وكان مع زهده وتنكسه حصيف العقل، نقي القريحة، جيد الإدراك، ولا عجب في صفاء ذهن من رضي من الطعام بالسير، وكان في آخر أمره عزم علي الحج ثاني مرة، فأرسل إليه القاضي زيد بن الحشا وقال له: قد قمت بالفرض، فهذه المرة الثانية هي نافلة، والذي أنت فيه الآن آكَد. فمنعه من الخروج حرصًا علي وجوده في طليطلة معلمًا مهذبًا للناس. وأبو محمد عبد الله بن سليمان المعافري، يعرف بابن المؤذّن كان من أهل العلم والخير غالبًا عليه الحديث والأدب والقراءة، وكان ملازمًا بيته، لا يخرج إلا لصلاة الجمعة أو لباديته. وكان صَرورةً لم يتزوج قط، وتوفي سنة ٤٦٠. وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جماهر الحَجْري، روى عن أبي عبد الله بن الفخّار، ورحل حاجًّا، فروى عن الجلة من العلماء، وكان له حظ وافر من الحساب والفرائض، وتوفي سنة ٤٦٣. وأبو بكر عبد الله بن على بن أبي الأزهر الغافقي الطليطلي، سكن المريّة، وحج، ولقي أبا ذر الهروي، وأبا بكر المطوِّعي، وكان من أهل العلم، أخذ الناس عنه، ومات سنة ٤٦٣. وعبد الله بن محمد بن عمر، يعرف بابن الأديب، كنيته أبو محمد، روى عن الصاحبين ابن شنظير وابن ميمون، وعن عبدوس بن محمد، وعن محمد الخشني، وغيرهم، وعاش طويلًا، ومات بعد الثمانين والأربعمائة.
وعبد الله بن فرج بن غزلون اليحصبي، يعرف بابن العمَّال كنيته أبو محمد، روى عن أبي عمر بن عبد البر، وعن ابن شق الليل، وابن ارفع رأسه، وأخذ عن أبيه فرج بن غزلون، وعن القاضي أبي زيد الحشّا، وكان شاعرًا مفلقًا، ومع الأدب حافظًا للحديث متقنًا للتفسير، له مجلس حفل، يقرأ فيه التفسير، وعاش طويلًا. واستقضى بطلبيرة بعد أبي الوليد الوقشي، وتوفي سنة ٤٨٧ وقد نيّف علي الثمانين. وأبو محمد عبد الله بن يحيى التجيبي، من أهل إقليش، يعرف بابن الوحشي، قرأ بطليلطة وأخذ عن أبي عبد الله المغامي، وعن أبي بكر بن جماهر، وكان من أهل الفضل والنبل والذكاء. اختصر كتاب مُشكل القرآن لابن فورِك، وتوفي سنة ٥٠٢ وهو قاض ببلده إقليش.
وأبو المطرِّف عبد الرحمن بن عثمان بن سعيد بن ذنين بن عاصم بن إدريس بن بهلول بن أزراق بن عبد الله بن محمد الصدفي، روى عن أبي المطرف بن مدراج وأبي العباس بن تميم، وغيرهما، ورحل إلى المشرق سنة ٣٨١، ولقي بمكة أبا القاسم السقطي وأبا الطاهر العجيفي، ولقي بمصر أبا الطيب بن غلبون، وأبا إسحاق الثمّار، وغيرهما، ولقي بالقيروان أبا محمد ابن أبي زيد، وأبا جعفر بن دحمون. وغيرهما. وكان له عناية كاملة بالحديث، وكان في غاية الورع، تقرأ عليه كتب الزهد والرقائق فيعظ الناس بها، وله تواليف، منها كتاب عشرة النساء في عدة أجزاء. وكتاب المناسك وكتاب الأمراض. ولد سنة ٣٢٧، ومات سنة ٤٠٣ وله ٧٩ سنة. وأبو بكر عبد الرحمن بن منخّل المعافري، سكن طليطلة، وله رحلة إلى المشرق أخذ فيها عن ابن غلبون المقرئ، وحدث عنه حاتم بن محمد، قرأ عليه بطليطلة سنة ٤١٨. وأبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن خالص الأموي له رحلة إلى المشرق، وكان من أهل الخير والصلاح، حدث عنه جماهر بن عبد الرحمن وغيره.
وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن عبد الرحمن، المعروف بابن الحشَّا، قاضي طليطلة، أصله من قرطبة، سمع بالمشرق من أبي ذر الهروي، وأبي الحسن محمد بن علي بن صخر، وأحمد بن علي الكسائي، وعبد الحق بن هارون الصقلي، وروى بمصر عن أبي القاسم عبد الملك القمّي وغيره، وبالقيروان عن أبي عمران الفاسي وغيره، وروى بقرطبة عن القاضي يونس بن عبد الله، وعن القنازعي، وأخذ بدانية عن أبي عمر بن عبد البر، وأبي عمر المقري وغيرهما. وكان من أهل العلم والفهم، سري البيت عالي الشأن، استقضاه المأمون يحيى بن ذي النون بطليطلة، بعد أبي الوليد بن صاعد، في الخمسين والأربعمائة، وحمده أهل طليطلة في قضائه، ثم صُرف عن قضائها في الستين، وسار إلى طرطوشة، واستقضي بها، ثم صُرف عن قضاء طرطوشة، فاسُتقضي بدانية، إلى أن توفي بها سنة ٤٧٢، ذكر تاريخ وفاته ابن مدير. وعبد الرحمن بن قاسم بن ما شاء الله المرادي، كنيته أبو القاسم، كان حافظًا للمسائل والرأي، طاهرًا وقورًا، توفي في رجب من سنة ست وسبعين وأربعمائة. وأبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن سلمة الأنصاري، روى عن أبي محمد بن الخطيب، وأبي عمر الطلمنكي، وحماد الزاهد، وأبي بكر بن زهير وغيرهم، وكان حافظًا للمسائل، دريًّا بالفتوى، وقورًا، وسيمًا، حسن الهيئة، قليل التصنع، مواظبًا علي الصلاة في الجامع، وكان ثقة في روايته، وكان الرأي غالبًا عليه. وامتُحن في آخر عمره مع أهل بلده، بحسب عبارة ابن بشكوال، وسار إلى بَطَلْيوس فتوفي بها فجأة، عقب صفر من سنة ٤٧٨، وظاهر من هنا أنه خرج من طليطلة يوم استولى عليها الإسبانيول، لأنهم فتحوها في المحرم، أو في صفر سنة ٤٧٨ كما لا يخفى. وأبو المطرّف عبد الرحمن بن عبد الله بن أسد الجهني، سكن طليطلة، روى عن ابن يعيش، وابن مغيث، وغيرهما، وحج، وأخذ بمكة عن أبي ذر الأموي، وغيره، وكان ثقة، وشووِر في الأحكام، وكان متواضعًا توفي في بلده، في الثمانين والأربعمائة، أي بعد استيلاء الإسبانيول.
وأبو الحسن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله التجيبي، المعروف بابن المشاط أخذ عن علماء طليطلة وغيرهم، وكان حافظًا ذكيًا وأديبًا لغويًا، شاعرًا محسنًا. سكن مدة بأشبيلية، وتولى بها الأحكام، ثم صُرف عنها، وقصد مالقة، إلى أن توفي بها ليلة الجمعة لسبع ليال من رمضان سنة الخمسمائة، وشهد جنازته جمع عظيم. وأبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الأموي، من أهل طليطلة سكن قرطبة، المعروف بابن عفيف، وهو جده لأمه، سمع من علماء طليطلة وغيرهم. وكان شيخًا فاضلا عفيفًا، مشهور العدالة، وكان يعظ الناس، وتولى الصلاة بالمسجد الجامع بقرطبة، قال ابن بشكوال: كان كثير الوهم في الأسانيد، عفا الله عنه، توفي يوم الجمعة ودفن إثر صلاة العصر من يوم السبت الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة ٥٢١ ودفن بمقبرة ابن عباس، وصلى عليه القاضي أبو عبد الله بن الحاج. وأبو مروان عبد الملك محمد بن شق الليل، سمع بطليطلة بلده من الصاحبين، وكان زاهدًا ورعًا، توفي في ربيع الآخرة سنة عشر وأربعمائة. وأبو بكر عبد الصمد بن سعدون الصدفي المعروف بالركّاني أخذ عن علماء طليطلة بلده، ثم رحل إلى المشرق وحج، وتوفي بعد سنة ٤٧٥. وأبو حفص عمر بن سهل بن مسعود اللخمي المقرئ، روى ببلده طليطلة عن علمائها، ورحل إلى المشرق، ولقي كثيرًا من العلماء، وكان إمامًا في كتاب الله حافظًا للحديث الشريف، ولأسماء الرجال وأنسابهم خفيف الحال، قانعًا راضيًا، توفي بعد سنة ٤٤٢ وحدّث عنه ابن البيروله. وأبو حفص عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن الشرَّاني الرعيني، كان مفتيًا، توفي في رجب سنة تسع وأربعين بعد الأربعمائة.
وأبو حفص عمر بن عمر بن يونس بن كريب الأصبحي، أصله من سرقسطة، روى عن الجلّة، مثل القاضي أبي الحزم خلف بن هشام العبدري، والقاضي أبي عبد الله بن الحذّاء، والقاضي عبد الرحمن بن جحاف، وأبي عمر الطلمنكي، وأبي بكر بن زهر وغيرهم، وكان فاضلًا ثقة، وأسنّ، وتوفي بطليطلة سنة ست وسبعين وأربعمائة. وأبو بكر عثمان بن عيسى بن يوسف التجيبي، يعرف بابن ارفع رأسه، كان عالمًا فاضلًا، رأسًا في مذهب مالك، تولى قضاء طلبيرة. وأبو بكر عثمان بن محمد المعافري المعروف بابن الحوت، المتوفى سنة ٤٤٩. قال ابن بشكوال: وكان من خيار المسلمين وفضلائهم. وأبو الحسن علي بن فرجون الأنصاري النحوي، كان شيخًا لغويًّا نحويًّا شاعرًا، جوادًا، لا يمسك شيئًا، مؤثرًا على نفسه، رقيق القلب، إذا سمع القرآن خشع وبكى. وأبو الحسن علي بن أبي القاسم بن عبد الله بن علي المقرى، من سرقسطة سكن طليطلة، روى بالمشرق عن أبي ذر الهروى، وأبي الحسن بن صخر، وأخذ عن القاضي الماوردي كتابه في التفسير، وكان رجلًا صالحًا، قدم إلى قرطبة في آخر عمره، وأقام فيها سبعة أشهر في الفندق الذي نزل فيه منقبضًا، لم يتعرض للقاء أحد، إلى أن مات في ربيع الأول سنة ٤٧٢. وأبو الحسن علي بن سعيد بن أحمد بن يحيى بن الحديدي التجيبي، كان فقيهًا في المسائل بصيرًا بالفتيا، توفي في شوال سنة ٤٧٤.
وأبو النصر فتح بن إبراهيم الأموي، يعرف بابن القشّاوي، رحل إلى المشرق، وسمع بالقيروان، وبمصر، وبمكة المكرمة. وكان شيخًا صالحًا، فاضلًا، مجاهدًا، صوامًا قوّامًا متصدقًا. بنى بطليطلة مسجدين أحدهما بالجبل البارد، والآخر بالدباغين وكان يلزم الصلاة في المسجد الجامع. وبنى حصن «وقّش»، وحصن «مكّادة»، في زمن المنصور بن أبي عامر. توفي أول ليلة من رجب سنة ٤٠٣، وكانت وفاته ليلة الجمعة، ودفن نهار الجمعة بعد صلاة العصر، وصلى عليه عبد الله بن ماطور. وفرج بن غزلون بن العسال اليحصبي الطليطلى، روى عن شيوخها، وحدث عنه ابنه أبو محمد عبد الله بن فرج الواعظ. وأبو الحسن فرج بن أبي الحكم بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم اليحصبي، وكان من العلماء المعدودين، وكان حفيل المجلس، توفي في ١٠ ذي الحجة سنة ٤٤٨، وحبس داره علي طلبة السنة. وفرج بن غزلون بن خالد الأنصاري، حدث عن فتح بن إبراهيم وغيره، وكان حسن الخط. وفرج مولى سيد بن أحمد بن محمد الغانقي، يكنى أبا سعيد، رحل إلى المشرق، وفي حجة لقي أبا ذر الهروي، وأجاز له، وكان رجلًا صالحًا ثقة. قال ابن بشكوال: أخبرنا عنه أبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله العدل، وأثنى عليه وغيره من شيوخنا، وتوفي بعد سنة ست وسبعين وأربعمائة. وأبو سعيد الفرج بن أبي الفرج بن يعلى التجيبي، تولى أحكام القضاء بطليطلة، وكان دينًا فاضلًا، عالمًا عاقلًا، حسن السيرة في قضائه، محببًا إلى الناس، معظمًا عندهم. توفي سنة ٤٧٠ في شهر رجب. وأبو نصر فتحون بن محمد بن عبد الوارث بن فتحون التجيبى، حدث عنه الصاحبان توفي ليلة الثلاثاء لست خلون من ربيع الأول سنة ٣٩٣، وصلى عليه ابن سائق. وأبو نصر فتحون بن عبد الرحمن بن فتحون القيسي، روى عن علماء بلده، وكان رجلًا معدّلًا حسن الأخلاق، توفي سنة ٤٦٤ في رجب. وفيرُّه بن خلف بن فيرُّه اليحصبي، من أهل طليطلة كان من أهل المعرفة بالقراءات، حسن الصوت، تولى الصلاة والخطبة بجامع طليطلة. وكان يكنى بأبي جديدة، فأشار عليه ابن يعيش بأن يتكنى بغيرها، فأبى وقال: الكنية القديمة أولى بنا.
وأبو محمد قاسم بن محمد بن عبد الله الأموي، يعرف بابن طال ليلُه، روى عن الحسن بن رشيق، وابن زياد اللؤلؤي، وتميم بن محمد، وحدث عنه أبو عبد الله بن عبد السلام الحافظ، وغيره، توفي بعد سنة سبع وأربعمائة.
وأبو محمد قاسم بن محمد بن سليمان الهلالي القيسي، روى عن الصاحبين، وعن عبدوس بن محمد، وعن أبي عمر الطلمنكي، ويونس بن عبد الله القاضي، ومحمد بن نبات، وابن الفرضي، وابن العطار، وابن الهندي، وجماعة كثيرة من علماء الأندلس. ورحل إلى الشرق للحج، وأخذ عن أبي ذر الهروي وغيره. وكان عظيم الاجتهاد في العلم، مع الصلاح والانقباض، وكانت جل كتبه بخط يده، وكان ثقة في روايته، حسن الخط، وكانت له حلقة في الجامع، يعظ فيها الناس، ولم يكن يذكر عنه من أمر الدنيا شيء. وكان سيفًا علي أهل الأهواء، صليبًا في الحق، وروى بعضهم أنه كانت به سلاسة بول لا تفارقه، فإذا جلس في الجامع ارتفع ذلك عنه إلى أن ينقضي مجلسه، فإذا تقوض المجلس وعاد إلى منزله عاد إليه المرض وكانت وفاته سنة ٤٥٨ في رجب.
وأبو بكر محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن جماهر الحجري، روى ببلده طليطلة عن عمه أبي بكر جماهر بن عبد الرحمن، وأبي محمد قاسم بن هلال، وأبي بكر ابن العواد وغيرهم، ورحل إلى المشرق مع عمه أبي بكر سنة ٤٥٢، وأدى الفريضة وسمع بمكة من أبي معشر الطبرى وكريمة المروذيّة وغيرهما، وبمصر من أبي عبد الله القضاعي وأبي نصر الشيرازي وغيرهما، وبالإسكندرية من أبي علي بن معافى، قال ابن بشكوال: كان معتنيًا بالجمع والإكثار والرواية عن الشيوخ، لا كبير علم عنده. وقال: توفي بمدينة طليطلة، أعادها الله، في أيام النصارى، دمّرهم الله، سنة ٤٨٨، انتهى، أي بعد سقوط طليطلة بعشر سنوات.
وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن قاسم البكري، روى ببلده عن أبي بكر جماهر بن عبد الرحمن، وأبي الحسن بن الألبيري، وابن ما شاء الله وغيرهم، وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، ورحل إلى المشرق وحج، وأخذ بمكة والإسكندرية، وقدم قرطبة في شعبان سنة ٤٨١، وسكن باجه وغيرها من بلاد الغرب، وتوفي بباجة. وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن مزاحم الأنصاري الخزرجي، أصله من لشبونة، سكن طليطلة، وله رحلة إلى المشرق، وكان النهاية في علم العربية، ومن تآليفه كتاب الناهج للقراءات بأشهر الروايات أخذ عنه أبو الحسن العبسي المقرئ، وابن مطاهر توفي سنة ٥٠٢ في بدايتها.
وأبو عبد الله محمد بن على بن محمد الطليطلي، يعرف بابن الديوطي، سمع من أبي الوليد الباجي وقاسم بن هلال وغيرهما، وبعد أن استولى الإسبانيول على طليطلة خرج إلى بر العدوة، فسكن فاس ثم سبتة، وولي خطابة الموضعين. وكان ضريرًا صالحًا، وتوفي وهو خطيب سبتة سنة ٥٠٣ في محرم.
وأبو الفضل محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان التميمي البغدادي، سكن طليطلة، وهو من بيت علمٍ وأدب، خرج إلى القيروان في أيام المعز بن باديس فدعاه إلى دولة بني العباس فاستجاب لذلك، ثم وقعت الفتن هناك، فخرج إلى الأندلس، ولقي ملوكها وحظي عندهم بأدبه وعلمه واستقر بطليطلة، في كنف المأمون بن ذي النون، وتوفي بها ليلة الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شوال سنة ٤٥٥ قال ابن بشكوال: وذُكر أن أبا الفضل هذا كان يتهم بالكذب، عفا الله عنه. وأبو عمران موسى بن عبد الرحمن يعرف بالزاهد، من أهل الثغر، قدم طليطلة مجاهدًا، كانت له رحلة إلى المشرق حدث عنه الصاحبان بطليطلة وقالا: قتل في ربيع الآخر سنة ٣٧٨. وموسى بن قاسم بن خضر كان الغالب عليه قراءة الآثار، وكان فاضلا أصيب في إحدى الغزوات سنة ٤٤٣.
وموسى بن عبد الرحمن يعرف بابن جوشن كان فاضلًا له أخلاق حسان، وآداب لطيفة، حسن اللقاء لا يمر بأحد إلا سلم عليه، توفي سنة ٤٤٨، ذكره ابن مطاهر. وأبو عبد الرحمن معاوية بن مُنتيل بن معاوية، رحل إلى المشرق وحج، وحدث عنه الصاحبان في طليطلة وقالا: إنه توفي سنة ٣٧٥ في جمادى الآخرة. وأبو عبد الملك مروان بن عبد الله بن مروان التجيبي يعرف بابن الباليُه رحل إلى المشرق وانصرف وكان زاهدًا فاضلًا ورعًا، منقبضًا عن الناس، بهي المنظر دعي ليتولى الأحباس فرفض واعتذر. ذكره ابن طاهر.
وأبو بكر مفرج بن خلف بن مغيث الهاشمي المعروف بابن الحصّار. كان فقيهّا عارفًا بالفتوى، يعقدها باختصار وإيعاب لفقهها؛ وتأثل منها مالًا عظيمًا، وكان معتصمًا بالسنة مبغضًا لأهل البدع. وأبو القاسم محسن بن يوسف روى عن مشيخة بلده طليطلة، وحدث عنه الصاحبان وقالا: توفي سنة ٣٧٤.
وأبو القاسم محبوب بن محبوب بن محمد الخشني، روى عن محمد بن إبراهيم الخشني، وعن الصاحبين، وكان من أعلم أهل زمانه باللغة العربية بصيرًا بالحديث وعلمه، فهمًا ذكيًّا، وكان فهمه أكثر من حفظه، مع صلاح وفضل، ومات سنة ٤٤٦ في المحرم. ومفرج الخرّاز، يكنى أبا الخليل، كان من الفقهاء العباد الزهاد، روى عن أبي عمر بن عبد البر وغيره، وكان صائمًا مدة ستين سنة، وسكن بناحية طليطلة، وتوفي عند السبعين وأربعمائة، ذكره ابن مدير. وأبو سعيد ميمون بن بدر القروي ذكره ابن بشكوال في الغرباء، وهو من أهل بغداد، قدم الأندلس، وسكن طليطلة مرابطًا بها، حدث عنه أبو محمد بن ذنين الزاهد، وقال هذا في خبره إنه ولد سنة ٣١٣. وأبو القاسم نعم الخلف بن يوسف، حدث عن عبد الرحمن بن عيسى بن مدراج، وعن محمد بن فتح الحجاري، وحدث عنه الصاحبان بطليطلة وقالا إنه توفي سنة ثلاث أو أربع وتسعين وثلاثمائة. ووهب بن إبراهيم بن وهب القيسي، وكان خيّرًا فاضلًا ثقة، ورحل إلى المشرق، وتوفي في ذي الحجة سنة ٤٥٣، ودفن يوم الأضحى.
وأبو الوليد هشام بن إبراهيم بن هشام التميمي، وكان له حظ وافر من الأدب، وشووِر في الأحكام، وكان فارسًا شجاعًا استشهد سنة تسع عشر وأربعمائة.
قال أبو بكر عبد الباقي بن محمد الحجاري: وكان شيخنا أبو محمد الريولي يقول: وكان من العلوم بحيث يُقضى له في كل علم بالجميع، توفي بدانية يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لليلة بقيت لجمادى الآخرة من سنة ٤٨٩، وقد نيف على الثمانين. ويظهر أنه ممن رحل عن طليطلة بعد استيلاء النصارى عليها.
ويحيى بن عبد الله بن ثابت الفهري النحوي، المكنى بأبي بكر، كان من علماء العربية والفقه، وكان لسنًا شاعرًا، وتوفي سنة ٤٢٦ في صفر. وأبو بكر يحيى بن محمد بن يحيى الأموي، كان أديبًا شاعرًا، حسن الخط، وقورًا، حسن السمت توفي في الواحدة والستين والأربعمائة.
وأبو عبد الله يوسف بن محمد بن بكير الكناني، سمع من أبيه القاضي محمد بن بكير، كان عالمًا بالفقه والحديث والفرائض، رحل إلى الشرق وحج، ثم رجع إلى الأندلس، وتولى قضاء قلعة رباح، فحسنت سيرته، وكان حسن الرأي والهيئة، مات سنة ٤٧٥ في ذي الحجة.
وأبو الوليد يونس بن محمد من أهل قرطبة، سكن طليطلة. وأبو الوليد أيضًا يونس بن أحمد بن يونس الأزدي، يعرف بابن شوقُه، روى عن أبي محمد بن هلال وجماهر بن عبد الرحمن، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي عمر بن سميق القاضي، وغيرهم كان فاضلًا، بارًّا بإخوانه، من أحسن الناس خلقًا، وأكثرهم بشاشة، لا يخرج من منزله إلا لأمر مؤكد، وكان الغالب عليه من الحديث ما فيه الزهد والرقائق. وهو من أهل طليطلة، لكنه مات في مجريط سنة ٤٧٤، في ربيع الأول. وأبو الوليد أيضًا يونس بن محمد بن عام الأنصاري، كان فقيهًا مفتيًا، صالحًا، منقبضًا عن الناس، توفي في جمادى الآخرة سنة ٤٧٨، أي بعد سقوط طليطلة بأشهر قلائل.
وأبو بكر بعيش بن محمد بن يعيش الأسدي، له رحلة إلى المشرق، وكانت له عناية كثيرة بالعلم، وكان فقيهًا. تولى الأحكام ببلده طليطلة، ثم صار إليه تدبير الرئاسة فيه. ونفع الله به أهل موضعه. ثم خُلع عن ذلك وسار إلى قلعة أيوب، وتوفي بها سنة ٤١٨، على رواية ابن مطاهر، أو في التي بعدها علي رواية ابن حيّان.
وفاطمة بنت يحيى بن يوسف المغامي، أخت الفقيه يوسف بن يحيى المغامي، من إحدى قرى طليطلة، كانت عالمة، فاضلة، فقيهة، استوطنت قرطبة، وبها توفيت سنة ٣١٩ ودفنت بالربض، ولم ير على نعش امرأة قط ما رؤي علي نعشها، وصلى عليها محمد بن أبي زيد. ومحمد بن أحمد بن عدل الفقيه المحدث، قرأ كتاب مسلم على أبي محمد الشنتجالي بطليطلة. ومحمد بن أحمد بن محمد بن غالب، يروي أيضًا عن الشنتجالي.
وأبو عبد الله محمد بن عيشون، يعرف بابن السلاخ. قال ابن عَميرة في بغية الملتمس: غلب عليه الفقه، وله فيه كتاب، وهو من المشهورين. وأبو عبد الله محمد بن الفرج بن عبد الولي الأنصاري، رحل إلى الشرق، وسمع بالقيروان، وبمصر، وبمكة، وكان رجلًا صالحًا، ثقةً، ضابطًا، كانت وفاته بعد الخمسين وأربعمائة. وأبو عبد الله محمد بن موسى بن مغلّس. قال ابن عميرة في بغية الملتمس: فقيه موثق متفنن محدِّث. وأحمد بن سهل بن الحداد، قال ابن عميرة: فقيه مقرئ توفي سنة ٣٨٧. وإسماعيل بن أمية، كان محدثًا، ومات سنة ٣٠٣. وإسحاق بن إبراهيم بن مسرة، مات بطليطلة، لثمان بقين من رجب سنة ٣٥٢، قاله ابن عَميرة. وإسحاق بن إبراهيم، غير الأول، قال ابن عميرة: فقيه، توفي بطليطلة سنة ٣٦٤، قاله ابن عميرة أيضًا. وإسحاق بن ذقابا، بالذال، وقيل بالزاي محدِّث، ولِي القضاء بطليطلة ومات بها سنة ٣٠٣.
وزكريا بن عيسى بن عبد الواحد، توفي ببلده طليطلة، سنة ٢٩٤، عن بغية الملتمس. وسليمان بن هارون الرعيني، أبو أيوب من محدثي طليطلة مات سنة ٢٧٩ عن بغية الملتمس أيضًا.
وسعيد بن أبي هند، من قدماء الأندلسيين، أصله من طليطلة، وسكن قرطبة وقيل في اسمه: عبد الوهاب، يروي عن مالك بن أنس رضي الله عنه، ذكره محمد بن حارث الخشنى في كتابه، وزعم أن مالكًا كان يقول لأهل الأندلس، إذا قدموا عليه: ما فعل حكيمكم ابن أبي هند؟ توفي سعيد المذكور في أيام عبد الرحمن بن معاوية أمير الأندلس. وقد ترجم صاحب بغية الملتمس شخصًا يقال له عبد الرحمن بن محمد بن عباس، ويكنى أبا محمد، غير الأول، وقال إنه صاحب الصلاة بجامع طليطلة، وإنه فقيه مشهور، وذكر مشايخه، مثل أبي غالب ابن تمام، ومحمد بن خليفة البلوي، وعبد الله بن عبد الوارث، وخطاب بن سلمة ابن بُترى، وغيرهم، ولكن لم يذكر سنة وفاته. وأبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله بن يوسف، المعروف بابن عفيف، قال في بغية الأندلس: فقيه فاضل، يروي عنه ابن النعمة، وأبو عبد الله بن سعادة، كتب إليه سنة ٥١٤، وهو يروي عن جماهر بن عبد الرحمن بن جماهر، وأبو هند عبد الرحمن بن هند الأصبحي، روى عن مالك بن أنس ومات ببلده طليطلة بعد المائتين.
وكليب بن محمد بن عبد الكريم، كنيته أبو حفص، وقيل أبو جعفر، طليطلي، رحل إلى مكة فأقام بها مدة، ثم رجع إلى مصر فمات بها سنة ٣٠٠. وكان فقيهًا محدثًا، ترجمه ابن عميرة في بغية الملتمس. وعيسى بن محمد بن دينار، سمع من محمد بن أحمد العتبي، مات بالأندلس، في أيام الأمير عبد الله بن محمد الأموي ترجمه أيضًا ابن عميرة في بغية الملتمس. ثم ترجم رجلًا آخر اسمه عيسى بن دينار ابن وافد الغافقى صحب عبد الرحمن بن القاسم العتقي صاحب مالك ابن أنس وكان إمامًا في الفقه على مذهب مالك وعلى طريقة عالية من الزهد والعبادة. ويقال إنه صلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة وكان يعجبه ترك الرأي والأخذ بالحديث توفي سنة ٢١٢. وعلي بن محمد بن مغاور، فقيه طليطلي، يروي عن أبي علي الصدفي. وعلي بن عيسى بن عبيد الطليطلي صاحب المختصر في الفقه، فقيه مشهور ترجمه ابن عميرة في بغية الملتمس. وعبدوس بن محمد بن عبدوس، يكنى أبا الفرج، فقيه محدث مشهور، توفي سنة تسعين وثلاثمائة. وهشام بن حسين من علماء طليطلة، رحل إلى مصر، وسمع من عبد الرحمن بن القاسم، وأشهب بن عبد العزيز، مات قريبًا من سنة عشرين ومائتين. وأبو عمر يوسف بن يحيى الأزدي المغامي، قال ابن عميرة في البغية: قال بعضهم: هو من ولد أبي هريرة، رحل إلى المشرق، وسمع بمصر من يوسف بن يزيد القراطيسي وغيره، وكانت له رحلة إلى مكة واليمن، ومات بالقيروان سنة ٢٨٣. وقيل ٢٨٥. وأبو الحسن بن فرجون، وكان من الأدباء. وابن فضيل الطليطلي، وكان من الشعراء. وجودي بن عثمان النحوي العبسي، من أهل مورور، أصله من طليطلة، رحل إلى المشرق، فلقي الكسائي والفراء وغيرهما، وهو أول من أدخل إلى الأندلس كتاب الكسائي وله تأليف في النحو يسمى «منبّه الحجارة» ترجمه ابن الأبّار، وقال: كانت له حلقة، وأدّب أولاد الخلفاء، وظهر على من تقدمه، توفي سنة ١٩٨، وصلى عليه الفرج بن كنانة القاضي.
وجرير بن غلاب الرعيني، تولى قضاء طليطلة أيام ثورتها على الأمير الحكم بن هشام، وهى الثورة التي تقدم ذكرها، وانتهت بقتل عدة مئات من أعيان طليطلة في قصر البلدة، وردت ترجمة جرير المذكور في التكملة لابن الأبّار. وحريز بن سلمة الأنصاري، من أهل طليطلة، سكن بطليوس، وهو ابن عم القاضي أبي المطرّف بن سلمة، كان من الفقهاء المشاورين. ومن الأدباء. ترجمة ابن الأبّار في التكملة. وخلف ابن تمام، يكنى أبا بكر، من أهل قلعة عبد السلام، من عمل طليطلة، حدث عنه أبو محمد بن ذُنين. وخليفة بن إبراهيم، أبو بكر، طليطلي، حدّث عنه أبو الأصبغ عسلون بن أحمد، من شيوخ الصاحبين. ومحمد الأسدي، المعروف بابن بُنْكَلِش من علماء طليطلة، وصفه الصاحبان بالفقه والزهد. ومحمد بن حزم بن بكر التنوخي، من طليطلة سكن قرطبة، يعرف بابن المديني، صحب محمد بن مسرة الجبلي قديمًا، واختص بمرافقته في طريق الحج، ولازمه بعد انصرافه، وكان من أهل الورع، ولما كان في المدينة المنورة كان يتتبع آثار النبي ﷺ، ليستدل على أمكنة سكناه، وجلوسه. ويتبرك بذلك. ومحمد بن يحيى بن آدم التنوخي، من أهل طليطلة، كتب إلى الصاحبين بمعلومات عن رجاله. ومحمد بن رضا بن أحمد بن محمد، من أهل طليطلة، كان هو وأخوه أحمد من أهل الرواية والعناية بالفقه، وقد سمعا جميعًا المدونة من خلف بن أحمد المعروف بالرحوي في سنة ٤٢٣، قال ابن الأبار: وقفت على ذلك. ومحمد بن قاسم بن محمد بن إسماعيل بن هشام بن محمد بن هشام بن الوليد بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية القرشي المرواني، من أهل قرطبة، يعرف بالشبانسي، سكن طليطلة، وكان ممن ترك قرطبة بعد الفتنة فيها وصار في طليطلة كاتبًا للرسائل لأنه كان متقدمًا في البلاغة بارع الكتابة. قال ابن الأبّار: وكان آخر من بقي من أكابر أهل صناعته، توفي سنة ٤٤٧، ذكره ابن حيان. ومحمد بن أحمد بن سعدون، يكنى أبا بكر، له رحلة إلى الشرق، سمع فيها من أبي ذر الهروي، حدّث عنه القاضي أبو عامر بن إسماعيل الطليطلي، ترجمه ابن الأبّار. ومحمد بن شداد، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الحداد، يروي عن الحافظ ابن عبد السلام المعروف بابن شق الليل. وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعيد بن عيسى الكناني من طليطلة، سكن بلنسية، روى عن أبي بكر أحمد بن يوسف بن حماد سمع منه مختصر الطليطلي في الفقه، وروى عنه أبو الحسن بن هذيل المقرئ، وكان فقيهًا أديبًا، أصوليًا، متكلمًا، ووقعت عليه محنة في بلنسية من أبي أحمد بن جحاف الأخيف فخرج إلى المرية وتوفي قبل الخمسمائة. ذكره ابن الأبّار.
وأبو عبيد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري المقري من أهل طليطلة نزل مدينة فاس يعرف بابن فُرقاشش، أخذ القراءات بطليطلة عن المغامي، وأبي الحسن بن الألبيري وكان مقرئًا جليلًا. له تأليف في اختلاف القراء السبعة. أخذ عنه أبو إسحاق الغرناطي في مقدمة غرناطة وإقرائه منها بمسجد حمزة سنة ٥١٢. وأبو محمد بن محمد بن عبد الله الطليطلي، روى عن عبد الله بن سعيد بن رافع الأندلسي، وزياد بن عبد الرحمن القيرواني، والحسن بن رشيق المصري. وحدث عنه الصاحبان بطليطلة ونصر المصحفي النقّاط، كان يقرئ القرآن، وينقّط المصاحف، أخذ عنه محمد بن عبد الجبار الطليطلي، فلما قرأ على إبراهيم النحاس أعجبته قراءته. ونصر بن سيد بونُه بن خلف الطائي، له رحلة إلى المشرق حاجًّا، وسمع بدانية من الفقيه أبي عبد الله بن الصايغ، الذي أجاز له سنة ٤٦٦.
ونجدة بن سليم بن نجدة الفهري الضرير من أهل قلعة رباح، سكن طليطلة، يكنى أبا سهل، روى عن أبي عمرو المقري، وأبى محمد الشنتجالي، وأبى محمد بن عباس الطليطلي وغيرهم، وتصدر بطليطلة لإقراء القرآن وتعليم العربية، وتوفي بعد سنة ٤٧٥ ذكره ابن الأبّار. وأبو محمد عبد الله بن يونس، كان من أهل العلم والعبادة والجهاد وترك الدنيا، والتهجد بالقرآن. وقد حج بيت الله، وعاد إلى الأندلس، ولحقته سعاية من قِبَل عامل طليطلة، في أيام المنصور بن أبي عامر، فأسكنه قرطبة مدة سنتين، ولكن لم يمد يده إلى شيء من نعمته ونشبه، وكان ذا ثروة طائلة، ولما أقام بقرطبة لم يلق فيها أحدًا، ولا طلب إلى سلطانة شفيعًا، إلى أن صرفه مكرمًا إلى وطنه، وتوفي بعد قليل من تسريحه، سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وسنه نحو الثمانين. وكان مع تقواه من أهل الأدب، والبصر بالعربية، ترجمه ابن الأبّار. وأبو محمد عبد الله بن محمد المعروف بالأشهب، حدّث عنه أبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف ترجمه ابن الأبّار أيضًا في التكملة.
وعبد الله بن محمد بن علي بن عبيد الله بن سعيد بن محمد بن ذي النون الحَجْري (بسكون الجيم بعد فتح الحاء) من حَجْر ذي رُعين، أصله من طليطلة، سكن المرية وهم في الأصل من بني ذي النون، أمراء طليطلة، كما كان يقول. ولما تحولوا من طليطلة نزلوا حصنًا اسمه قَنْجَايَر بينه وبين المرية ثلاثون ميلًا على الجادة إلى مالقة. سمع صحيح مسلم من أبي عبد الله بن زغيبة، وروى عن أبي القاسم بن ورد، وأبي الحجاج بن يسعون، وأبي عبد الله ابن أبي أحد عشر، وأبي محمد الرشاطي وغيرهم، وذلك في المرية. ثم رحل إلى قرطبة، فروى عن أبي القاسم بن بقي، وأبي الحسن ابن مغيث، وأبي بكر بن العربي وغيرهم، ولقي بأشبيلية شُريح بن محمد، وقرأ عليه صحيح البخارى في رمضان سنة ٥٣٤، وكان شُريح بطول العمر قد انفرد بعلو الإسناد في صحيح البخاري لسماعه إياه من أبيه وأبي عبد الله بن منظور، عن أبي ذر (الهروي) فكان الناس يرحلون إليه بسببه، وكان قد عيَّن لقراءته شهر رمضان، فيكثر الازدحام عليه في هذا الشهر من كل سنة، قال ابن الأبّار في التكملة: إن عبد الله المذكور كان الغاية في الصلاح والورع والعدالة، وكان أبو القاسم بن حبيش يقول: إنه لم يخرج على قوس المرية أفضل منه. قال ابن الأبّار: وأشبه أبا القاسم ابن بشكوال في إكثاره وتولي الصلاة والخطبة بجامع المرية، ودعي إلى القضاء فأبى. ولما تغلب العدو على المرية أول مرة خرج إلى مرسية، فدعي إلى ولاياتٍ أباها، ثم خرج إلى مالقة، ثم أجاز البحر قاصدًا إلى فاس، ثم عاد إلى سبته وأقام يُقرئ القرآن، ويُسمع الحديث ويرحل إليه الناس، لعلو إسناده وحسن ضبطه، وكان له خط حسن، وكانت ولادته بقَنْجَايَر سنة ٥٠٥، وتوفي ليلة الأحد من صفر سنة ٥٩١، بسبتة، وهو ابن خمس وثمانين سنة، ودفن بالموضع المعروف بالمنارة، وكانت له جنازة مشهودة، روى ذلك ابن الأبّار في التكملة، ونحن ننقله ملخصًا.
وأبو الحسن عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن محمد بن مغيث الصدفي، أخذ مشيخة بلدة طليطلة، وقدم بلنسية في وجوه أهل طليطلة، للعقد على ابنة المأمون بن ذي النون، مع المظفّر عبد الملك بن المنصور، عبد العزيز بن أبي عامر، فسمع معهم من أبي عمر بن عبد البر سنة ٤٥١، وكان هذا الرجل من بيتٍ شهير بالعلم والفقه في طليطلة، وهو الذي صلى على أبي جعفر أحمد بن سعيد اللورانكي عند وفاته في طليطلة سنة ٤٦٩.
وأبو المطرّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن يحيى بن وافد بن مهند اللخمي، رحل إلى قرطبة، فتعلم فيها الطب على أبي القاسم خلف بن عباس الزهراوي وكان مع تقدمه في علم الطب فقيهًا أديبًا متفننًا، وله في الطب كتاب الأدوية المفردة استعمله الناس، وكتاب الوساد. وله في الفلاحة مجموع مفيد، وكان عارفًا بوجوهها وهو الذي تولى غرس جنة المأمون بن ذي النون الشهيرة بطليطلة ولد سنة ٣٨٩، توفي منتصف يوم الجمعة، لعشر بقين من رمضان سنة سبع وستين وأربعمائة.
وأبو زيد عبد الرحمن بن سعيد الأنصاري، لقي أبا الحسن بن الألبيري المقري وأخذ عنه، وحدّث عنه أبو بكر بن الخلوف، بكتاب الاستذكار، لمذاهب القراء السبعة المشهورين في الأمطار، لابن الألبيري المذكور، قال ابن الأبّار: وقد تقدم ذكر محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الطليطلي المقري، وروايته عن أبي عبد الله المغامي، ولعله ابن هذا. وعبد الجبار بن قيس بن عبد الرحمن بن قتيبة بن مسلم الباهلي، من أهل طليطلة، وُلِي قضاءها من قِبَل الأمير هشام بن عبد الرحمن الداخل.
وأبو الحسن على بن عبد الرحمن بن يوسف الأنصاري من ولد سعد بن عبادة يعرف بابن اللونقة، روى عن أبي عمر بن عبد البر، وأبى العباس العذري وغيرهما وكان فقيهًا ورعًا، وأخذ علم الطب عن أبي المطرّف بن واقد، وكان خرج من طليطلة قبل تغلب الروم عليها، وأقام بقرطبة، ومات فيها سنة ثمان أو تسع وتسعين وأربعمائة. ترجمة ابن الأبّار. وأبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر الكناني، يعرف بابن حنين الطليطلي، ثم القرطبي، نزيل فاس، سمع بقرطبة، وبجيتان، وحج سنة خمسمائة وبعدها مرتين، ولقي أبا حامد الغزالي، وصحبه، وسمع منه أكثر الموطّأ وأقام ببيت المقدس تسعة أشهر يُقرئ القرآن، وفي سنة ٥٠٣ كان في مدينة فاس، توفي سنة ٥٦٩ معمّرًا، لأنه ولد سنة ٤٧٦، ترجمه ابن الأبّار. وسعيد بن محمد المعروف بابن البغونش، يكنى أبا عثمان، قرأ بقرطبة علم العدد والهندسة، وأخذ عن أبي محمد بن عبدون الحلبي، وسليمان بن جلجل، علم الطب. واتصل بأمير طليطلة الظافر إسماعيل بن ذي النون، ثم انقبض عن الناس، ومال إلى العبادة في دولة ابنه المأمون يحيى بن ذي النون، وتوفي في رجب سنة ٤٤٤، عن خمس وسبعين سنة. وأبو عثمان سعيد بن عيسى بن أحمد بن لب الرعيني، يعرف بالأصفر، وبالقصيري لولادته بقصير عطية، ولد سنة ٣٨١، ورحل إلى قرطبة في طلب العلم سنة ٣٩٩، وقرأ بقرطبة وبمالقة على أبي الحسن الزهراوى، وعلى أبي عثمان نافع، وكان مقدمًا في علم العريبة، وتوفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة. وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأنصاري المقرئ الضرير، يعرف بالمُجُنقْوني، سكن قرطبة، وأصله من طليطلة كان من جلّة أصحاب أبي عمر المقرئ، وسمع الحديث على أبي بكر جماهر بن عبد الرحمن الحجرى، وكان ثقةً فاضلًا عفيفًا منقبضًا، وكان إمام مسجد طَرفة بالمرية، وكانت وفاته عقب شعبان سنة سبع عشرة وخمسمائة. وأبو بكر يحيى بن أحمد من طليطلة، نزل أشبيلية بعد تغلب الروم على وطنه. قال ابن الأبّار: إنه كان يتقدم أدباء عصره تفننًا في الآداب، وتصرفًا في النظم توفي سنة ٥٤٥.
وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن موسى بن عبد السلام الأنصاري، يعرف بابن شق الليل، سمع بمصر أبا الفرج الصوفي، وأبا القاسم الطحَّان، وأبا محمد بن النحاس، وغيرهم، وكان قد قرأ على علماء طليطلة، وكان غالبًا عليه علم الحديث، مع معرفة أسماء رجاله. وكان مليح الخط، جيد الضبط، شاعرًا مجيدًا، لغويًّا، صالحًا فاضلًا، توفي بطلبيرة يوم الجمعة منتصف شعبان سنة ٤٥٥، ترجمة ابن بشكوال، وذكره المقري في من رحل من أهل الأندلس إلى الشرق. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سهل الأموي الطليطلي، المعروف بالنقاش، نزل مصر، وقعد للإقراء بجامع عمرو بن العاص، وأخذ عنه جماعة، وتوفي بمصر سنة ٥٢٩، ورد ذكره في نفح الطيب. وأبو زكريا يحيى بن سليمان، قدم إلى الإسكندرية، ثم رحل إلى الشام، وأقام بحلب، وله ديوان شعر أكثر فيه من المديح والهجاء، قال بعض من طالعه: ما رأيته مدح أحدًا إلا وهجاه. عن نفح الطيب. وأبو محمد عبد الله بن العسال الطليطلي، له شعر قرأته في صفحة ١٤٨ من الجزء الثاني من نفح الطيب. وعبد الله بن المعلم الطليطلي. ومحمد بن خيرة العطار كان متقنًا لعلم العدد والفرائض علم بذلك في قرطبة، ذكره القاضي صاعد، ترجمة ابن الأبّار في التكملة. وأحمد بن محمد بن الحسن الطليطلي، من شيوخ الصاحبين.
وأبو جعفر أحمد بن خميس بن عامر بن منيح من أهل طليطلة، قال القاضي صاعد بن أحمد عنه: أحد المعتنين بعلم الهندسة والنجوم والطب، وله مشاركة في علوم اللسان، وحظٌّ صالح في الشعر، وهو من أقران أبي الوليد هشام بن أحمد ابن هشام، وأبي إسحاق إبراهيم بن لب إدريس التجيبي، المعروف بالقويدس. كان من أهل قلعة أيوب، ثم أخرج عنها، واستوطن طليطلة، وتأدب فيها، وبرع في علوم العدد والهندسة والفرائض، وقعد للتعليم بذلك زمانًا طويلًا وكان له بصر بعلم هيئة الأفلاك، وحركات النجوم، وعنه أخذت كثيرًا من ذلك، وكان له مع ذلك نفوذ في العربية، وقد أدَّب بها زمانًا بطليطلة، وتوفي رحمه الله ليلة الأربعاء، لثلاث بقين من رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة. انتهى.
ثم ذكر القاضي صاعد بعض من عني بالفلسفة من أهل الأندلس فقال: وفي زماننا هذا أفراد من الأحداث منتدبون بعلم الفلسفة، ذوو أفهام صحيحة، وهمم رفيعة قد أحرزوا من أجزائها، فمنهم من سكان طليطلة وجهاتها: أبو الحسن علي بن خلف بن أحمر. وأبو إسحاق إبراهيم بن يحيى النقاش المعروف بوليد الزرقيال. وأبو مروان عبد الله بن خلف الأستجي. وأبو جعفر أحمد بن يوسف بن غالب التهلاكي. وعيسى بن أحمد بن العالم. وإبراهيم بن سعيد السهلي الإسطرلابي. (ثم قال): وأعلمهم بحركات النجوم، وهيئة الأفلاك، أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى النقاش، والمعروف بولد الزرقيال، فإنه أبصر أهل زماننا بأرصاد الكواكب، وهيئة الأفلاك وحساب حركاتها، وأعلمهم بعلم الأزياج، واستنباط الآلات النجومية.ا.ﻫ.
ثم ذكر القاضي صاعد غير هذا من الحكماء وعلماء الفلك والرياضيين، من أهل الأندلس، ممن سنذكرهم عند الوصول إلى ذكر بلدانهم. ثم ذكر علماء الطب فقال ما يلي: وكان بعد هؤلاء إلى هذا جماعة من أشهرهم: أبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش، وكان من أهل طليطلة، رحل إلى قرطبة بطلب العلم، فأخذ عن مسلمة بن أحمد علم العدد والهندسة، وعن محمد بن عبدون الجبلي وسليمان بن جلجل، وابن الشناعة، ونظرائهم، علم الطب. ثم انصرف إلى طليطلة، واتصل بأميرها الظافر إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عامر بن مطرف بن ذي النون، وحظي عنده وكان أحد مديري دولته، ولقيته فيها بعد ذلك، في صدر دولة المأمون ذي المجد يحيى بن الظافر بن إسماعيل بن ذي النون، وقد ترك قراءة العلم، وأقبل على قراءة القرآن. ولزوم داره، والانقباض عن الناس، فلقيت منه رجلًا عالمًا، جميل الذكر والمذهب، حسن السيرة، نظيف الثياب، ذا كتب جليلة، في أنواع الفلسفة وضروب الحكمة. وتبينت منه أنه قد قرأ الهندسة وفهمها، والمنطق وضبط كثيرًا منه. ثم أعرض عن ذلك، وتشاغل بكتب جالينوس وجمعها، وتناولها بتصحيحه ومعاناته، فحصل له بتلك العناية فهم كثير منها. ولم يكن له دربة في علاج المرضى، ولا طبيعة نافذة في فهم الأمراض. وتوفي عند صلاة الصبح يوم الثلاثاء أول رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وعمره خمس وسبعون سنة. ا.ﻫ.
ثم ترجم القاضي صاعد الوزير أبا المعارف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن يحيى بن وافد بن مهند اللخمي، قال عنه: أحد أشراف أهل الأندلس وذوي السلف الصالح منهم، والسالفة القديمة فيهم، عني عناية بالغة بقراءة كتب جالينوس وتفهمها، ومطالعة كتب أرسطاطاليس، وغيره من الفلاسفة، وتمهّر في علوم الأدوية المفردة، حتى ضبط منها ما لم يضبط أحد في عصره. وألف فيها كتابًا جليلًا لا نظير له جمع فيه ما تضمنه كتاب ديوسفوريدوس، وكتاب جالينوس المؤلفين في الأدوية المفردة، ورتبه أحسن ترتيب. وهو مشتمل على قريب من خمسمائة ورقة، وأخبرني عنه أنه عانى جمعه، وحاول ترتيبه، وتصحيح ما ضمنه من أسماء الأدوية وصفاتها، وأودعه إياه من تفصيل قواها، وتحديد درجاتها، من عشرين سنة، حتى كمل موافقًا لغرضه، مطابقًا لبغيته. وله في الطب منزع لطيف، ومذهب نبيل. وذلك أنه لا يرى التداوي بالأدوية، ما أمكن التداوي بالأغذية، أو ما كان قريبًا منها، فإذا دعت الضرورة إلى الأدوية فلا يرى التداوي بمركبها، ما وصل إلى التداوي بمفردها. فإن اضطر إلى المركب لم يكثر التركيب. بل اقتصر على أقل ما يمكن منه. وله نوادر محفوظة، وغرائب مشهورة، في الإبراء من العلل الصعبة، والأمراض المخوفة، بأيسر العلاج وأقربه، وهو في وقتنا هذا حي مستوطن مدينة طليطلة وأخبرني أنه ولد في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. ا.ﻫ.
وأما صناعة أحكام النجوم فلم تزل نافعة بالأندلس قديمًا وحديثًا، واشتهر بتقليدها جماعة في كل عصر إلى وقتنا هذا. فكان من مشاهيرهم في زماننا هذا، وزمان بني أمية: أبو بكر يحيى بن أحمد، المعروف بابن الخياط، كان أحد تلاميذ أبي القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي في علم العدد والهندسة. ثم مال إلى أحكام النجوم، فبرع فيها، واشتهر في علمها، وخدم بها سليمان بن الحكم بن الناصر لدين الله أمير المؤمنين في زمان الفتنة، وغيره من الأمراء. وكان آخر من خدم بذلك معتنيًا بصناعة الطب دقيق العلاج، وكان حصيفًا، حليمًا، دمثًا، حسن السيرة، كريم المذهب، توفي بطليطلة سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وقد قارب ثمانين سنة. ا.ﻫ.
(ثم قال): ومنهم من أحداث عصرنا أبو مروان عبيد الله بن خلف، أحد المتحققين بعلم الأحكام، والمشرفين على كتب الأوائل، فلا أعلم أحدًا في الأندلس في وقتنا هذا ولا قبله، وقف من أسرار هذه الصناعة وغرائبها على ما وقف عليه. وله في التسيرات، ومطارح الشعاعات، وتعليل بعض أصول الصناعة، رسالة فاضلة، لم يتقدمه أحد إليها. كتب بها إليّ من مدينة قونكة. ا.ﻫ.
هؤلاء هم علماء العرب المنسوبون إلى طليطلة، من فقهاء، ومحدثين، وحكماء، ومتكلمين، وشعراء، ومنشئين، وأطباء، ومهندسين، وحكماء ورياضيين، ممن وقفنا على أخبارهم. ولا شك في أنه ند منهم من لم نقف على خبره، أو من وقع منا سهو عن تقييد ترجمته، والإحاطة غير ممكنة، كما لا يخفى. وإن فاتنا شيء ووقفنا على فوته قيدناه ليلحق بالطبعة الآتية إن شاء الله.
هوامش
روى لاوي بروفنسال أن المستشرق الأسباني قديرة Codera الذي هو من أصل عربي قال: إن هذا الرجل هو من عائلة خلف بن صالح بن عمران التميمي المتوفى سنة ٣٧٨، وعبد الله بن محمد بن صالح بن عمران التميمي المتوفى سنة ٣٨٤ وكلاهما قد ترجمه ابن بشكوال في الصلة. بل نظن أن محمد بن عبد الله بن عمران هذا هو ابن أبي محمد عبد الله بن محمد بن صالح بن عمران التميمي الذي سيأتي ذكره بين المترجمين من علماء طليطلة.