من انتسب إلى وشقة من أهل العلم
خالد بن أيوب أبو عبد السلام، محدث من أهل وشقة. ذكره ابن يونس ونقل ذلك ابن عميرة.
وأبو الحزم خلف بن عيسى بن سعيد الخير، المعروف بابن أبي درهم القاضي من أهل مدينة وشقة، محدث له رحلة، قال الحميدي: ورأيت في نسبه زيادة بخط ابن ابنه القاضي أبي عبد الله يحيى بن القاضي أبي الإصبغ عيسى ابن القاضي ابن الحزم خلف بن عيسى بن سعيد الخير بن أبي درهم بن وليد بن ينفع بن عبد الله التجيبي، سمع بالأندلس أبا عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى بن يحيى، وأبا بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز، وأبا زكريا يحيى بن سليمان بن هلال بن بطرة، وبمصر من أبي محمد الحسن بن رشيق وطبقته. روى عنه أبو الوليد هشام بن سعيد الخير بن فتحون الكاتب، حدّث عنه بالموطأ رواية يحيى بن يحيى. ذكره ابن عميرة.
وأبو عثمان سعد بن سعيد بن كثير المرادي محدث، وشقي، سمع من محمد بن يوسف بن مطروح وطبقته، مات في صفر سنة ٣٠٦. ذكره ابن عميرة، وكان ابنه سعيد أيضًا من أهل العلم. وصالح بن محمد المرادي أبو محمد يعرف بابن الوركاني، وشقي محدّث، مات بالأندلس سنة ٣٠٢، ذكره ابن عميرة.
وعبد الله بن حسن بن السندي، وشقي، توفي سنة ٣٣٥، عن ابن عميرة.
وعبد الله بن وهب، وشقي محدث، مات سنة ٣٠١. عن ابن عميرة.
وأبو المطرف عبد الرحمن بن إبراهيم بن عجنس بن أسباط الزيادي، من أهل وشقة، مات سنة ٣١٤، عن ابن عميرة.
وعبد السلام بن وليد، ولي قضاء وشقة في أيام الأمير الحكم بن هشام الأموي، قال ابن عميرة: ذكره ابن يونس.
وأبو عثمان بن محمد، من أهل وشقة، مات سنة ٣٠٧، ذكره ابن عميرة.
وهشام بن سعيد الخير بن فتحون، أبو الوليد الكاتب، قال الحميدي: أظن أصله من وشقة، محدّث جليل، سمع بالأندلس، ورحل إلى الحج، فسمع بطريقه في القيروان، وبمصر، وبمكة، من جماعة، ورجع إلى الأندلس، فحدّث بها، وسمعنا منه. فمن شيوخه بالأندلس القاضي أبو الحزم خلف بن عيسى بن سعيد الخير الوشقي، المعروف بابن أبي درهم، وأبو مهدي عبد الله بن أحمد بن فترى. ومن شيوخه بالقيروان أبو عمران الفاسي، وأبو إسحاق المكناسي، وعتيق بن إبراهيم، وابن عياش الأنصاري، وابن الحوّاص. ومن شيوخه بمصر عبد الجبار بن عمر، وأبو العباس بن منير، وأحمد بن محمد بن الحاج الأشبيلي. ومن شيوخه بمكة أبو محمد بن فراس الأطروش، وأبو بكر ابن الأسفرائيني، وأبو العباس بن بندار الرازي، وأبو الحسن بن بندار القزويني، وأبو بكر بن الحسن الصقلي، وأبو محمد مكي بن عيسون، وأبو عبد الله محمد بن سهلان الواسطي. وكان أبو الوليد جميل الطريقة منقطعًا إلى الخير، مات بعد الثلاثين وأربعمائة.
وأبو عمر يوسف بن مروان بن عيشون المعافري، قال ابن عميرة: وهو وشقي، يروي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وطبقته، ويعرف أهل بيته بوشقه ببني المؤذن، مات بالأندلس سنة ٣٠٩. وأبو محمد عبد الله بن محمد بن غالب الواشقي القاضي، حدّث عن أبي هارون موسى بن هارون بن خلف بن أبي درهم، قال ابن الأبار في التكملة: قرأت ذلك بخط ابن الصيقل المرسي. وأبو محمد بن سعدون بن مجيب بن سعدون بن حسان التميمي الضرير، من أهل وشقة، سكن بلنسية، أخذ القراءات عن أبي المطرف بن الوراق، وأبي جعفر عبد الوهاب بن حكم الوشقي، وأبي القاسم خلف بن أفلح الأموي، وأبي داود المقرئ، وأبي الحسن بن الدوش، وتصدر للإقراء بجامع بلنسية، قال ابن الأبار: وكان من أهل التجويد والتعليل، والضبط والإتقان لهذا الشأن، مشاركًا في العربية، وكان يعلم بها، أخذ عنه أبو الربيع بن حوط الله، وأبو العطاء بن نذير، وأبو الوليد بن بسام اللاردي، وغيرهم، وقفت على ذلك، وتوفي قبل الأربعين وخمسمائة. وأبو المطرف عبد الرحمن بن موسى بن خلف بن عيسى بن سعيد الخير بن وليد بن ينفع بن أبي درهم التجيبي، روى عن أبيه أبي هارون وعن غيره، وولي قضاء بلده وشقة وراثة عن سلفه، حدّث، وأخذ عنه، قال ابن الأبار: وقفت على ذلك بتاريخ شوال من سنة إحدى وخمسمائة. وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن حيات الأنصاري المقرئ من أهل وشقة، نزل سرقسطة، يعرف بابن قرايش، أخذ القراءات عن أبي إسحاق بن دخنيل، وأبي داود المقرئ، وأبي الحسن بن الدوش، وأبي تمام القطيني، وتصدر للإقراء بسرقسطة، وكان مقرئًا ماهرًا، نحويًّا حافظًا، أخذ عنه أبو الطاهر الأشتركوي، وأبو مروان بن الصيقل. وأبو عمر البلجيطي، وغيرهم، قال ابن الأبار: وتوفي شهيدًا بسرقسطة، في الكائنة على أبي عبد الله بن الحاج المتوفى بها سنة ٥٠٣، وتسمى سنة المرج. قال: بعضه عن ابن حبيش، وسائره عن ابن عياد.
وأبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن قاسم التجيبي، من أهل وشقة، سكن المرية، أخذ القراءات بقرطبة عن أبي جعفر الخزرجي، وأخذ عن أبي القاسم بن النحاس قراءة نافع خاصة، وتصدر بجامع المرية للإقراء، وأخذ عنه الناس، ومن المختصين به أبو العباس البلنسي. قال ابن الأبار: لازمه إلى سنة ٥٢٧، وأخذ عنه أيضًا أبو محمد الشمنتي المقرئ، ذكر ذلك ابن عياد. وأبو مروان عبد الملك بن سلمة بن عبد الملك بن سلمة الأموي، مولاهم، من أهل وشقة، يعرف بابن الصيقل أخذ القراءات عن أبي المطرف بن الرزاق، وأبي زيد بن جهات، وأبي الحسن بن شفيع، وغيرهم.
ولقي أبا محمد بن عتاب، وأبا الوليد بن رشد، وأبا بحر الأسدي، وأبا الحسن بن الأخضر، وأبا عبد الله الموروري، وأبا علي الصدفي، وأبا بكر بن العربي، وأبا عبد الله بن الحاج، وأبا القاسم بن ثابت، قاضي سرقسطة، وأبا محمد الركلي، وأبا محمد البطليوسي، وغيرهم. وأجاز له بعضهم. وقال أبو عبد الله بن عياد: له إجازة من ابن عتّاب، وابن رشد، وأبي بحر، ولم ينص على سماعه منهم. قال ابن الأبار: وهو صحيح. وتصدر ببلنسية لإقراء القرآن والنحو والأدب سنين جملة، وكان مشاركًا في فنون، فقيهًا، أديبًا، فصيحًا، مع الضبط والإتقان. حدث عنه أبو عمر بن عياد وأبو جعفر بن نصرون، وأبو بكر بن هذيل، وشيخنا أبو عبد الله بن نوح وغيرهم، وتوفي بالمرية، منصرفه من العدوة سنة ٥٤٠. وصارت كتبه ببلنسية، وأمواله بالمرية، لبيت المال.
وأبو يونس عبد العزيز بن زكريا بن حيون، كان من العناية بالعلم، قال ابن الأبار: ولم تكن له رحلة، وتوفي سنة ٣٢٠. ذكره ابن حارث، وذكر ابن الفرضي أباه زكريا بن حيون. وأبو هارون موسى بن خلف بن عيسى بن أبي درهم التجيبي، قاضي وشقة، سمع أباه، وأبا عمرو السفاقسي وحج في سنة ٤٠٧، فسمع من أبي عبد الملك البوني كتابه شرح الموطأ، وسمع بالقيروان صحيح البخاري من أبي عمران الفاسي، وأجاز له جماعة. وهو من بيت قضاء وجلالة، حدّث عنه ابناه أبو موسى هارون، وأبو المطرف عبد الرحمن، وابن أخته صاحب الأحكام بسرقسطة، أبو الحزم خلف بن محمد العبدري، وحدّث عنه سنة ٤٤٥. عن ابن الأبار. وأبو الحزم خلف بن مسعود بن موسى من أهل وشقة، يعرف بابن الجلاد، حدّث عن أبي العاصي حكم بن إبراهيم المرادي، ومسعود بن سعيد السرقسطي، وحكم بن محمد السالمي وغيرهم. حدّث عنه بالإجازة أبو هارون موسى بن خلف بن أبي درهم. وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد، يعرف بابن الأبار، روى عن أبيه إسماعيل الوشقي، وعن عبد الله بن حسن السندي، وعن زكريا بن النداف، وغيرهم. وكان من أهل الفقه والحديث. قال ابن الأبار القضاعي: سمع منه أبو الحزم بن أبي درهم، وحدّث عنه بالمدونة، وغيرها. ذكر ذلك أبو الوليد الباجي وسواه. وأبو عبد الله محمد بن موسى بن خلف الوشقي، منها. أخذ عن أبي داود المقرئ، ورحل حاجًّا فلقي ابن الفحّام، وأخذ عنه وقفل إلى الأندلس، فأوطن الش، وتولى الصلاة والخطبة بجامعها، وكان بها يقرئ القرآن، وكف بصره بآخرة من عمره، وتوفي قبل الثلاثين وخمسمائة، عن ابن الأبار. وأبو الأحوص معن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن صمادح التجيبي، والي المرية، ودارهم وشقة. كان أميرًا مرضي السيرة، عدلًا، باسطًا للحق، بريئًا من الدماء وأموال الناس. وقلد ذلك القضاة وأصحاب الشورى، فما أفتوه به أنفذه بواسطة صاحب الشرطة. وكان ذا حظ من العلم. وقد روى عن أبيه أبي يحيى مختصره لغريب القرآن، الواقع في تفسير الطبري الكبير.
ذكر ذلك أبو محمد بن عبيد الله في برنامجه وقال: وقال الحسن بن أبي الحسن: حدّثوا عن الأشراف، فإنهم لا يرضون أن يدنسوا شرفهم بالكذب ولا بالخيانة. قال ابن الأبار القضاعي في التكملة: وتوفي أبو الأحوص هذا بالمرية سنة ٤٤٣. وأبو بكر أحمد بن سليمان بن محمد بن أبي سليمان قاضي وشقة، روى بالمشرق عن أبي القاسم بن عبد الرحمن بن الحسن الشافعي، وأبي ذر الهروي، وغيرهما. حدّث عنه أبو بكر محمد بن هشام المصحفي، وسمع منه، وأثنى عليه. قاله ابن بشكوال في الصلة.
وكثير بن خلف بن كثير الوشقي، منها روى عن أبي عبد الله بن عيشون، سمع منه سنة ٣٦٤، قاله ابن بشكوال. وأبو عيسى لب بن هود بن لب بن سليمان الجذامي، رحل من وشقة إلى المشرق، ودخل بغداد، وسمع بها مع القاضي أبي علي الصدفي على الشيوخ، وصحبه هناك، قاله ابن بشكوال. وهارون بن موسى بن خلف بن عيسى بن أبي درهم، تقدمت ترجمة أبيه أبي هارون موسى، سمع من أبيه، ومن أبي محمد الشنتجالي، وحيّون بن خطّاب، وغيرهم، واستوطن دانية، وكان قاضيًا بها، وخطيبًا بجامعها، قال ابن بشكوال: وكانت له معرفة بالأحكام وعقد الشروط وتوفي سنة ٤٨٤ أو نحوها. وأبو عبد الله يحيى بن عيسى بن خلف بن أبي درهم، سمع من خاله موسى بن عيسى، ومن أبي الوليد الباجي، وكان أبو علي بن سكرة يحسن الثناء عليه، قاله ابن بشكوال. وسعيد بن يحيى الخشّاب، محدّث وشقي، مات بالأندلس سنة ٣١٨. وأبو الحسن علي بن غالب بن محمد بن غالب، من أهل وشقة، له رحلة إلى المشرق، استوطن طرطوشة، وولي الخطبة بجامعها، وتوفي سنة ٥٢٠ وكان من أهل العلم والفضل. وأبو إسحاق إبراهيم بن دختيل المقرئ، من أهل وشقة، سكن سرقسطة، روى عن أبي عمرو عثمان بن سعيد المقرئ، قال ابن بشكوال: وكان رجلًا فاضلًا، جيد التعليم، حسن الفهم، أخبرنا عنه غير واحد من شيوخنا، توفي بسرقسطة في حدود السبعين والأربعمائة. ومحمد بن سليمان بن تليد، قاضي وشقة وتولى القضاء بسرقسطة أيضًا، يروي عن محمد بن العتبي، وعن محمد بن يوسف بن مطروح الربعي، مات بالأندلس سنة ٢٩٥.
•••
قلنا إن ما ذكره ياقوت في معجمه عن خلف بن سويف المقري وجدناه منقولًا بالحرف تقريبًا عن الصلة لابن بشكوال، لا يختلف إلا في قول ابن بشكوال إن وفاة خلف كانت لعشر خلون من رمضان، وإنه مات بالطاعون. وأما يوسف بن عمر بن أيوب التجيبي، فكذلك مترجم في الصلة لابن بشكوال. وإنما يقول في الصلة إن كنيته أبو عمر، وأنه روى بقرطبة عن أبي زكريا بن قطرة، ويقول إن له رحلة إلى المشرق، سمع فيها من أبي الحسن بن رشيق بمصر وغيره. ولكنه يزيد على ذلك بقوله: حدّث عنه الصاحبان، وتوفي بعدهما بأندة سنة ٤٠٨، وحدّث عنه أيضًا أبو عمرو المقري. فظهر لنا أن ياقوت نقل عن أبي طاهر السلفي قوله إنه سكن الإسكندرية لأن السلفي كان هناك، كما لا يخفى.
وأما فاجعة بربشتر التي مع جميع ما حصل بالإسلام من الفجائع لم يوجد أشق منها، فقد ذكرها ابن عذارى في البيان المغرب فقال: إن جيش الأردامانيين (؟) نزلوا عليها، وجدّوا في قتالها وحصارها جدًّا عظيمًا، فكان أهلها يقاتلونهم خارج مدينتهم، وذلك في سنة ست وخمسين وأربعمائة.
وكان الماء يأتيها في سرب تحت الأرض من النهر حتى يدخل إليها فيخترقها، فخرج رجل من القصبة إلى الروم ودلهم عليه، فساروا إليه وهدموه وحالوا بينه وبين الاتصال بفم السرب، فعدم أهلها الماء، ولم يكن لهم صبر على العطش، فراسلوا الروم في أن يسلموهم في أنفسهم وذراريهم ويسلموا إليهم البلد، فأبى الروم من ذلك فجالدهم المسلمون إلى أن دخل الروم عليهم عنوة، فقتلوا المقاتلة، وسبوا الحريم والذرية وحصلوا منها على أموال جليلة، فكان أشد الرزايا بهذه الجزيرة، وحصل بأيدي الروم من نساء أهل بربشتر وذريتهم قرب المائة ألف، حصل من ذلك في سهم رئيسهم اللعين أربعة آلاف نسمة، اختارهن أبكارًا من الثمانية أعوام إلى العشرة فأهدى منهن لملكه ما شاء. وكان هذا اللعين يسمى بالبطيبين؟ وذكر أنه حصل في سهمه أخزاه الله، من أوقار الأطعمة والحلي والكسوة خمسمائة حمل. وكان الخطب في هذه المدينة أعظم ما يوصف، لأن الحال كان آل بهم إلى أن ألقوا بأيديهم بسبب الظمأ، وخرجوا من المدينة، وانتشروا في بسيط من الأرض. فلما رأى الطاغية، ضاعف الله عذابه، كثرتهم وانتشارهم، خاف أن تدركهم حمية، في استنقاذ أنفسهم فأمر ببذل السيف فيهم، وبعضهم ينظر إلى بعض من رجال ونساء. فقيل إنه قتل منهم يومئذ نحو ستة آلاف، ثم نادى برفع السيف عنهم، وأمر بخروجهم عن المدينة بالأهل والذرية، فبادروا الخروج منها مزدحمين على أبوابها، فمات في ازدحامهم خلق كثير.
ولما عرض جميع من خرج عن المدينة بفناء بابها، بعد قتل من قتل منهم ظلوا قيامًا ذاهلين منتظرين نزول القضاء بهم، ثم نودي فيهم بأن يرجع كل ذي دار إلى داره بأهله وولده، وأزعجوا لذلك، ولما استقروا بالدور مع عيالهم وذرياتهم اقتسمهم المشركون، فكل من صارت في حصته دار حازها وما فيها من أهل وولد ومال، فحكم كل علج منهم في من سلط عليه من أرباب الدور، بحسب ما يبتليه الله به منه، يأخذ كل ما أظهره له، ويعذبه فيما أخفى عنه. وربما زهقت نفس المسلم دون ذلك فاستراح، وربما أنظره أجله إلى أسوأ من مقامه ذلك، لأن عداة الله كانوا يومئذ يهتكون حريم أسراهم وبناتهم بحضرتهم، إبلاغًا في نكايتهم (إلى أن يقول) فبلغ الكفرة يومئذ منهم ما لا تلحقه الصفة، والحول والقوة لله العظيم.
فلما استولى الروم على هذه المدينة المشئومة ترك فيها اللعين ألف فارس، وأربعة آلاف راجل، ورحل منها إلى بلاده. ولم يكن للنصارى قبل هذه الفعلة مثلها في بلاد المسلمين.
فلما رأى ابن هود هذا الأمر نادى بالنفر للجهاد في سائر بلاد المسلمين، فحميت نفوس أهل الإسلام، وجاءه منهم خلق عظيم لا يحصى عدده، ذكر أنه وصل من سائر بلاد الأندلس ستة آلاف من الرماة العقّارة، فنازلوا مدينة بربشتر وتأهبوا لقتال من ورد عليهم من الكفار، فلما عاين الكفار قوة المسلمين وكثرة حماتهم ورماتهم أغلقوا أبوابهم، وتركوا حربهم، وعظم عليهم أمرهم، فأمر ابن هود المقتدر بالله بالنقب لسورها، وأمر الرماة أن ينقبوا السور، لئلا يمنع الكفرة النقابة من النقب. فكان الروم لا يخرجون أيديهم من فوق السور، فنقبوا شقة كبيرة، ودعموا السور وأطلقوا النار في الدعائم، فوقعت تلك الشقة واقتحم المسلمون البلد. ولما عاين الروم ذلك خرجوا من ناحية أخرى على باب آخر فاتبعهم المسلمون يقتلونهم كيف شاءوا، ولم ينج منهم إلا اليسير ممن تأخر أجلهم، وسبوا كل ما كان فيها من عيالهم وأبنائهم وقتل من أعداء الله نحو ألف فارس، وخمسة آلاف راجل، ولم يصب من جماعة المسلمين إلا نحو الخمسين، فاستولى المسلمون على المدينة، وغسلوها من رجس الشرك، وجلوها من صدأ الإفك.
قال البكري: أدخل منها سرقسطة نحو ألف سبية، ونحو ألف فارس، ونحو ألف درع، وأموال وأثاث، وكان أخذها في جمادى الأولى من سنة سبع وخمسين وأربعمائة، فكان بين دخول الروم إليها وعودها للمسلمين سنة كاملة، وشاع لابن هود صنيع في بلاد المسلمين لهذا الفتح الذي اتفق على يديه. انتهى ما قاله ابن عذارى عن فاجعة بربشتر، وانتقام المسلمين لها.
ونقل المقري في النفح عن ابن حيان ما يلي قال: وكان تغلب العدو، خذله الله تعالى، على بربشتر، قصبة بلد برطانية، وهي تقرب من سرقسطة، سنة ست وخمسين وأربعمائة، وذلك أن جيش الأردمليش نازلها وحاصرها، وقصّر يوسف بن سليمان بن هود في حمايتها، ووكل أهلها إلى نفوسهم، فأقام العدو عليها أربعين يومًا، ووقع ما بين أهلها تنازع في القوت لقلته، واتصل ذلك بالعدو، فشد القتال عليها والحصر لها، حتى دخل المدينة الأولى في خمسة آلاف مدّرع، فدهش الناس، وتحصنوا بالمدينة الداخلة، وجرت بينهم حروب شديدة، قتل فيها خمسمائة إفرنجي. ثم اتفق أن القناة التي كان الماء يجري فيها من النهر إلى المدينة تحت الأرض في سرب موزون انهارت، وفسدت، ووقعت فيها صخرة عظيمة سدت السرب بأسره، فانقطع الماء عن المدينة. ويئس من بها من الحياة، فلاذوا بطلب الأمان على أنفسهم خاصةً، دون مال وعيال، فأعطاهم العدو الأمان، فلما خرجوا نكث بهم وغدر، وقتل الجميع إلا القائد ابن الطويل، والقاضي ابن عيسى، في نفر من الوجوه، وحصل للعدو من الأموال والأمتعة ما لا يحصى، حتى إن الذي خص بعض مقدمي العدو لحصته، وهو قائد خيل رومة، نحو ألف وخمسمائة جارية أبكارًا، ومن أوقار الأمتعة والحلي والكسوة خمسمائة جمل. وقدّر من قتل وأسر مائة ألف نفس. وقيل خمسون ألف نفس.
ومن نوادر ما جرى على هذه المدينة لما فسدت القناة، وانقطعت المياه، أن المرأة كانت تقف على السور وتنادي من يقرب منها أن يعطيها جرعة ماء لنفسها، أو لولدها فيقول لها أعطيني ما معك، فتعطيه ما معها من كسوة وحلي وغيره.
قال: وكان السبب في قتلهم أنه خاف ممن يصل لنجدتهم، وشاهد من كثرتهم ما هاله، فشرع في القتل، لعنه الله تعالى، حتى قتل منهم نيفًا على ستة آلاف، ثم نادى الملك بتأمين من بقي، وأمر أن يخرجوا، فازدحموا في الباب إلى أن مات منهم خلق عظيم، ونزلوا من الأسوار في الحبال، للخشية من الازدحام في الأبواب، ومبادرة إلى شرب الماء.
وكان قد تحيّز في وسط المدينة قدر سبعمائة نفس من الوجوه، وحاروا في نفوسهم وانتظروا ما ينزل بهم، فلما خلت ممن أسر وقتل، وأخرج من الأبواب والأسوار، وهلك في الزحمة، نودي في تلك البقية بأن يبادر كل منهم إلى داره بأهله وله الأمان وأرهقوا وأزعجوا، فلما حصل كل واحد منهم بمن معه من أهله في منزله، اقتسمهم الإفرنج، لعنهم الله تعالى، بأمر الملك، وأخذ كل واحد منهم دارًا بمن فيها من أهلها، نعوذ بالله تعالى.
وكان من أهل المدينة جماعة قد عاذوا برءوس الجبال، وتحصنوا بمواضع منيعة، وكادوا يهلكون من العطش، فأمنهم الملك على نفوسهم وبرزوا في صور الهلكى من العطش، فأطلق سبيلهم، فبينما هم في الطريق، إذ لقيهم خيل الكفر ممن لم يشهد الحادثة فقتلوهم إلا القليل ممن نجا بأجله. قال: وكان الإفرنج، لعنهم الله تعالى، لما استولوا على أهل المدينة (وذكر أمورًا هنا أمسكنا عن نقلها لأنها مما تنفطر له الكبود وتقشعر الجلود) وجرى من هذه الأحوال ما لم يشهد المسلمون مثله قط في ما مضى من الزمان، ولما عزم ملك الروم على القفول إلى بلده، تخيّر من بنات المسلمين الجواري الأبكار والثيبات ذوات الجمال، ومن صبيانهم الحسان ألوفًا عدة، حملهم معه ليهديهم إلى من فوقه، وترك من رابطة خيله ببربشطر ألفًا وخمسمائة، ومن الرجال ألفين.
قال ابن حيان: وأختم هذه الأخبار الموقظة لقلوب أولي الألباب بنادرة يكتفى باعتبارها عما سواها، وهي أن بعض تجار اليهود جاء بربشتر بعد الحادثة، ملتمسًا فدية بنات بعض الوجوه، ممن نجا من أهلها، حصلن في سهم قومس من الرابطة فيها كان يعرفه. قال: فهديت إلى منزله فيها. واستأذنت عليه، فوجدته جالسًا مكان رب الدار، مستويًا على فراشه، رافلا في نفيس ثيابه، والمجلس والسرير كما خلقهما ربهما يوم محنته، لم يغير شيئًا من رياشهما وزينتهما، ووصائفه مضمومات الشعور، قائمات على رأسه، ساعيات في خدمته. فرحب بي وسألني عن قصدي، فعرفته وجهه، وأشرت إلى وفور ما أبذله في بعض اللواتي على رأسه، وفيهن كانت حاجتي فتبسم وقال بلسانه: ما أسرع ما طمعت في من عرضناه لك! أعرض عمن هنا، وتعرض لمن شئت ممن سيّرته لحصني، من سبي وأسراي، من أقاربك في من شئت منهم. فقلت له: أما الدخول إلى الحصن فلا رأي لي فيه، وبقربك أنست، وفي كنفك اطمأننت، فسمني ببعض من هنا؛ فإني أصير إلى رغبتك، فقال: وما عندك؟ قلت: العين الكثير الطيب، والبز الرفيع الغريب. فقال: كأنك تشهّيني ما ليس عندي! يا باجه — ينادي بعض أولئك الوصائف، يريد يا بهجة، فغيّره بعجمته — قومي فأعرضي عليه ما في ذلك الصندوق. فقامت إليه، وأقبلت ببدر الدنانير، وأكياس الدراهم، وأسفاط الحلي، فكشفت، وجعلت بين يدي العلج، حتى كادت تواري شخصه، ثم قال لها: أدني إلينا من تلك التخوت، فأدنت منه عدة من قطع الوشي والخز والديباج الفاخر، مما حار له ناظري، وبهت، واسترذلت ما عندي. ثم قال لي: لقد كثر هذا عندي حتى ما ألذ به. ثم حلف بإلهه: إنه لو لم يكن عندي شيء من هذا ثم بذل لي بأجمعه في ثمن تلك، ما سخت بها يدي، فهي ابنة صاحب المنزل، وله حسب في قومه، اصطفيتها لمزيد جمالها لولادتي، حسبما كان قومًا يصنعون بنسائنا نحن، أيام دولتهم، وقد ردت لنا الكرة عليهم، فصرنا في ما تراه، وأزيدك بأن تلك الخود الناعمة — وأشار إلى جارية أخرى قائمة إلى الناحية — مغنية والدها، التي كانت تشدو له على نشوائه، إلى أن أيقظناه من نومائه. يا فلانة، يناديها بلكنته: خذي عودك فغني زائرنا بشجوك. قال: فأخذت العود وقعدت تسويه وإني لأتأمل دمعها يقطر على خدها، فتسارق العلج مسحه، واندفعت تغني بشعر ما فهمته أنا، فضلًا عن العلج، فصار من الغريب أن حث شربه عليه، وأظهر الطرب منه. فلما يئست مما عنده، قمت منطلقًا عنه، وارتدت لتجارتي سواه، واطلعت لكثرة ما لدى القوم من السبي والمغنم على ما طال عجبي به، فهذا فيه مقنع لمن تدبره، وتذكر لمن تذكره!
قال ابن حيان: قد أشفينا بشرح هذه الحالة الفادحة، على مصائب جليلة مؤذنة بوشك القلعة، طالما حذر أسلافنا لحاقها، بما احتملوه عمن قبلهم من إثارة، ولا شك عند ذوي الألباب أن ذلك مما دهانا من داء التقاطع، وقد أمرنا بالتواصل والألفة، فأصبحنا من استشعار ذلك، والتمادي عليه على شفا جرب، يؤدي إلى التهلكة لا محالة. انتهى ببعض اختصار.
قال المقري: وذكر بعده كلامًا في ذم أهل ذلك الزمان، من أهل الأندلس، وأنهم يعللون أنفسهم بالباطل، وأن من أدل الدلائل على جهلهم اغترارهم بزمانهم، وبعدهم عن طاعة خالقهم، ورفضهم وصية نبيهم، وغفلتهم عن سد ثغورهم، حتى أطل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم، يجوس خلال ديارهم، ويستقري بسائط بقاعهم، ويقطع كل يوم طرفًا، ويبيد أمة، ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا، صموت عن ذكرهم، لهاة عن بثهم، ما إن يسمع عندنا بمسجد من مساجدنا، أو محفل من محافلنا، مذكر لهم أو داع، فضلًا عن نافر إليهم، أو ماش لهم، حتى كأنهم ليسوا منا، أو كأن بثقهم ليس بمفض إلينا، وقد بخلنا عليهم بالدعاء، بخلنا بالعناء، عجائب فاتت التقدير، ولله عاقبة الأمور وإليه المصير. انتهى.
قال المقري: ولقد صدق ابن حيان رحمه الله تعالى، فإن البثق سرى إليهم جميعًا كما ستراه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونقل المقري عن ابن حيان أيضًا في هذه الفادحة ما يلي: أن بربشتر هذه تناسختها قرون المسلمين، منذ ثلاثمائة وثلاث وستين سنة، من عند الفتوح الإسلامية بجزيرة الأندلس، فرسخ فيها الإيمان، وتدورس القرآن، إلى أن طرق الناعي بها قرطبتنا صدر رمضان من العام، فصك الأسماع، وأطار الأفئدة، وزلزل أرض الأندلس قاطبة، وصير لكل شغلًا يشغل الناس في التحدث به، والتساؤل عنه، والتصور لحلول مثله أيامًا، لم يفارقوا فيها عاداتهم من استبعاد الوجل، والاغترار بالأمل، والاستناد إلى أمراء الفرقة الهمل، الذين هم منهم ما بين فشل ووكل، يصدونهم عن سواء السبيل، ويلبسون عليهم وضوح الدليل. ولم تزل آفة الناس منذ خلقوا في صنفين، هم كالملح فيهم: الأمراء والفقهاء، بصلاحهم يصلحون، وبفسادهم يفسدون، فقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا بما لا كفاية له، ولا مخلص منه.
فالأمراء القاسطون قد نكبوا عن نهج الطريق، زيالا عن الجماعة، وجريًا إلى الفرقة. والفقهاء أئمتهم صموت عنهم، صدوف عما أكده الله تعالى عليهم، من التبيين لهم، قد أصبحوا ما بين آكل من حلوائهم، وخابط في أهوائهم، وبين مستشعر مخافتهم، آخذ في التقية من صدقهم. وأولئك هم الأقلون فيهم. فما القول في أرض فسد ملحها، الذي هو مصلح لجميع أغذيتها، وما هي إلا مشفية على بوارها. ولقد طما العجب من أفعال هؤلاء الأمراء! لم يكن عندهم لهذه الحادثة إلا الفزع لحفر الخنادق وتعلية الأسوار، وشد الأركان، وتوثيق البنيان، كاشفين لعدوهم عن السَّوْأة السُّوأَى من إلقائهم يومئذ بأيديهم إليه أمورًا قبيحات الصور، مؤذنات الصدور بإعجاز الغير
انتهى باختصار.
ثم قال ابن حيان: فلما كان عقب جمادى الأولى سنة ٥٧ شاع الخبر بقرطبة برجوع المسلمين إليها — أي إلى بربشتر — وذلك أن أحمد المقتدر بن هود المفرط فيها والمتهم على أهلها، لانحرافهم إلى أخيه، صمد لها مع إمداد الخليفة عباد، وسعى لإصمات سوء المقالة عنه، وقد كتب الله تعالى عليه ما لا يمحوه إلا عفوه، فتأهب لقصد بربشتر في جموع من المسلمين، فجالدوا الكفار بها جلادًا ارتاب منه كل جبان، وأعز الله سبحانه أهل الحفيظة والشجعان، وحمي الوطيس بينهم إلى أن نصر الله تعالى أولياءه وخذل أعداءه، وولوا الأدبار مقتحمين أبواب المدينة، فاقتحمها المسلمون عليهم، وملكوها أجمعين، إلا من فر من مكان الوقعة، ولم يدخل المدينة، فأجيل السيف في الكافرين واستؤصلوا أجمعين، إلا من استرق من أصاغرهم، وفدي من أعاظمهم، وسبوا جميع من كان فيها من عيالهم وأبنائهم، ومسكوا المدينة بقدرة الخالق البارئ، وأصيب في منحة النصر المتاح، طائفة من حماة المسلمين الجادين في نصر الدين، نحو الخمسين، كتب الله تعالى شهادتهم وقتل فئة من أعداء الله الكافرين نحو ألف فارس وخمسة آلاف راجل فغسلها المسلمون من رجس الشرك وجلوها من صدأ الإفك. انتهى.
ومن أكبر عوامل تقهقر المسلمين فساد أخلاق أمرائهم بنوع خاص، وظن هؤلاء، إلا من رحم ربك، أن الأمة خلقت لهم، وأن لهم أن يفعلوا بها ما يشاءون، وقد رسخ فيهم هذا الفكر حتى إذا حاول محاول أن يقيمهم على الجادة بطشوا به عبرة لغيره، وجاء العلماء المتزلفون لأولئك الأمراء، المتقلبون في نعمائهم، الضاربون بالملاعق في حلوائهم وأفتوا لهم بجواز قتل ذلك الناصح، بحجة أنه شق عصا الطاعة، وخرج عن الجماعة. وقد عهد الإسلام إلى العلماء بتقويم أود الأمراء، وكانوا في الدول الإسلامية الفاضلة بمثابة المجالس النيابية في هذا العصر، يسيطرون على الأمة، ويسددون خطوات الملك ويرفعون أصواتهم عند طغيان الدولة، ويهيبون بالخليفة فمن بعده إلى الصواب، وهكذا كانت تستقيم الأمور، لأن أكثر أولئك العلماء كانوا متحققين بالزهد، متحلين بالورع، متخلين عن حظوظ الدنيا، لا يهمهم أغضب ذلك الملك الجبار أم رضي؟ فكان الخلائف والملوك يرهبونهم، ويخشون مخالفتهم، بما يعلمون من انقياد العامة لهم، واعتقاد الأمة بهم. إلا أنه بمرور الأيام، خلف من بعد هؤلاء خلف اتخذوا العلم مهنة للتعيش، وجعلوا الدين مصيدة للدنيا، فسوغوا للفاسقين من الأمراء أشنع موبقاتهم، وأباحوا لهم باسم الدين خرق حدود الدين. هذا والعامة المساكين مخدوعون بعظمة عمائم هؤلاء العلماء، وعلوا مناصبهم، يظنون فتياهم صحيحة، وآراءهم موافقة للشريعة، والفساد بذلك يعظم ومصالح الأمة تذهب، والإسلام يتقهقر، والعدو يعلو ويتنمر، وكل هذا إثمه في رقاب هؤلاء العلماء. ا.ﻫ.
وقد وضع الأستاذ فقيد الإسلام صاحب المنار رحمه الله حاشية على هذه الجملة قال فيها: وفينا هذه المسألة حقها في المنار، وأهمه مقالة في المجلد التاسع عنوانها «حال المسلمين في العالمين ودعوة العلماء إلى نصيحة الأمراء والسلاطين» أنحينا فيها بالّائمة على علماء هذا العصر في تقصيرهم عن نصيحة الملوك والأمراء. ا.ﻫ.
على أن فقهاء الأندلس برغم كل ما ثبت عنهم من التقصير في إقامة أمرائهم على الطريق المستقيم، لا ننكر أنه ضاق ذرعهم أخيرًا بفتن ملوك الطوائف التي كان من ورائها تقلص الإسلام شيئًا فشيئًا، فراسلوا المرابطين ومن بعدهم الموحدين، في بر العدوة حتى أجازوا إلى الأندلس المرة بعد المرة وكانت مواقفهم في جهاد النصارى هي السبب في نسيئة أجل الإسلام في تلك البلاد مدة مائتين إلى ثلاثمائة سنة.
ومما يجب الانتباه إليه بمناسبة حادثة بربشتر هو العمران الزائد الذي وصلت إليه لذلك العهد أسبانية الإسلامية، فأنت ترى أنهم عدلوا سبي تلك البلدة بمائة نسمة أو بخمسين ألفًا، ولا شك في أن أهلها لم يكونوا أجمعين من جملة السبي. والحال أن بربشتر لم تكن إلا مدينة من الدرجة الثالثة بالكثير في مدن الأندلس، أي من المدن التي رافائيل بلستر أحصاها بثلاثمائة مدينة في أسبانية المسلمة. فلا هي من الحواضر الكبرى، ولا هي في الثمانين مدينة المعمورة جدًّا، بل هي في القصاب التي تأتي في الدرجة الثالثة، ومع هذا فقد رأيت ما كان من عدد أهلها، وما ظهر من عظمة ثروتهم وسبوغ نعمتهم، وفي حكاية التاجر اليهودي الذي ذهب لفكاك السبايا ما فيه كفاية.
ولقد ذكرنا أن بربشتر هي من أعمال بريطانية أو برطانية في شرقي الأندلس وبرطانية يقول لها الأسبان بولطانية باللام، وهي إلى الشمال من بربشتر، وإلى الشمال الشرقي من وشقه. وقد نقلنا عن ياقوت في المعجم أنها مدينة كبيرة بالأندلس، يتصل عملها بعمل لادرة، وكانت سدًّا بين المسلمين والروم، ولها مدن وحصون، وفي أهلها جلادة وممانعة للعدو، وهي في شرقي الأندلس اغتصبها الإفرنج فهي اليوم في أيديهم. ا.ﻫ.
وكانت قشب من الحصون المعروفة عند العرب، وينسب إلى قشب من العلماء أبو الحسن نفيس بن عبد الخالق بن محمد الهاشمي القشبي المقرئ، لقيه السلفي بالإسكندرية، وحج ورجع إلى الأندلس، وذكر السلفي أنه قرأ عليه قبل رجوعه إليها. وقد تقدم ذكره.