تقسيمات كتلونية الإدارية
تنقسم بلاد كتلونية إلى أربع مقاطعات: مقاطعة برشلونة، ومساحتها ٧٦٩٠ كيلومترًا مربعًا، وفيها مليون ومائة وخمسون ألفًا من السكان، وجيرونة، التي كان يقال لها في القديم جيرندة، ومساحتها ٥٨٦٥ كيلومترًا مربعًا، وعدد سكانها ثلاثمائة وعششرون ألف نسمة، ومقاطعة لاردة، ومساحتها ١٢١٥١ كيلومترًا مربعًا وعدد سكانها يقارب مائتين وتسعين ألفًا، وطرَّكونة ومساحتها ٦٤٩٠ كيلومترا مربعًا، وعدد سكانها نحو من ٣٤٠ ألفًا.
إن مدينة لاردة واقعة على وسط المسافة بين سَرَقُسطة وبرشلونة، وعدد سكانها اليوم ثلاثون ألف نسمة، وارتفاعها عن سطح البحر ١٩١ مترًا، وهي على الضفة اليمنى من وادي سيغر، الذي يقول له العرب وادي شيقر. ولاردة مدينة قديمة إيبيرية وكانت معروفة في زمن الرومان، وقد استولى عليها العرب في القرن الثامن للمسيح، بعد استيلائهم على سرقسطة، وكانت من مدن الثغر الأعلى. ولما انقسمت الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية استولى على لاردة بنو هود الجذاميون، أصحاب سرقسطة وعند وفاة المستعين بالله سليمان بن هود، خرجت في نصيب ولده يوسف، ثم استولى عليها أحمد الملقب بالمقتدر.
وقد ذكر لاردة ياقوت الحموي فقال: لاردة بالراء مكسورة، والدال مهملة: مدينة مشهورة بالأندلس، شرقي قرطبة، تتصل أعمالها بأعمال طرّكونة، منحرفة عن قرطبة إلى ناحية الجوف، ينسب إلى كورتها عدة مدن وحصون، تذكر في مواضعها وهي بيد الإفرنج الآن. ونهرها يقال له سيقر. ينسب إليها جماعة منهم أبو يحيى زكريا بن يحيى بن سعيد اللاردي، ويعرف بابن الندّاف، وكان إمامًا محدثًا، سُمع منه بالأندلس كثير، ذكره الفرضي ولم يذكر وفاته. ا.ﻫ.
وبقيت لاردة في أيدي العرب من سنة ٧١٣ إلى سنة ٧٩٩، إذ استولى عليها لويس الحليم، ملك فرنسا، ثم استرجعها المسلمون، ويقيت في أيديهم إلى أن سقطت بسقوط سرقسطة، في أوائل القرن السادس للهجرة. وكان أول ظهور بني هود في لاردة فقد غلب عليها سليمان بن محمد بن هود، وكان من كبار الجند بالثغر الأعلى إلى حين وقوع الفتنة الشاملة، فلما صار الأمر فوضى وثب سليمان المذكور على والي لاردة أبي المطرف التجيبي، وقتله واستولى على لاردة ومنتَشون ونواحيها وكان في سرقسطة أمير من التجيبيين يقال له منذر بن يحيى من قواد الدولة العامرية، فمات في أثناء الفتنة، فورث الإمارة ابنه يحيى بن منذر، وسنه فيما ذكر تسع عشرة سنة. وكانت أمه أخت المأمون يحيى بن ذي النون صاحب طليطلة، فاحتقره بنو عمه، وتواطئوا على قتله مع كبير منهم اسمه عبد الله بن حكيم، ثم قتلوه وولوا هذا الرجل أمرهم، ولكنه كان عاهر الفرج ساءت ملَكته فيهم فخلعوه، وبعثوا إلى سليمان بن هود، وهو بمدينة لاردة، ليأتي إلى سرقسطة ويلي الأمر، فجاء ونزل بدار الإمارة. وكان استيلاء ابن هود على لاردة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، واستيلاؤه على سرقسطة سنة ثمان وثلاثين.
ولما مات سليمان بن هود كان له خمسة أولاد ذكور، قد قسم عليهم البلاد في حياته فولي أحمد، ولده الثاني، مدينة سرقسطة، وولي يوسف ولده الأكبر، مدينة لاردة، وولي محمدًا قلعة أيوب، وولي لبًّا مدينة وشقة، وولي المنذر تطيلة.
إلا أن أحمد بن سليمان بعد وفاة أبيه صار يحتال على إخوته حتى أخرجهم من ولاياتهم، ولم يمتنع عليه إلا يوسف أمير لاردة، وكان هذا يلقب بحسام الدولة، ولما رأى الأهالي أعمال أحمد بن سليمان بن هود بأخوته كرهوه، ومالوا إلى أخيه يوسف وقاموا بدعوته وكان هذا بطلًا شهمًا، إلا أنه كان سيئ البخت، وكان أخوه أحمد خبيثًا على جانب عظيم من المكر فأرسل إلى الطاغية ابن ردمير يستعينه على أخيه، وكان يوسف قد أرسل إلى بلاد ابن ردمير ميرة كثيرة، فسرى أحمد برجاله من سرقسطة، وأخذ قوافل أخيه، وانهزم رجالها، فأخذهم النصارى أسرى، ثم جاع أهل تطيلة، فأرسلوا إلى يوسف يستغيثون به، فبعث إليهم بأرزاق كثيرة، فخرج أحمد وأخذ قوافل أخيه وما فيها من الميرة، وقتل رجالها، فلما رأى المسلمون في الثغر الأعلى ما رأوا من دهاء أحمد بن سليمان بن هود، ومن سوء بخت أخيه يوسف، خافوا على أنفسهم من أحمد، فأطاعوه، ولم يبق في حوزة يوسف سوى لاردة، وقد كانت هذه العداوة بين الأخوين هي السبب في فاجعة يَربُشتَر التي تقدم ذكرها.
وما زالت لاردة تابعة لسَرَقُسطة إلى أن استولى الإسبانيول على سرقسطة وانطوى بساط الثغر الأعلى.
وممن انتسب إلى لاردة من أهل العلم أبو محمد عبد الله بن هارون الأصبحي، الفقيه الشاعر، ترجمه ابن بشكوال وقال: ذكره لي أبو الحسن على بن أحمد العائذي وأنشد له أشعارًا أنشده إياها منها:
وترجمه أيضًا صاحب بغية الملتمس.
وعبد الملك بن غير الفارسي، محدث، من أهل لاردة، ذكره أبو سعيد بن يونس. جاء ذكره في بغية الملتمس. وأبو عبد العزيز عبد الرءوف بن عمر بن عبد العزيز أصله سَرَقُسطي، توفي بلاردة سنة ٣٠٨. وعبد العزيز بن عمر بن حبنون، من أهل مَنْتشُون، من عمل لاردة يكنى أبا يونس، سمع من أبي الوليد الباجي صحيح البخاري بسرقسطة سنة ٤٦٣، وولي الأحكام بمنتشون. نقل ذلك ابن الأبار في التكملة عن أبي داود المقرئ. وأبو محمد عبد الجبار بن مفرّج بن عبد الله الأنصاري من أهل لاردة، استوطن مرسية، سمع أبا الأصبغ عبد العزيز بن محمد البلشيدي الأموي، وكان شيخًا صالحًا، ولد سنة ٤٨٦، وتوفي حول سنة ٥٦٠، نقل ذلك ابن الأبار عن ابن عيّاد. وأبو محمد عبد الجبار بن خلف بن لب اللاردي، سكن بلنسية ودانية، وقرأ جميع البخاري في دانية على الباجي سنة ٤٥٢، وسمع من أبي العباس العذري، وأبي عمر بن عبد البر، وغيرهما، وأجاز له أبو عمر بن الحذّاء، وسمع منه أبو عبد الله بن خَلَصَة المعافري. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمّار بن محمد التيجي، من أهل لاردة، قال الأبار إنه رحل إلى بلنسية، على أثر استرجاعها من الروم، في منتصف رجب سنة ٤٩٨، فلقي فيها أبا داود المقرئ، وأخذ عنه القراءات السبع، ثم انصرف إلى بلدة لاردة، فأقرأ بها القرآن، وأخذ عنه. ورحل إلى مرسية صدر رجب سنة ٤٩٧، وتصدر بجامعها للإقراء، وأُخذ عنه وسَمِع حينئذ من أبي علي الصدفي الحديث، وانتقل بعد ذلك في آخر سنة ٥٠٣ إلى أوريوله، وخطب بجامعها، وتمادى إقراؤه بها إلى حين وفاته، في السادس والعشرين من رمضان سنة ٥١٩، ومولده في رمضان سنة ٤٧٧، فلم يطل عمره. نقل ذلك ابن الأبار من خط زياد بن الصفار، وهو أحد تلاميذه، أخذ عنه القراءات والعربية وقرأ عليه كتاب روضة المدارس، وبهجة المجالس، من تأليفه. وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن سعيد الأنصاري اللاردي، لقي أبا بكر الجزَّار السرقسطي، وغيره من الأدباء، قال ابن عيّاد: كان كثير الاختلاف إلى مجلس شيخنا أبي بكر بن غارة وكان فَكِه المجالسة، ليَّن الجانب، أديبًا ظريفًا أنشدنا لأبي بكر الجزار:
وتوفي ببلنسية في جمادى الأولى سنة ٥٥٩، وقد نيّف على الثمانين. وأبو الوليد يحيى بن سليمان بن حسين بن يوسف الأنصاري، قاضي لاردة، أصله من «شيَة» قرية هناك، خرج من لاردة سنة ٥٤٥. وأبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد التيجي الواعظ، من أهل لاردة، لقي أبا القاسم عبد الرحمن بن المشَّاط الطليطلي بمالقة سنة ٥٠٠ وكتب من أصله بخطه تأليفه المترجم «بكشف جمل من التعطيل، فحجج من الأثر والنظر والتنزيل» وهو جواب لرجل ورد من المشرق، يتكلم في خلق القرآن والنزول إلى السماء الدنيا، وأمثال ذلك، ذكره ابن الأبار. ويحيى بن محمد الأموي، أبو الوليد، المعروف بابن قبرون من أهل لاردة سكن شاطبة، وتولى قضاءها، وانتقل إلى بلنسية، فشاوره قاضيها. حدث عنه ابن عيّاد، وابناه محمد وأحمد، قال ابن الأبار استشهد في وقيعة البُرت سنة ٥٠٨. وأبو عبد الله محمد بن علي اللاردي، سكن قرطبة كانت له رحلة إلى الشرق حج فيها، ثم قفل فأقرأ القرآن بمسجد أم هشام بقرطبة. ومحمد بن أسلم اللاردي يروي عن يونس بن عبد الأعلى. وأبو عبد الله مالك بن معروف قيل إنه من ماردة، وقال الحميدي: الأرجح أنه من لاردة، يروي عن عبد الملك بن حبيب. مات سنة ٢٦٤، وغيرهم.
هذا، ومن حصون لاردة التي كانت معروفة في زمان العرب، منت شون، ذكره معجم البلدان فقال: إنه بالشين المعجمة، وآخره نون، حصن من حصون لاردة بالأندلس قديم، بينه وبين لاردة عشرة فراسخ وهو حصين جدًّا تمَلكه الإفرنج سنة ٤٨٢، انتهى. ومونشون اليوم بلدة صغيرة سكانها أربعة آلاف نسمة، وفيها كنيسة صان جوان، وأما الحصن القديم فهو على قمة شاهقة، وفيها بقايا حصن روماني على قمة أخرى. وتمريط على مسافة ١٥ كيلومترًا من مونشون.
هوامش
ومما يناسب ذكره هنا المعابر التي بين المنحدرين الجنوبي والشمالي من جبال البرانس. وهي التي يقال لها البورنات أي الأبواب، وأشهرها معبر سالدو Saldeu الوقع إلى الشرق والناس تعبره على الخيل مدة خمسة أو ستة أشهر من السنة، ثم معبر فونتارجنت Fontargente وهو أسهل سلوكًا من غيره وبالقرب منه بحيرة لطيفة. ثم معبر سيغوير Siguer وارتفاعه ٢٥٩٥ مترًا، وهو غير مسلوك مدة ثمانية أشهر من السنة. وإلى الشمال الغربي من البرانس ثلاثة معابر، وهي معبر رات Rat وعلوه ألفان وستمائة متر، ومعبر أريسال ومعبر بوية Bouet وارتفاعه ٢٦٦٠ مترًا.