الفصل السابع عشر
أراغون ونبارة
هاتان المملكتان هما متجاورتان، يسقي كلًّا منهما نهر أبرُه، وهذا النهر له منبعان
أحدهما
يقال له «هيجار Higar» يتفجر من جبل يقال له «كورد» Cardel عليه الثلج صيفًا وشتاء، وتنحدر منه مياه إلى الوادي
الجوفي، منحدرة إلى الغرب ومن مياهه ما ينحدر إلى الشرق، وهى مياه هيجار التي تجري مسافة
١٦
كيلومترًا، ثم تلتقي مع مياه أبرُه، التي تنبع من غربي مكان يقال له «رينوزه» Reinosa وهذا الوادي يخرج من بحيرات صغيرة بين تلك الجبال
المتفرعة من البرانس، ثم يمد أبره عدة أنهار، حتى يعدّل ماؤه، عندما يصل إلى ميرانده،
بعشرين ألف متر مكعب في الثانية. وعندما يصل إلى لوكروني، بواحد وثلاثين ألف متر مكعب.
فإذا
وصل إلى تطيلة صار يصب ٤٥٢٠٠ متر مكعب في الثانية. وهو يسقي عند تطيلة جانبًا من بسيط
أراغون الذي لولا أبرُه لكان أشبه بصحراء أفريقية.
ولكن لا يستفيد من مياه أبره وفروعه إلا جزء قليل من هذه الصحراء، بحيث إن بعض أهالي
الأماكن المأهولة من أطرافها هم في غناء شديد من جهة الماء، فقد صح في أهلها المثل القائل:
أيا عطشي والماء يجري. قيل إن عامل بلدة تارديانته Tardienta جمع أهالي بلدته ليوزع عليهم الماء الباقي في الصهريج العمومي،
فكان نصيب العائلة الواحدة عشرة ليترات من الماء، وهو ماء من كدورته يؤكل ولا يشرب.
فلو كان هناك جداول من أبره لتحولت تلك الصحراء جِنانًا غناء. والسائح يرى البلاد
هناك
على طرفي نقيض، فبينما صحراء «فيولاده» Violada هي كفيافي
بني أسد، إذا ضواحي سرقسطة غير بعيدة عنها، هي كغوطة دمشق. وقد شق الإسبانيول جدولين
من
أبرُه عند سرقسطة وتطيلة، وسقوا بهما أراضى واسعة، ولا يزالون يشقون منها جداول إلى يومنا
هذا في أراغون وكتلونية. وبالإجمال فلولا إبرُه لكانت الحياة متعذرة في أكثر مملكة أراغون،
وفى قسم كبير من كتلونية.
مملكة نبارة القديمة هي اليوم مقاطعة بهذا الاسم، مساحتها ١٠٥٠٠ كيلومتر مربع، وعدد
سكانها ثلاثمائة وخمسة عشر ألف نسمة. أما أراغون فهي عبارة عن مقاطعة سرقسطة، ومساحتها
١٧٤٢٤ كيلومترًا مربعًا، وسكانها ٤٤٨٩٩٥ نسمة. ومقاطعة وشقة، ومساحتها ١٥١٤٩ كيلومترًا
مربعًا، وأهلها ٢٤٨٢٥٧ نسمة. ومقاطعة ترول Teruel،
ومساحتها ١٤٨١٨ كيلومترًا مربعًا، وسكانها ٢٥٥٤٩١ نسمة.
وإذا توجه الراكب بالسكة الحديدية من مجريط قاصدًا إلى سرقسطة، فإن أهم ما يمر به
من
البلاد هو القلعة المسماة بقلعة هينارس، على مسافة ٣٤ كيلومترًا من مجريط. وهذه البلدة
هي
رومانية، كانوا يقولون لها «كومبلوتوم» ولما جاء العرب استولوا عليها، وبعد خروجهم من
هناك
أسس الكردينال شيميناس رئيس أساقفة طليطلة فيها مدرسة جامعة، تضاهي مدرسة طلمنكة، وبقيت
فيها إلى سنة ١٨٣٦ فنقلوها إلى مجريط. وإلى هذه البلدة ينسب الكاتب الشهير سرفنتس Cervantes صاحب كتاب الدون كيشوط، وعدد سكان البلدة اليوم
اثنا عشر ألف نسمة. وفي هذه البلدة بقايا حصون عربية. وضواحي هذه البلدة ناضرة
بهيجة.