مراسلات سلطانية
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
والفدية التي افتكوا بها، وحكمنا عليهم بغرمها للنصراني الذي أوصلهم، هي اثنان وخمسون دينارًا من الذهب العين، سواء بينهما، فعرفناكم بذلك، بعد الوقوف على عقود الفدية بذلك، ومعاد السلام يراجع سلامكم كثيرًا أثيرا. وفي تاريخه.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم وعلى آله وسلم تسليما.
مولاي السلطان الأجل المكرم المعظم المرفع المبرور، الأوفى المشكور، الشهير الكبير الخطير، دون الفونشه، ملك أراغون، وسلطان بلنسية، وسردانية وقمط برجلونة وصل الله إعزازه بتقواه، وأسعده بطاعته ورضاه، معظم جانبه، مجل سلطانه، الباذل في خدمته جهد إمكانه، الشاكر لنعمه، العارف بسمو مملكته، علي بن كماشة، كتب إليكم من باب مولانا، أيده الله، بحمراء غرناطة، حرسها الله، وليس بفضل الله سبحانه، ثم بنعمة مولاي، أدام الله أيامه، إلا الخير الأتم، واليسر الأعم، وعن التعظيم لمملكتكم، والمسارعة لخدمتكم، والشكر لنعمتكم، وإلى هذا وصل صحبة معظم ملككم، رسولكم وخديمكم: المكرم ريمون بيل إلى حضرة مولانا، أيده الله، وحضر بين يديه، وأدى رسالته، وأظهر من حسن آدابه ومقاصده في خدمتكم، ما هو اللائق بأمثاله، ممن تربى، في داركم، ونشأ في خدامكم، واستحسن مولاي أيده الله، وقصده في ذلك، وجدد من مودتكم وصحبتكم ما تقفون على شرحه في كتابه إليكم، وأما معظّم جانبكم، فعمل في خدمتكم ما يجب عليه، وألقيت لمولانا أيده الله، ما لكم فيه من المحبة، والمودة وشكرها لكم أتم الشكر، وعملت أيضًا في خدمة ولدكم مولاي المعظم، دون بطره الكبير أسعده الله بطاعته، ما يجب، وقد كتب له مولاي، أيده الله، كتابًا بالصحبة والمودة، ومن خديمكم ريمون المذكور تتعرفون ما عملت في ذلك كله، ومنه تتعرفون أيضًا جميع الأخبار، وكرامة مولاي، أيده الله له، وعنايته به، ومما أعرف به سلطانكم أني كنت طلبت من إنعامكم كسوة من لباسكم، وأخبرني الزعيم المكرم برناط شرمي، أنكم أصدرتم أمركم بذلك، وأنعمتم به ومعظّم جانبكم ينتظر ذلك، وأخبرني أيضًا أنكم أمرتم لي ببازي، وأنا أنتظر ذلك أيضًا، وأذكركم (هنا كلمات لم تمكن قراءتها) ويصلكم يا مولاي القوسان اللذان قلت لكم عنهما صحبة رسولكم، ريمون بيل المذكور، وما أنا إلا خديمكم، ومقر بنعمتكم، فما كان بجانب سلطانكم أعمل فيه ما يجب عليه، والله سبحانه يصل أعزازكم بتقواه، ويسعدكم بطاعته ورضاه، والسلام يراجع سلام مولانا كثيرًا أثيرا. وكتب في اليوم الخامس عشر لذي حجة مختتم عام خمسة ثلاثين وسبعمائةا.ﻫ.
الحمد لله حق حمده. وصلواته على سيدنا ومولانا محمد نبيه وعبده.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم وآله وسلم تسليمًا.
السلطان الأجل الأكرم، المرفع المبرور المشكور، الأوفى الأخلص، دون بطره ملك أراغون وسلطان بلنسية وقرسقة، وسردانية، وقمط برجلونة، وصل الله عزته بتقواه، وأسعده بطاعته ورضاه، مكرم جانبه وشاكر مقاصده في الصحبة ومذاهبه الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين، أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر، سلطان غرناطة، ومالقة، والمرية، ووادي آش، وما إليها، وأمير المسلمين، أما بعد فإنا كتبناه إليكم من حمراء غرناطة، حرسها الله، عن الخير الأكمل، واليسر الأشمل والحمد لله كثيرًا، ونحن نعلم ما لكم في ملوك النصرانية من القدر المشهور، والوفاء المشكور، ونقابل جانبكم من الكرامة بالحظ الموفور، وقد وصلنا الكتاب الذي وجهتم إلينا، الذي يتضمن تثبيت العهد، وتوكيد الود، وتصحيح العقد، وإخلاص الصفاء، وتجديد الوفاء، فقابلنا ذلك بشكر نجده لمملكتكم، وإخلاص صادق في صحبتكم، ثم إنه بلغنا أن والدكم السلطان المرفع، دون الفونشو، مات، وأنكم ورثتم مملكته التي أنتم أحق بها، فرأينا أن وجهنا كتابنا هذا إليكم، نعزيكم في الوالد ونهنيكم بالملك، حسبما يقتضيه حق الصحبة التي بيننا، التي تأكد رسمها، ونعرفكم أننا ما عندنا إلا ما يرضيكم، من الاعتقاد فيكم، والحفظ لعهدكم، والشكر لقصدكم، فكونوا من ذلك على يقين، ومما نعركم به أن خديمنا بشقلين سريجه، كتب إلينا في أمور مما تخص جهتكم، وقد كتبنا إليه في جوابها ما تتعرفونه من قبله، فصدقوه فيما يلقيه عنا إليكم، واعلموا أنه لما وصلنا خبر موت والدكم كتبنا إلى بلادنا الشرقية كلها، أن لا سبيل لأن يتطرق لجهة أرضكم أحد بضرر، والله تعالى يصل عزتكم بتقواه، ويسعدكم برضاه، والسلام يراجع سلامكم كثيرًا أثيرًا، كتب في السابع والعشرين لجمادى الآخرة عام ستة وثلاثين وسبعمائة عرّف الله بركته ا.ﻫ.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم وعلى آله وصبحه وسلم تسليمًا.
السلطان الأجل، المرفع المكرم، المبرور المشكور، الأوفى، دون الفونشه، ملك أراغون، وسلطان بلنسية، وصاحب سردانية، وقرسقة، وقمط برجلونة، وصل الله عزته بتقواه، ويسّره لما يحبه ويرضاه، مكرم مملكته، وشاكر مودته، المثنى على صحبته، البر بجانبه، العارف بمقاصده في الملوك الأوفياء ومذاهبه، الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر، أما بعد، فإنا كتبناه إليكم من حمراء غرناطة، حرسها الله، وليس بفضل الله سبحانه إلا الخير الأكمل، واليسر الأشمل، والحمد لله كثيرًا. وجانبكم مبرور، ومذهبكم في الوفاء مشكور، ومنصبكم في الملوك معلوم مشهور، وإلى هذا فقد وصل كتابكم المبرور، في شأن الأشخاص الذين باعهم الجنويون بالمرية، وعرّفتم أنهم من أهل أرضكم. اعلموا أننا لو عرفنا أنهم من أهل أرضكم ما سمح في بيعهم ولوجّهناهم إليكم، على ما يوجبه الوفاء بالعهد فإننا ما عندنا إلا الوفاء بما عاهدناكم عليه، ولكن عند وصول كتابكم وجّهنا التفسير بأسمائهم إلى المرية، وأمرنا أن يبحث عنهم، ويسترجعوا من أيدي من هم عنده، ونحن نعمل في ذلك ما يوجبه الوفاء، وما يقتضيه اعتقادنا في صحبتكم بحول الله، فاعلموا ذلك، والله سبحانه يصل عزتكم بتقواه، ويسعدكم بطاعته ورضاه، والسلام يراجع سلامكم كثيرًا أثيرًا، وكتب في الموفي ثلاثين لشهر جمادى الآخرة عام خمسة وثلاثين وسبعمائة ا.ﻫ.
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
مولاي السلطان المعظم، الأجل المكرم، المرفع الأوفى الأشهر، المبرور المشكور، دون بطره، سلطان أرغون، وبلنسية، وسردانية، وقرسقة، وقمط برجلونة وصل الله عزته بتقواه، وأسعده بطاعته ورضاه، معظم ملككم الشهير الزكي، القائم لجانبكم المعظم، بموصول الثناء ومستمر الشكر، وزير السلطان رضوان بن عبد الله، كتبه إليكم من باب مولاه، أيده الله بحمراء غرناطة حرسها الله، ولا جديد بفضل الله سبحانه، ثم ببركة هذا الأمير الكريم، أيد الله سلطانه، إلا الخير العميم، والحمد لله، وعن العلم بما لكم من الملك المرفع الجانب، والشكر لما عندكم من الوفاء الذي حصلتم منه على أجل المواهب، واختصصتم منه بأكرم المذاهب، ووصل كتابكم المكرم، صحبة كتابكم إلى مولاي السلطان، أيده الله، بتجديد الصلح الذي كان بين أسلافه وأسلافكم، الذي عقد عليه بثقلين سريجة، وقد أنعم بكتب عقد عن مقامه، بنص العقد الذي وجّهتم، وعلى حسب فصوله، وما عنده، أيده الله، إلا الحفظ لعهدكم. والارتباط لصحبتكم، فكونوا من ذلك على يقين. واعلموا أنني لا أزال أعمل في توفية حفظ ذلك الصلح، وتكميل أموره، ما هو الواجب عليّ في خدمة مولاي، أيده الله، حتى تتمشى الأمور على ما يقتضيه الحق، ويوجبه الوفاء، وأما ما ذكرتم من اعتقادكم الجميل وكرامتكم، فذلك فضل منكم أشكركم عليه غاية الشكر، ومثلكم من الملوك الكبار من يصدر عنه قول الخير وفعله، والله تعالى يصل عزتكم بتقواه، ويسعدكم بطاعته ورضاه، والسلام يراجع سلامكم كثيرًا أثيرًا. كتب في اليوم الرابع لذي الحجة عام ستة ثلاثين وسبعمائة ا.ﻫ.
•••
كتب إلينا الأخ الحاج محمد العربي بنونة أن خط هذا الكتاب الأخير رديء جدًّا، وقال: «لا أدري كيف صدر من ديوان الحمراء» وقد أسفنا أن تكون أكثر الكتب السلطانية، التي اشتملت عليها تلك المجموعة، قد أكلتها الأرضة، وتنكر خطها، وتعذر ضبطها، وهيهات أن توجد لها مجموعة أخرى! وعلى كل حال لو اتصلت يدنا بنسخ جلية، لهذه الكتب السلطانية، البالغ عددها ستين كتابًا، في ما علمنا، لبادرنا إلى استنساخها، وإلحاقها بالطبعة الثانية من الحلة السندسية، لما في هذه المراسلات بين سلطنتي غرناطة وأراغون، من تمثيل الحالة التي على ما كانت عليه في القرن الثامن للهجرة، الموافق للقرن الرابع عشر للميلاد، وذلك بين المسلمين وجيرانهم المسيحيين من أهل أسبانية.
أما الملكان اللذان توجهت إليهما هذه الرسائل من سلطان غرناطة ووزرائه فهما الفونش الرابع، وولده بطره.
ولأجل أن يرتوي القارئ من تاريخ هذين الملكين، نعيد هنا ما كنا كتبناه في مختصر تاريخ أسبانية الملحق «بآخر بني سراج» صفحة ١٧٧ من الطبعة الثانية وهو:
ويفهم من قول المخزومي في تاريخ ميورقة، كون سبب أخذها من المسلمين أن أميرها في ذلك الوقت محمد بن علي بن موسى، احتاج إلى الخشب، فأنفذ طريدة بحرية، وقطعة حربية، إلى يابسة بأخذه، فعلم بذلك والي طرطوشة، فجهّز إليها من أخذها، فترصد محمد بعض مراكبهم وأخذها، فأجمع الروم على قتاله في عشرين ألفًا، وجهّزوا ستة عشر ألفًا في البحر، وكان لدى وصول الروم قد أمر الوالي صاحب شرطته أن يأتيه بأربعة من كبراء المصر، فضرب أعناقهم، فاجتمعت الرعية إلى أبي حفص بن سيري، وأخبروه بما نزل وعزوه في من قتل، وقالوا له: هذا أمر لا يطاق! وأصبح الوالي يوم الجمعة، منتصف شوال، والناس من خوفه في أهوال، ومن أمر العدو في إهمال، فأمر صاحب شرطته بإحضار خمسين من أهل الوجاهة والنعمة، فأحضرهم، وإذا بفارس على هيئة النذير دخل إلى الوالي، وأخبره بأن الروم قد أقبلت، وأنه عد فوق الأربعين من القلوع. وما فرغ من إعلامه حتى ورد آخر وقال: إن أسطول العدو قد تظاهر، وإنه عد سبعين شراعًا. فصح الأمر عند الوالي وأطلقهم واستنفرهم. ثم ورد الخبر بأن العدو قرب من البلد، فإنهم عدوا مائة وخمسين قلعًا، فأخرج الوالي جماعة تمنعهم من النزول.
•••
ثم نعود إلى خبر كتلونية وأراغون فنقول إنه في مدة جقوم هذا، فاتح الباليار خرجت بلنسية من أيدي المسلمين، وبعد ذلك اجتمع بقايا المسلمين في مملكة أراغون وثاروا، وأثخنوا في عدوهم إلا أن جقوم طردهم أخيرًا فانحاز أكثرهم إلى مملكة ابن الأحمر، وأجاز بعضهم إلى أفريقية.
وقد اشتهر جقوم هذا بحب الطلاق والزواج واتخاذ الحظايا، وبينما مطران جيرونه يوبخه مرة على استهتاره هذا، استشاط غضبًا، وأمر بقطع لسانه. واغتصب مرة امرأة أحد رعيته. وكانت وفاته في ٢٧ تموز سنة ١٢٧٦.
وبعد انصراف الفرنسيس استعاد بطره جيرونة، وحول نظره صوب أخيه جقوم الذي ظاهر عليه الغريب، فأرسل ولده الفونس إلى ميورقة بأسطول ليأخذها من يده، وتوفي بطره، وابنه الفونس يحاصرها، فلم يقلع حتى دخَلت في حوزته. وقام بأمر أراغون بعد أبيه. ومات هذا وخلفه أخوه جقوم ملك صقلية، فترك أمور هذه الجزيرة لوالدته، وجاء إلى أراغون متسلمًا زمامها، وأعاد ميورقة على عمه جقوم. ثم تولى صقلية أخوه فردريك، وتزوج بابنة شارل دونابل، وولد له منها خمسة ذكور: جقَوم، والفونس، وبطره، ورامون وخطب لابنه البكر جقوم الدونة ليونورة القشتالية، وبينما كانوا يعقدون له عليها إذ عدل عن الزواج زاعمًا أن أباه أجبره عليه، وإنه هو يريد الترهب والتبتل، وأسقط حقه من وراثة الملك، ودخل في سلك الرهبان، وقضى الناس من ذلك العجب، لما كان عليه من الانغماس في اللذات والاسترسال إلى الشهوات، فولي العهد أخوه الفونس، وصار جوان أخوهما مطران طليطلة، وأخذ كل من الأخوين الباقيين إقطاعًا باسمه
ثم مات جقوم الثاني في برشلونة، في ٢ نوفمبر سنة ١٣٢٧، وخلفه ولي عهده الفونش الرابع، فتزوج هذا مرتين، وولد له من إحدى امرأتيه الدون بطره ولي عهده فلما مات سنة ١٣٣٦ وقع النزاع بين ولده بطره، وبين امرأة أبيه، التي كانت أخت ملك قشتالة، فادعت أنه يريد انتزاع أملاك إخوته، أولادها، فكاد الخلاف بسبب ذلك يتسع بين قشتالة وأراغوان، لولا ما جمعهما من كلمة الحرب المقدسة ضد المسلمين لعهد السلطان أبي الحسن المريني، صاحب المغرب.
وبعد وقعة طريف وانتقاض بطره من عوارض تلك الحرب أخذ يحاول انتزاع ميورقة من يد صهره جقوم.
قيل إن السبب في ذلك أن الدون بطره كان متوجهًا إلى افينيون، لزيارة البابا ومعه الدون جقوم راكبًا بجانبه، فلما صارا على مقربة من البلدة، وقد حفت بهما حاشيتهما، رأى سائس حصان الدون جقوم، أن سائس حصان الدون بطرُه، يحث مسير حصان مولاه، فلطمه ليشتد، ويمكنه اللحاق به، فأبصر ذلك الملك واغتاظ من ابن عمه لسكوته وإغضائه على حركة سائسه، فوقرت في صدره، وانتهز الفرصة لتجريده من مملكته ميورقة، في خلف وقع بين جقوم وبين ملك فرنسا من أجل مونبليه. فزحفت عساكر فرنسا لأخذها، فبعث جقوم إلى ابن عمه بالصريخ، فلم يجبه. ثم نقم عليه أمورًا، منها أنه يحاول الاستقلال، وأنه ضرب السكة باسمه. وأخيرًا أعلن خلعه من ولاية الجزر، فاستغاث جقوم بالبابا، فأرسله البابا إلى برشلونة نزيلًا عند بطره، ومستميحًا عفوه، فعندما حصل عنده ضبط عليه امرأته التي هي أخت بطره، وسرحه، فلحق جقوم بميورقة، وقد نادى بحرب بطره، والانفصال عنه، وكان أسطول بطره في رباط المسلمين بالجزيرة الخضراء، فاسترجعه منها، ونزل به على ميورقة، ففر جقوم إلى فرنسا، وبقي في نزاع مع ابن عمه بطره إلى أن باع أخيرًا بعض أملاكه من ملك فرنسا، وجهز بثمنها ثلاثة آلاف ماش، وثلاثمائة فارس، وركب بها البحر، طامعًا في استرداد جزيرته ميورقة فقابله واليها من قبل بطره بجيوش أوفر مرارًا من جيشه، وهزمه، فهلك في الهزيمة.
وما انتهى بطره من خطب جقوم ابن عمه، حتى ثارت معه مسألة أخرى مع أخيه المسمى أيضًا بجقوم، وذلك بسبب انتقال الملك، فإن بطره لم يكن له أولاد ذكور، فأراد العهد لابنته، والحال أن أخاه كان يطالب بهذا الحق فانشقت المملكة بهذا السبب إلى قسمين، ونشبت الحرب بينهما، وقام جمهور من الرؤساء على الملك وفي أثنائها توفي أخوه جقوم، فاتهم بطره بكونه سمه، فازدادت الثورة، وزحف الملك إلى الرعية الثائرة فجرت عدة وقائع سالت فيها الدماء غزارًا، وغدر بطره بالرؤساء الذين استسلموا إليه، وأرهق مدن مملكته حصرًا وعسرًا، إلى أن تمت له الغلبة، ثم بسبب مراكب استولى عليها أمير البحر عنده، رغم إرادة بطره ملك قشتالة، وقعت الحرب بينهما وانضم إلى أراغون الأمراء الذين كان بطره القشتالي قد آسفهم، وما وضعت تلك الحرب أوزارها حتى اصطلت الثانية، ثم الثالثة.
وهلك بطره الأراغوني سنة ١٣٨٧، بعد أن ملك نيفًا وخمسين سنة، وكان سفاكًا للدماء، غدّارًا، غدر بأهله وإخوته، وأهرق سيولًا من الدم، حتى لقب بالحنجري. وتزوج بأربع نساء الأولى دونه مارية ابنة ملك نباره، ماتت سنة ١٣٤٦ والثانية دونة ليوليورة ابنة ملك البرتغال، وماتت هذه بعد تلك بسنتين بالطاعون الذي عم جنوبي أوروبا، وشمالي أفريقية، وهو الذي يسميه ابن خلدون بالطاعون الجارف، خرَّب كثيرًا من ديار الشرق والغرب، ثم اقترن الدون بطره بليولورة أخت ملك صقلية، وماتت سنة ١٣٧٤، وقد ولدت منه ثلاثة ذكور، وابنة واحدة فاقترن بامرأته الرابعة، سيبيله فورسيه، كانت أرملة، بارعة في الجمال، وكان أوانئذ قد بلغ هو الحادية والستين، فملكت قلبه وأعطاها قياده، وأقطعها من أملاك التاج الملكي، فاعترضه ولي عهده جوان، وهو ابنه من امرأته الثالثة، ووقع النزاع، وانتهى بتحكيم أحد القضاة.
وفي أواخر مدة هذا الملك وقع النزاع الشهير بين البابا وأوروبان السادس، والبابا كليمان السابع، وأخذ كل منهما يحرم الآخر، وانقسمت ممالك أوروبا في شأنهما إلى شطرين: قفرلة وقشتالة ولبارة، ونابولي قامت بدعوة كليمان، وإنجلترة والبرتغال وأراغون، قامت بدعوة أوروبان، إلا أن أراغوان مالت فيما بعد إلى كليمان.
وبعد وفاة بطره قام ابنه جوان الأول وفي الحال قبض على سيبيلية امرأة أبيه وعلى أخيها وأعوانها، وابتزها الأملاك التي كان أبوه وهبها إياها، وسلمها إلى امرأته دونة «فيولنته» واعتنى بتزويج دون مارتين ابن أخيه بابنة عمه فردريك، ملك صقلية التي كان آل إليها إرث تلك الإمارة بعد وفاة والدها، وكان جوان مولعًا بالشعر والموسيقى والصيد، مهملًا الجد من الأمور، حتى أصبح قصره عبارة عن عكاظ شعراء، ومجتمع مغنين، لا يسمع فيه إلا إيقاع أو إنشاد، فقام أعيان البلاد، وطلبوا منه إقصاء حظيته دونه «كاروزة» لاتهامهم إياها بترغيبه في ما هو فيه من العبث فانقاد إلى إرادتهم، خوف انتقاضهم، وتوفي جوان في الصيد بكبوة جواد تردَّى به في غابة، وهو يطلب ذئبًا فخلفه أخوه الدون مرتين، لأن جوان لم يعش له غلام من صلبه. فنازعه في الملك آل فواكس، فغيهم عليه واستوثق له الأمر، وتزوج بالدونة مارية. فولد له منها أربعة أولاد، توفي منهم ثلاثة دون البلوغ، وبقي الواحد وهو الدون مرتين متوَّج صقلية، فمات هذا في غزاة بسردانية عام ١٤٠٩، ولم يعش له ولد، على كونه تزوج مرتين، نعم كان له أولاد من حظاياه، فعند وفاته انقرضت ذرية الذكور الشرعيين من البيت المالك، وتنازع حقوق الوراثة خمسة أمراء: الدون، فادويك، ولد مارتين من إحدى حظاياه. وكونت أورجل، ابن عم مارتين في الدرجة الخامسة، ودوق كالابرة، ابن الدونة فيولنتة، بنت جوان الأول. ثم فرديناند القشتالي، الملقب عندهم بالرشيد، وهو ابن جوان الأول القشتالي، والدونة ليونوره اخت الدون مرتين ملك صقلية، الذي بموته انقطعت السلالة، فهو إذن ابن أخت الملك الشرعي، فكان أقرب المتنازعين إلى الحق في هذا العرش، وكان كذلك كونت أورجل بمكانه من الكلالة لأنه من نفس بيت الملك.
وربما كان لهذا الكونت «أو الكنداو القمط» في مملكة أراغون الشيعة الكبرى، إلا أنه لم يحسن طلب حقه، وجمع العساكر، فأخذت تعبث في البلاد مما أحال عنه القلوب إلى فرديناند، فانتخبوه ملكًا في ٣ سبتمبر سنة ١٤١٢، وقبض على كونت أورجل وسجنه، واستتب له الأمر. إلا أنه في سنة ١٤١٦ مات، وخلفه بكر أولاده الفونش الخامس، فاتح نابولي. ثم مات هذا سنة ١٤٥٨ عن غير ولد، فانتقل الملك إلى أخيه جوان، الذي كان تزوج بابنة شارل النبيل، وبواسطتها ملك بلاد نيارة.
وولد لجوان هذا، فرديناند الملقب بالكاثوليكي، فملك أراغون ونبارة معًا، وتزوج بايزابيلاّ ملكة قشتالة، فصارت هذه الممالك الثلاث مملكة واحدة، عادت في حالة من اجتماع الكلمة، ووفرة العديد، وغزارة المادة، بحيث قضت على الملك الأخير الباقي الذي كان بالأندلس للمسلمين. ا.ﻫ.
علمنا من هنا أن ملك أراغون الذي كان يخاطبه يوسف بن أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر، سلطان غرناطة، هو بطره الرابع الذي تولى من سنة ١٣٣٦ إلى سنة ١٣٨٧، وقبله كانت المراسلة مع والده الفونش، وهو الفونش الرابع. وأما سلطان غرناطة الذي صدرت عنه هذه الكتب، فهو يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر الخزرجي الأنصاري، ترجمة لسان الدين بن الخطيب في كتابه «اللمحة البدرية في الدولة النصرية» بقوله:
بدر الملوك، وزين الأمراء، كان أبيض أزهر أيدًا، مليح القد، جميل الصفات برّاق الثنايا، أنجل، رجل الشعر، أسوده، كث اللحية، وسيمًا، عذب الكلام، عظيم الحلاوة، يفضل الناس بحسن المرأى، وجمال الهيئة، كما يفضلهم مقامًا ورتبة، وافر العقل كثير الهيبة، إلى ثقوب الذهن، وبعد الغور، والتفطن للمعاريض، والتبريز في كثير من الصنائع العملية، مائلًا إلى الهدنة، مزجيًا للأمور، كلفًا بالمباني والأثواب، جمَّاعة للحلي والذخيرة، مستميلًا لمعاصريه من الملوك.
تولى الملك بعد أخيه بوادي السقائين من ظاهر الخضراء، يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي الحجة، عام أربعة وثلاثين وسبعمائة، وسنه إذ ذاك خمسة عشر عامًا، وثمانية أشهر، واستقل بعد بالملك، واضطلع بالأعباء، وتملأ الهدنة ما شاء، وعظم مرائه لمباشرة الألقاب، ومطالعة الرسوم، فجاء نسيج وحده. ثم عانى شدائد العدو، فكرم يوم الوقيعة العظمى بظاهر طريف موقفه، وحَمد بعد منازلة الطاغية عند الجثوم على البلاد ضيرُه، فأفلت من مكبدة العدو التي تخطاها أجلُه وأوهن حبلها سعدُه.
ولما نفذ في الجزيرة القدر، وأسفت الأندلس، سدّد الأمور، وامتسك الإسلام على يده، وراخى مخنّق الشدة بسعيه، فعرَفت الملوك رجاحته، وأثنت على قصده إلى حين وفاته.
كان له من الذكور ثلاثة: محمد، ولي الأمر من بعده. وإسماعيل المتوثب عليه ومزعجه عن الأندلس، عند التغلب عليه، والثورة به، من ثقاف جواره. وقيس شقيق إسماعيل منهما.
تولى وزارته لأول أمره كبير الأكرة، ونبيه المشيخة بحضرته، إبراهيم بن عبد البر العريض المكسب، اليمين العقار، لمخيلة طمع نشأت لمقيمي دولته، فيما بيده. إلى ثالث شهر المحرم من العام. وأنِفَ الخاصة والنبهاء رئاسته. فطلبوا من السلطان إعاضته. فعدل عنه إلى خاصة دولتهم الحاجب أبي النعيم، مظنة التسديد. ومحط الثقات، فاتصل نظره مستبدًّا عليه في تنفيذ الأمور وتقديم الولاة والعمال. وجواب المخاطبات. وتدبير الرعايا. وقود الجيوش.
وقد ذكر لسان الدين بن الخطيب من كان على عهد السلطان يوسف بن الأحمر المذكور من الملوك فقال: إنه كان بفاس السلطان المتناهي الجلالة، أبو الحسن على بن عثمان بن يعقوب بن عبيد الحق. وبتلمسان عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيان. وبتونس الأمير أبو يحيى بن الأمير أبي زكريا ابن الأمير أبي إسحاق ابن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص.
ومن ملوك النصارى بقشتالة الفونش بن هراندة بن شانجه بن الفونش بن هرانده وهو الذي هبت له الريح، وعظمت به في المسلمين النكاية، وتملك الخضراء، بعد أن أوقع بالمسلمين الوقيعة بطريف. وببرجلونة السلطان بطُره، وقال عن وفاته ما يلي: وافاه أمر الله جل جلاله أتم ما كان شبابًا، واعتدالًا وحسنًا، وفخامة، وعزة، من حيث لا يحتسب، فهجم عليه يوم عيد الفطر من عام خمسة وخمسين وسبعمائة في الركعة الأخيرة، رجل ممرور؛ رمى نفسه عليه، وطعنه بخنجر كان قد اتخذه، وأغرى بعلاجه، وصاح، وقُطعت الصلاة، وسُلت السيوف، وقبض على المرور، واستفهم، فتكلم بكلام مختلط، واحْتُمل إلى منزله مرفوعًا فوق رؤوسنا على الفوت، ولم يُسَتقرّ به إلا وقد قضى، رحمه الله، وأخرج ذلك الممرور للناس فمُزق، ثم أحرق في النار. ودفن السلطان عشية اليوم في مقبرة قصره، لصق أبيه، ووُلي أمره أكبر ولده ا.ﻫ.
وهذا بحث حقه أن يكون في أثناء الكلام على سلاطين غرناطة، مما سنصل إليه إن شاء الله، وإنما قد تعجَّلنا منه هذه القطعة لأجل التعريف بالسلطان الذي كانت قد صدرت عنه هذه المراسلات إلى ملوك أراغون وكتلونية. ولعل المراسلات الأخرى التي تعذرت قراءتها بتقادم عهدها، فيها ما هو صادر عن غيره من ملوك غرناطة إلى غير الفونش وبطُره من ملوك أراغون.
هوامش
ثم قال في حاله وصفته: كان هذا الرجل مليح الشيبة والهيئة معتدل القد والسحنة مرهوب البدن مقبول الصورة حسن الخلق واسع الصدر أصيل الرأي رزين العقل كثير التجمل عظيم الصبر قليل الخوف في العاهات ثابت القدم في الأزمات ميمون النقيبة عزيز النفس عالي الهمة بادي الحشمة آية في العفة مثلًا في النزاهة ملتزمًا للسنة دءوبًا على الجماعة جليس القبلة سديد الإدراك مع السكون الثاقب الذهن مع إظهار الغفلة مليح الرعاية مع الوقار والسكينة مستظهرًا لعيون التاريخ ذاكرًا للكثير من الفقه والحديث كثير الدالة على تصوير الأقاليم وأوضاع البلاد عارفًا بالسياسة مكرمًا للعلماء تاركًا للهوادة قليل التصنع نافرًا من أهل البدع متساوي الباطن والظاهر مقتصدًا في المطعم والملبس، اتفقوا على أنه لم يعاقر مسكرًا قط، ولا زُنّ بهناة ولا لطخ بريبة ولا وسم بخلة تقدح في منصب ولا باشر عقابًا غير جائز ولا أظهر شفاءً من غيظ ولا اكتسب من غير التجر.
ثم ذكر آثاره فقال: أحدث المدرسة بغرناطة ولم تكن بها بعد وسبب إليها الفوائد ووقف عليها الرباع المغلة وانفرد بمنقبتها فجاءت نسيجة وحدها بهجة وظرفًا وفخامة وجلب الماء الموقف فائد سقيه عليها وأدار السور الأعظم على الربض الكبير المنسوب للبيازين فانتظم منه النجد والغور في زمان قريب وشارف التمام إلى هذا العهد وبنى من الأبراج المنيفة في مثالم الثغور وردم مطالعها المنذرة ما ينيف على أربعين برجًا فهي مائلة كالنجوم ما بين البحر الشرقي من ثغر البيرة إلى الأحواز الغربية، وأجرى الماء بجبل هورور مهتديًا إلى ما خفي على من تقدمه.
وقال عن جهاده: غزا في السادس والعشرين من محرم عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة بجيش مدينة باغة، وهي ما هي من الشهرة وكرم البقعة، فأخذ بمخنقها وشد حصارها عنها، فتملكها عنوة وعمرها بالحامة ورتبها بالمرابطة، فكان الفتح فيها عظيمًا، وفي أوائل شهر المحرم من عام اثنتين وثلاثين وسبعمائة غزا بالجيش عدو المشرق، وطوى المراحل مجتازًا على بلاد قشتالة ولورقة ومرسية، وأمعن فيها ونازل حصن المدور، وهو حصن أمن غائلة العدو مكتنف بالبلاد موضوع على طية التجارة ونائبة القتال، فاستولى عنوة عليه منتصف المحرم من العام المذكور وآب مملوء الحقائب سبيًا وغنمًا.
وغزواته كثيرة كمظاهرة الأمير الشهير أبي مالك على منازلة جبل الفتح وما اشتهر عنه فيه من الجد والصبر وأثر عنه من المنقبة الدالة على صحة اليقين وصدق الجهاد أصابه سهم في ذراعه وهو يصلي فلم يشغله عن صلاته ولا حمله توقع الإعادة على إبطال عمله.
ثم ذكر ترتيب خدمته وما تخلل ذلك من محنته فقال: لما استوثق أمر الأمير المخصوص بتربيته محمد بن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر وقام بالأمر وكيل أبيه الفقيه أبو عبد الله محمد بن المحروق ووقع بينه وبين المترجم عهد على الوفاء والمناصحة لم يلبث أن نكبه وقبض عليه ليلة كذا من رجب عام ثمانية وعشرين وسبعمائة وبعثه ليلًا إلى مرسى المنكب واعتقله في الطبق من قصبتها بغيًا عليه وارتكب فيه أشنوعة أساءت به العامة وأنذرت باختلال الحال ثم أجازه البحر فاستقر بتلمسان ولم يلبث أن قتل المذكور وبادر سلطان الموتور بقريبه عن سرته استدعاءه فلحق بمحله من هضبة الملك متمليًا ما شاء من عز وعناية، فصرفت إليه المقاليد ونيطت به الأمور وأسلم إليه الملك وأطلقت يده في الحال واستمرت الأحوال إلى عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، وظهر من سلطانه التنكر عليه فعاجله الحمام فخلصه الله منه، وولي أخوه أبو الحجاج من بعده، فوقع الإجماع على اختياره للوزارة أوائل المحرم من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة، فرضي الكل به وفرحت العامة والخاصة للخطة لارتفاع المنافسات بمكانه، ورضي الأضداد بتوسطه وطابت النفوس بالأمن من غائلته، فتولى الوزارة وسحب أذيال الملك وانفرد بالأمر واجتهد في تنفيذ الأحكام وتقدم الولاة وجواب المخاطبات وقود الجيوش إلى ليلة الأحد الثاني والعشرين من رجب عام أربعين وسبعمائة، فنكبه الأمير المذكور نكبة ثقيلة البرك هائلة الفجأة من غير زلة مأثورة ولا سقطة معروفة، إلا ما لا يعدم بباب الملوك من شرور المنافسات ودبيب السعايات الكاذبة، وقبض عليه بين يدي محراب الجامع من الحمراء إثر صلاة المغرب، وقد شهر الرجال سيوفهم فوق رأسه يحفون به ويقودونه إلى بعض دور الحمراء، وكبس ثقات السلطان منزله فاستوعبوا ما اشتمل عليه من نعم وضم إلى المستخلص عقاره (المستخلص هو في الأندلس الملك الخاص بالسلطان) ثم نقل بعد أيام إلى قصبة المرية محمولًا على الظهر فشد بها اعتقاله ورتب الحرس عليه إلى أوائل ربيع الثاني من عام أحد وأربعين وسبعمائة، فبدا للسلطان في أمره واضطر إلى إعادته وفقد نصحه وأشفق لما عدم من أمانته وعرض عليه بالنوم الكف عن ضرره، فعفا عنه وأعاده إلى محله من الكرامة وصرف عليه من ماله ما فقد، وعرض عليه الوزارة فأباها واختار برد العافية وأنس لذة التخلي، فقدم لذلك من سد الثغور، فكان له اللفظ ولهذا الرجل المعنى، فلم يزل مفزعًا للرأي محلًّا للعظة كثير الأمل والغاشي، إلى أن توفي السلطان المذكور غرة شوال من عام خمسة وخمسين وسبعمائة، فأخذ البيعة لولده سلطاننا الأسعد أبي عبد الله وقام خير قيام بأمره، وقد تحكمت التجربة وعلت السن وزادت الخشية من لقاء الله الشفقة، فلا تسأل عما أفاض من عدل وبذل من مداراة، ودامت حاله متصلة على ما ذكر إلى أن لحق ربه، وقد علم الله أني لم يحملني على تقرير سيرته والإشادة بمنقبته داعية، وإنما هو قول بالحق وتسليم لحجة الفضل وعدل في الوصف والله عز وجل يقول: (وإذا قلتم فاعدلوا).
ثم قال عن وفاته: في ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من رمضان من عام ستين وسبعمائة طرق منزله بعد فراغه من إحياء ثلث الليل متبذل اللبسة خالص الطوية ممتطيًا للأمن مستشعرًا للعافية قائمًا على المسلمين بالكل حاملًا للعظيمة، وقد بادر الغادرون بسلطانه فكسروا علقه بعد طول معالجة ودخلوا عليه وقتلوه بين أهله وولده وذهبوا إلى الدائل برأسه، وفجعوا الإسلام بالسائس الخصيب المغاضي راكب متن الصبر ومطوق طوق النزاهة والعفاف، وآخر رجال الكمال والستر الضافي على الأندلس ولوئم من الغد بين رأسه وجسده ودفن بإزاء لحود مواليه من السبيكة (مقبرة ملوك بني الأحمر كانت بمحل يقال له السبيكة الحمراء) ظهرًا ولم يشهد جنازته إلا القليل من الناس وتبرك بعد بقبره وقلت عند الصلاة أخاطبه دون الجهر من القول لمكان التقية: