الفصل الثاني عشر
طلمنكة
فالعرب يلفظونها بالطاء، وأما الأسبان فيلفظونها بالسين، وهي بلدة متوسطة، سكانها
٢٥
ألفًا، واقعة على نهر طورمس، وهى مركز مقاطعة وأسقفية، وإنما اشتهرت من القديم بمدرستها
الجامعة، وهى في بسيط من الأرض، وهواؤها شديد الاختلاف أشبه بهواء برغش، ففي الشتاء يشتد
فيها البرد، كما في برغش وآبلة، وفى الصيف حرّها لا يطاق. وكان اسمها في القديم
سالامانتيكا. واستولى عليها أنيبال القرطاجني سنة ٢١٧ قبل المسيح، ثم كانت في زمن الرومان
تابعة لولاية لوزيطانية، ولما جاء العرب وقعت عليها الوقائع الشداد بينهم وبين الأسبان،
لكونها واقعة على الطريق السلطاني الروماني، المؤدي من ماردة إلى أسترقه. وقد استردها
الأسبان من أيدي العرب في جملة ما استردوه من شمالي أسبانية، وصارت قاعدة مملكة ليون،
وحصنها الأذفونش السادس الذي استولى علي طليطلة، ولأجل أن يجعل الأذفونش فيها حامية كثيفة
استجلب إليها كثيرًا من الغرباء، لا سيما من الإفرنجة، ولكن عظمة طَلَمنْكة لم تبدأ حقًّا
إلا بالمدرسة الجامعة التي بناها أذفونش التاسع سنة ١٢٣٠،
١ وقد قارن النجاح هذه المدرسة، فازدهرت، وشاع ذكرها، وصارت تعد من أكبر جامعات
أوربة، نظير جامعة باريزوا كسفورد. وكان فيها سبعة آلاف طالب
٢ في القرن السادس عشر، وكانوا من جميع أقطار الأرض. وجاء في دليل بديكر أن هذه
المدرسة كانت هي التي تنشر معارف العرب في بقية أوربة.
ولم تبدأ طلمنكة بالانحطاط إلا في زمن فيليب الثاني عند ما نقل كرسيه من طليطلة، وجعل
مركز الأسقفية في بلد الوليد بدلًا من طلمنكة. وأهم من ذلك أنه كان فيها عدد كبير من
الموريسك، أي بقايا العرب، فلما أجبرهم على الجلاء سنة ١٦١٠ تناقص بذلك جدًّا عمران
المدينة. وفى زمن بونابرت عندما استولى الفرنسيس على أسبانية، جعلوا طلمنكة قاعدة حربية،
فهدموا كثيرًا من حاراتها. وفى طلمكنة ساحة عمومية مربعة، هي من أجل ساحات أسبانية، وفيها
جسر روماني قديم، وفيها كنائس متقنة كسائر كنائس أسبانية. وفيها خزانة خاصة بالمدرسة
الجامعة، إلا أن المدرسة ليست اليوم على شيء من أهميتها الماضية، وعدد الطلبة فيها لا
يتجاوز ثلاثمائة. وكم في طَلَمنكة من أثر قديم، وبناء فخم، ودور مرخَّمة، وأحجار
مخرَّمة.
وقد ذكر ياقوت الحموي طَلَمْنكة فقال: بفتح أوله وثانيه، وبعد الميم نون ساكنة، وكاف:
مدينة بالأندلس من أعمال الإفرنج اختطّها محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد
الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك. خرج منها جماعة منهم أبو عمرو، وقيل أبو جعفر،
أحمد
بن محمد بن عبد الله بن لب بن يحيى بن محمد المعافري المقري الطلمنكي، وكان من المجودين
في
القراءة، وله تصانيف في القراءة روى الحديث وعمّر حتى جاوز التسعين، يروي عنه محمد بن
عبد
الله الخولاني. ا.ﻫ.
ثم قلت: وكان أبو عمرو الطلمنكي من أشهر علماء الأندلس، من أخذ عنه عد نفسه قد رزق
حظًّا
كبيرًا، وكثيرًا ما يدور ذكره في تراجم العلماء، وقد سار على أثره ابنه أبو بكر عبد الله
بن
أبي عمر أحمد بن محمد بن عبد الله بن لب المعافري الطلمنكي.
٣
هوامش