الفصل الرابع

أُقليش

ومن أعمال طليطلة أيام العرب أُقليش، ذكرها ياقوت في المعجم فقال: بضم الهمزة، وسكون القاف، وكسر اللام وياء ساكنة، وشين معجمة: مدينة بالأندلس من أعمال شنت برية، وهى اليوم للإفرنج. وقال الحميدي: أقليش بليدة من أعمال طليطلة، ينسب إليها أبو العباس أحمد بن القاسم المقري الأقليشي.وأبو العباس أحمد بن معروف بن عيسى بن وكيل التجيبي الأقليشي. قال أحمد بن سِلفة.١ في معجم السفر: كان من أهل المعرفة باللغات، والأنحاء والعلوم الشرعية. ومن جملة أساتيذه أبو محمد بن السيد البطليوسي، وأبو الحسن بن سبيطة الداني، وأبو محمد القَلَنّي، وله شعر، وكان قد قدم علينا الإسكندرية سنة ٥٤٦، وقرأ علي كثيرًا، وتوجه إلى الحجاز، وبلغنا أنه توفي بمكة. ا.ﻫ.

وعبد الله بن يحيى التجيبي الأقليشي، أبو محمد، يعرف بابن الوحشي، أخذ بطليطلة عن المغامي المقرئ القراءة، وسمع بها الحديث، وله كتاب حسن في شرح الشهاب واختصر كتاب مشكل القرآن، لابن فورك. وتولى أحكام بلده في آخر عمره وتوفي سنة اثنتين وخمسمائة. ا.ﻫ.

قلنا: وممن ينسب إلى أقليش من العلماء خلف بن مسلمة بن عبد الغفور، كان قاضيًا في أقليش يكنى أبا القاسم روى بقرطبة عن أبي عمر بن الهندي، وأبي عبد الله ابن العطار، وأخذ عنها كتاب الوثائق من تأليفهما، وجمع كتابًا في الفقه سماه بالاستغناء. وأبو القاسم خلف بن مسعود بن أبي سرور، روى بقرطبة عن شيوخها وحدث عنه القاضي محمد بن خلف بن السقاط. وأبو محمد عبد الله بن يحيى التجيبي المعروف بابن الوحشي، الذي ذكره ياقوت في المعجم كما تقدم. وأبو الربيع هشام بن سليمان المقري، له كتاب في القراءات. وأبو العباس أحمد بن قاسم بن عيسى بن فرج بن عيسى اللخمي المقري الأقليشي سكن قرطبة.٢ وأبو العباس الأقليشي أحمد بن معد بن عيسى التجيبي الأندلس الداني. قال الحنبلي في شذرات الذهب. إنه مات سنة ٥٠٥، وسمع أبا الوليد ابن الدبَّاغ، وأخذ بمكة عن الكروخي، وكان زاهدًا عارفًا، وله شعر في الزهد، وتصانيف من جملتها كتاب المعجم. انتهى.

وكان والده أبو بكر معد بن عيسى بن وكيل التجيبي، نزيل دانية، من العلماء أيضًا، وقد حدث عنه ابنه المذكور، ذكر ذلك ابن الأبّار في التكملة. وأبو المطرف عبد الرحمن بن خلف التجيبي، روى عن أبي عثمان سعيد بن سالم المجريطي، ورحل حاجًّا سنة ٣٤٦. وبهلول بن فتح من أهل أقليش، له رحلة إلى المشرق حج فيها، وكان رجلا صالحًا. وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سليمان بن فتحون من أهل أقليش وقاضيها رحل إلى المشرق وحج، وسمع بمكة، من كريمة المروزية، وسمع بمصر من أبي إسحاق الحبّال، وأبي نصر الشيرازي، وأبي الحسن محمد بن مكي الأزدي، وكان سماعه منهم مع أبي عبد الله الحميدي سنة ٤٥٠، وكان خطيبًا محسنًا، استقضى بأقليش بلده، ثم أُعفي من القضاء، ثم دُعي إلى قضاء وَبذَى فأبى وعزم عليه في ذلك وجاءه أهل وَبذَى لهذا الغرض، وباتوا ليلتهم في أقليش، وتوفي أبو إسحاق في صبيحة تلك الليلة. وأبو إسحاق إبراهيم بن ثابت بن أخطل من أهل أقليش، سكن مصر، وكان دخوله إليها بعد سنة ٣٩٠ واستوطنها، وكان مقرئًا، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين بعد الأربعمائة. ا.ﻫ.

وينسب إلى بعض قرى أقليش حلالة بن حسن الفهري، ذو الوزارتين، يعرف بابن المديوني سكن سرقسطة وقونكة، ثم سكن غرناطة، وعلّم فيها النحو والأدب.

هوامش

(١) المراد بابن سلفة أبو طاهر السلفي الحافظ الشهير المحدث المنقطع النظير أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الحرواني، وحوران محلة بأصبهان. وسلفة بكسر المهملة لقب جده أحمد، ومعناه غليظ الشفة، أخذ عن أبي عبد الله الثقفي وأحمد بن عبد الغفار بن أشته، ومكي السلار، وخلق كثير بأصبهان، وحدث في بلده وهو ابن سبع عشرة سنة، ثم رحل إلى بغداد، وتفقه فيها بالكيا الهراسي، وأبي بكر الشاشي، ثم طاف في البلدان، فسمع من علمائها في زنجان وهمذان والري والدينور وقزوين وأذريبجان، هذا من بلاد العجم، وسمع بالحرمين والكوفة وبصرة والشام ومصر من بلاد العرب، وأتقن مذهب الشافعي، وبرع في الأدب، وجود القرآن بالروايات واستوطن الإسكندرية بضعًا وستين سنة، مكبًّا على المطالعة والنسخ وإقراء الحديث، وإذا قرأت تراجم الأندلس فلا تكاد تجد راحلًا من الأندلسيين إلى الشرق إلا وقد قيل عنه إنه سمع من أبي طاهر السلفي في الإسكندرية. ومما لا جدال فيه أنه لم يوجد من قضى عمرًا يساوي عمره في خدمة الحديث حتى كانوا يقولون عنه إنه مسند الدنيا، وقد جاء في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي أن أبا طاهر السلفي مكث نيفًا وثمانين سنة يسمع عليه، قال الذهبي: ولا أعلم أحدًا مثله في هذا. وقال ابن عساكر: سمع السلفي ممن لا يحصى قلت: وسمع منه عدد لا يحصى. وله كتاب ترجم فيه من لقيه. وأما من جهة سنه فيقول في شذرات الذهب إنه جاوز المائة بلا ريب. وإنما النزاع على مقدار الزيادة، وتزوج بالإسكندرية امرأة ذات يسار، وحصلت له ثروة بعد فقر، وصارت له بالإسكندرية وجاهة. وبنى له العادل علي بن إسحاق بن السلار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية وكانت وفاته رحمه الله يوم الجمعة بكرة خامس ربيع الآخر سنة ٥٧٦.
(٢) لأبي العباس هذا رحلة إلى المشرق دخل فيها بغداد، وسمع من أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن حبابة، وأبي حفص الكتاني، وسمع بمصر أبا الطيب بن غلبون، وطاهر بن غلبون، ورجع إلى الأندلس يقرأ بقرطبة في مسجد الغازي، وألف كتابًا في معاني القراءات، وحدث عنه أبو عمر بن عبد البر، والخولاني، والصاحبان، وأبو عبد الله بن عبد السلام، وكان رجلًا صالحًا فاضلًا، وانتقل في الفتنة من قرطبة إلى طليطلة، وأقرأ الناس بها إلى أن توفي في رجب سنة ٤١٠ عن سبع وأربعين سنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤