معارك متوالية … في الظلام
لم يمتد الطريق طويلًا، فبعد ربع ساعة من السير السريع بدأ الظلام، ولم يكن ذلك يعني أنَّ الليل قد هبط، ولكنَّه كان يعني أنَّ الطريق قد اختفى في بطن الجبل. توقف الشَّياطين لحظة، كانوا يحاولون أن يمدوا أنظارهم إلى داخل الجبل، الذي يبدو وكأنَّه الليل نفسه. همس «أحمد»: ينبغي أن تتقدم مجموعة وتنتظر الأخرى إشارة، حتَّى لا نقع جميعًا في مصيدة واحدة.
سكت لحظة، ثم أضاف: سوف أتقدم أنا و«باسم» وسوف نرسل إليكم.
تقدم «أحمد» وخلفه «باسم» في حذر، حتَّى اختفيا في ظلمة الجبل. فجأة هتف «باسم»: هناك ضوء في المقدمة!
بسرعة أرسل «أحمد» إشارة إلى المجموعة الأخرى حتَّى تتقدم، لكنَّه فجأة فكَّر: «هل من الممكن أن تكون هذه المعامل الهامة والسرية بلا حراسة!»
نظر إلى «باسم»، ثم طرح عليه نفس السؤال … ولم يُجب «باسم» مباشرة، فقد مرَّ بعض الوقت، ثم قال: هي فعلًا مسألة لافتة للنظر.
سكت لحظة، ثم سأل: هل تظن شيئًا؟
أجاب «أحمد» على الفور: أظن أنَّ هذا الصمت يعني أنَّهم في انتظارنا، وأنَّهم يتركوننا حتَّى نقع في أيديهم بسهولة!
كانت المجموعة الثانية قد انضمت إليهما، فطرح «أحمد» نفس السؤال، فقال «عثمان» على الفور: أعتقد أنَّهم يفعلون ما تفكر فيه فعلًا، ولكن هذه فرصة طيبة لنا.
سكت لحظة، ثم أضاف: أتصور أنَّهم يتركوننا حتَّى ندخل إليهم، ثم يُطْبقون علينا، وهذه هي الفرصة!
ابتسم «أحمد» لهذه الثقة الكبيرة في الشياطين، ثم قال: أخشى أنَّ ما سوف نقابله أكبر مما نظن أو نتصور!
قال «خالد»: التجربة هي التي سوف تثبت ذلك، ولا أظن أننا نقف في مكاننا حتَّى تدعونا العصابة إلى الدخول!
ابتسم الشياطين، وقال «رشيد»: هيا بنا. إنَّ بيننا وبين الحقيقة عدة خطوات، حتَّى تظهر كل الأمور!
تشابكت أيدي الشياطين في قوة وإصرار. وضع «أحمد» يده فوضع «عثمان» يده فوقها، ثم «خالد» ﻓ «رشيد» ﻓ «باسم»، وقالوا في صوت واحد هامس: الشياطين دائمًا في المقدمة!
ثم بدءوا التحرك. كان «أحمد» يقود المجموعة كلها. وكان الضوء الذي يظهر من بعيد هو دليلهم في التقدم. لم يكن يظهر شيء. مجرد طريق ممتد في بطن الجبل إلى مكان لا يعرفونه. فجأة تردد صوت خلفهم، التفتوا بسرعة، وكان ما لم يفكروا فيه. لقد نزلت بوابة حديدية من أعلى المكان فأغلقته خلفهم، ولم يعد في استطاعتهم العودة.
همس «أحمد»: لقد كنت أنتظر ذلك فعلًا!
ردَّ «عثمان»: يجب أن ننتظر ما هو أكثر!
وكان ما قاله «عثمان» حقيقة. فقد تردد صوت يقول: يحسُن أن تستسلموا بدلًا من استخدام العنف معكم!
نظر الشياطين إلى بعضهم، وهمس «أحمد» بلغة الشياطين: طبعًا لن نستسلم، فهم يخشَوْن أي انفجارات داخل المنطقة؛ لأنَّها مملوءة بالمواد الكيماوية، ونحن نستطيع أن نحكمهم بأي حركة يمكن أن نفعلها. إنَّ كرة دخان صغيرة يمكن أن تقلب المكان فزعًا!
ردَّ «خالد»: أعتقد أننا لو فعلنا ذلك فإنَّهم سوف يستخدمون معنا ما لا ننتظره، خصوصًا وأنَّ المنطقة التي نحن فيها لا تفيدنا كثيرًا.
قال «أحمد» بسرعة: هل تقترح أن نستسلم؟
أجاب «خالد»: أنا لم أقل ذلك، ولكن أقصد أن نستثيرهم فقط؛ حتَّى يتضح لنا ما يفكرون فيه!
قطع حديثهم نفس الصوت، ليقول مرة أخرى: ليس أمامكم شيء، إنَّ المكان مغلق، وهو محصن تحصينًا كاملًا، وأي حركة يمكن أن تكون ضدكم تمامًا.
سكت الصوت لحظة. فجأة، اندفع ضوء قوي في وجه الشياطين، حتَّى إنَّهم أغمضوا أعينهم بسرعة. في نفس الوقت، استطاع «أحمد» أن يلمح عددًا من الرجال يقتربون بسرعة، فهتف: استخدموا أقنعة الضوء!
قبل أن يصل رجال العصابة إلى الشياطين، كانوا قد لبسوا أقنعة مطاطية ضد الضوء، وهي أقنعة في لون البشرة تمامًا، حتَّى إنَّه يصبح من الصعب أن يكشفها أحد. في نفس الوقت ظلوا يمثلون انزعاجهم من الضوء، حتَّى يظن رجال العصابة أنَّهم لا يستطيعون فتح أعينهم، مندفعين في اتِّجاههم، ثم دارت المعركة. ضرب «أحمد» أول الرجال ضربة قوية، فاصطدم بالآخرين الذين فقدوا سيطرتهم على الحركة المتوازنة. في نفس الوقت، كان «عثمان» قد ضرب أقرب رجلين إليه، أحدهما يمينًا مستقيمة، والآخر يسارًا خطافية. أمَّا «خالد» فقد أسرع بإخراج مجموعة من العصي القصيرة، ثبتها في بعضها بسرعة، فأصبح كمَن يمسك عصا طويلة. وفي لمح البصر، كانت العصا تدور في الفضاء، في دائرة متسعة، فتُسقط كل مَن يلقاها. أمَّا «رشيد» فقد نام على الأرض، وضرب رجلين معًا، وهو يقفز وكأنَّه بهلوان في سيرك … كانت المعركة حامية تمامًا … فجأة انسحب الضوء، وغرق المكان في الظلام. غير أنَّ «أحمد» كان يمسك أحدهم من رقبته، في حين كان «خالد» يشتبك مع اثنين، أمَّا «عثمان» فقد كان لحظتها يتلقى ضربة قوية من أحدهم. وأوقف الظلام كل شيء، فقد تهاوى الرجل تحت ضغط يد «أحمد»، في حين تلقى الاثنان ضربات «خالد» واختفيا. غير أنَّ الشَّياطين كانوا يستطيعون رؤية بعضهم البعض؛ لأنَّهم يلبسون ملابس خاصة، تُعطي تأثيرًا يعرفونه.
همس «أحمد» بسرعة: لقد أظلموا المكان، عندما تفوقنا عليهم!
سكت لحظة، ثم قال: أريد أن أسمع كلمة تمام!
ردَّ «خالد»: تمام!
وردَّ «باسم»: تمام!
وردَّ «رشيد»: تمام!
ولم يتردد صوت «عثمان». همس «أحمد»: إنني لم أسمع صوت «عثمان».
ألقى بصره في المكان. كان «عثمان» مُكوَّمًا في جانب. قفز «أحمد» بسرعة إليه. كان يتأوَّه. فهمس «أحمد» في انزعاج: ماذا حدث؟
ردَّ «عثمان» في تعب: يبدو أنني اصطدمت بالجدار.
ثم قال: لقد كان عملاقًا، ويبدو أنَّ الظلام هو الذي أنقذني.
هزَّ رأسه عدة مرات، ثم أضاف: سوف أكون طبيعيًّا بعد قليل.
استند إلى ذراع «أحمد»، ثم وقف. فجأة، عاد الضوء من جديد، ولم يكن هناك شيء. همس «أحمد»، وكان بقية الشَّياطين قد اقتربوا: يبدو أنَّهم سوف يلاعبوننا بالضوء، لكنهم لا يعرفون سر الأقنعة التي نلبسها!
فجأة، انسحب الضوء مرة أخرى، غرق المكان في الظلام من جديد. همس «أحمد»: كونوا على حذر، فقد يفاجئنا شيء في الظلام.
تقدم الشَّياطين في هدوء، فهم يريدون أن يصلوا إلى منطقة المعامل. فجأة، ظهر ضوء قوي، قادم من بعيد. وتردد في المكان صوت موتور سيارة قادم. قال «رشيد» بسرعة: إنَّه صوت موتور سيارة كبيرة.
وأضاف «خالد»: قد تكون سيارة نقل.
قال «أحمد» بسرعة: سوف نتعامل معها، قبل أن تصل إلينا، قد تكون هي وسيلتهم للقضاء علينا.
بعد قليل، ظهرت السيارة، كانت تأتي مندفعة بسرعة رهيبة. أسرع «أحمد»، وأخرج مسدسه، الذي ينطلق بلا صوت، ثم صوَّب فوهة المسدس نحو إطار السيارة الأمامي. انتظر لحظة، كان يريد أن تقترب أكثر.
قال ﻟ «رشيد»: استخدم مسدسك مع الإطار الأيسر، وسوف أُطلق على الإطار الأيمن.
أسرع «رشيد»، ووقف هو الآخر في انتظار اللحظة المناسبة، بينما همس «أحمد»: سوف أعطيك الإشارة؛ حتَّى لا تطيش طلقتك. وسوف تكون كلمة «صفر»!
اقتربت السيارة أكثر … كانت أضواؤها تغمر المكان. عندما أصبحت على مسافة كافية، قال «أحمد» في إصرار: «صفر»!
ثم ضغط على الزناد. في نفس اللحظة التي فعل فيها «رشيد» نفس الشيء. وفي لمح البصر، كان صوت انفجار الإطارين مدويًا في المكان، ثم انحرفت السيارة يمينًا ويسارًا … فقدَ السائق قدرته على السيطرة على عجلة القيادة. كانت تتلوى كثعبان هائح. وكان الشَّياطين يقفون متحفزين؛ حتَّى لا تصيبهم.
التصق «عثمان» بالحائط، وفعل مثله «باسم» و«خالد». اقتربت السيارة منهم، حتَّى كادت أن تصدم بهم، ولكنَّها تجاوزتهم، ثم اصطدمت بقوة بالجدار. كما حدث الصوت الذي تردد في المكان بقوة، نزل الصمت بقوة أيضًا. وهدأ كل شيء.
نظر الشَّياطين إلى بعضهم، ثم قال «أحمد»: ينبغي أن نسرع؛ حتَّى لا تفاجئنا مصيبة أخرى!
أسرع الشَّياطين في الطريق إلى منطقة المعامل، كان الطريق ينحني عند كل مسافة وأخرى، وعند كل انحناء كان الشَّياطين يتوقفون … ثم يستطلعون المكان، حتَّى لا يفاجئهم شيء عند أي منحنى.
طال الطريق بهم، فقال «رشيد»: هل يمكن أن يكون الطريق بلا نهاية؟!
ردَّ «خالد»: هل يمكن أن تكون المعامل على الجانبين محفورة في الصخر مثلًا؟!
فجأة، رفع «أحمد» يده وهو يقول: توقفوا. إنَّ هناك شيئًا في الطريق!
توقف الشَّياطين بسرعة، ثم ظهرت معركة جديدة. عرف الشَّياطين أنَّها ستكون أكثر شراسة من معركتهم مع رجال العصابة، أو مع السيارة المجنونة.