الملك «بسمتيك الأوَّل»١
بسمتيك | واح-أب-رع |
تعد الأسرة التي تبتدئ بالملك «بسمتيك الأول» ابن الملك «نيكاو»، وتنتهي بالملك «بسمتيك الثالث» من الأسر التي نعرف تاريخها بصورة مرضية على وجه عام. وتحتوي هذه الأسرة على ستة ملوك حكموا جميعًا حوالي تسع وثلاثين ومائة سنة. ويبتدئ حكمها بالسنة الرابعة والستين والستمائة، وينتهي بالسنة الخامسة والعشرين والخمسمائة قبل الميلاد (٦٦٤–٥٢٥ق.م).
وقد كان بداية عهد «بسمتيك الأول» فاتحة عهد جديد في تاريخ مصر، وبداية حكم أسرة جديدة بلا نزاع.
إن أول عقبة تصادفنا في حياة «بسمتيك» هي: لماذا عُد مؤسس أسرة جديدة وهي الأسرة السادسة والعشرون، مع أنه من سلسلة أسرة ملوك متتابعين وهم ملوك الأسرة الرابعة والعشرين؟ وفي اعتقادي أن الجواب الشافي على ذلك هو أنه ابتدأ عصرًا جديدًا في حياة «مصر». فقد أصبحت البلاد في عهده مستقلة، بعد أن كانت ترزح تحت نير الحكم الآشوري. ولدينا حادث يعد نظيرًا لذلك في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة التي ابتدأها «أحمس الأول»، فقد كان أخًا للملك «كامس» آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة، ومع ذلك عد مؤسسًا لأسرة جديدة، حقًّا أسس هذا العاهل أسرة جديدة في تاريخ مصر، فقد سار بها في طريق الاستقلال حتى بلغت غايته، ثم أخذ بعد ذلك في تأسيس إمبراطورية جديدة على أنقاض دولة «الهكسوس» الذين هزمهم، وها نحن أولاء نرى «بسمتيك» يلعب نفس الدور، فإنه خلص «مصر» من النير الآشوري والكوشي، ونهض بها نهضة كانت مضرب الأمثال في تاريخ «مصر» بل في تاريخ الشرق عامة، فقد خلص البلاد من حكم «الآشوريين» الغاشمين، ثم سار بالكنانة نحو المجد، فأعاد لها بعض عظمتها القديمة، فأحيا فنونها واسترد كثيرًا من ممتلكاتها خارج حدودها.
هذه هي الأسطورة التي تعزى إلى نهضة العصر «الساوي»، وتاريخها الحقيقي لم يعرف على وجه الدقة حتى الآن، ومن المحتمل جدًّا أنها تشير إلى التحالف الذي عقد بين «جيجز» ملك «ليديا» وبين «بسمتيك» على طرد «الآشوريين»، والتخلص من نيرهم. حقًّا كانت مصر في حالة انحلال تام عندما أخذ «بسمتيك» في نهاية الأمر يحيي مشاريع أسرته الطموحة، غير أن القضاء على أجزائها التي تتألف منها لم يحدث على وتيرة واحدة في كل مكان. فكان الشمال أي: «الدلتا» ووادي النيل حتى «سيوط» في يد سلطة حربية أرستقراطية يشد أزرها جنود وطنيون غير نظاميين بالإضافة إلى فرق من الجنود المرتزقة، الذين كان معظمهم من أصل «لوبي»، وهم الذين كانوا يطلق عليهم اسم قبيلتهم «المشوش». ومعظم هؤلاء الأشراف كان الواحد منهم لا يحكم أكثر من مدينتين أو ثلاث، وكان لديهم مجرد العدد الكافي من المعاضدين للمحافظة على كيانهم المهدد في أملاكهم المحددة، وقد كان الأمير منهم يخضع في الحال لسلطان جاره القوي إذا هاجمه عندما لم يجد له مساعدًا قويًّا يحمي ذماره. وانتهى أمرهم أخيرًا بأن انقسموا جماعتين يفصل الواحدة عن الأخرى فرع النيل الأوسط. وتحتوي إحداهما على المراكز التي يمكن أن يطلق عليها «الدائرة الآسيوية»، وتشمل «هليوبوليس» و«بوبسطة» و«منديس» و«تانيس» و«سمنود»، وكان يتزعمها سيد من أسياد المدن الفتية، فكانت مرة تدين بالطاعة لحاكم «بوبسطة»، وأخرى لحاكم «تانيس»، وأخيرًا لصاحب «باسبد» — صفط الحنة — المسمى «باكرورو».
والآن يتساءل الإنسان لماذا كانت الصدرية تحتل هذه المكانة في مراسيم الدفن؟
ومن أسماء أمراء المقاطعات يتبين لنا أن ثلاثة منهم ذكروا في القائمة، التي تركها لنا «أسرحدون» بوصفهم من أتباعه وهم: «بدي باست» (بوتوبيستي صاحب «تانيس») و«باكرورو» صاحب «باسبد» (صفط الحنة) و«ناهكي» صاحب «أهناسيا المدينة». ومن هذه الأسماء نفهم أن هذه القصة لا يمكن أن نضعها قبل عام ٦٧٠ق.م وأنها تحدثنا في الوقت نفسه عن أشخاص تاريخيين.
ومن دراسة هذه القصة نعلم أن «بدي باست» كان الرئيس الأعلى لكل حكام الإقطاع من الدلتا، وأنه هو الذي كان يرجع إليه للفصل بينهم في مشاكلهم. وأنه عندما كانت الأحوال تحتم الحرب بين الفريقين كان هو الذي ينظمها، غير أنه لم يكن في مقدوره أن يصدر أوامره بمنعها كلية. ففي الحرب التي نشبت بسبب الصدرية نجد أنه قد وعد مرارًا بإعادتها، غير أنه لم يكن في استطاعته إرغام السيد العظيم «صاحب آمون في طيبة» على الخضوع لأمره، وعندما تحرجت الأحوال وأصبح لا بد من الحرب، وجد أن «باكرورو» رئيس الشرق قد أرسل رسائل يطلب فيها حضور حلفائه المختلفين، ويحدد لهم أن يجتمعوا عند بحيرة «الغزال» (نبيشة) وبعد ذلك تقص علينا القصة وصف وصول «بدوخنسو» صاحب «أتريب»، ومعه أربعون سفينة كبيرة وستون ومائة سفينة صغيرة هذا إلى خيل وجنود رجالة بمقدار عظيم لدرجة أن النهر وشاطئيه قد ضاقا بهم. وقد تدخل الملك راجيًا «بدوخنسو» ألا يحارب حتى يحضر كل الأحزاب الأخرى، وبعد أن وصلوا جميعًا أمر الملك أن يحضر صفان من المقاعد المرتفعة أو الشرفات يقابل أحدهما الآخر، وذلك لأجل قعود الفريقين المتعاديين. وبعد ذلك أمر الملك أن تنشب حرب منظمة، ويظهر أن كل رئيس كان يقود فيها جيشه بنفسه، وقد وصفت لنا تسليح «باكرورو».
وتدل شواهد الأحوال على أن هذه الحرب لم تكن حرب مبارزة ينازل فيها المحارب قرنه، كما كانت الحال في حروب القرون الوسطى أو الحروب التي نسمع عنها في القصص الشعبي أمثال قصة «عنترة العبسي» و«الزناتي خليفة» و«دياب بن غانم». بل كانت حربًا منظمة تستعمل فيها كل قوة الجيش، ولم يكن يسمح فيها بالهجوم المباغت أو الخدع الحربية. ويحتمل أن هذا النظام في الحرب كان نتيجة لحروب قد استمرت عدة أجيال، كانت المشاحنات فيها قائمة على قدم وساق دون انقطاع؛ مما دعا إلى وضع قواعد دقيقة لا بد من السير على مقتضاها كما كانت الحال في حروب القرون الوسطى في «أوروبا».
وقد حضر «منتو بعل» السوري واشتبك في المعركة، وهاجم جيش صاحب «سمنود» بشدة لدرجة أن جنوده أرسلوا للملك، وأخبروه بما أصابهم مما جعله يرتعد فرقًا، ورجا «باكرورو» أن يأمر حليفه بالكف عن القتال والانسحاب. وقد صمم «باكرورو» على أن يذهب الملك معه إلى ساحة القتال، وقد وعد الملك مرة أخرى بإعادة الصدرية. ولما كان السيد المعظم «صاحب آمون في طيبة» على وشك أن يقتله «بمبي» بن «اناروس»، فإنه سلم أخيرًا بمطلب عدوه. وفي هذه الأثناء كان «بدو-خنسو» صاحب «منديس» يقاتل «عنخ حور» ابن الملك «بدي باست» ويتغلب عليه، وعندئذ أسرع الملك ورجا المنتصر أن يكف عن القتال. وفي خلال ذلك ظهر أمير «الفنتين» بجيشه، وهاجم «تاحر» قائد «منديس» وهو الذي كان يحرس الصدرية، وفي نهاية الأمر أعيدت الصدرية، وكان القوم يحفونها بمظاهر السرور والفرح من خلف ومن قدام. وهذه الحروب المنظمة التي شبت وفق قواعد موضوعة هي التي كانت تقوم بسبب مناهضة أمير مقاطعة الآخر، وقد تظهر أمامنا هامة؛ وبخاصة لأن منظمها كان ملكًا يعلن انحيازه لأحد الفريقين المتحاربين. ومن ذلك تكونت فكرة غريبة عن ذلك العصر المضطرب في تاريخ مصر.
وتدل الأحوال على أن مقاطعات «مصر الوسطى» وإماراتها الصغيرة كانت تتأرجح في ولائها من حين لآخر بين الحزبين السابقين اللذين تتألف منهما بلاد الدلتا، وكان عملها سلبيًّا، فقد كانت بلاد مصر الوسطى في الحقيقة تستسلم لتيار الحوادث، وليس لها أي دخل في توجيهه، فكانت أحيانًا تدين بالطاعة «لسايس» وأميرها، وأحيانًا تستسلم «لتانيس» وفرعونها على التوالي على حسب فوز فريق على الآخر. وإذا ما انتقلنا إلى إقليم «طيبة»، وجدنا عالمًا آخر مختلفًا اختلافًا تامًّا فقد كان الإله «آمون»، كما عرفنا من قبل هو صاحب السيطرة التامة، وقد حول نفوذه المتزايد وأملاكه إلى دولة دينية حيث كانت أعظم وظيفة فيها في يد امرأة تقلب «زوج الإله»، وهي التي كانت وحدها مصدر السلطات. وقد شرحنا من قبل أن هذه السلطة كانت في يد ابن الملك أو أحد أفراد أسرته (راجع مصر القديمة الجزء العاشر)، ثم انتقلت إلى يد المتعبدة الإلهية التي كانت إحدى بنات الملك الحاكم أو السالف.
(١) بداية حكم «بسمتيك»٥
ليس لدينا وثائق تدل دلالة صريحة على تحديد بداية المدة التي سيطر فيها «آشور بنيبال» على زمام الأمور في شمالي مصر، ولا على المدة التي ظل فيها سلطان «تانو تأمون» سائدًا في جنوبي مصر. ويظهر أن بداية حكم «بسمتيك» في مصر كانت مفعمة بالمصاعب والعقبات؛ ولذلك فإنه من الجائز أن الأخبار التي تتحدث عنه بأنه قد نفي على يد مناهضيه، وأنه قد حوصر في مستنقعات ساحل «البحر الأبيض» ترتكز على شيء من الحقيقة. وذلك أن «باكرورو» الذي جعل كل مقاطعات الجزء الغربي من الدلتا تحت نفوذه — وقد كان معروفًا بتذبذبه باستمرار بين كل من ملك «آشور» وملك «كوش»، مما مكنه من المحافظة على قوته وعلى حياته، لم يتنَحَّ من تلقاء نفسه عن أمله في أن يضع على رأسه تاج الفراعنة المزدوج.
ومن المحتمل أن «بسمتيك» قد تغلب على الأمراء الإقطاعيين في موقعة أو موقعتين، كما حدث ذلك في خلال الفتح «الكوشي»، غير أن أمراء الإقطاع كانوا يأملون في أنهم بعد ذلك سيفيقون من هزيمتهم ويستردون سلطانهم المفقود، ولكن الحوادث أظهرت لهم أنهم كانوا مخدوعين في زعمهم، وذلك أن «بسمتيك» كان قد وجد في الجنود المرتزقة من «الإغريق» خدامًا مخلصين أكثر مما وجده «تفنخت» أو «بوكوريس» في الجنود «اللوبيين»، أو ما وجده «بيعنخي» أو «تانو تأمون» في جنوده الكوشيين، وقد ساعده ذلك على توطيد حكمه على البلاد التي فتحها.
ولا نزاع في أنه منذ حوالي عام ٦٦٠ق.م قد سيطر على مصر بحزم وعزم، حتى إن الأجانب و«الآشوريين» أنفسهم أطلقوا عليه عادة ملك مصر. ولا نزاع في أن تداعي الحكم «الآشوري» في مصر يرجع إلى حكام الإقطاع وقيامهم في وجه الغاصب، غير أن الرأي السائد أن «آشور بنيبال» كان لا يترك وسيلة دون أن يسلكها لجعل بلاد وادي النيل تدين له بالطاعة. وقد كان «بسمتيك» يعلم ذلك كما يعلم أن الجيش الآشوري سيعود إلى فتح مصر عند فراغه من الثورات والحروب، التي كانت تنشب أظفارها في جهات ممتلكاته الأخرى. ومن أجل ذلك عقد «بسمتيك» محالفةً مع «جيجيز» ملك «ليديا».
ولما كان المؤرخون الآشوريون لم يتعودوا التمييز بين الأقوام المختلفة القاطنين على شواطئ بحر «إيجة»، فإنهم قد اعتقدوا أن هؤلاء الجنود المرتزقة قد وردهم إلى فرعون «مصر» والملك الوحيد الذي كان يتعامل معه «جيجز» هو «بسمتيك»، ولكن لم يثبت بعد أنها أدت إلى نتيجة، غير أنه من جهة أخرى تدل كل ما لدينا من معلومات عن حكمه على أنه كان ملكًا جريئًا في المشاريع السياسية، ويميل إلى عقد محالفات مع أقصى البلاد. ولا نزاع في أن الرجل الذي سعى لمحالفة «آشور بنيبال» على «السميريين» لم يكن ليتردد في عقد محالفة بينه وبين «بسمتيك» إذا كان يأمل أنه سيجني أي كسب من وراء ذلك. ولا شك في أنه كانت هناك مبادلات تجارية بحرية بين «أيونيا» أو «كاريا» من جهة و«مصر» من جهة أخرى، وكذلك لم تكن لتقع أية حادثة هامة في الدلتا دون أن يصل خبرها إلى «افيسوس» أو «ميليتس».
وفي السنة التاسعة من حكم الملك بسمتيك الأول (عام ٦٥٥ق.م) اليوم الثامن والعشرون من الشهر الأول من فصل أخت — أي فصل الزرع — صدر أمر مختصر بتحريك السفينة المزينة التي كانت تحمل المتعبدة الإلهية نيتوكريس مقلعة نحو طيبة؛ لتتبوأ عرشها الجديد كما سنرى بعد.
وهكذا نرى أنه في حين كان «آشور بنيبال» يشن حربًا على «عيلام» و«كلديا» زحف «بسمتيك» جنوبًا في عام ٦٥٨ق.م واستولى على إقليم «طيبة» دون أن يلاقي أية مقاومة من «الكوشيين» كما لاقى سلفه «تفنخت» عند محاربة «بيعنخي». والظاهر أن «منتومحات» قد فاوض في تسليم «طيبة»، كما فاوض من قبل في النزول عن أشياء أخرى عدة.
وقد كوفئ على خدمته هذه بأن ثبت في وظيفته، واحتفظت ملكته الزوجة الإلهية بمركزها العالي. على أن «بسمتيك» لو كان قد عاش قبل ذلك بقرن أو قرنين لتزوج من امرأة من سلالة الكهنة، وهذا الزواج كان كافيًا لشرعية توليه الملك. ويقول «ماسبرو»: من المحتمل أنه قد أوجد رابطة فعلية بينه وبين «شبنوبت» بمظهر زواج، ولكن على أية حال فإنه جعلها تتبنى ابنته على حسب السنة التي وضعها الفراعنة «الكوشيون».
والواقع أنها كانت قبل ذلك قد تبنت ابنة أخرى وهي ابنة «تهرقا»، وهي التي عندما غيرت أسرتها سميت باسم «أمنردس» تشريفًا للملكة التي كانت قبل «شبنوبت». وكان «بسمتيك» قد أجبرها على أن تتبنى بدلًا من الأميرة الكوشية «أمنردس» الثانية أميرة أخرى من «طيبة»، وهي «نيتوكريس» ابنته، وهي التي عند تسلمها مهام أمور وظيفتها الجديدة جاء إليها وفد من الأشراف وكهنة «طيبة»؛ ليرافقوها في أثناء رحلتها من «منف» إلى «طيبة» في شهر «طوبة» من السنة التاسعة من حكم والدها.
وفي كل من الحالتين نجد أن الأسرة التي كانت تتخذ مقرها في أقصى حدود الإمبراطورية، في الجنوب أو في الشمال لم يكن في مقدور ملوكها أن يقوموا بأعباء الجهة الأخرى البعيدة عن مقر الملك؛ ولذلك فإنه عندما كان يختل الميزان بعض الشيء يعجز الملك الحاكم وقتئذ أن يعيد التوازن إلى ما كان عليه، ومن ثم كان يحدث انحراف مفاجئ في ميزان الحكومة.
والواقع أن النصر الباهر في ظاهره الذي أحرزه «بسمتيك» كان في حقيقة الأمر القضاء المبرم على كيان الإمبراطورية، التي بدأ بتكوينها ملوك الأسرة الثانية عشرة، والتي بلغت ذروتها في عهد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، فقد محيت «مصر الكبرى» — التي كانت تتكون من مصر وكوش وبلاد آسيا — بعد أن استمرت شامخة الذرا ما يقرب من عشرين قرنًا من الزمان، وحلت محلها «مصر الصغرى» للمرة الأولى في التاريخ. وتدل الآثار على أن هزيمة الأمراء الحربيين الشماليين، وضم إمارة «طيبة» التي كان يسيطر عليها «آمون» وطرد «الكوشيين» و«الآشوريين» نهائيًّا من «مصر» لم يستغرق أكثر من تسع سنين، غير أن هذه الأعمال العظيمة التي حققها «بسمتيك» لم تؤلف إلا جزءًا صغيرًا من مشاريعه العظيمة. إذ كان واجبه بعد ذلك ينحصر في إعادة الرخاء إلى بلاده، أو على أية حال كان عاقدًا آماله على أن ينتشلها من البؤس الذي استمرت ترزح تحت عبئه قرنين من الزمان قضتها في حروب داخلية وغزوات خارجية. وقد تأثرت — في خلال تلك الفترة الطويلة من تاريخ البلاد — المدن الكبيرة تأثرًا بالغًا. فقد حاصر «بيعنخي» مدينة «منف» ومن بعده حاصرها «أسرحدون»، وكذلك نهبت مدينة «طيبة» مرتين على يد جنود «آشور بنيبال»، وقد كان خرابها في المرة الثانية شاملًا مما جعلها مضرب الأمثال، هذا إلى أنه لم توجد مدينة من مدن مصر من أول «أسوان» حتى «بلزيوم» لم تصل إليها أيدي التخريب، سواء أكان ذلك على أيدي الأجانب أم المصريين أنفسهم.
وقد كان من نتائج هذه الإجراءات التي اتخذها «بسمتيك» أن ساد السلام والأمن، مما مهد الطريق أمام الفلاحين إلى مزاولة أعمالهم العادية بقلوب فرحة مطمئنة، ولا نزاع في أن زراعة أرض مثمرة خصبة، كالتربة المصرية سنتين أو ثلاثًا كان في خلالها الفلاح يعمل، وهو مطمئن من غارات المغيرين الذين كانوا يعيثون في الأرض فسادًا، كانت كافية إلى إعادة الرخاء إن لم تكن الثروة إلى البلاد. وقد نجح «بسمتيك» في تحقيق تلك الضمانات وغيرها من الفوائد لمصر، ويرجع الفضل في ذلك إلى الصرامة واليقظة والحزم، التي اختطها لنفسه في إدارة البلاد، على أنه لم يكن في استطاعته أن ينجز هذه الإصلاحات، لو اعتمد فقط على القوى التي كانت في متناول أسلافه، وأعني بذلك الجنود الوطنيين الذين أفسد الفقر أخلاقهم، وكذلك الجنود المرتزقين من «اللوبيين»، الذين فقدوا كل نظام وهم الذين كانت تتألف منهم جيوش الدولتين «التانيسية» و«البوبسطية»، وكذلك جيوش أمراء الإقطاع في الدلتا ومصر الوسطى. وقد عقد «بسمتيك» العزم بعد تجربته لهذين الصنفين من الجنود أن يبحث عن عماد يرتكز عليه في حروبه أحسن من هؤلاء، ومنذ أن قادته الصدف إلى الاختلاط «بالأيونيين» و«الكاريين»، أحاط نفسه بجيش منظم من الجنود المرتزقين من هؤلاء «الإغريق» و«الكاريين» وكذلك «الآسيويين».
والواقع أن هجوم المشاة «الأسبان» على مشاة الجنود «المكسيك» و«بيرو»، لم يكن ليسبب ذعرًا أكثر من الذي سببه جنود «الإغريق» المدججون بالسلاح — الوافدون من وراء البحار — للرماة المصريين نصف العراة و«اللوبيين» المرتزقة، ولا نزاع في أن هؤلاء الجنود «الإغريق» بزردياتهم البارزة، وهي التي كانت تحمي صفحتاها الظهر والصدر، ودروعهم المصنوعة من قطعة واحدة من البرونز، وتصل من الكعب إلى الركبة ودرقاتهم المربعة أو البيضية المغطاة بالمعدن، وقبعاتهم الثقيلة الوزن المستديرة المحكمة تمامًا على الرأس والرقبة والمحاطة بأعراف من الريش المتماوج، كانوا في حقيقة الأمر رجالًا قُدُّوا من نحاس فلا يمكن أن يصل إلى أجسادهم أي سلاح شرقي. وقد كانوا عندما يصطفون في صفوف متراصة تحت دروعهم يتلقون وابلًا من السهام والأحجار، دون أن يصيبهم أي أذى من المشاة الذين كانت أسلحتهم خفيفة، وعندما ينفخ لهم في الأبواق إيذانًا بالهجوم ينقضون بكل قواهم على كتل الأعداء ملوحين بحرابهم من فوق حافة تروسهم، فلم يكن في استطاعة قوة من الجنود الوطنيين أو فرق «المشوش» أن تقف أمامهم، بل كانوا يتأرجحون من هول الهجوم ولا تمضي إلا لحظة حتى يستسلموا مهزومين. وقد عرف المصريون أنه ليس في استطاعتهم التغلب عليهم إلا بأعداد كبيرة تفوق عددهم أو بالحيلة، ولا غرابة إذن في أن نرى حكام الإقطاع يحجمون عن طلب الانتقام من «بسمتيك»، عندما ثبت لهم أن قوتهم الحربية تتضاءل أمام قوته. على أنهم لو أرادوا أن يكونوا على قدم المساواة من حيث القوة لكان عليهم إما أن يستخدموا جنودًا مثل جنوده، وهذا لم يكن لهم قبل به، وإما أن يغروا الجنود الذين كان يستخدمهم مليكهم إلى جانبهم، غير أن السخاء الذي عامل به «بسمتيك» جنوده المرتزقة جعلهم يخلصون في خدمته، إذا كان الشرف العسكري وحده ليس كافيًا لجعلهم مخلصين لسيدهم. فقد منحهم «بسمتيك» كما منح مواطنيهم الذين اجتذبتهم شهرة مصر إقطاعات من أرض الدلتا الخصيبة الممتدة على الفرع «البلوزي» للنيل، وقد اتخذ الحيطة في أن يفصل بين إقطاع «الإغريق»، وإقطاع الجنود «الكاريين» بعرض كل النيل، وهذا كان إجراء يعد حيطة حازمة؛ وذلك لأن اجتماعهم تحت علم واحد كان يزيد بل ويلهب ما بينهم من حقد متوارث، هذا إلى أن سلطان القائد لم يكن دائمًا كافيًا لمنع نشوب شجار تراق فيه الدماء بين فرق جنود من قوميات مختلفة.
ولقد أدى انتشار «اللغة الإغريقية» إلى جعل التعامل التجاري والثقافي بين البلدين سهلًا ميسورًا. وكان على ما يظهر غرض «بسمتيك» من اختلاط رعاياه برجال هذه الأمة التي اشتهر رجالها بالنشاط والجد والإقدام، وقوة الشباب المتوقدة أن يبعث فيهم روح التحلي بالصفات التي شاهدها في هؤلاء المستعمرين، غير أن مصر كانت قد ذاقت الألم الموجع من الأجانب من كل صنف، فلم تكن على استعداد لمصافاة هؤلاء الأجانب الجدد الوافدين عليها، وربما كانت الحالة تختلف لو كان هؤلاء «الإغريق» و«الكاريون» قد قدموا أنفسهم في تواضع كما حدث مع «الآسيويين» و«الأفريقيين» الذين فتحت لهم مصر أبوباها على مصاريعها بعد عهد الأسرة الثامنة عشرة، أو إذا كانوا قد انتحلوا مظاهر الخضوع، والمسكنة التي أظهرها تجار «فنيقيا» وبلاد اليهود، ولكن هؤلاء قد نزلوا من سفنهم مدججين بأسلحتهم معجبين بشجاعتهم وقدرتهم مناهضين المواطنين الأصليين للبلاد، سواء أكانوا من عامة الشعب أو من علية القوم، وذلك بفضل ما حباهم به الفرعون من حظوة.
وقد أصبحوا موضع كره المصريين والغيرة منهم من جراء لغتهم التي كانوا يتحدثون بها، وحيلهم الخداعة في معاملاتهم التجارية، وكذلك من جراء الدهشة التي أظهروها من حضارة البلاد المصرية، يضاف إلى ذلك أن الطعام الذي كانوا يأكلونه جعلهم نجسين في نظر الأهلين، حتى إن الفلاح البسيط كان ينفر من الاختلاط بهم خوفًا من تدنيس نفسه، فكان يتحاشى الأكل معهم أو استعمال السكاكين أو الآنية التي استعملوها.
غير أن الجنود الذين كانوا يتمتعون بهذه الميزات حتى الآن أخذوا بطبيعة الحال يتذمرون، ويظهرون غضبهم بسبب فقدانها وقد حدث ظرف مقلق بوجه خاص دعاهم إلى عصيان الحكومة في آخر الأمر، وذلك أن الحدود الشرقية والجنوبية للبلاد المصرية كانت مشتركة مع حدود الدولتين «الآشورية» و«الكوشية» على التوالي، ومن جهة الغرب كانت القبائل «اللوبية» القاطنة على سواحل «البحر الأبيض المتوسط» قوية لدرجة تدعو إلى اليقظة المستديمة من جهة حاميات الحدود المصرية. وكان من بين الإصلاحات التي قام بها «بسمتيك» أنه أعاد نظام طريقة الدفاع القديمة، ففي حين أنه قد وضع نقط حراسة عند مدخل الممرات المؤدية من الصحراء إلى وادي النيل، فإنه قد ركز فرقًا عظيمةً من الجنود عند النقط الضعيفة الثلاث التي كان يمكن للعدو أن ينفذ منها إلى داخل البلاد بسهولة، وهي منافذ الطرق المؤدية إلى «سوريا» والإقليم الذي يحيط ببحيرة «مريوط» ثم «الشلال الأول».
- (١) ذكر «هردوت» هذه القصة في أثناء حديثه عن بلاد «النوبة» (راجع Herod. II, 30)، فبعد أن تكلم عن مدينة «مروى» يقول: «وإذا سحت من هذه المدينة — أي مروى — فإنك تصل إلى إقليم «أوتومولي» في مدة من الزمن تساوي المسافة التي أخذتها في مجيئك من «الفنتين» إلى عاصمة «الأثيوبيين»، وهؤلاء «الأتومولي» يطلق عليهم اسم «أسماك Asmak»، وهي بلغة الإغريق تعني «هؤلاء الذين يقفون على يسار الملك»، وهؤلاء وعددهم أربعون ومائتا ألف من قبائل الحرب ثاروا ذاهبين إلى «الأثيوبيين» في المناسبة التالية، وذلك أنه في عهد الملك «بسمتيك» كانت توضع حاميات في «الفنتين» لمواجهة «الأثيوبيين»، وأخرى في «بلزيوم» و«دفني» لمواجهة «العرب» و«السوريين» وثالثة في «ماريا» لمواجهة «اللوبيين»، وحتى في زمني كانت حاميات من الفرس موضوعة في نفس الأماكن، كما كانت في عهد «بسمتيك»؛ وذلك لأنها تقوم بالحراسة عند «الفنتين» و«دفني» — أدفينا الحالية — وحدث أن هؤلاء المصريين قاموا بنوبتهم في الحراسة ثلاث سنين لم يحل محلهم آخرون، فتشاوروا فيما بينهم، ووصلوا إلى قرار بالإجماع نتيجته أنهم خرجوا على «بسمتيك» وذهبوا إلى «أثيوبيا»، وعندما لحق بهم رجاهم بحجج عدة، واستحلفهم بأن لا يهجروا آلهة آبائهم وأطفالهم وأزواجهم، ولكن يقال: إن واحدًا من بينهم قد كشف عن عورته وقال: «إنه في أي مكان توجد هذه، فإنها ستجد أطفالًا وزوجات.» وهؤلاء الرجال قدموا خدماتهم لملك «الأثيوبيين»، عندما وصلوا إلى «أثيوبيا» وقد كان بعض الأثيوبيين ساخطين عليه فأمر الرجال الوافدين بطرد هؤلاء، وبأخذ أرضهم مكافأة لهم، وباستقرار هؤلاء الرجال بين الأثيوبيين أصبح الأثيوبيون أكثر تمدينًا، وتعلموا طبائع المصريين.»
- (٢) كان أكبر المُعارضين لفكرة خروج هؤلاء الأجناد من «مصر» إلى بلاد «أثيوبيا» الأثري «فيدمان» (راجع Wiedemann, Geschichte Aegyptens vom Psammetich I, bis auf Alexander des grossen P. 136 sqq.; Herodots Zweites Buch. P. 131 ff. ).
وأهم اعتراض لهذا الأثري «أنه من المستحيل على حاميات «دفني» و«ماريا» أن يخترق جنودها كل البلاد المصرية من الشمال إلى الجنوب، دون أن يستوقفوا في أثناء مسيرهم، وأنه إذا كان رجال هذه الحاميات على جانب عظيم من القوة؛ لينفذوا هذا الخروج المظفر، فإنهم لم يكونوا في حاجة إلى نفي أنفسهم إلى أعماق بلاد «أثيوبيا»، بل كانوا يبقون في مصر ويؤسسون لأنفسهم ولرؤسائهم حكومة أو عدة حكومات مستقلة.»
والواقع أن هذه الحجة ليست دامغة؛ وذلك لأننا لا نعرف القدر الكافي من تفاصيل هذه الثورات التي أدت إلى تأسيس الأسرة السادسة والعشرين؛ حتى يحق لنا أن نقول: إن «بسمتيك» كان تحت تصرفه العدد الكافي من الرجال لمنع هؤلاء الجنود الأفريقيين من مغادرة البلاد في ذلك الظرف الغامض، ولم يكن في مقدوره أن يكون معه إلا عدد صغير من الجنود المرتزقة «الإغريق» و«الكاريون»، ومن جهة أخرى فإن الثائرين قد علمتهم تجارب الحروب الحديثة احترام الجنود المدججين بالسلاح، وأن حربًا طويلة مع هؤلاء ليس فيها ما يبشر بأي نصر لهم، وعلى ذلك فإنه كان من الأوفق لهم أن ينتهزوا فرصة ضعف الملك المؤقت؛ ليذهبوا بأقصى سرعة قبل أن يجمع معظم جيشه الأجنبي ويمنعهم، وتدل شواهد الأحوال على أن هذه الهجرة قد وقعت فعلًا؛ لأنه كما أسلفنا نجد أن ذكر قوم «المشوش» قد اختفى أثره في تاريخ البلاد منذ عهد «بسمتيك». وفي اعتقادي أن هؤلاء هم القوم الذين تتألف منهم جنود الحاميات الفارون إلى بلاد «أثيوبيا»، ولا غرابة في ذلك فإن هؤلاء القوم كانوا منذ الأسرة الحادية والعشرين يؤلفون الحرس الملكي.
وفي عهد الأسرة الثانية والعشرين استولوا على زمام الحكم في البلاد، وكان لهم حاميات في كل مقاطعات البلاد، تتألف جنودها من رجال «المشوش» أيضًا، وحتى بعد أن سقطت دولة «اللوبيين» في مصر وجدنا أن حكام المقاطعات استمروا أسياد البلاد في الخفاء، وقد بقيت هذه الحال حتى نهاية العهد الآشوري. ولن نستغرب أن «بسمتيك» عندما استولى على زمام الأمور في البلاد، بدأ يفكر في القضاء على هذه الفئة التي كان في قبضتها زمام الحكم فعلًا، فبدأ أولًا بوضعهم في حاميات بعيدة على الحدود، ثم هجرهم مدة في تلك البقاع النائية عن البلاد، وفي خلالها أخذ يعد جيشه من الإغريق والكاريين؛ ليقضي على جنود «المشوش» القضاء المبرم، وهذا هو نفس ما عمله «محمد علي» عندما أخذ يدرب جيشًا من أهل البلاد؛ ليقضي به على أمراء المماليك الذين كانوا أصحاب الحل والعقد في مختلف مديريات القطر المصري. وبعد أن أعمل فيهم السيف في مذبحة القلعة فرت البقية الباقية منهم إلى «الوجه القبلي»، فطاردهم هناك ففروا إلى بلاد «النوبة» حتى وصلوا إلى «دنقلة» (راجع تاريخ مصر من الفتح العثماني ص١٣١).
ومن المحتمل جدًّا أن هؤلاء «المشوش» كانوا قد بدءوا يشعرون بما كان يدبره لهم «بسمتيك»، فآثروا النجاة بأنفسهم إلى بلاد «أثيوبيا»، وبخاصة أنهم كانوا على ما يظهر يأملون في أن يعيد ملوك «أثيوبيا» فتح مصر من جديد بسهولة لما كان بين «الكوشيين» و«المصريين» من وحدة في الدين والجنسية. وقد أراد «بسمتيك» أن يستدرجهم كما استدرج «محمد علي» المماليك إلى القلعة، وأعمل السيف في رقابهم، ولكنهم فطنوا لذلك عندما أتى يستعطفهم، ويطلب إليهم العودة إلى آلهتهم وأوطانهم وأولادهم، فأجابوه بأنهم برجولتهم يمكنهم أن يؤلفوا أسرًا ووطنًا في أي مكان يحلون فيه، وبذلك خاب تدبير «بسمتيك» للفتك بهم جملة. على أن فرارهم إلى بلاد «أثيوبيا» كان فيه نفع للقطرين، وذلك أنهم بوجودهم بين ظهراني «الكوشيين» أفادوهم فنقلوا إلى هذه البلاد كثيرًا من الحضارة المصرية، كما يقول «هيردوت» كما أنهم بثوا الروح المصرية في بلاد «كوش».
ومما سبق يظهر أن قصة هؤلاء الجنود ليس فيها من الغرابة شيء، وبخاصة أن لها نظيرتها في تاريخ البلاد الحديث.
والواقع أن تخلص مصر من هؤلاء القوم قد جاء في وقته المناسب؛ وذلك لأن مصر كانت في حاجة حتى هذه اللحظة إلى أن تسترد مكانتها الحقة بين دول العالم، ووجودهم جنبًا لجنب مع جنود بسمتيك الأجانب كان يعد عقبة لا بد من إزالتها إذا أراد تنظيم جيشه على أساس متين في جوٍّ صاف. والظاهر أن «بسمتيك» لم يعتمد كثيرًا على فرقه الذين جندهم من الوجه القبلي، وهم الذين وكل إليهم أمر المحافظة على الحدود النوبية؛ لأنه كان يرى أن سحبهم من هناك يكون مآله غزو البلاد أو الثورة من جانب «الكوشيين»، غير أن مصدر الخطر الداهم لم يكن من جهة بلاد «أثيوبيا» وقتئذ، إذ كانت قد أنهكتها الحروب التي قام بها «تهرقا» و«تانو تأمون» من بعده على جيوش «آشور» التي غزت وادي النيل، فكانت في حاجة إلى الراحة والسلم ولو مؤقتًا أكثر من مصر، بل الخطر كل الخطر كان من ناحية الآشوريين؛ وذلك لأن «آشور بنيبال» على الرغم من الارتباكات والثورات التي كانت دائمًا قائمة على قدم وساق في «كردونياش» و«عيلام» وغيرهما من القبائل الثائرة على الحكم الآشوري، لم يكن قد نفض يده من ادعائه التسلط على مصر. وقد قسم الفرعون «بسمتيك» جنود الإقطاع في الدلتا قسمين يسكن كل فريق منهما منفصلًا عن الآخر في مقاطعات معينة، واسم الجماعة الأولى جنود «هرموتيبي» والجماعة الثانية جنود «كالازيري»، وكان عدد الأولى ١٦٠٠٠٠ مائة وستين ألف مقاتل وعدد الثانية ٢٥٠٠٠٠ مائتين وخمسين ألف مقاتل على حسب رأي «هيردوت»، وقد تحدثنا عن هؤلاء الجنود بالتفصيل في غير هذا المكان (راجع مصر القديمة الجزء التاسع).
ولا نزاع في أن رحيل «المشوش» كان آخر صفقة ربحتها البلاد بعد قيام العاصفة، فقد برئت البلاد شيئًا فشيئًا وساد السلام في داخلها. هذا ونرى أن «طيبة» قد أصلت من شأنها وجارت النظام الجديد بقدر المستطاع في ظل الإدارة الاسمية، التي كانت في يد الزوجة الإلهية «شبنوبت الثانية» وابنتها بالتبني «نيتوكريس» ابنة «بسمتيك الأول» وأمها التي وضعتها هي «محيتنوسخت» كما أسلفنا.
(١-١) لوحة نيتوكريس بالكرنك
وتقص علينا هذه اللوحة كيف أن «بسمتيك الأول» في السنة التاسعة من حكمه جعل «شبنوبت الثانية» تتبنى ابنته «نيتوكريس» بدلًا من ابنة «تهرقا»، الذي أقصيت أسرته من حكم البلاد، وهي التي تسمى «أمنرديس الثانية»، غير أننا لا نعلم كيف تم ذلك؛ لأن الجزء الأول من اللوحة ناقص، ومن المحتمل أن «بسمتيك» حضر إلى «طيبة» وجعل الكهنة يحلفون يمين الولاء لها، وما تبقى في أول المتن هو خطاب للملك يظهر أنه يشكر الإله «آمون» والده. وهذه الوثيقة قد ألقت فيضًا من الضوء على العلاقات الأسرية في العهدين «الكوشي» و«الساوي». وقد كان العثور عليها مغنمًا كبيرًا للتاريخ المصري في ذلك العهد الذي كان فقيرًا في الآثار التاريخية. ويمكن أن نصفها بأنها منشور تَبَنٍّ ونقل ملكية. وهي تسجل لنا تبني «شبنوبت» لابنة الملك «تهرقا» التي كان تحمل لقب «المتعبدة الإلهية» أو زوج الإله في طيبة، واسمها «أمنرديس الثانية» ثم نزول الأخيرة لابنة «بسمتيك» المسماة «نيتوكريس». وقد نزلت «شبنوبت الثانية» عن كل ممتلكاتها للأخيرة «نيتوكريس»، وكان الغرض من هذا التبني هو أن تصبح أسرة «بسمتيك» بعد وفاة «شبنوبت» صاحبة هذه الممتلكات بالإضافة إلى وظيفة «زوج الإله آمون طيبة».
ومما يؤسف له أن بداية هذه الوثيقة قد فقد، والجزء الباقي يبتدئ في وسط خطاب «بسمتيك الأول» لرجال حاشيته معلنًا غرضه من جعل «شبنوبت» تتبنى ابنته «نيتوكريس». وتجيبه الحاشية بالمديح العادي المتبع في مثل هذه الأحوال.
وعلى ذلك فإنه في السنة التاسعة من حكم «بسمتيك الأول» أقلعت «نيتوكريس» إلى «طيبة» حيث قوبلت بمظاهر الفرح والابتهاج، وأعطيت ممتلكات «شبنوبت» رسميًّا، ويلي ذلك قائمة بكل ضياعها.
إني ابنه، والأول في حظوة والد الآلهة، والمقدم قربانًا للآلهة، والذي أنجبه لنفسه ليرضي قلبه. لقد أعطيته ابنتي لتكون «الزوجة الإلهية» لأجل أن تلتمس الحماية للملك أكثر من أولئك اللائي كن قبلها، وحتى يكون راضيًا حقًّا بصلواتها؛ ولأجل أن يحمي أرض من أعطاه إياها.
وعندئذ انحنوا إلى الأرض وقدموا الشكر لملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح-أب-رع» (بسمتيك الأول) عاش أبديًّا وقالوا: ليمكث وليخلد في الأبدية! إن كل أمر لك سيمكث ويخلد. ما أجمل هذا الذي يفعله الإله لك! وما أفخر ذلك الذي يفعله لك والدك! … إنه يجب أن يذكر حضرتك، وإنه ينعم عند ذكر اسمك يا «حور» يا عظيم القلب، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بسمتيك الأول» عاش أبديًّا. إنه فعل ذلك أثرًا لوالده «آمون» رب السماء وحاكم الآلهة. لقد أهدى ابنته المحبوبة «نيتوكريس» صاحبة الاسم الجميل إلى «شبنوبت»؛ لتكون زوجة الإله، ولتضرب الصاجات أمام وجهه — أي آمون — الجميل.
«نيتوكريس» تقلع إلى «طيبة»
استقبال الأميرة في «طيبة»
في السنة التاسعة (الشهر الثاني) من الفصل الأول، اليوم الرابع عشر — أي بعد مغادرتها «سايس» بأربعة عشر يومًا — وصلوا إلى مدينة الآلهة «طيبة». وكلما تقدمت — في المسير — وجدت أن رجال «طيبة» ونساءها واقفون مبتهجين باقترافها محيطين إياها بالقربات العظيمة، وكان عددهم جمًّا غفيرًا. وبعد ذلك قالوا: إن ابنة ملك الوجه القبلي والوجه البحري تأتي إلى بيت «آمون» ليستقبلها ويسر بها. إن ابنة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «شبنوبت» تأتي إلى «الكرنك»؛ لأجل أن يشرفها الآلهة الذين فيه، وأن كل أثر لملك الوجه القبلي والوجه البحري «بسمتيك» الأول يمكث ويخلد إلى أبد الآبدين.
إن «آمون» سيد السماء وملك الآلهة قد تسلم ما عمله له ابنه «حور» العظيم القلب العائش أبد الآبدين. وإن «آمون» حاكم الآلهة قد مدح ما عمله له ابنه محبوب الإلهتين «نب عا» العائش أبد الأبدين … وإن المكافأة على ذلك تكون مع «آمون» ومع «منتو»، وهي ألف ألف سنة من الحياة وألف ألف سنة من الثبات وألف ألف سنة من الرضا. وإن كل الصحة وكل سرور القلب تكون معهم — أي الآلهة — لابنهم المحبوب ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «واح-أب-رع» بن «رع» «بسمتيك الأول» العائش أبد الآبدين … «إن الآلهة قد أعطوه الملكية».
تحويل أملاك «شبنوبت» إلى «نيتوكريس»
والآن فإنه فيما بعد عندما أتت للمتعبدة الإلهية «شبنوبت» نظرتها كانت مرتاحة إليها، وأحبتها أكثر من أي شيء. وقد نزلت لها عن الثروة التي نزل عنها والدها ووالدتها لها ولابنتها الكبيرة «أمنرديس» ابنة الملك … المرحوم. وقد دون ما يخص ذلك كتابة قائلًا: لقد أعطيناك كل متاعنا في الحقل وفي المدينة، وإنك تمكثين على عرشنا باقية ومخلدة أبد الآبدين. والشهود على ذلك كانوا الكهنة خدام الإله والكهنة المطهرون وكل أسرة المعبد.
(١-٢) قائمة الثروة
قائمة بكل المتاع الذي أعطوه إياها في المدن ومقاطعات الجنوب والشمال:
- (١)
في إقليم «أهناسيا المدينة» المقاطعة المسماة «يو-نا» التي توجد في الإقليم التابع لها:
أراضي ٣٠٠ ستات (أرورا) - (٢)
في إقليم «البهنسا» ضيعة «بو-تاوي»، وهي التي في الإقليم التابع له:
أراضي ٣٠٠ ستات - (٣)
في إقليم «سب» ضيعة «كاو كاو» وهي في الإقليم التابع لها:
أراضي ٣٠٠ ستات - (٤)
في إقليم مقاطعة الأرنب «الأشمونين» ضيعة «نسومين»، وهي في الإقليم التابع له:
أراضي ٦٠٠ ستات - (٥)
في إقليم «أفروديتوبوليس» (بلدة قاو) وهي في الإقليم التابع له:
أراضي ٣٠٠ ستات - (٦) في إقليم … ضيعة «حورسا أزيس» وهي في الإقليم التابع له:١٦
أراضي ٢٠٠ ستات
أراضي | ١٨٠٠ ستات |
هذا بالإضافة إلى كل دخلها من الحقل والمدينة، وكذلك أراضيها القاحلة وترعها.
ويلاحظ هنا أولًا أن عدد المقاطعات التي ذكرت في المتن هي ست مع أن العدد الذي ذكر في العنوان هو سبع والمقاطعة الناقصة، وهي التي حذفت خطأ من الكتاب قد أضيفت في نهاية النقش.
ويلاحظ ثانيًا أن المجموع هو ٢٠٠٠ لا ١٨٠٠ ستات، ولكن قد يجوز أن الاختلاف قد يفسر بعدم تأكدنا من عدد المادة الثالثة.
يوميًّا | |
خبز | ٢٠٠ دبن |
نبيذ | ٥ هنان |
فطير (شعت) | ١ |
خضر | ١ حزمة (حتب) |
شهريًّا | |
ثيران | ٣ |
أوز | ٥ |
من ابنه
ما يعطيه إياها ابنه الأكبر رئيس الملاحظين لكهنة «طيبة» المسمى «نسبتاح»:
يوميًّا | |
خبز | ١٠٠ دبن |
نبيذ | ٢ هنان |
خضر | ١ حزمة (حتب) |
شهريًّا | |
فطير (شعت) | ١٥ |
جعة | ١٠ جرار (هن) |
وأراض من إقليم «قمحت» التابع ﻟ «واوات» | ١٠٠ ستات |
من زوجه
ما أعطته إياها زوج الكاهن الرابع لآمون «منتومحات» المسماة «وزارنس»:
يوميًّا | |
خبز | ١٠٠ دبن |
من الكاهن الأكبر لآمون
ما يعطيه إياها الكاهن الأكبر لآمون المسمى «حورخب»:
يوميًّا | |
خبز | ١٠٠ دبن |
نبيذ | ٢ هنان |
شهريًّا | |
فطير (شعت) | ١٠ |
خضر | ١٠ حزم (حتب) |
ما يعطيه الكاهن الثالث
ما يعطيه إياها الكاهن الثالث لآمون المسمى «بدي آمون نب نستاوي»:
يوميًّا | |
خبز | ١٠٠ دبن |
نبيذ | ٢ هنان |
شهريًّا | |
جعة | ٥ جرار (هن) |
فطير (شعت) | ١٠ |
خضر | ١٠ حزم (حتب) |
ما يعطيه إياها جلالته في مقاطعة «هيلوبوليس» في معبد «آتوم» من القربات المقدسة — من دخل المعبد — التي أوقفها جلالته.
حنطة | ٢ حقيبة |
وذلك بعد أن قربت يوميًّا في الحضرة الإلهية ونعم الإله بها هناك.
المجموع الكلي | خبز | ١٥٠٠ دبن |
«سايس» | خبز | ٢٠٠ دبن |
«بوتو» | خبز | ٢٠٠ دبن |
بيت «حتحور» صاحبة الفيروزج | خبز | ١٠٠ دبن |
«منف» (بر-انبو) | خبز | ٥٠ دبنًا |
«كوم الحصن» | خبز | ٥٠ دبنًا |
«بر منو» | خبز | ٥٠ دبنًا |
بيت (عت) «ثارو» | خبز | ٥٠ دبنًا |
«تانيس» | خبز | ١٠٠ دبن |
بيت «حتحور» | خبز | ١٠٠ دبن |
«بوبسطة» | خبز | ١٠٠ دبن |
«أتريب» | خبز | ٢٠٠ دبن |
«مستا» | خبز | ٥٠ دبنًا |
«بستا» | خبز | ٥٠ دبنًا |
بيت «حرشف» سيد «هناسيا» | خبز | ١٠٠ دبن |
«برسبد» (صفط الحنا) | خبز | ١٠٠ دبن |
أراضٍ أخرى
- (١)
في إقليم «سايس» ضياع بدو الجنوب التي في الإقليم التابع له:
أراضي ٣٦٠ ستات - (٢)
في إقليم «بياستا» بيت «نفر-حر» وهو في الإقليم التابع له:
أراضي ٥٠٠ ستات - (٣)
في إقليم «ثبو» في «قارب الجميز» وهو في الإقليم التابع له:
أراضي ٢٤٠ ستات - (٤)
في وسط إقليم «عين شمس» جدار حوري بن «زدتي»، وهو — كذلك — «جدار بسنموت» الذي وضعته «مرت وبخت»، وهو الذي في الإقليم التابع له:
أراضي ٢٠٠ + س ستات
ومجموع أراضي المقاطعات الأربع = ١٤٠٠ ستات.
هذا بالإضافة إلى دخلها من الحقل والبلد مع أرضها القاحلة وترعها.
المجموع الكلي
خبز = ٢١٠٠ دبنٍ (أي: ما قيمته ٢١٠٠ دبن).
أراض في المقاطعات الإحدى عشرة = ٣٣٠٠ ستات.
باقية باقية منقولة لا تفني لا تمحى أبد الآبدين وسرمديًّا!
أرض حذفت أعلاه — نسي الكاتب هذه القطعة من الأرض من قائمة المقاطعات السبع كما ذكرنا آنفًا — في إقليم «… بب» مع كل أهله وكل أراضيه، وكل ممتلكاته في الحقل والبلدة.
(١-٣) مدير بيت الأميرة «نيتوكريس» المسمى «أبا»
كان مدير بيت الزوجة الإلهية يشمل مكانة ممتازة، كما ذكرنا من قبل عند التحدث عن مديري بيت الزوجات الإلهية فيما سبق (الجزء العاشر).
وقد بقي لنا من آثار «أبا» مدير البيت للمتعبدة الإلهية «نيتوكريس» تمثال من الحجر الجيري اشتراه من «الأقصر» الأثري «لجران» عام ١٩٠٣.
وهو يمثل «أبا» واقفًا، ولكن مما يؤسف له لم يبقَ منه إلا الجزء الأسفل من أول وسطه.
و«أبا» هذا هو ابن رجل يدعى «عنخ حور» كما جاء على مخروط جنازي، ويحدثنا المتن عن جزء من حياة «أبا» مدير بيت «نيتوكريس» ابنة «بسمتيك الأول» بعد توليتها وظيفة زوج الإله «آمون» في «طيبة». ويصف لنا «أبا» تنصيبها في السنة التاسعة من حكم والدها في الاحتفال الذي كان حاضرًا فيه، ثم يقص علينا تنصيب الملك له مديرًا عظيمًا للبيت بعد ذلك بسبع عشرة سنة، أي: في السنة السادسة والعشرين من حكم «بسمتيك» وذلك لأجل إصلاح قصرها. وقد رتب «أبا» أمور الأميرة، وقد مضت هي يومًا معه في المعبد فاحصة أوراقها. وبعد ذلك أدار أمور إصلاح قصرها، ويتضمن ذلك إقامة مبنى يبلغ ارتفاعه مائة ذراع. وهذه هي الإشارة الوحيدة التي ذكرت كناية عن ارتفاع مبنى من مباني مصر القدية، وقد بنى كذلك مقصورة قصر للإله «أوزير» كما أسهم في الاحتفال بأعياد الإله «آمون»، وساعد في إصلاح قبر «أوزير» بطيبة.
(°١) … المدير العظيم لبيت الزوجية الإلهية «أبا» بن الكاهن «مري نتر» و«عنخ حور».
(٣) … امدحوا «آمون» وحيوا «منتو» رب «طيبة» مثل (… °٤) المدير العظيم لمليكتي ابنته الزوجة الإلهية …
(١-٤) تعيين «نيتوكريس»
توجد هنا فجوة في الحجر، وتحتوي بداهة على العبارة الدالة على أن «بسمتيك» قد أمر بتعيين ابنته زوجة إلهية.
(٥) محبوبته والحظية العظيمة لدى «آمون» الحلوة … ابنة المحبوبة «مرموت» محيتنوسخت للزوجة الإلهية، والمتعبدة الإلهية لآمون في «الكرنك».
«نيتوكريس» في قصرها بطيبة
وقد سارت جلالتها … (١٠) إلى القصر قاعدة في محفتها التي صنعت قضبانها حديثًا من الفضة والذهب ومطعمة بكل حجر ثمين أصيل، وأمرت بأن يقدم …
تصدع قصر «نيتوكريس»
(١١) في السنة السادسة والعشرين — الشهر الثاني من الفصل الأول — اليوم الثالث (في هذا اليوم) (أو يوم تتويج جلالته) … أرسل جلالته أولئك الذين كانوا في حاشيته …
(١٢) من أرض الجنوب كهنته خدام الإله وكهنة مطهرين تابعين لآمون، ونساء مقدسات لآمون — حريم «آمون» — وقد أتوا قائلين: لقد سمع جلالته أن بيت المتعبدة الإلهية بدأ يئول إلى الخراب.
(١-٥) تعيين «أبا» مديرًا عظيمًا لبيت «نيتوكريس» ليقوم بالإصلاح
ينبغي أن يعين «أبا» وهو محل ثقة الملك، مديرًا عظيمًا لبيت الزوجة الإلهية وأن يجمع له كل الأشياء اللازمة لدفع أجر الأعمال (١٥) وأن تدفع لكل الكتاب والمفتشين الذين أرسلوا لأشغال بيت المتعبدة الإلهية بقدر ما يكون عددهم. قائمة كل يوم … (١٦) … أوان من الفضة والذهب والنحاس، وكل شيء من البيت الأبيض — الخزانة.
«أبا» يتحدث عن إدارته
(١٧) لقد ملأت مخازن غلالها بالقمح والحنطة وكل فاكهة، وضاعفت حظائر ماشيتها بالعجول وأجبرت موظفيها على دفع ضرائب … (١٨) … كلهم وصنعت كل شيء قسرًا … تمامًا.
«نيتوكريس» تمضي يومًا في فحص أمورها
… وذهب ليقابلها في معبد «آمون» … (١٩) وأمضت يومًا تختم … الخاص بالبيت. ويظهر أنها قد فحصت (٢٠) «كل أمورها الخاصة بعشرة آلاف السنين التي عاشها كل ملك ممتاز».
«أبا» يباشر إصلاح قصر «نيتوكريس»
لقد أقمت طعامها بجانب بيت الملك (ويسمى) «خنسو-آمون» (؟) بمثابة عمل أبدي وكل شيء كان عمل … فيه، وبيتها في البيت الطاهر الخاص بوالدها «آمون»، وهو الذي عمله لها والدها «رع» في الأزل فكان ارتفاعه مائة ذراع وعرضه مائة ذراع … (٢٢) مبنى في كل … وجدرانه (؟) كانت من الحجر ورقعته من الحجر وكل مائدة قربان وجدت فيه، وموائده … (٢٣) لا تحصى. وسقفه — حرفيًّا سماؤه — كان من السام المطعم بكل حجر أصيل غالٍ.
إقامة «أبا» مقصورة لأوزير
وأقمت معبدًا بجواره لسيدها «أوزير وننفر» من كل عمل ممتاز. وسفينته … (٢٤) … مثل «رع» في أفقه وتمثال جلالته الذي كان يحمل قد صنع من السام المطعم بكل حجر أصيل غالٍ هذا بالإضافة إلى تماثيل جسمها — أي نيتوكريس — من السام … (٢٥) … التي قصرها في سفينتها أمام اﻟ … مكان.
في عيده الذي احتفلت به البلاد من أجله في اليوم السادس من الشهر، وهو لم يعمل مثيله بجانب البوابة العليا لآمون-رع … مع والدها في خلال عيده في الشهر الأول من الفصل الثالث (بشنس) (٢٦) …
(وباقي السطر غامض.)
(٢) نقش على سنادة تمثال «أوزير» من الجهة اليمنى، وهي التي وجدت عليها النقوش فقط.
الأمير الوراثي والحاكم وحامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير الوحيد المحبوب، رئيس كهنة آلهة الوجه القبلي، والمدير العظيم لبيت المتعبدة الإلهية «نيتوكريس» العائشة. وحاكم كل الوجه القبلي قاطبة «أبا»، الذي يتمتع بصحة جيدة ابن الكاهن محبوب الإله «مري تتري» المسمى «عنخ-حور» المرحوم وأمه هي السيدة «تا إريت».
ومما يلفت النظر في نقوش مقبرة «أبا» أن زوجه لم تمثل معه، وعلى العكس نجد أنه قد ذكر اسم والدته مرات عدة على آثاره، وعلى أية حال وجد جزء من اسمها وهو «اس …» ويمكن أن نضع شجرة نسب لأسرة «أبا» كما يأتي:
ومن المحتمل جدًّا أن هذا التمثال كان قبل أن يحشر في خبيئة «الكرنك» يزين مقصورة «أوزير» للمتعبدة الإلهية «نيتوكريس» في «الكرنك» الشمالي.
- (١) تمثال متربع من الحجر الجيري نقش عليه خمسة أسطر بالهيروغليفية (راجع Catalogue of the Mac. Gregor Collections (1922) P. 212 no. 1627; A. S. LIII. P. 55 note 5. ).
- (٢) ثلاثة مخاريط جنازية (راجع Daressy, Recueil del Cònes funeraires no. 177; Speleers, Recueil des Inscriptoins Egyptiennes des Musées Royaux du Cinquantenaires á Bruxelles E. 3983 no. 180 P. 48; of A. S., LIII. P 75).
- (٣) قاعة تمثال (راجع A. S. LIII. P. 56 note 1)، ويلحظ أن اسم «أبا» في هذا الأثر قد سبق بعبارة «ممدوحها وحبيبها»، وأن إهداء التمثال كان للمتعبدة الإلهية «شبنوبت» الثانية الحية «أمنردس» الأولى، ومع ذلك فإنه يمكننا أن نفرض أن هذا كان أثرًا مقدمًا للإله «أوزيروننفر» قبل السنة التاسعة من حكم الملك «بسمتيك الأول» بقليل بوساطة أحد عظماء رجال البلاط الذين رافقوا الأميرة الشابة «نيتوكريس» إلى «طيبة». وتدل شواهد الأحوال على أن «أبا» كان من أهل الوجه البحري، إذ نجد أن اسم أمه يوحي بأنها كانت من أسرة «بوبسطية» عظيمة. وعلى أية حال نعرف من جهة أخرى أن كاهنًا للإلهة «باستت» صاحبة «تل بسطة»، كان يدعى «أبا» (راجع Koeford Petersen, Recueil des inscriptions hieroglyphigues de le glyptotheque Ny Carlsberg, Bibliotheca Aegyptiaca VI, p 28 no. 121).
ومهما يكن من أمر، فإن «أبا» قبل ترقيته لوظيفة المدير العظيم لبيت «نيتوكريس» كان لا يحمل إلا لقب «المعروف لدى الملك»، ثم أصبح فيما بعد كغيره من المديرين العظام «المعروف لدى الملك حقًّا» أو «المعروف لدى الملك حقًّا والذي يحبه». وقد كان يحمل نعوتًا أخرى إذا أخذناها على معناها الحرفي، فإنه كان يعد فردًا من أسرة «بسمتيك الأول».
وسنورد هنا ألقاب هذا العظيم ونعوته؛ لنرى ما كان له من منزلة عالية في زمنه.
- (١)
الأمير الوراثي.
- (٢)
الأمير الوراثي والحاكم.
- (٣)
حاكم الوجه القبلي.
- (٤)
حاكم الوجه القبلي قاطبة.
- (٥)
الحاكم.
- (٦)
الذي يقترب من يد الإله.
- (٧)
حارس تاج المتعبدة الإلهية.
- (٨)
الرجل الوحيد المختار للمتعبدة الإلهية.
- (٩)
الذي يرى أسرار يد الإله «شبنوبت الثانية».
- (١٠)
المدير العظيم للبيت.
- (١١)
المدير العظيم لبيت زوج الإله.
- (١٢)
المدير العظيم لبيت يد الإله.
- (١٣)
المدير العظيم لبيت المتعبدة الإلهية لآمون.
- (١٤)
الذي يسهر على المتعبدة الإلهية.
- (١٥)
رئيس العظماء الذين يسمعون ما يسمع.
- (١٦)
رئيس الأسرار التي تسمع.
- (١٧)
مدير كل الوظائف المقدسة.
- (١٨)
رئيس قصر «المتعبدة الإلهية».
- (١٩)
مدير كل الملابس.
- (٢٠)
الشريف العظيم للمتعبدة الإلهية.
- (٢١)
خادم المتعبدة الإلهية.
- (٢٢)
المدير العظيم لبيت آمون.
- (٢٣)
رئيس كهنة آلهة «آمون».
- (٢٤)
رئيس كهنة آلهة الوجه القبلي.
- (٢٥)
رئيس كهنة الإله «منتو» سيد «أرمنت».
- (٢٦)
رئيس كهنة «حور» الكبير سيد «جسي» (قوص)؟
- (٢٧)
كاهن «آمون» ملك الآلهة.
- (٢٨)
كاهن «منتو» سيد «أرمنت».
- (٢٩)
رجل ثقة سيد الأرضين.
- (٣٠)
رجل ثقة الإله الطيب (الكامل).
- (٣١)
الرجل الفريد الغالي لسيد الأرضين.
- (٣٢)
فم الذي يهب الهدوء للمدن والمقاطعات.
- (٣٣)
المعروف لدى الملك.
- (٣٤)
المعروف حقًّا لدى الملك.
- (٣٥)
المعروف حقًّا لدى الملك الذي يحبه.
- (٣٦)
الحاكم في القصر.
- (٣٧)
السمير الوحيد المحبوب.
- (٣٨)
شريف القصر.
- (٣٩)
السمير الوحيد في قصر الملك.
- (٤٠)
السمير الوحيد للملك.
- (٤١)
الذي يهدئ غضب القصر.
- (٤٢)
حامل خاتم الملك.
- (٤٣)
الذي يتبع الملك في تنقلاته.
- (٤٤)
الذي يطرد الفزع من القصر.
- (٤٥)
عظيم الحب.
- (٤٦)
العظيم في شرفه.
- (٤٧)
الذي يدخل بتقارير حسنة في المكان الذي يوجد في الملك.
- (٤٨)
الذي يدخل أولًا ويخرج آخرًا.
- (٤٩)
الوحيد الحب.
- (٥٠)
الوحيد الذي رأس العظماء.
- (٥١)
أعظم العظماء.
- (٥٢)
العظيم في وظيفته.
- (٥٣)
العظيم في خطواته.
- (٥٤)
الممدوح.
- (٥٥)
شريف على رأس الناس.
- (٥٦)
أشرف الأشراف.
هذا ولدينا نعوت أخرى صعبة الفهم. وعلى أية حال نجد أن كثيرًا من هذه الألقاب كان يحملها المديرون العظام لبيت المتعبدة الإلهية، الذين سبق التحدث عنهم. ويلفت النظر هنا أن مديري البيت العظيم للمتعبدة الإلهية كانوا كغيرهم من كبار الموظفين يضفون على أنفسهم ألقابًا ونعوتًا معظمها متشابه، وترجع في أصلها إلى العهود القديمة، وبخاصة من الدولة القديمة والدولة الحديثة.
(٢) أعمال «بسمتيك» وآثاره في البلاد
(٢-١) عاصمة الملك
كانت المدينة الملكية بلا نزاع في عهد هذا الفرعون هي «سايس»، ولا غرابة في ذلك فهي مسقط رأس أجداده ومعقلهم الحصين منذ أن أخذ «تفنخت» أميرها العظيم يناضل عن ملك مصر في وجه «الكوشيين»، وبخاصة في عهد «بيعنخي». وقد استمرت هذه المدينة الشوكة المؤلمة في جسم ملوك الأسرة «الكوشية» حتى قضي عليها نهائيًّا، وتقهقر ملوكها إلى الجنوب ثانيةً ولزموا عقر دارهم. فقد رأينا كيف أن «بوكوريس» قد نهاض «شبكا»، ثم وقف ثانية في وجه ملوك «الآشوريين» على الرغم من إغرائه بالمال والحكم. وأخيرًا جاء بعده «بسمتيك» وخلص البلاد من «الآشوريين» أولًا، ومن الكوشيين آخرًا. وقد أقام ملوك الأسرة السادسة والعشرين في هذه المدينة قصورهم ومقابرهم، غير أن مقتضيات الأحوال قد جعلتهم يتخذون عاصمة الملك الرسمية «منف»، وذلك على غرار ما فعله الرعامسة العظام، فقد كانت عاصمة ملكهم السياسية «قنتير» في حين كانت عاصمتهم الحقيقية «طيبة».
وقد كانت «سايس» في الواقع مقامة على الفرع «الكانوبي» للنيل وهو أهم فروعه. وفي العصر الذي كانت فيه مصر مقسمة مقاطعات متنافرة متناحرة، كان الأمير الساوي في مقدوره أن يقف في وجه السفن التي تسير على الطريق الرئيسي إلى «منف». ومن المحتمل أن هذا هو السبب الذي من أجله كانت «سايس» و«منف» مرتبطتين معًا من أول عهد «تفنخت» و«بوكوريس» وما بعدهما.
وقد كان المسيطر على هاتين المدينتين يقبض في يمينه على سلطان عرم. ولا غرابة في ذلك فقد كانت التجارة الإغريقية تأتي عن طريق الفرع «الكانوبي» إلى مصر، وكذلك الجنود المرتزقة وهم الرجال الذين كان يطلق عليهم «رجال البحر النحاسيون»، وقد حدثنا عنهم «هردوت» في كتابته. ومن جهة أخرى كان «الفينيقيون» على ما يظن يدخلون في مياه النيل في أغلب الأحيان بوساطة فرع النيل البلوزي. وتدل الآثار المكشوفة على أن «بسمتيك» قد نشر تجارة بلاده واسمها في كل البلاد المجاورة، وفي ممالك «البحر الأبيض المتوسط».
أما في داخل مصر فكان نشاطه عظيمًا وبخاصة في العمارة؛ ولذلك نجد أنه في عهده أخذت محاجر «وادي حمامات» تستغل، وقد ترك الموظفون الذين ذهبوا لقطع الأحجار أسماءهم وطغراءات الفرعون «بسمتيك الأول». ومن أهم هؤلاء الذين وجدت أسماؤهم هناك «نسبتاح» بن «منتومحات» الكاهن الرابع لآمون المعروف. وقد مثل في هذه المحاجر يتعبد أمام طغراء الملك «بسمتيك الأول» ملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح-أب-رع» بن «رع» «بسمتيك» له الحياة والسلطان مثل رع» أبديًّا.
(٢-٢) الإسكندرية
-
(١)
عثر لهذا الملك على لوحة كانت بين عمودين عليها اسمه، وهي محفوظة بالمُتْحَف البريطاني الآن. Arundale and Bonomie, Gallery fig. 167 P. 109 Pl. 43.
-
(٢)
وكذلك وجدت قطعة من أساس عمود «بومبي» من الجهة الشرقية، وقد مثل عليها صورة ملك وإله نقش عليها ما يأتي: «واح-أب-رع» بن الشمس. وهذه القطعة من الحجر الرملي الصلب في حين أن طبقة البناء التي تحت هذه القطعة من الجرانيت، وفي المؤلف «اجبتياكا»٢٨ نجد رسم العمود مصورًا مع القاعدة التي نجد فيها قطعة نقش خاصة بنفس الملك، وهي محفوظة بالمُتْحَف البريطاني، وقد بقي من النقوش ما يدل على اسم «بسمتيك الأول»، ومن المحتمل أن هذه القطعة نزعت من الجانب الشمالي الشرقي، ويلحظ أنها قد كسيت بملاط من الجير، وهاتان القطعتان تدلان على أن «بسمتيك» قد أقام بناء بالقرب من عمود «بومبي» (راجع L. D. Text P. 1; and L. R. iv. P. 77)، ومثل على قطعة منهما صورة «بسمتيك الأول» في صورة فتى، ولا تدل الصورة على أنه كان من الطراز المصري القديم (راجع A. Z. XXXIII. P. 116).
-
(٣)
يوجد الآن بمتحف «الإسكندرية» تمثال كبير «لبول هول»، ويحتمل أنه عثر عليه في «عين شمس» (راجع Daressy A. S. Vol. v. P. 126)، وهذا التمثال مصنوع من الحجر الرملي الأصفر المحبب، وقد وجد في حالة تهشيم سيئة، ونقش على الجهة اليسرى من القاعدة ما يأتي:
… «بسمتيك» العائش أبديًّا محبوب «آتوم» رب الأرضين في «عين شمس» الإله الطيب ضارب «الأيونتو»، والمستولي على … «بدتو» أهل الأقوام التسعة، معطى الحياة والثبات والسلطان كله والصحة كلها، وفرح القلب كله مثل «رع».
… «بسمتيك» معطي الحياة … الإله الطيب رب القوة وواطئ «المنتيو» (البدو) …
-
(٤)
النصف الأسفل من تمثال راكع للملك «بسمتيك الأول»: يظهر أن هذا التمثال كان يقبض بين يديه على محراب صغير، وعثر عليه في حفائر «السرابيوم» بالإسكندرية، غير أن الأشياء التي وجدت في هذه الحفائر التي قام بها الأثري «برشيا» لم تكن في مكانها الأصلي على ما يظهر؛ ولذلك يظن أن هذا التمثال منقول من «عين شمس» وهو مصنوع من الجرانيت الأسود، وارتفاع الجزء المحفوظ منه ٥٠سم، ونقش حول قاعدته وعلى ظهره المتن التالي: من اليمين:
يعيش «حور» (المسمى) كبير القلب، والسيدتان «المسمى» رب الساعد، وحور الذهبي «المسمى» القوي، وملك الوجه القبلي والوجه البحري (المسمى) «واح-أب-رع»، وابن الشمس (المسمى) «بسمتيك».
(٢-٣) سايس
(٢-٤) منديس
(٢-٥) «دفني» أو «أدفينا»
(٢-٦) هربيط
السنة الواحدة والخمسون من عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح-أب-رع» «بسمتيك» لقد بنيت هذا البناء الذي أقمته أنا بنفسي لمعبد «حورمرتي» (وهو المسمى) «أوزير-رمحت» إني «بدربس» بن «بديسمتاوي» الذي وضعته السيدة «تابرت» هذه. حده الجنوبي بيت «أتا» بن «عنخ-حور» وشماليه مخزن الإلهة «باستت» الذي وكل أمره إلى خادم محراب «حورمرتي»، «حور» بن «عنخ بف حر»، وحده الغربي بيت السقاء «بب» بن «حورسا إيزيس».
وتحمل له القربان أمام «حورمرتي» (الملقب) «أوزير» صاحب «رمحت»، وقلبه يفرح بذلك أبديًّا بثبات. وإن كل إنسان يهدم هذا فإنه سيسحق بالآلهة الأرواح العائشة لمدينة «هربيط». والحد الشرقي (يطل على) الشارع الذي يوجد فيه سور «عك». البقاء الأبدي والسرمدي في معبد «حور مرتي». ليت «حورمرتي» يمنح «حور وننفر» بن «بديسمتاوي» الذي وضعته السيدة «قبر» الحياة.
(٢-٧) بوباسطة
(٢-٨) تل الناقوس
(٢-٩) نوب طحا
ملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح-أب-رع» ابن الشمس «بسمتيك» معطى الحياة، لقد عمل أثرًا لوالده «آتوم» صاحب «عين شمس»، وسيد المأوى العظيم فأمر أن يقام له محراب مقدس من الجرانيت الأحمر، وعمل …
(٢-١٠) عين شمس
(٢-١١) منف
(٢-١٢) السربيوم٣١
منذ أن حفر «رعمسيس الثاني» النفق الذي تحت الأرض المسمى «السربيوم»؛ ليكون مدفنًا للثيران المقدسة، نجد أن كل الملوك الذين حكموا في «منف» لم يَفُتْهم أن يزينوا هذا «السربيوم»، ويحتفلوا عند إقامة شعائر دفن هذه العجول بكل أبهة وعظمة، فكان يحنط جسم «أبيس» بكل دقة وعناية، ثم يوضع في تابوت من الخشب أو الحجر الصلب، ثم تفتح فوهة القبة المخصصة للدفن، ويوضع فيها التابوت ثم تبنى ثانية، وكانت تقام لوحة تذكارية ينقش عليها استرحامات وصلوات على روح من أقاموها.
وكانت هذه اللوحة تسند على الجدار الجديد الذي أقيم لسد فوهة القبر، وتوضع عند أسفل الصخرة المجاورة للقبر، أو على رقعة الممر أو في أي مكان يكون تحت أنظار كبار رجال الدولة والعمال والكهنة، الذين اشتركوا في الاحتفال بدفن العجل «أبيس» المتوفى، ومن ثم نجد أن الممر أو الرواق الذي كان يخترق الجبانة قد تحول شيئًا فشيئًا إلى إدارة سجلات، كانت تدون فيها كل أسرة من أسر الملوك المصريين أسماءها في أية مناسبة تسنح عند دفن «أبيس» جديد.
وهذه السجلات قد كشف عنها الأثري «مريت باشا» في حالة تكاد تكون سليمة على الرغم مما أصابها من يد الإنسان المخربة. وهذه السجلات تشمل نقوشًا من عهد ملوك «بوبسطة»، ومن عهد الملك «بوكوريس» وحتى من العهد «الكوشي» (الأثيوبي)، فنجد أن «تهرقا» عندما هدد بالغزو الآشوري قد مكث في «منف» قبل وفاته بسنة (راجع مصر القديمة الجزء الحادي عشر).
في السنة الثانية والخمسين من عهد جلالة هذا الإله الطيب (بسمتيك الأول يأتي بعد ذلك ألقابه الخمسة).
وتدل شواهد الأحوال على أن رأي كل من «ماسبرو» و«بوريه» هو الأصح.
- اللوحة الأولى: (راجع Mariette, les Serapeum du Memphis III
Pl. 36; Revillout Rev. Egypt. III, 138; Chassinat Rec.
Trav. 22, P. 191; and Br. A. R. IV 959)
صنعت من الحجر الجيري وهي مستديرة من أعلاها، ويشاهد في النصف
الأعلى منها صورة العجل «أبيس» سائرًا نحو اليمين. وفي النصف
الثاني متن اللوحة، وهذا المتن هام إذ منه نفهم أن الملك
«تهرقا» كان يحكم قبل «بسمتيك» مباشرة أو بعبارة أخرى نفهم أن
«بسمتيك الأول» قد تجاهل حكم الملك «تانو تأمون». وقد كان موت
العجل قبل بداية السنة الحادية والعشرين من حكم «بسمتيك
الأول»، وقد ظل على قيد الحياة إحدى وعشرين سنة وشهرين وسبعة
أيام. ولما كان هذا العجل قد ولد في السنة السادسة والعشرين من
حكم الملك «تهرقا»، فإنه من البدهي أن «تهرقا» هذا كان قد سبق
«بسمتيك الأول» في حكم البلاد بمدة بينهما تبلغ شهرًا أو
شهرين. وهذه اللوحة هامة تظهر أن سني حكم الملك تتفق مع سني
التقويم المدني. وقد مات العجل في السنة الواحدة والعشرين —
الشهر الثاني في السنة العشرين من حكم «بسمتيك». وعند نهاية
السبعين يومًا الاحتفالية دفن العجل في اليوم الخامس والعشرين
من الشهر الثاني من السنة الواحدة والعشرين من حكم هذا الملك.
وبدهي أن الانتقال من السنة العشرين إلى السنة الواحدة
والعشرين قد وقع في يوم أول سنة جديدة (راجع
Br. A. R. IV §
984).
ترجمة اللوحة:
تاريخ «أبيس»: السنة العشرون — الشهر الرابع من الفصل الثالث الحصاد (الشهر الثاني عشر) اليوم الواحد والعشرون، في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح-أب-رع» من جسده «بسمتيك الأول» صعد جلالة «أبيس» الابن الحي إلى السماء، وهذا الإله قد قيد في سلام إلى الغرب الجميل (أي: الجبانة) في السنة الواحدة والعشرين — الشهر الثاني من الفصل الأول (فصل الفيضان) في اليوم الخامس والعشرين، وكان قد ولد في السنة السادسة والعشرين من حكم الملك «تهرقا»، وقد استقبل في «منف» في الشهر الرابع من الفصل الثاني «فصل الزرع» في اليوم التاسع من الشهر، وبذلك يكون عمره واحدًا وعشرين سنة وشهرين وسبعة أيام.
- اللوحة الثانية من لوحات «السربيوم الخاصة بعهد بسمتيك»: (راجع Chassinat Rec. Trav. XXII. P. 20-21;
Br. A. R. IV §§ 974–9; L. R. IV. P. 74)
هذه اللوحة عثر عليها في «السربيوم» بمنف وهي محفوظة الآن
بمتحف «اللوفر» (No. 193)، وهي
مستديرة في أعلاها ومصنوعة من الحجر الجيري، ويشاهد في نصفها
الأعلى صورة العجل «أبيس آتوم» بقرنيه وكتب فوق رأسه «معطى
الحياة كلها»، وقد مثل سائرًا نحو اليمين وأمامه مائدة قربان
والملك «خنم-أب-رع» الإله الطيب رب الأرض راكعًا، وخلف الملك
صورة زوجة واسمها «حور منيت»، وفوق هذا المنظر صورة السماء
بقرص الشمس المجنح. وما جاء في هذه اللوحة من نقوش يدل على أن
«أبيس» ولد في السنة الثالثة والخمسين من عهد «بسمتيك الأول»
قد توج في السنة الرابعة والخمسين من حكم هذا الملك، ومات في
السنة السادسة عشرة اليوم السادس من شهر «بابة» من عهد الملك
«نيكاو الثاني»، وكان عمر هذا العجل وقت مماته ست عشرة سنة
وسبعة أشهر وسبعة عشر يومًا، وعلى ذلك لم يكن قد عاش إلا سنة
ونصف السنة، قبل تولي «نيكاو الثاني» مقاليد الحكم، وعلى ذلك
يكون قد حكم «بسمتيك» بالضبط أربعًا وخمسين سنة، ويظن الأستاذ
«برستد» أن «بسمتيك الأول» لم يمت في اليوم الأخير من السنة
الرابعة والخمسين من حكمه، بل مات في أوائل السنة الخامسة
والخمسين من سني حكمه. وهو يقول في ذلك: إن هذه اللوحة تقدم
لنا البيانات لحساب المدة المضبوطة لمدى حكم الملك «بسمتيك
الأول». فقد مات هذا العجل «أبيس» بعد أن عاش ست عشرة سنة
وسبعة أشهر وسبعة عشر يومًا، في السنة السادسة عشرة اليوم
السادس من الشهر الثاني من عهد «نيكاو»، ومن ثم نرى أن معظم
حياته قد وقعت في عهد الملك «نيكاو»، وقد كان عمره سنة واحدة
وستة أشهر وأحد عشر يومًا فقط عند تولية «نيكاو»، وهذه المدة
من حياته تنطبق مع السنة الأخيرة وستة الأشهر والأحد عشر يومًا
من حياة سلف «نيكاو» وهو «بسمتيك الأول»، والآن لما كان «أبيس»
قد ولد في السنة الثالثة والخمسين من عهد «بسمتيك الأول» في
اليوم التاسع عشر من الشهر السادس، فإن المجموع الكلي لحكم
«بسمتيك الأول» هو حاصل جمع ما يأتي:
٥٢ سنة ٥ أشهر ١٩ يومًا = ٥٤ سنة كاملة ١ سنة ٦ أشهر ١١ يومًا وهذا يدل على أن «بسمتيك» قد حكم عددًا تامًّا من السنين، غير أنه لا يمكننا أن نفرض أن «بسمتيك» قد مات في اليوم الأخير من سني حكمه، وأن الكسر من تلك السنة غير التامة كان قد حسب بعد وفاته في السنة الأولى من عهد خلفه «نيكاو»، ومن ثم يظهر جليًّا أن سني حكم الملك في عهد الأسرة السادسة والعشرين كان يبتدئ في أول يوم من السنة الجديدة. وقد وصلنا إلى نفس النتيجة من مضمون لوحة «السربيوم» الأولى من عهد «بسمتيك الأول» كما ذكرنا آنفًا.
وهاك نص اللوحة:السنة السادسة عشرة — الشهر الرابع — من الفصل الأول (فصل الفيضان) — اليوم السادس عشر من الشهر في عهد جلالة الملك حور المسمى (المسمى) حكيم القلب، ملك الوجه القبلي والوجه البحري (هذا اللقب وضعه الكاتب خطأ من حيث ترتيب الألقاب الملكية) حظي الإلهتين (المسمى) المنتصر، حور الذهبي (المسمى) محبوب الآلهة، «واح أب رع» من جسده ومحبوبه (المسمى) «نيكاو»، عاش أبديًّا محبوب «أبيس» بن «أوزير».
دفن «أبيس»
يوم دفن هذا الإله. هذا الإله قد اقتيد في سلام إلى الجبانة؛ ليأخذ مكانه في معبده في الصحراء الغربية التابعة لحياة الأرضين (= منف) بعد أن عمل له كل ما يعمل في البيت المطهر، كما كان قد عمل سابقًا (لغيره من العجول المقدسة).
حياة «أبيس»
ولد في السنة الثالثة والخمسين — الشهر الثاني من الفصل الثاني (فصل الزرع) اليوم التاسع عشر من الشهر في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح-أب-رع»، ابن «رع» (المسمى) «بسمتيك الأول» المنتصر. وقد استقبل في بيت «بتاح» في السنة الرابعة والخمسين الشهر الثالث من الفصل الأول (فصل الفيضان) اليوم الثاني عشر. وقد فارق الحياة في السنة السادسة عشرة — الشهر الثاني من الفصل الأول (فصل الفيضان) اليوم السادس، ومجموع مدة حياته كان ست عشرة سنة وسبعة أشهر وسبعة عشر يومًا.
قبر «أبيس» – تجهيزه
إن جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نيكاو» العائش إلى الأبد قد عمل كل التوابيت، وكل شيء ممتاز ومفيد لآلهة الفاخر هذا. فقد بُني له مكانه في الجبانة من الحجر الجيري من عيان وهي بضاعة ممتازة. ولم يوجد قط من قبل مثل ذلك منذ الأزل؛ وذلك لأجل أن يمنح كل الحياة وكل الثبات وكل السرور والصحة وفرح القلب مثل «رع» أبد الأبدين.
(٢-١٣) رشيد
(٢-١٤) العرابة
- (١) رأس صغير من الحجر الجيري يحتمل أنه للملك «بسمتيك الأول» (راجع Ayrton Currelly and Weigall, Abydos Pl. XXVII (2) cf P. 52).
- (٢) عثر في المعبد الصغير على جزء من عتب مثل فيه «بسمتيك الأول» «أوزير نب عنج» (أوزير رب الأحياء) و«حور»، كما مثلت «نيتوكريس» أمام «أوزير وننفر» و«أزيس» مع اسم «بدي حور» حاكم المدينة وهو محفوظ بالمُتْحَف المصري (راجع Porter and Moss, v P. 70).
(٢-١٥) قفط
(٢-١٦) تل إدفو
(٢-١٧) الكرنك
- (١) وجد على جدران ميناء «الكرنك» نقشان يدلان على ارتفاع النيل في عهده في أول السنة العاشرة وفي السنة الحادية عشرة، كما كانت عادة الملوك في تدوين مقاييس النيل في عهدهم (راجع Legrain, A. Z. XXXIV. P. 116, 117)، هذا وقد دون كذلك مقياس النيل في السنتين السابعة عشرة والتاسعة عشرة من حكمه على نفس الميناء (راجع Ibid. P. 117).
- (٢) معبد «موتنو»: وفي معبد «موتنو» بالكرنك (راجع A. S. XXIV. P. 85). نقشت طغراءات «بسمتيك الأول» وابنته «نيتوكريس» على عرش الكرنك من جهة الشمال، كما نقشت طغراءات «نيكاو» و«بسمتيك الثاني» و«إبريز».
- (٣) وفي الكرنك وجد نقش على الصخر في معبد «خنسو» باسم «بسمتيك الأول» (راجع Prisse, Monuments 35, 4; Wiedemann Gesch. P. 619).
- (٤) ووجد للملك «بسمتيك الأول» جزء من تمثال محفوظ بالمُتْحَف البريطاني نقش عليه: الإله الطيب رب الأرضين، فاعل الخيرات «واح أب رع» (راجع Guide Maspero. P. 222 No 801).
- (٥) وفي معبد «آمون» يشاهد على بوابة الملك «حور محب» (أي: البوابة العاشرة) طغراء الملك «بسمتيك الأول»، وقد لوحظ أن اسم هذا الملك قد كتب مكان اسم ملك آخر بعد محوه بدقة (راجع A. S. XI 4. P. 14-15).
- (٦) وكذلك وجد اسم هذا الملك منقوشًا على قطعة حجر في معبد الإلهة «موت» مع ملوك آخرين (راجع Benson and Gourlay, Pls. XX-XXII. PP. 370).
- (٧) عثر لهذا الملك كذلك على آنية في صورة قلب في معبد «الكرنك»، وهي محفوظة بالمُتْحَف المصري (راجع Rec. Trav. XIV. P. 38). وقد نقش الجزء الأعلى من هذه الآنية صور وأسماء بعض الآلهة، وعلى الجزء الأسفل صيغة دعاء ديني للملك «بسمتيك» الإله الطيب «واح أب رع» ابن رع «بسمتيك» عاش أبديًّا.
- (٨) ويوجد في متحف «فينا» قطعة من البرنز عليها اسم «بسمتيك الأول» (راجع Rec. Trav. IX P. 53)، ويقول «بتري»: إن ألواح البرنز التي كتب عليها اسم الملك «بسمتيك الأول»، وهي المحفوظة بمتحفي «فينا» و«القاهرة» عثر عليها كذلك في «الكرنك» (Petrie, Hist. III. P. 326).
(٢-١٨) مدينة «هابو»
-
(١)
وجد في مدينة «هابو» تمثال فخم للإله «أوزير» مصنوع من البازلت الأسود طوله ١٫٥٥ مترًا، وقد نقش على قاعدته متن من عهد الملك «بسمتيك الأول» وابنته «نيتوكريس» المتعبدة الإلهية، وعلى ظهر التمثال نقش متن يذكر فيه «أوزير» ألقابه هو ومناقبه في كل جهات القطر (راجع Rec. Trav. XVII. P. 118).
-
(٢)
وكذلك وجدت في هذا المعبد نقوش باسم الملك «بسمتيك الأول» على عمود ومعه ابنته «نيتوكريس» (راجع Champ. Notices Desc. 1, 229; and L. D. Texte III, P. 157).
(٣) رجال عصر «بسمتيك الأوَّل»
ظهر في عصر الملك «بسمتيك الأول» عدة شخصيات كان لهم شأن عظيم في البلاد، وخلفوا وراءهم عدة آثار تكشف النقاب بعض الشيء عن عصر هذا الملك. ونخص بالذكر منهم غير من جاء ذكره من قبل من يأتي:
(٣-١) سمتاوى تفنخت٣٣
قربان يقدمه الملك للإلهة «باستت» والإلهة «أهناسيا المدينة»؛ ليكون له نصيب من كل ما يظهر على مائدة القربان، الأمير والحاكم و«المشرف على الجنوب» (المسمى) «سمتاوى تفنخت» بن الملك.
قربان يقدمه الملك للآلهة والإلهات الذين في معبد الإلهة «نيت»؛ ليعطوا كل شيء طاهر من كل ما يظهر على مائدة قربانهم روح الأمير الوراثي والحاكم في كل أماكنه (المسمى) «سمتاوى تفنخت».
«خادمه الحقيقي في سويداء قلبه، والأمير الوراثي والحاكم المشرف على الأسطول الملكي» «سمتاوى تفنخت».
هذا ونجد منقوشًا على كتفه اليمنى لقبه، وعلى اليسرى: «ابن رع» «بسمتيك الأول»، ونلحظ أن الألقاب المنقوشة على هذين الأثرين السابقين ليست موحدة، غير أن اسم صاحبها نادر جدًّا مما يجعل من الصعب علينا أن نعدهما شخصين مختلفين، وذلك على الرغم من أن واحدًا منهما وجد في «أهناسيا المدينة»، والثاني في «سايس» «صا الحجر». ومن المحتمل أن التمثال الأخير عمل هدية منحها «بسمتيك الأول» لهذا الرجل العظيم، وذلك بعد أن أتم الرحلة الميمونة التي تحدثنا عنها عند الكلام على لوحة «نيتوكريس» ابنة «بسمتيك»، وهي التي تبنتها «شبنوبت» المتعبدة الإلهية «لآمون» ابنة «بيعنخي»، والأخيرة قد انتخبت «نيتوكريس» (أو بعبارة أصح فرضت عليها) ابنة «بسمتيك الأول». وقد كان على «نيتوكريس» التي كانت تسكن الوجه البحري أن تذهب إلى عاصمة الجنوب «طيبة» مقر المتعبدات الإلهيات. ولما أراد «بسمتيك» أن تكون رحلة ابنته ذات أهمية سياسية نفذها بأبهة بالغة وعظمة فائقة. وقد وصفت لنا نقوش رحلة «نيتوكريس» هذه في لوحتها التي تركتها لنا مؤرخة بالسنة التاسعة من عهد والدها، وذلك في الثامن والعشرين من شهر «توت». وكان موكبها يسير في النيل مؤلفًا من عدة سفن محملة بالهدايا لمعابد «طيبة»، وكان يصحب الأميرة أعظم موظفي الدولة.
(١) محبوبة الملك … «سمتاوى تفنخت». (٢) المشرف على كهنة الإله «حرشف» (المسمى) «سمتاوى تفنخت». (٣) الأمير الوراثي والحاكم والسمير الوحيد …
ومما هو جدير بالملاحظة أن اسم «سمتاوى تفنخت» كان شائعًا في هذا العهد، وذلك تيمنًا باسم «تفنخت» الأمير العظيم الذي لعب دورًا هامًّا في تاريخ مصر في العهد الكوشي، وسنعود إلى التحدث عن هذا العظيم في سياق الكلام عن قصة ظلامة «بتيسي».
(أ) ظلامة «بتيسي»
- (أ) تبتدئ الورقة بذكر حوادث السنة التاسعة وما بعدها من عهد «دارا» عاهل «الفرس»، فقصت حقائق غير زمنية عن أسباب خراب «توزوي» (الحيبة)،٣٥ وعن الآلام التي قاساها «بتيسي» صاحب القصة وسجنه، وما يتبع ذلك من هجوم غادر قام به الكهنة، ثم تظلمه مما حدث له للحاكم أو «الشطربة» وقتئذ وطلبه إليه حمايته، وتكلم عن حرق بيته انتقامًا منه. ثم ينتهي الأمر بعودته إلى بلدته «توزوي» (الحيبة الحالية)، وذلك بعد أن غاب عنها أكثر من عام، ولكن على شرط تعهد أولي الأمر له بسلامته وحمايته، غير أنهم اشترطوا عليه ألا تعوض له الخسائر التي حاقت به، كما أنه لن يلتفت إلى أي حق من الحقوق التي ادعى أنه ورثها عن أجداده في معبد «توزوي».
- (ب)
والجزء الثاني من هذه البردية هو بيان أشير إليه في صلب الورقة، وقد أعده «بتيسي» للحاكم ليظهر له كيف أن علاقة أسرته ببلدة «توزوي» كانت قد بدأت في السنة الرابعة من حكم «بسمتيك الأول»، وقد قص في هذا البيان تاريخ هذه العلاقة بالتطويل حتى السنة الرابعة من حكم الملك «قمبيز»؛ مما وضع أمامنا صفحة رائعة عن الحياة الدينية في تلك الفترة من تاريخ البلاد. وإذا كان التقرير الأصلي كما هو المحتمل استمر في سرد القصة حتى السنة التاسعة من حكم الملك «دارا» الفارسي، فإن هذا الجزء من القصة قد حذف؛ لأنه حل محله وكمله الجزء (١) وقد أضيف في نهاية هذا البيان وثائق أخرى وهي:
- (جـ)
نسخ بالخط الهيراطيقي لنقشين بالهيروغليفية مؤرخين بالسنتين الرابعة عشر والرابعة والثلاثين من حكم الفرعون «بسمتيك الأول» على التوالي. وكل منهما يتحدث عن تخفيف عبء ضريبة المعبد بألفاظ موحدة، ولكن مع تفسيرات هامة في ألقاب الموظفين اللذين ظهرا فيهما، وهما «بتيسي» رئيس السفن و«بتيسي» وكيله في بلدة «توزوي». والأخير على حسب ما جاء في الظلامة هو «بتيسي الأول» جد «بتيسي» مقدم الظلامة، وقد محيت نقوش اللوحة الثانية عن سوء قصد بيد الكهنة؛ لأجل القضاء على ما يثبت حق «بتيسي» الأول في معبد «توزوي».
- (د)
نسخ أغان أوحى بها «آمون» عندما اقترب من اللوحة المشوهة. وكانت قد نقشت بعد هجوم فظيع قام به الكهنة على أسرة «بتيسي»، وصفح عنهم بكل كرم وعزة. ولا نزاع في أنه يفهم من مطلع البردية أن هذا المتن بحذافيره كان رواية قصها «بتيسي الثالث»، وأنه قد أعدها للحاكم أو لموظف آخر من كبار الموظفين لأجل أن يستعملها في ظلامة جديدة؛ وذلك لأن نتائج الظلامة القديمة قد أخفقت في إرضاء الشخص الذي أصابه الضر.
ويلحظ في هذه البردية أن أهم شخص اتصل به «بتيسي» كان يطلق عليه لقب «الحاكم»، كما ورد في الترجمة، غير أن قراءة ومعنى هذا اللقب الذي أشير إليه به وحده في الأصل غير معروفين. ونعلم من سياق الكلام أن مقره كان «منف» عاصمة الملك، ومن المحتمل أنه كان «الشطربة» نفسه، وعلى أية حال فإنه لا يمكن أن يكون واحدًا من الرؤساء أتباعه. هذا ويلحظ أنه في فقرة من فقرات الورقة قد ذكر «الحاكم» و«سيد مصر» معًا، ومن المحتمل أن الأخير هو «الشطربة»، ولكن الأرجح أنه هو «الملك العظيم» نفسه (أي: ملك الفرس) ولم يظهر الحاكم في الأطوار الأولى من القصة، وعلى ذلك فإنه يمكن أن يكون تبعًا — كما هي الحال مع الشطربة — لإدارة الدولة الفارسية، التي أعاد تنظيمها «دارا» ملك الفرس وقام بنفسه على تنفيذها.
آه ليت آمون يمد حياته٣٦
أما عن الرجال الذين وضعت الأغلال في أيديهم (؟) في هذه البلدة، فإنه ليس من واجبنا (٧) إذا كان رجال في هذه البلدة غيرهم (لم يوضعوا في السجن)، فقال له «أحمس»: من منهم الذي يمكنني أن أسأله ليجيبني عن الكيفية التي خربت بها البلدة؟ فقال له «زوبستفعنخ» مدير المعبد الإداري:
لا يوجد رجل في مقدوره (٩) أن يخبرك عن الكيفية التي خربت بها هذه البلدة، إلا «بتيسي» بن «إسمتو» كاتب المعبد، (١٠) وأنه هو الذي سيقول الصدق.
(٤ / ١) وأخذ الكهنة الست عشرة حصة، وقسموها بين طوائف الكهنة وقد كان نصيب كل طائفة أربع حصص. فقال لي الحاكم: إن هذه الحوادث التي تسردها عديدة (٢). اعمد إلى بيتك أرجوك ودع «سمتاوى تفنخت» يعطك إضمامة بردي واكتب فيها كل شيء قد حدث (٣) لآبائك منذ الوقت الذي كانت فيه هذه الحصة ملكهم. اكتب الطريقة التي أخذت بها من والدك، وكذلك هذه الحصص الأخرى، واكتب الأحداث التي وقعت لك من ذلك الحين حتى الآن. (وهذا هو ما سنجده في الوثيقة ب التي ستأتي بعد). وفي اليوم التالي أخذت إضمامة بردي (٥) في يدي، واتفق أنه حدث في أثناء ذلك أن كنت أكتب الأشياء التي أخبرني الحاكم أن أكتبها، فجاء الكهنة إلى مدخل البيت الذي كنت فيه قائلين: «بتيسي» هل مر بخاطرك أن الحاكم قد أمر بضربنا بسببك؟ بحياة «برع» إنه لم يأمر بضربنا بسببك؛ بل أمر بضربنا لأنه أرسل إلينا مرة (؟) ولم نحضر، فتحدث إليهم قائلًا: بحياة «بتاح» إن ذلك (٨) قد حدث فعلًا (هكذا)، وأنكم سوف ترون العقاب الذي سيوقعه عليكم بسببي؛ لأني لم أعرف أن «سمتاوى تفنخت» قد جعل (٩) الحاكم يصرفهم.
(وعندما) أتى المساء وخرج «سمتاوى تفنخت» من بيت السجل (أي: مكتب أعمال عامة) أخذت له البردية التي كتبتها قائلًا: اقرأها فقال هو: (١٠) لقد قلت لنفسي: أما من جهة الكهنة فإن الحاكم صرفهم، وقد ذهبوا بعيدًا وليس هناك فائدة لك من أخذ بردية إليه. وهل سيكون معنى ذلك أنه سيرسل إليهم ثانية؟ وعندئذ بكيت أمام «سمتاوى تفنخت» قائلًا: «هل أتيت لأمضي سبعة أشهر هنا متظلمًا للحاكم ولعظماء رجاله كل يوم من أجل هاتين الجلدتين بالسوط اللتين نالهما هؤلاء الكهنة، وتقول لي: لقد كنت بطيئًا، فعندما أرسلت إليك لمْ تأتِ؟ بحياة «برع» لقد أتيت لأتظلم للحاكم (١٤) ليمنع طردي؟ أبدًا من بيتي ثانية. ولم أكن أعرف أنهم قد عملوا تنازلًا إلى «سمتاوى تفنخت» بأخذه حصة، كما أفهم لن ينفكوا قط عن (١٦) احترامك! تعال حتى أجعل «أحمس» كاهن «حور» يكتب إليهم رسالة ولأكتب إليهم رسالة رفيقة (؟) أيضًا، وأنهم سيحترمون هذه الرسالة (١٧) أكثر من رسالة الحاكم. وأتى معي إلى «أحمس» كاهن «حور»، وجعله يكتب رسالة وكتب هو رسالة لهم بنفسه.
(١٨) وبعد ذلك صرفوني وأتيت جنوبًا، ووصلت إلى «أهناسيا» (وتأمل) لقد وجدت … ابن «بتيسي» و«أحمس حانوراس» (١٩) أتيا شمالًا فقالا لي: هل أنت «بتيسي»؟ هل تذهب إلى «توزوي»؟ لا تتعب نفسك (٢٠) لقد أحرق بيتك! وأتيت شمالًا، وصرخت عاليًا للحاكم قائلًا: إن بيتي قد أحرق!
(٥ / ١) فقال لي: بفعل من؟ فقلت له: بفعل هؤلاء الكهنة الذين كنت اتهمتهم أمامك منذ سبعة أشهر حتى الآن، (٢) وهم الذين قد سمح لهم بالذهاب دون أن يعاقبوا. وعلى ذلك أمر الحاكم بطلب «أحمس» بن «بتحارمبي» قائلًا: سافر إلى (٣) «توزوي» مع «بتيسي»، وأحضر إلى الكهنة الذين أشعلوا النار في بيته. وقد أمضى «أحمس» عدة أيام (٤) قائلًا: سأذهب جنوبًا معك، ولكني اضطررت لإعفائه ثانيةً (من السفر معي). وذات يوم أتى إلى «أحمس» كاهن الإله «حور»، ونادى (٥) «واح أب رح مرى رع» (؟) وهو رجل أعمى قائلًا: اذهب إلى «توزوي»، وأحضر هؤلاء الكهنة الذين يتهمهم «بتيسي»، فأتى «واح أب رع مرى رع» إلى «توزوي»، وكان قد أعطي خمسة قدات من الفضة، ولكنه لم يحضر كاهنًا واحدًا معه شمالًا إلا «ينحارو» بن «بتحابي» رئيس المعبد الإداري، وقد سألوا «ينحارو» بن «بتحابي» ما الذي سبب حرق بيت (٨) «بتيسي»؟ فقال: لا أعرف. فأمرا بجلد «ينحارو» بن «بتحابي» فجلد خمسين جلدة ثم تركوه.
وقد أمضيت عدة أيام في المسألة (؟) متظلمًا وراجيًا يوميًّا، ولكنهم لم ينهوا شيئًا لي كما أنهم لم يتركوا «ينحارو» بن «بتحابي» يذهب وهو الرئيس الإداري للمعبد. وقال لي «أحمس» كاهن «حور»: هل ستموت من أجل هذه القضية؟ تعال حتى أجعل «ينحارو» (١١) مدير المعبد الإداري يحلف لك قائلًا: «سأذهب وأعطيك حقك في كل مسألة لك.» وجعل «أحمس» كاهن «حور» «ينحارو» بن «بتحابي» يحلف لي قائلًا: سأذهب (١٢) وأعطيك حقك في كل شيء لك.
وترك كاهن «حور» وشأنه. وأتيت إلى «توزوي» مع «ينحارو» بن «بتحابي» مدير المعهد الإداري، ولكني لم أنل حقي (فعلًا)، بل (١٣) كنت آخذ أناسًا لهم لأجعلهم يتصالحون معي.
شرح وإيضاح لمحتويات البردية
ننتقل بعد ذلك إلى سرد تاريخ العلاقات المبكرة بين أسرة «بتيسي» هذا؛ أي «بتيسي الثالث» مع معبد «توزوي». وقد بدأت كما يقصها علينا من السنة الرابعة من عهد «بسمتيك» الأول إلى عهد «قمبيز»، وقد دونها لنا «بتيسي الثالث»، وهو المتظلم، على حسب أمر الحاكم أي: الشطربة كما ذكر من قبل. والواقع أنها قصة طريفة طويلة تحدثنا بوقائع غاية في الأهمية عن الحياة المصرية، وبخاصة في المعبد وفي مصالح الحكومة في عهد الأسرة السادسة والعشرين، وبداية العهد الفارسي في مصر.
- (أ)
القسم الأول: وقع في باكورة عهد الملك «بسمتيك الأول»، عندما كان جنوب البلاد يحكمه عظماء يلقب كل منهم رئيس السفن، وكان مقره «أهناسيا»، وكان «بتيسي الأول» وقتئذ مفتشًا تحت إدارة عمه رئيس السفن، ويقوم بإصلاح معبد «توزوي» المتداعي. وقد تولى «إسمتو الأول» بن «بتيسي الثاني» وظيفة كاهن «آمون» في «توزوي» وتاسوعه.
- (ب)
والقسم الثاني: جاءت حوادثه في عهد «بسمتيك الثاني»، وذلك أن «بتيسي الثاني» قد صاحب الحملة التي قام بها هذا الفرعون إلى أرض «خارو» (سوريا)، وفي أثناء غيبته استولى الكهنة في «توزوي» على وظيفة كاهن «آمون» التي كان يشغلها وأعطيت ابن حاكم المقاطعة. ولكن بسبب موت الملك لم يكن في مقدور «بتيسي» عند عودته من «سوريا» استرجاع وظيفته (١٤ / ١٦-١٦ / ١).
- (جـ)
والقسم الثالث من القصة تقع حوادثه في حكم «أحمس الثاني» (أمسيس)، فنجد أن المشرف على الأرض المنزرعة يستولي لحساب الحكومة على جزيرة «توزوي» التي كان يزرعها الكهنة، وقد حصل الكهنة على مساعدة أحد رجال البلاط أصحاب السلطان ويدعى «خلخنس»، وذلك في مقابل منح وظيفة كاهن «آمون» لأخيه. ولكن نرى أن حامل هذه الوظيفة يقدم المستندات التي تبرر له حق شغلها، غير أن «إسمتو الثاني» بن «بتيسي الثاني» الذي كان ادعاؤه لهذه الوظيفة يقف عقبة في سبيل الكهنة قد تجنب إرغامه على التنازل بالهرب، وكان ابنه «بتيسي الثالث» يعمل مساعدًا لمفتش في الحكومة، وبوساطة تدخل هذا المفتش أعيد إلى وطنه مع ضمان سلامته، وهكذا استمرت الأمور حتى بعد الفتح الفارسي (١٦ / ١–٢١ / ٩).
الجزء الأول من القصة: في عهد الملك «بسمتيك الأول»
يحصل «بتيسي الأول»، على وظيفة كاهن «آمون» في «توزوي»، وقد ورثها عنه ابنه «إسمتو الأول»، ثم حفيده «بتيسي الثاني» (٥ / ١٤-١٤ / ١٦).
وظيفة رئيس السفن في هذا العهد
وقبل أن نبدأ ترجمة هذا الجزء لا بد لنا من التحدث عن وظيفة رؤساء السفن في هذه الفترة من تاريخ البلاد المصرية وما لها من أهمية.
والواقع أن هذه القصة تحتوي على إشارات عدة إلى موظفين كبيرين، وهما «بتيسي» بن «عخشيشنق» وابنه «سمتاوى تفنخت»، وهما اللذان ورثا بالتوالي وظيفة رئيس السفن كما وكل لكل منهما حكومة «بتورس» (أو الوجه القبلي). وقد وصف الأول وهو «بتيسي» بأنه ابن كاهن «آمون رع» ملك الآلهة وهو «آمون» الطيبي، وعلى أية حال فإنه قد ضم إلى بلاط الفرعون دون أن يتلقى تعاليم كهانة «آمون»، بل أصبح كاهن «أرسافيس» إله «أهناسيا» (حرشف) و«سبك» إله «كروكود بوليس»، وهي «أرسنوي» فيما بعد، وتقع بجوار الفيوم. ومنذ السنة الرابعة من حكم «بسمتيك الأول» طلب المساعدة في عمله بسبب تقدمه في السن! ولا بد أن حياته في البلاط قد بدأت في عهد ملك آخر، ويحتمل أن ذلك كان في زمن «تهرقا» أو أحد صغار الأمراء في عهده في مصر الوسطى. وسنتحدث عن أهمية «أهناسيا» فيما بعد، ووظائف الكهنة التي شغلها «بتيسي» تذكرنا بوجه خاص بما قاله «هردوت» عن «اللبرنته» (راجع مصر القديمة الجزء الثالث)، وتقع في منتصف الطريق بين «أهناسيا» و«الفيوم» أي: على بعد حوالي عشرين كيلومترًا من كل منهما، وقد مثلت بأنها الأثر المشترك والمعبد لحكومة «الدوديكانيشي» (أي: حكومة الاثني عشر).
وقد منح «بتيسي» ملتمسه في السنة الرابعة من الملك، فأصبح في مقدوره أن يبقى في «أهناسيا» هادئًا مطمئنًّا حاكمًا في حين كان ابن أخيه المسمى كذلك «بتيسي» يقوم بعمل التفتيش الفعلي له.
وتحتوي الورقة على نسخة من لوحة مؤرخة بمدة إدارة «بتيسي» في السنة الرابعة عشرة من حكم «بسمتيك الأول». هذا ونصادف رئيس السفن هذا ثانية في السنة الخامسة عشرة من حكم هذا الفرعون نفسه. وقد مات «بتيسي» في السنة الثامنة عشرة من عهد «بسمتيك الأول».
وعلى أثر موت «بتيسي» هذا نصب «سمتاوى تفنخت» رئيسًا للسفن، ووكل إليه حكومة «بتورس» مكان والده، وقد كان مقر حكومته كذلك في «أهناسيا» في حين كان بتيسي الأول، مستمرًّا في وظيفة مفتش لمدة سنة، والظاهر أنه قام بهذا العمل ليعطي مهلة لرئيس السفن الجديد؛ ليتمكن في وظيفته. وقد ذكر «سمتاوى تفنخت» في السنتين ١٩، ٣١ وكذلك جاء ذكره بعد السنة الرابعة والثلاثين بقليل من عهد «بسمتيك الأول». وقد انقضت فترة طويلة على هذه القصة لم يأتِ ذكرها ثانية حتى السنة الرابعة من حكم «بسمتيك الثاني»، ولم نسمع شيئًا قط عن رؤساء السفن بعد ذلك.
هذا ما كان من أمر البردية ولكن عندما نعود إلى الآثار المنشورة من هذا العصر، فإنا لا نجد فيها إشارة إلى «بتيسي» رئيس السفن، ولكن من جهة أخرى نجد أن «سمتاوى تفنخت» يظهر في نقوش عدة، وأهمها جميعًا ذلك النقش الذي يؤيد تأريخه براهين معاصرة، وأعني بذلك لوحة التبني الخاصة بتنصيب «نيتوكريس» ابنة الملك «بسمتيك الأول»، بوصفها زوج الإله في معبد الإله «آمون» بالكرنك، فقد كان الضابط الموكل إليه قيادة الأسطول العظيم، الذي رافق الأميرة من قصر الحريم في «سايس» أو «منف» إلى «طيبة» قد ذكر بوضوح على اللوحة العظيمة، فقد كان يحمل الألقاب التالية: السمير الوحيد، والحاكم لمقاطعة «نعرت» (أهناسيا المدينة)، والقائد الأعظم للجيش ورئيس السفن «سمتاوى تفنخت».
وتأريخ السنة التاسعة من حكم «بسمتيك الأول» قد خصص لهذه الحادثة موضعين من اللوحة، وبذلك لم يترك مجالًا للشك في حقيقة شخصية «سمتاوى تفنخت» الذي جاء على اللوحة، ولكن مما يؤسف له أن ذلك يعارض ما جاء في البردية التي نحن بصددها، وهي التي ذكر فيها أن «سمتاوى تفنخت» لم يخلف والده «بتيسي» إلا في السنة الثامنة عشرة من حكم «بسمتيك». وإذا اعتمدنا على صحة ما جاء في البردية بالنسبة للحقائق الرئيسية، كان في مقدورنا أن نفرض أن «بتيسي» قد اعتزل الخدمة الفعلية في الحكومة قبل السنة التاسعة، وأنه إذا كان قد استمر يحمل ألقابه وبعض سلطته، فإن ابنه يكون قد خلفه فعلًا، وذلك على الرغم من أنه ليس لدينا في البردية أي أثر لذلك. ولكن عندما نلحظ أن اسم «سمتاوى تفنختي» لم يكن متبوعًا باسم والده في أي أثر من آثاره الباقية لدينا، فإنه من الممكن أن نشك في أن «بتيسي» له أهمية كبيرة فعلًا. ونجد أن «بتيسي» المتظلم الذي جاء بعد ذلك بحوالي خمسين ومائة عام قد ادعى أن «سمتاوى تفنخت» جد عمه ورئيسه؛ ولذلك أراد أن يعظم من شأنه. فهل نفهم من ذلك أنه اختلق نقوش اللوحتين اللتين اعترف أنهما نسختان نقلهما في البردية؟ وعلى أية حال فإنه يوجد فيهما صعوبات سنتحدث عنها عندما نصل إليهما فيما بعد.
ونجد غير لوحة التبني أثرًا من الأهمية بمكان ذكر فيه اسم «سمتاوى تفنخت»، وقد تحدثنا عنه فيما سبق.
وقد لاحظنا من قبل أن «سمتاوى تفنخت» لم يذكر اسم «بتيسي» في أي من هذه السجلات.
ولا بد أن نلحظ هنا أنه على الرغم من أن رئيسي السفن قد وكل إليهما حكومة «بتورس»، والسهر على سعادته من كل الوجوه، فإنه لا يوجد أي أثر يدل على مثل هذا التعيين في مثل هذه الوظيفة لا في ألقابهما ولا في نسخ اللوحتين. وهنا تتفق البردية مع الآثار. ومن جهة أخرى نجد أن «منتومحات» الذي يظهر لنا باستمرار لقبه بوصفه المشرف على كل الجنوب، يسجل لنا نشاطه في الأمور الدينية غير أنه لا يكاد يقدم لنا أية إشارة باهتمامه في المصالح الأخرى لا في قبره، ولا على الآثار التي أهداها في معبد «موت» بالكرنك.
«أهناسيا» عاصمة الوجه القبلي في هذا العهد وأهميتها
وأهم موضوع يلفت النظر بالنسبة لمدينة «أهناسيا» في هذه الفترة، هو أن الأوراق البردية الطيبية المؤرخة بعهدي «تهرقا» و«بسمتيك الأول» على التوالي، تميز معيار الفضة بوصفه أنه «فضة خزانة» أرسفيس (حرشف). و«أرسفيس» هذا هو إله «أهناسيا» وفي العادة لا يوجد تعريف كهذا. والأوراق البردية التي وجد فيها هذا التعريف أرخت بالسنة الثالثة من حكم «تهرقا»، وبالسنة السادسة عشرة من نفس حكم هذا الملك، والسنة الثلاثين من عهد «بسمتيك الأول»، وكذلك السنة الخامسة والأربعين من حكم هذا الملك.
هذا نجد شهادتين في ورقة قد حل محل التعريف الأخير فيهما فضة خزانة «ني» (أي: طيبة). والمثال الأخير الوحيد المنشور لدينا الآن من الأسرة السادسة والعشرين المؤرخ بالسنة السادسة والثلاثين من عهد «أحمس الثاني» (أمسيس) يستعمل نفس التعبير، ونجد أن الأوراق التي من عهد «دارا» تستعمل التعبير فضة خزانة الإله «بتاح» النقية (؟) أو في مقال مبكر فضة خزانة بتاح الخاصة بالضرائب (؟).
ومن المحتمل أن الفضة كانت تضرب مثل الذهب.
ثانيًا: لم يكن قبل الفتح الفارسي، وكذلك على الأقل قبل السنة الخامسة والأربعين من حكم «بسمتيك الأول» هناك معيار من الفضة غير المضروبة في الخزانة الطيبية، ويحتمل أن ذلك كان خاصًّا بمعبد للإله «أرسفيس» هناك.
ولكن لا بد أن نتأكد بوجه عام من أنه في أزمان قبل ذلك كان معيار الفضة لكل مصر العليا، وكان تحت حراسة الإله «أرسفيس» في «أهناسيا» الكبرى. هذا وتعوزنا البراهين على ذلك حتى الآن اللهم إلا النزر اليسير، وعلى ذلك لا يمكننا أن نقطع بشيء عن المعيار الذي كان شائعًا في «مصر السفلى»، وحتى في «مصر العليا» قبل عهد «تهرقا».
ونعود الآن إلى «أهناسيا المدينة» فنتساءل لماذا كانت تعد المدينة الرئيسية في «مصر الوسطى» ومقر حكم «مصر العليا والوسطى» معًا، وكذلك لماذا كانت على ما يظهر مركزًا للأشغال المالية — إذا كان يمكن استعمال مثل هذا التعبير — لكل مصر؟ والواقع أنه إذا كان الإله «أرسفيس» حقيقة هو الإله الحامي للتجارة، فإن هذه الوظيفة التي يلقب بها هذا الإله تكون نتيجة أكثر منها سببًا لأهمية «أهناسيا المدينة» التجارية؛ وذلك لأن التربة الخصبة في هذا الإقليم الذي تقع فيه «أهناسيا» كانت واسعة وغنية. وكانت المدينة على مقربة من الطريق المؤدية إلى بحيرة «موريس» والطريق المؤدية إلى الواحات اللوبية، ولا بد أن المدخل المؤدي للفيوم في هذه الفترة من الزمن كان ضمن مقاطعة «أهناسيا المدينة». وقد برهن لنا الأستاذ «جولنشيف» على أن الجنود اللوبيين الغزاة في الأسرة التاسعة عشرة قد أتوا من طريق الواحات إلى وادي النيل في الإقليم، الذي حول «أهناسيا» وعلى ذلك كانت «أهناسيا» هذه هي المفتاح للخط التجاري الرئيسي مع «لوبيا». والواقع أن «مصر» قد حكمت لمدة عدة قرون برؤساء من أصل لوبي. وفضلًا عن ذلك فإن ذكرى الخدمات العظيمة التي أدتها «أهناسيا» للفرعون «بيعنخي»، يمكن أن تكون قد جعلت ملوك «كوش» يظهرون ميلًا خاصًّا لها، في حين أن ولاءها الحماسي لبلاد «كوش» قد جعل الآشوريين في مقابل ذلك يهملون ذكرها في قائمة حكامهم. وعلى أية حال فإننا هنا كذلك ننغمس في بحر من الحدس والتخمين.
(٥ / ١٣) آه ليت «آمون» يمد في وجوده! أخبار الحاكم للحوادث (١٤) التي حدثت لوالدي.
(والآن) في السنة (١٩) الرابعة من عهد الفرعون «بسمتيك» ذهب «بتيسي» بن «عنخشيشنق»، رئيس السفن أمام فرعون وقال: يا سيدي العظيم (٢٠) ليته يبقى مثل «برع»! لقد تقدمت في السن. ليت هذا الشيء الطيب يعمل لي أمام الفرعون أن لي زميلًا يدعى (٦ / ١) «بتيسي» بن «يتورو»، وأنه هو الذي يدير «بتورس» (الوجه القبلي)، وينمي فضتها وغلتها. وقد اتفق أن «بتورس» غني جدًّا (٢) ففضته وغلته قد ازدادت من واحد إلى واحد ونصف؛ دعه يحضر أمام الفرعون ودع شيئًا طيبًا يقال له أمام الفرعون، وليقل له: (٣) إن «بتورس» (الوجه القبلي) قد وكل إليك، وإنه موكل لي أيضًا، وفي قدرته أن يجمع الضرائب فيه.
وأحضر «بتيسي» بن «يتورو» أمام الفرعون وقال له الفرعون: (٤) إن رئيس السفن قد أخبرني «أي رجل مدهش أنت»، وقال الفرعون: دع سفينة يعطها ودع عربة يحفظها (٥) وقال له الفرعون: إنك تذهب مفتشًا إلى «بتورس» (الوجه القبلي)، وأمر بأن يوكل إليك ذلك. فقال «بتيسي»: يا سيدي العظيم إنه قد وكل به إلى «بتيسي» رئيس السفن (ولكن) الفرعون قال له: إنك موكل به كذلك، إنهم سيجعلون حسابها معك (أي إن التقارير ستوجه إليه رسميًّا) وأعطوه ذهبًا وكتانًا (٧) أمام الفرعون.
فقال له «بتيسي» رئيس السفن بحياة «آمون رع» ملك الآلهة: إن كل ذلك قد حدث (فعلًا).
(٧ / ١): وإن كل شيء تخبرني به قد اعتدت سماعة من فم أشرافنا. وأمر بإحضار كتبة المقاطعة والوكلاء، (٢) وأمر بإحضاء الرجال الذين يمكن أن يستجوبهم، وقد سئلوا جميعًا أمام رئيس السفن (أو المين) فقالوا: هل من المعتاد أن تؤخذ ضرائب من «توزوي» قبل أن يحل الزمن المشئوم؟ وقد اتفقوا كلهم قائلين: لم يكن يدفع أي شيء منها على وجه البسيطة: إنها أحد البيوت العظيمة في هذه المقاطعة. وأمر رئيس السفن بأن يضربوا ضربًا مبرحًا بسبب ذلك قائلًا: لم تخبروني قط قائلين لقد أمرنا بدفعها. وقال رئيس السفن «لبتيسي» بن «يتورو»: اذهب ومر بأخذ كتابة عن الأشياء التي دفعت من «توزوي»، منذ أن صدر الإعفاء لكل معابد «بتورس» الكبيرة، (٦) ومر برد المبلغ لكهنة «آمون» صاحب «توزوي».
وحضر «بتيسي» بن يتورو (٧) وأمر بإحضار الرجال الذين كانوا محترفين، وأعطاهم مائتي قطعة (دبن، ٢٠٠ دبن = ٤٠٠٠ درهمٍ أو أكثر من ٦٠٠ أوقية) من الفضة النقية (؟) و٢٠ دبنًا من الذهب، وأمرهم أن يصنعوها أقداحًا من الفضة والذهب للإله «آمون». وأمرهم بعمل محراب صغير «لآمون» على المحل العظيم (مقصورة الإله)، وأمر الكهنة وفاتحي المحراب وطبقات (؟) الناس الآخرين الذين لهم الحق في دخول المعبد بأن يحضروا إلى «توزوي». (٩) حتى ولو كان رجل من بينهم قد ذهب إلى «ني»، فقد أمر بإحضارهم جميعًا. وأمر بأن ترد ضياع الوقف التي وجد أنها كانت ملكًا لآمون، وأمر بإضافة ألف «أرورا» من الأرض لضياع الأوقاف الخاصة بآمون. وأمر بأن يوضع قربان وكتان أمام «آمون» وأمام «أوزير» صاحب «بوروز» (؟) وقد جعل (١١) «توزوي» فاخرة مثل أحد معابد «بتورس» العظيمة، وجعل أولاده كهنة لآمون «توزوي»، وأمر (١٢) ببناء بيت طوله ٤٠ ذراعًا وعرضه ٤٠٠ ذراع مقدسة وله حرم حوله؛ ليكون ردهته وأمر بإقامة معبده.
وذهب إلى «بتورس» مفتشًا ووصل إلى «الفنتين»، وأمر (١٤) بقطع لوحة من حجر «الفنتين»، وكذلك بقطعتين لتمثالين من حجر تمجي وأمر (١٥) بإحضارها إلى «توزوي». وذهب شمالًا ووصل إلى «توزوي»، وأمر بإحضار صناع الجرانيت (١٦) والحفارين وكتاب بيت الحياة والرسامين. وأمر بأن توضع الأعمال الطيبة التي عملها في «توزوي» على (١٧) اللوحة وأمر بصنع تمثاليه من حجر تمجي راكعين (؟) على أقدامهما، وصورة «آمون» في حجر واحد منهما، وصورة «أوزير» في حجر التمثال الآخر، وأمر بأن يوضع واحد عند مدخل محراب «آمون»، وأمر بأن يوضع الآخر عند مدخل محراب «أوزير».
وذهب «بتيسي» (٢٠) بن «يتورو» إلى «أهناسيا»، ووقف أمام رئيس السفن وقدم له تقريرًا عن كل شيء فعله في «توزوي».
ثم أتى «بتيسي» بن «يتورو» جنوبًا، ووصل إلى مقاطعة «البهنسا» مفتشًا.
وقد وجد كاهنًا «لآمون رع» ملك الآلهة كان قد أرسله كهنة «آمون»؛ لأجل رعي الماشية والإوز التي كانت تقدمها المقاطعة. وكان اسمه «حاروز» بن «بفتوعوباستي». وقد اتفق أن مدير خزانة «آمون» كان هو اللقب الذي أُعطي للكاهن الذي أرسل من أجل الرعي خلال الوقت الذي أرسل فيه للرعي. وقد أحضر «بتيسي» بن «يتورو» «حاروز» بن «بفتوعوباستي» مدير خزانة «آمون» معه إلى «توزوي»، وجعله يتناول الطعام معه في بيته الذي أمر ببنائه في توزوي. وجعل زوجه وبناته يحضرن، (٨) وشربوا معهن جعة (أي: أولموا وليمة).
وقد رأى «حاروز» بن «بفتوعوبستي» ابنة «لبتيسي» تدعى «نتمحي»، فقال «حاروز» (٩) بن «بفتوعوبستي» إلى «بتيسي»: دع حضرتك (سيادته) يجعلني أجد عملًا لي. تأمل أن حضرتك (سيادته) كاهن للإله «آمون رع» ملك الآلهة، (١٠) وكان والدي فيما مضى كاهنًا هنا في «توزوي»، وإني سأري لحضرتك أنه كان يعمل كاهنًا هنا، وسأحضر مستندات والدي (١١) أمام حضرتك؛ ليسمح سيادته بأن أوهب «نتمحي» زوجة. فقال له «بتيسي»: إن سنها لم يأتِ بعد ولكن أعمل بمثابة كاهن (١٢) «لآمون رع» ملك الآلهة. وإني سأعطيك إياها وفي كل فرصة سنقوم فيها بالرعي في «البهنسا» ستمكث في «توزوي» (١٣) تأمل إنه بيت مدهش وهو بيت لكاهن. وليس فيه طائفتان من الناس خلاف الكهنة والرجال الذين يدخلون المعبد. (١٤) فباركه «حاروز»، وقال له: هذا حسن.
وفي السنة الخامسة عشرة من حكم الفرعون «بسمتيك»: كان «بتورس» (الوجه القبلي) يفيض بالخير، وقد أقذ «بتيسي» بن «يتورو» إلى بيت السجل، وكانت فضته وغلته قد زيد فيها من واحد إلى اثنين وأخذ «بتيسي» بن «يتورو» أمام الفرعون، وقد عطر بزيت البشنين، وقال له الفرعون: هل هناك شيء طيب تقول عنه؟ دعه يعمل لي؟ وقال «بتيسي» أمام فرعون: إن والدي كاهن «آمون-رع» ملك الآلهة وكان كاهنًا في معابد إقليم «ني» أي: «طيبة» (١٧) وكان كاهن الإله «حرشف»، وكان كاهن الإله «سبك». وقد نادى الفرعون للكاتب المكلف بالرسائل قائلًا: اكتب رسالة للمعابد التي سيقول عنها «بتيسي» بن «يتورو»، والذي كان كاهنًا فيها وقل فيها: دع «بتيسي» كاهنًا فيها إذا كان ذلك موافقًا (ملائمًا). وكتبت الرسائل للمعابد التي قال عنها «بتيسي»: إن والدي كان فيها كاهنًا. ثم صرف «بتيسي» بن «يتورو» من أمام الفرعون وأتى جنوبًا. وقد أصبح كاهن «حرشف» وكاهن «سبك» صاحب «شيتي» وكاهنًا «لآمون-رع» (٢٠) ملك الآلهة، وكان «أوزير» رب «العرابة» وكاهن «انحوري» صاحب «طينة»، وكاهن الإله «مين» (صاحب قفط)، وأتى «بتيسي» بن «يتورو» شمالًا مفتشًا (٩ / ١) ووصل إلى «البهنسا»، ووجد «حاروز» بن «بفتوعوبستي» كاهن «آمون» الذي كان قد أرسل لأجل الرعي، وأتى (٢) إلى «توزوي» مع «بتيسي» بن «يتورو»، وأحضر «حاروز» بن «بفتوعوبستي» مستندات والده إلى «بتيسي»، (٣) وأطلعه أن «بفتوعوبستي» والده كان كاهن «آمون» «توزوي»، وعلى ذلك أمر «بتيسي» (٤) أن ينصب «حاروز» بن «بفتوعوبستي» كاهن «آمون توزوي»، وأعطاه «نتمحى» ابنته زوجًا له.
وذهب «بتيسي» بن «يتورو» إلى (٥) «أهناسيا»، وأمر بإحضاء نسائه وأولاده في سفينة إلى «ني». وقد وصل إلى «توزوي» (٦) ووجد «حاروز» بن «بفتوعوبستي» في «توزوي». وقصد «بتيسي» إلى بيته الذي في «توزوي»، وقال «لحاروز»: (١٧) من المستحب أن نمضي يومًا في شرب الجعة أمام «آمون» في «توزوي» قبل أن نغادرها إلى «ني»، (٨) وقد أمضى «بتيسي» اليوم في شرب الجعة مع نسائه وأولاده، ومع «حاروز» بن «بفتوعوبستي».
وقال له «حاروز» بن «بفتوعوبستي»: (٩) تأمل أن حضرتك ستتوجه إلى «ني»، فما الأشياء التي تأمر سيادتك أن أفعلها؟ فقال له «بتيسي»: (١٠) أقم هنا في «توزوي». سأذهب وآمر كهنة «آمون» أن يعملوا حسابك، وسأعطيهم المبلغ (١١) الذي سيبقى لك وأي باقٍ سيكون لك غير المبلغ الذي سيصلك. وعندما يوكل إليك الرعي سآمر بأن يصل إليك وأنت مقيم هنا في «توزوي» دون أن تتحمل مشقة. تأمل أن حصتي هي حصة كاهن «آمون توزوي» بالإضافة إلى الست عشرة حصة الأخرى، (١٣) ولكنك أنت الذي ستؤدي الخدمة لآمون، وتاسوعه من الآلهة وستعطي خمس دخل أوقاف «آمون» أيضًا. ولكن ينبغي عليك أن تدفع المبلغ الذي سيتبقى عليك (يقصد الدين الذي عليه في «طيبة» لحساب الرعي).
وفي السنة الثامنة عشرة من عهد الفرعون (١٠ / ١) «بسمتيك الأول»، ذهب «بتيسي» بن «عنخشيشنق» رئيس السفن إلى آبائه (توفي)، وعندئذ أمر الفرعون بإحضار «بتيسي» بن «يتورو» وقال له: إن «بتورس» (٢) قد وكل أمره إليك، وإنك أنت الذي سيكون في مقدورك أن تديره. فقال «بتيسي» أمام الفرعون: بحياة وجهك سيكون في مقدوري أن أدير شئونه إذا وكل أمره لشريف آخر معي. فقال له الفرعون: خبرني أرجوك عن الشريف الذي تقول عنه: دعه (الوجه القبلي) يوكل إليه، فقال «بتيسي»: يا سيدي العظيم إن «بتيسي» بن «عنخشيشنق» رئيس السفن له ابن، وهو رجل من حاشية بيت الفرعون، وهو رجل مدهش للغاية واسمه «سمتاوى تفنخت»، (٥) وسيجد الفرعون أنه رجل مدهش، فليأمر الفرعون أن توكل إليه وظيفة والده. وقد سأل الفرعون الأشراف في ذلك، (٦) وقد وافقوا (؟) قائلين أمام الفرعون: فلينفذ ذلك، إنه رجل مدهش.
وقد نصب الفرعون «سمتاوى تفنخت» رئيسًا للسفن، ووكل أمر «بتورس» (الوجه القبلي) إليه (٧) ثانية كما كانت الحال مع والده، وانصرف «بسمتاوى تفنخت» من أمام الفرعون وذهب إلى «أهناسيا» (٨) وقال لبتيسي بن «يتورو»: سافر إلى الجنوب وفتش في المديرية، ولا تدع أي شيء يتلف وسأمكث هنا في «أهناسيا» (٩) حتى يدفن رئيس السفن.
والآن اتفق أن «حاروز» بن «بفتوعوباستي» لم يكن في «توزوي»، (١٠) بل كان في الغرب في قرى «تكوهي» (= الإقليم) ولكن «نتمحي» ابنة «بتيسي» وأم الولدين أغلقت على نفسها باب البيت، وعندما (١١) سمع «حاروز» بن «بفتوعوباستي» أن ولديه قد ذبحا عمل ثيابه ملابس حزن (يحتمل أن ذلك يعني أنه مزق ثيابه)، وذهب إلى رئيس شرطة «تكوهي»، وأخبره بالأمر فجمع رئيس (١٢) الشرطة جنود «تكوهي» وأخذهم إلى «توزوي»، مسلحين بالدروع (؟) والحراب ووضع حرسًا (١٣) على البيت الذي كانت فيه «نتمحي».
وخف «حاروز» إلى «ني» في ملابس حداده. وعندما أتى «حاروز» إلى «بتيسي» ركب «بتيسي» سفينته (١٤) مع أولاده وأهله وتوجه نحو النهر، وعندما وصل «توزوي» لم يجد رجلًا في «توزوي» إلا رجال رئيس الشرطة الذين يقومون بالحراسة (١٥) حول البيت الذي كانت فيه «نتمحي». وذهب «بتيسي» إلى المعبد، ولكنه لم يجد رجلًا في المعبد إلا كاهنيْنِ مسنين (١٦) وفاتح المحراب. وقد هربا إلى المكان المقدس من «بتيسي»، فوضع «بتيسي» رجالًا لحراستهما وأرسل إلى «أهناسيا» لسمتاوى تفنخت (١٧) رئيس السفن بخصوص كل الحوادث التي وقعت في أثناء أن كان «بتيسي» في «توزوي»، وأمر رئيس السفن ضابط الجنود بالحضور قائلًا: اذهب واقبض على كل رجل يشير عليك «بتيسي» بالقبض عليه. وأتى الضابط إلى «توزوي» وأمر «بتيسي» بالقبض على الكاهنيْنِ، وانحدر معهما في النهر إلى بيت الفرعون (١٩) وتحدث «بتيسي» أمام الفرعون بكل شيء حدث. وأمر الفرعون بتوقيع العقاب على الكاهنين، وصرف «بتيسي» من أمام الفرعون ووصل إلى «أهناسيا»، (٢٠) ووقف مع رئيس السفن فقال له «سمتاوى تفنخت» رئيس السفن: لقد سمعت بالأشياء التي عملها فيك هؤلاء الرجال الأشقياء وحثالة (؟) رجال «توزوي»، الذين جعلتهم أغنياء (٢١) فقال له «بتيسي»: ألم يسمع محقق الجناية أن الذي يطعم الذئب (؟) سيموت؟ بحياة «برع» هذا هو الذي أصابني من كهنة «آمون» (١٢ / ١) «توزوي».
والآن اتفق أن «حاروز» بن «بفتوعوباستي» كان في «أهناسيا» مع «بتيسي»، وأخذ «بتيسي» يد «حاروز»، وأحضره أمام رئيس السفن قائلًا: تأمل يا أخي الذي في «توزوي» مر رئيس السفن يكلف رئيس شرطة «تكوهي» (٣) ومأمور «تكوهي» بالمحافظة عليه. فقال له «سمتاوى تفنخت»: سأكلف كل رجل تابع لي قائلًا: إن رجل «توزوي» (٤) الذي ستجده دعه يحضر إليَّ؛ لأجل أن أجعله يموت في السجن في «أهناسيا». ولكن «بتيسي» قال له: لا تدع رئيس السفن يفعل هكذا (٥) بحياة «آمون»، وليت نفس رئيس السفن يفلح! إني لن أذهب إلى «ني» دون أن أكون قد زودت «توزوي»، وأعدت إليها أهلها (٦) ثانية فقال رئيس السفن: لقد جعلت «حرشف» ملك الأرضين يذكر (في قسم) (؟) عندما قيل: إن حبك الذي كان عندك لتوزوي (٧) لم ينقطع بعد. فقال له «بتيسي»: لقد خُيل إليك (؟) وبحياة نفسك النامي! إن الآلهة الذين فيها هم غاية في العظمة، وإنها بيت نأتي إليه (٨) «آمون رع» ملك الآلهة الإله العظيم، وإن الأشياء المقدسة التي عرفتها فيها عديدة.
وصرف رئيس السفن «بتيسي» فذهب جنوبًا ووصل إلى (٩) «توزوي»، وأمضى بضعة أيام في «توزوي». واتفق أن رئيس الشرطة أتى إلى «توزوي» ومعه خمسون محاربًا، وأتى (١٠) أمام (بتيسي) وقدم الطاعة فقال رئيس الشرطة «لبتيسي»: ما هذا الشيء المحزن الذي من أجله جعلت سيادتك رئيس السفن، الذي يكشف عن الجريمة يرسل إلي قائلًا: (١١) دع حرسًا يقم على أهل «بتيسي» الذين يكونون في «توزوي». أليس حضرتك الذي أطعمتنا؟ ومنذ الوقت الذي سمعت فيه أن (١٢) هؤلاء الكهنة قد أحدثوا ضررًا ألم آتِ في الحال، وأضع حرسًا حول هذا البيت؛ لأنهم كانوا (١٣) يضايقون هذه السيدة العظيمة؟ فإذا قلت سيادتك: تعال حتى إلى «ني» فهل يمكنني أن أرفض؟
وأخذ «بتيسي» يد رئيس الشرطة (١٨) وقاده إلى داخل محراب «آمون» (يحتمل أمام آمون)، وقد ربط نفسه بيمين أمامه قائلًا: إن كل الرجال الذين ستحضرهم لي إذا أتوا إلى «توزوي»، فإني لن أسمح بأذى يصيبهم، (١٩) وإني سأربط نفسي بيمين لهم على ألا أجعل ضررًا يلحق بهم. لقد قيدت نفسي بيمين أمامكم؛ لأنه يمكن القول: إن رئيس الشرطة قد بحث عنا (٢٠) ليلحق بنا أذى.
فقال له الكهنة: ما الشيء الذي تقول سيادتك: (١٧) افعلوه؟ فقال لهم «بتيسي» بن «يتورو»: سآمر بعمل لوحة على الطوار الحجري في الطريق الذي يمر فيه «آمون» إلى محل التنظيف (؟) (يحتمل أن ذلك هو طريق الكباش المقدسة)، (١٨) وسأضع الأعمال الطيبة التي أنجزتها لآمون عليها، وسأضع وظائفي الكهانية عليها. فقال الكهنة: إن كل الأشياء (١٩) الموافقة لمصالح سيادتك دعها تنجز، وسنعلم أننا نعيش بوساطة سيادتك إذا كان سيادتك تأمر بعملها (أي: اللوحة).
وأمر «بتيسي» بإحضار كتبة بيت الحياة (٢٠) والرسامين، وأمر بنقش اللوحة على الطوار الحجري قائلًا: سيراها الكهنة والأشراف الذين سيأتون للتفتيش على المعبد. (١٤ / ١) وقد ركب «بتيسي» بن «يتورو» إلى الشاطئ قائلًا: سأقلع إلى «ني»، (٢) ولكن «نتمحي» ابنته بكت أمامه قائلة: إن الولدين اللذين ذُبحا لا يزالان في المعبد، ولم يُؤْتَ بهما بعد (٣) فذهب «بتيسي» إلى المعبد وأمر بالبحث عن الولدين، وقد وجدا في حجرة مخزن في المكان المقدس، وقد أمر بإحضارهما (٤) ووضع عليهما كتانًا، وأقيمت لهما محزنة عظيمة في المدينة، ودفن الولدان.
في نهاية حكم «بسمتيك الثاني» كان «بتيسي الثاني» غائبًا في حملة إلى بلاد «خارو»، وبذلك فقد وظيفته وهي كاهن «آمون» ١٤ / ١٦-١٦ / ١.
الجزء الثاني من القصة: حملة «بسمتيك الثاني»
وهناك ما يحملنا على أن نفرض أن كلا البيانين يشير إلى نفس الحملة. ولكن إذا كان الأمر كذلك فإن أحد المصدرين لا بد أن يكون خاطئًا؛ وذلك لأن أرض «خارو» لا يمكن أن تكون بلاد «كوش»، ولكن لا بد أن تكون «فنيقيا» أو بمعنى أعم ساحل أقاليم «فلسطين» و«سوريا»، وفي الوقت نفسه يجوز أن يكون كل من المصدرين صحيحًا، وأن الحملتين وقعتا فعلًا كما مثلتا. ولدينا مدة كافية تضع فيها الحملة الكوشية بين عودة الملك «بسمتيك» من «سوريا» وبين سنة موته. ولم يذكر لنا «بتيسي» حوادث إلا التي تهم موضوع تظلمه. هذا ويمكن الاعتماد على «هردوت» الذي يظهر في منتهى الدقة فيما يخص ذكر تتابع الأسرة السادسة والعشرين، ومدة حكم كل منهم، فيما سجله لنا عن أعمالهم، على أن ذلك لا يكاد يتخذ برهانًا على عدم قيام حملة على «سوريا»؛ لأنه لم يذكرها في كتابه. فنجد مثلًا أنه قد ذكر لنا فلاح «نيكاو» في «سوريا»، ولكن في الوقت نفسه لم يذكر لنا أنه فيما بعد قد فقد بعض ما فتحه، على الرغم من أنه لدينا براهين قوية من مصادر أخرى، تدل على أن «نيكاو» وجيشه قد مُنوا بهزيمة منكرة. ومما يؤسف له جد الأسف أننا لا نعلم عن تاريخ هذه الفترة إلا القليل، فليس في مقدورنا أن نضع الأمور في نصابها على الوجه الأكمل من الوجهة التاريخية. ويلحظ أن «بتيسي» في سرد الحوادث في عهد «بسمتيك الأول» قد برهن على أنه لا يعتمد عليه قط، بل يعد مضللًا؛ وذلك لأن بياناته تتعارض مع الحقائق، ولا تكاد أحيانًا تتفق مع نسخ الوثائق الملحقة بقصته، ولكن دقته في سرد الحوادث التاريخية كان ينبغي أن تزداد كلما اقترب من التاريخ الذي يعيش فيه. ويلحظ أن القصة هنا قد قفزت إلى الأمام إلى حوالي عام ٥٩٠ق. م، وبذلك نجد أن المتظلم يحدثنا عن أمور ليست بعيدة عن ذاكرته، كما سيظهر من الاعتبارات التالية:
كان «بتيسي» بعد العام الخامس عشر من حكم «أمسيس» كاتبًا وكاهنًا لآمون، وكان يعتبر على الأقل أنه قد ترعرع وأصبح شابًّا. فلا بد أنه ولد في السنة الأولى من عهد «أمسيس» إن لم يكن قبل ذلك؛ أي حوالي ٥٧٠ق.م؛ أي بعد قيام حملة «خارو» بعشرين عامًا، ونجد كذلك أن «بتيسي» قد مثل بأنه «مسن» في السنة التاسعة من حكم «دارا» (٥١٢ق.م) وعلى أساس هذا الحساب الأخير كان وقتئذ قد بلغ السابعة والخمسين من عمره، وهذا يتفق مع الفرض الذي وضعناه هنا. وفضلًا عن ذلك فإن «بتيسي» الذي عمل العقد رقم ٨ في السنة الثامنة من عهد «أمسيس»؛ أي عام ٥٦٢ هو على كل الاحتمالات موحد مع «بتيسي الثالث» المتظلم، ولكن هذا يحتم تاريخًا مبكرًا لولادته عن الذي اقترح فيما سبق.
ويحتمل أن البردية لم تكن قد كتبت بعد السنة التاسعة من حكم «دارا» إلا بفترة يسيرة؛ أي حوالي ٨٠ سنة بعد تاريخ الحملة إلى بلاد «سوريا»، وذلك عندما كانت الحادثة لا تزال قريبة من ذاكرة سن المعاصرين لبتيسي. أما عن المتظلم نفسه والأضرار التي لحقت بجده عندما كان غائبًا في الحملة إلى بلاد «سوريا»، فلا بد أنها كانت نقطة تحول في مصائر الأسرة، فلا بد أنها كانت باستمرار في ذاكرته بوساطة والده، وقد قدمت به وبسيده في محاكم القضاء. وتدل الكشوف الحديثة على أن الحملة إلى بلاد «كوش» قد وقعت فعلًا، وقد فصلنا القول فيها في مكانها.
أما عن «فنيقيا» فإنه ليس هناك سبب يدعو لعدم قيام «بسمتيك الثاني» بحملة في هذه الجهة؛ لأجل أن يجدد النضال للاستحواذ عليها من الدولة المسيطرة «مسوبوتاميا»، والواقع أنه بعد انتصار «آشور بنيبال» على «تانو تأمون» الكوشي (في مصر حوالي عام ٦٦٣ق.م) حاصر ولاية «صور»، وقد انتهى الأمر بأن جعلها تدفع له جزية، ولكن دون أن يستولي عليها. ومن هذه اللحظة يظهر أنه لم يلتفت إلا قليلًا إلى غربي ممتلكاته، هذا على الرغم من أن «سوريا» و«مصر» كانتا لمدة طويلة تعدان رسميًّا ضمن أقاليم الإمبراطورية الآشورية. وقد كان «آشور بنيبال» منهمكًا في شرقي إمبراطوريته في حروب، وفي إخماد ثورات في «عيلام» و«بابل» و«بلاد العرب»، وكان النجاح دائمًا حليفه.
ونعلم من السجلات أنه كانت هناك بعض مراسلات بين «بيساميلكي» أو «توساميلكي» (بسمتيك الأول) و«جوجو» (جيجز) ملك «ليديا»، وهذه المراسلات كانت تنم عن الخيانة لآشور، ولكن لم تكن قد استمرت سيادة «آشور» الفعلية على «مصر» وقتئذ.
وذهب بتيسي بن «إسمتو» إلى أرض «خارو»، ولم (٢) يصحبه رجل إلا خادمه وحارس يدعى «وسير موسى»، ولما علم الكهنة أن «بتيسي» قد سافر إلى أرض «خارو» مع الفرعون (٣) ذهبوا إلى «حاروز» بن «حارخبي»، وهو كاهن الإله «سبك» وحاكم «أهناسيا» وقالوا له: هل سيادته (يقصدون «حاروز») يعرف أن نصيب كاهن «آمون توزوي» هو نصيب الفرعون، وأنه ملك لسيادته (أي: «حاروز»)؟ وقد استولى عليه «بتيسي» بن «يتورو» — وهو كاهن «آمون» — عندما كان حاكمًا لأهناسيا. وتأمل فإنه في قبضة ابن ابنه حتى الآن فقال «حاروز» بن «حارخبي» لهم: وأين ابنه؟ (٥) فقال له الكهنة: لقد جعلناه يذهب إلى أرض «خارو» مع الفرعون. دع «بتاحنوفي» بن حاروز يأتِ إلى «توزوي»؛ لأجل أن نكتب له تنازلًا عن نصيب كاهن «آمون». وعلى ذلك جعل «حاروز» (٦) «بتاحنوفي» بن «حاروز» ابنه يأتي إلى «توزوي»، وكتبوا له تنازلًا عن نصيب كاهن «آمون» صاحب «توزوي»، ثم قسموا الستة عشر نصيبًا الأخرى أربعة أقسام بين طوائف الكهنة الأربع، كل طائفة أربعة أنصبة. ثم ذهبوا ليبحثوا (٧) عن «بتاحنوفي» بن «حاروز»، وأحضروه وجعلوه يعطر يديه ويؤدي صلاة لآمون.
وعاد «بتيسي» بن إسمتو من أرض «خارو» (٨) ووصل إلى «توزوي»، وأخبر بكل شيء عمله الكهنة فأسرع «بتيسي» شمالًا إلى بوابة بيت الفرعون، غير أنه عومل باحتقار (؟) فقيل له: الهلاك! إن فرعون (٩) مريض والفرعون لا يخرج. وعلى ذلك قدم «بتيسي» شكوى إلى القضاة (؟) فأحضروا «بتاحنوفي» بن «حاروز» ودونت اعترافاتهما في بيت المحكمة (١٠) قائلين: إن هذا النصيب الذي استولى عليه «بتاحنوفي»، وهو الذي كان والده سيد «أهناسيا»، هو نصيب الفرعون. وقد مضى «بتيسي» بن «إسمتو» عدة أيام (؟) في بيت المحاكمة مناضلًا مع «بتاحنوفي» بن «حاروز»، وقد ضويق «بتيسي» في بيت المحاكمة، وأتى جنوبًا، وذهب إلى «ني» قائلًا: اذهب لأدع إخوتي (١٢) الذين في «ني» يعرفون ذلك، وقد وجد أولاد «بتيسي» بن «يتورو» الذين كانوا كهنة «آمون» في «ني»، وأخبرهم بكل شيء حدث له مع كهنة «آمون» (١٣) صاحب «نوزوي»، فأخذوا «بتيسي» وجعلوه يقف أمام كهنة «آمون».
الجزء الثالث والأخير من القصة: الحوادث التي وقعت في عهد الملك أمسيس الثاني من حكم «قمبيز»، وكان «إسمتو الثاني» و«بتيسي الثالث» هما الممثلان للأسرة (١٦ / ٢١ / ٩)
وأقلع المشرف على الأرض المنزرعة جنوبًا، ووصل إلى جزيرة «توزوي» وأرسى سفينته عند (١٠) نهايتها، وأمر مساحين بالذهاب إلى الشاطئ والذهاب حول الجزيرة (لمسحها)، وقد ضم إلى الجزيرة الرمال والأشجار (١١) وجعلوا مساحتها تبلغ ٩٢٩ أرورا. هذا ونزع الجزيرة من «توزوي» أما المائة والعشرون أرورا التابعة للتمثال، فكانت في حقل شلك (وهو مكان يدعى هكذا)، واستولى عليها (١٢) أيضًا.
ونادى المشرف على الأرض المنزرعة ضابط الجنود «مانانو — واح اب رع» (= واح أب رع قد لاحظنا) قائلًا: دع كهنة «آمون» «توزوي» يعطوا ٤٠٠٠ مكيال من القمح من محصول (١٣) هذه الجزيرة التي كانت في قبضتهم، وأتى ضابط الجنود إلى «توزوي»، واستولى على مخزن الغلال وأمر بحمل كل الغلة التي وجدها في المخزن، وفي البيوت إلى (١٤) مدخل المعبد. وكانت تحت الحراسة عند مدخل المعبد وعندئذ خف الكهنة نحو الشمال إلى مدخل بيت الفرعون (في «منف») (١٥) قال لهم فاتح محراب «بتاح» الذي أكلوا في بيته: لا يوجد رجل تابع للفرعون يمكنه أن يحميكم إلا «خلخنس» بن «حور»، وهو رجل يتوسل إلى الفرعون حتى وهو في مخدعه. فإنهم يقولون (له): إنه لا يوجد رجل داخل بيت الفرعون يسمع له في شيء مثله. وجعلوا فاتح محراب «بتاح» يذهب ليحضر «حارخبي» خصي (؟) «خلخنس»، ووقفوا معه وقالوا له: إذا دافع عنا «خلخنس» في قضيتنا، (١٨) وجعل هذه الجزيرة التي يملكها «آمون» من نصيبنا، فإنا سنعطيه ٣٠٠ إردبٍّ من الغلة و٢٠٠٠ هنا من زيت تكم (زيت خروع) (الهن يساوي نصف لتر) وخمسين هنا من الشهد و٣٠ إوزة بمثابة حصة سنوية له. فذهب الخصي «حارخبي» وأخبر «خلخنس» ذلك (ولكن) «خلخنس» قال لهم: إن فتحة أفواه هؤلاء الجنوبيين كبيرة (؟) (يقولون كثيرًا ولا يفعلون). دعهم يدفعوها لي هذه السنة، (وإلا) فإنهم عندما يعلمون أنني قد خلصتهم لا يدفعون. خبرهم أني أعمل كاهنًا للإله «حور» صاحب «بوتو»، وأن لي أخًا يعمل كاهنًا للإله «حور» في «ب». اكتبوا له تنازلًا عن وظيفة كاهن من معبدكم، واكتبوا له بإعطائه هذه الأشياء على حسب جباية كل سنة (١٧ / ١)، حتى يمكنني أن أدافع عنكم في قضيتكم.
واتفق أن «نكوموسي» بن «بتاحنوفي» كاهن «سبك»، الذي كان كاهنًا لآمون «توزوي»، كان في «منف» (٢) فذهب إليه الكهنة وقالوا له: يا «نكوموسي» إن ضياع وقف «آمون توزوي» قد استردها ثانية المشرف على الأرض المنزرعة إلى أرض «و» (الأرض الصالحة للزراعة التي تدفع ضرائب للفرعون) (٣) هل في مقدورك أن تحمينا؟ وإذا لم يمكنك تأمل فإننا عندما ذهبنا إلى عظيم (بعينه) قال لنا: اكتبوا لي تنازلًا عن نصيب كاهن «آمون» (٤) حتى يمكنني أن أحميكم في كل قضية لكم. وأنت تعلم أننا نحن الذين كتبنا لوالدك «بتاحنوفي» بن «حاروز» تنازلًا (٥) عن نصيب كاهن «آمون»، عندما كان والده «حاروز» بن «حارخبي» حاكمًا «أهناسيا»، وذلك على الرغم من أنه لم يكن نصيب له فيه حق. وقد أعطيناه (٥) إياهًا قائلين: «إنه سيحمينا» فقال لهم «نكوموسي» بن «بتاحنوفي»: اذهبوا واكتبوا لأي رجل يحميكم تنازلًا عن نصيب (٧) كاهن «آمون» و«سبك» معكم! وأحضروا لي الوثيقة التي ستعملونها حتى أوقع عليها.
فقال لهم «بسمتيك منمبي»: (٦) إن هذه البردية التي كتبتموها لي من أجل نصيب كاهن «آمون» قد أخذتها لبيت المحاكمة وقال لي قاضٍ: إنها باطلة (٧) وذلك بسبب أن هؤلاء الكهنة سيقولون لك: أليس لهذا النصيب مالك؟ إن مالكه يمكن أن يأتي إليك (٨) مرة أخرى ويقول: إنه ملكي وإني سأنال حقي منك. تأمل لقد سمعت أن كاهن «سبك» هذا الذي كان ملكًا له قد كتب له الكهنة تنازلًا عنها، وذلك عندما كان والده رئيس «أهناسيا» ألم يكن له مالك قبله؟ وعندئذ (١٠) قال «زوبستفعنخ» بن «أحو» رئيس المعبد الإداري: سأحضر إليك مالكه وأجعله يكتب إليك تنازلًا عنه. واتفق أن «بتيسي» بن (١١) «إسمتو» قد ذهب إلى آبائه في السنة الثالثة عشرة من عهد الفرعون «واح أب رع»، وكان ابنه «إسمتو» على قيد الحياة. فأتى رجل إلى «إسمتو» (١٢) قائلًا: إنهم سيأتون إليك ليجعلوك تكتب تنازلًا عن نصيب كاهن «آمون» من أجل «بسمتيك منمبي» بن «حور» بالقوة. فذهب «إسمتو» مع زوجه وأولاده إلى قارب ورحلوا إلى «الأشمونين».
وعندما حل اليوم التالي (١٤) سمع الكهنة ورئيس المعبد الإداري بذلك، فذهبوا إلى بيته واستولوا على كل شيء كان يملكه، وهدموا منزله ومكان معبده، وأمروا بإحضار بناء وجعلوه يشوه اللوحة التي عملها «بتيسي» بن «يتورو» على الطوار الحجري واتجهوا (١٦) نحو اللوحة الأخرى المصنوعة من الجرانيت، وهي التي كانت في المكان المقدس قائلين: سنشوهها، غير أن البناء قال: لا يمكنني (١٧) تشويهها وأن عامل جرانيت فقط هو الذي يمكنه تشويهها: إن آلاتي ستنزلق (؟) وقال كاهن: خل سبيلها! تأمل لا (١٨) أحد يراها، وفضلًا عن ذلك فإنه قد أمر بعملها قبل أن يقوم بوظيفة كاهن، وقبل أن يكتب له رئيس السفن تنازلًا (١٩) عن نصيب كاهن «آمون». ويمكننا أن نمنعه بوساطة ذلك قائلين: «إن والدك لم يكن يعمل كاهنًا لآمون.» وعلى ذلك تركوا اللوحة (٢٠) المصنوعة من حجر الجرانيت ولم يشوهوها.
وذهبوا إلى تمثالين له من حجر تمجي واحد منهما عند مدخل مقصورة (٢١) «آمون» وصورة «آمون» كانت في حجره، وألقوا به في النهر، وذهبوا إلى التمثال الآخر الذي كان في بيت «أوزير» عند مدخل مقصورة «أوزير» (٢٢) وصورة «أوزير» كانت في حجر هذا التمثال، وألقوا به في النهر. وسمع «إسمتو» بن «بتيسي» كل شيء فعله الكهنة ضده (١٩ / ١) في «توزوي»، واتفق أنه كان يوجد كاتب حسابات تابع للمشرف على الخزانة يدعى «امحوتب» بن «بشنسي» قد أرسله المشرف على الخزانة؛ (٢) ليعمل حساب «الأشمونين» فقال «إسمتو» بن «بتيسي» لابنه «بتيسي» (وهو المتظلم): تأمل إنك كاتب فاذهب واكتب مع «امحوتب» بن «بشنسي» (٣) كاتب الحسابات التابع للمشرف على الخزانة (؟) وعندما يعرف حاجتك سيكون في مقدوره أن يدافع عنك عند المشرف على الخزانة (؟) ويجعلنا محميين (٤) فذهب «بتيسي» وكتب مع «امحوتب» بن «بشنسي»، وأنهى المأمورية التي أرسل إلى «الأشمونين» ليسجلها كتابة. وأتيت إلى «منف» (٥) مع «امحوتب» فجعل كتاب المشرف على الخزانة (؟) يكتبون مسائل «الأشمونين»، وعمل تقريرًا عنها للمشرف على الخزانة (؟) وتكلم المشرف على الخزانة (؟) كلمة طيبة له، (٦) وعمل «امحوتب» احتجاجًا إلى المشرف على الخزانة (؟) قائلًا: إن لي أخًا وهو كاهن لآمون «توزوي»، وقد ذهب «زوبستفعنخ» بن «آحو» (؟) مدير المعبد الإداري لآمون «توزوي» مع إخوته إلى بيته ومكان معبده، وأخذوا كل شيء يخصه وهدموا بيته ومكان معبده. (٨) وقد أمر المشرف على الخزانة بكتابة رسالة إلى «حاربس» بن «حانفيو» (؟) شيخ «أهناسيا» قائلًا: إن الكاتب «امحوتب» (٩) بن «بشنسي» الذي تحت إدارتي قد عمل احتجاجًا لي قائلًا: إن لي أخًا كاهنًا لآمون «توزوي» واسمه «بتيسي» بن «إسمتو»، وقد ذهب «زوبستفعنخ» بن «آحو» (؟) المدير الإداري لمعبد «آمون» صاحب «توزوي» مع إخوته إلى بيته ومكان معبده، واستولوا على كل شيء فيها وهدموا البيت (١١) ومكان المعبد، وفي اللحظة التي يصل فيها هذا الخطاب اذهب إلى «توزوي»، ومر بالقبض على كل رجل سيقول لك عنه (١٢) «إسمتو»، دعهم يقبضوا عليهم، دعهم يحضروا مكبلين إلى المكان الذي أنا فيه، وأمر بكتابة مثله (١٣) إلى «بسمتيك-عانيت» ضابط الجنود الذي كان في مقاطعة «أهناسيا»، وأمر شاب بحمل الرسالتين. وأتى إلى «أهناسيا» (١٤) معي، ووصلنا إلى أمير «أهناسيا» وضابط الجنود، ووقفنا أمامهما في بيت السجل، وقرأت (١٥) رسائل المشرف على الخزانة.
وقال «حرس» شيخ «أهناسيا»: بحياة «آمون» إن «زوبستفعنخ» المدير الإداري لبيت «آمون» ليس بموجود في هذه المقاطعة (١٦)، لقد سمعت أنه قد غادر إلى «بوتو» ليعزي في «حور» والد «خلخنس» الذي ذهب لآبائه. ونادى (١٧) «بيتيحرشف» خادمه قائلًا: اذهب إلى «توزوي» وخذ معك خمسين رجلًا، ودعهم يقبضوا على كل رجل سيقول عنه «بتيسي» (١٨): فليقبض عليهم ثم أحضرهم إليَّ مكبلين، ونادى ضابط الجنود على خادمه قائلًا: اذهب إلى «توزوي»، خذ معك رجالًا كثيرين (١٩) ودعهم يحضروا الرجال الذين سيقول عنهم «إسمتو» دعهم يقبض عليهم، دعهم يقبض عليهم وأحضرهم (٢٠) مكبلين لي.
وحضرنا إلى «توزوي» في سفينتين، ولم نجد «زوبستفعنخ» مدير المعبد الإداري في «توزوي» (٢١)، ولكن إخوانه الذين وجدوا هناك قبض عليهم، وأحضروا إلى «أهناسيا» أمام شيخ «أهناسيا» وضابط الجنود. وقد تضرعوا أمام (٢٠ / ١) شيخ أهناسيا وضابط الجنود قائلين: بحياة الفرعون، إننا لم نأخذ متاعًا ملكًا لبتيسي، وإننا لم نهدم بيتًا له (٢)، وإن «بسمتيك منمبي» بن «حور» كاهن «آمون» هو الذي هدم البيت ومكان المعبد.
وقال شيخ «أهناسيا»: يا «بتيسي» انظر (٣) إنهم لم يجدوا «زوبستفعنخ» مدير المعبد الإداري فما الفائدة إذن من أخذ هؤلاء الكهنة إلى المشرف على الخزانة (؟) إنهم سيذهبون ويقولون أمام المشرف على الخزانة: (؟) (٤) إننا لم نأخذ متاعًا لك، وإننا لم نكن سببًا في هدم بيتك. فقلت لشيخ «أهناسيا»: هل وضعني «امحوتب» (٥) كاتب المشرف على الخزانة (؟) أمام المشرف على الخزانة، (؟) وأمر بإرسالي إلى شيخ «أهناسيا» وضابط الجنود قبلي (لأجل الدفاع عني) قائلًا: إن سيادته (أي: حضرتك) ستجعل قضيتي تحتقر (؟) هنا في المقاطعة؟ وعندئذ قبض شيخ «أهناسيا» على يدي، وأخذني جانبًا وقال لي: بحياة «أوزير» إني أحبك أكثر من هؤلاء الكهنة، (٧) فقد حدث أن «خلخنس» ذهب ليتحدث مع المشرف على الخزانة (؟) لصالح هؤلاء الكهنة ويجعلهم يفرج عنهم، فتسقط قضيتك (٨). تأمل الرسالة الرقيقة التي أرسلها إلى «امحوتب» عنك، ومن أجل ذلك فإني متحمس (؟) من أجل حقوقك، (؟) ويقول (فيها): إنه أخي فليعنَ به، ودع القضية التي جاء من أجلها إليك يهتم بها كثيرًا. أما هؤلاء الكهنة فإني سأجعلهم يدفعون لك عشر دبنات من العملة الفضية، وسأجعلهم يحلفون يمينًا لك فضلًا عن ذلك أمام الإله «حرشف» وأمام «أوزير» صاحب «نارف» (المكان المقدس لأوزير في أهناسيا، ومعناه الذي لا يمكن قيده) قائلين: إننا لم نأخذ متاعك، وإننا لم نهدم (١١) بيتًا لك، وسأجعلهم فضلًا عن ذلك يدفعون مصاريف (؟) هذا الرجل التابع للمشرف على الخزانة الذي أمامك.
وقد أقنعني «حاربس» شيخ «أهناسيا» أن أعمل تنازلًا للكهنة. وقال شيخ أهناسيا للكهنة: تأملوا، لقد أقنعت «بتيسي» بأن يتنازل (١٣) لكم، أنتم ستعطونه عشرين دبنًا فضة، ولكنهم صاحوا عاليًا قائلين: لا يمكننا أن نعطيه قطع الفضة. فقلت لشيخ أهناسيا: بحياة نفس سيادته (أي: شيخ أهناسيا) لقد أخذوا ما قيمته عشر دبنات من الفضة من عوارض الخشب والأربطة من هذه البيوت التي هدموها. وقد أتلفوا شيئًا قيمته عشرون دبنًا أخرى خلافًا لذلك من الحجر المصنوع (١٥) فيها فقال لهم شيخ «أهناسيا»: بحياة «أوزير» لقد سمعت كل شيء عملتموه له، وإنكم لو أخذتم إلى المشرف على الخزانة، فإن خمسين دبنًا من الفضة لن تخلصكم (١٦) اعملوا على دفع عشر دبنات له، وسأجعله يسامحكم في عشر الدبنات الأخرى، وستحلفون يمينًا له قائلين: إننا لم نأخذ متاعًا لك، (١٧) ولم نعمل على أخذه ولم نعمل على هدم بيتك ومكان معبدك. وفي النهاية اتفق معه على أن يد (١٨) الكهنة تؤخذ لدفع عشر الدبنات من الفضة (يضع يده في يده يعني اتفق وتعهد)، وحلفوا اليمين لي أمام «حرشف» وأمام «أوزيز» صاحب «نارف»؟ وأعطوا الرجل المشرف على الخزانة قطعة فضة (؟) وهو الذي كان قد حضر قبلي، وقد عمل التنازل للكهنة، وقال لي شيخ أهناسيا: لا تخاطب قلبك (= لا تخف) وبحياة أوزير إذا حضر «زوبستفعنخ» (٢٠) مدير المعبد الإداري جنوبًا، فإني سأجعله يعطيك ما تبقى لك من ثمن متاعك الذي أعطاك هؤلاء الكهنة إياه، وسأجعل لك فائدتي الشخصية أيضًا. وبحياة «برع» (٢١ / ١) لقد سمعت بالأضرار التي عملوها لك. وإني لم أجعل هؤلاء الكهنة يساقون إلى المشرف على الخزانة (؟) لأني قلت خشية أن يجعل (٢) «خلخنس» قضيتك تنكر (؟) وبذلك تسقط ظلامتك.
وقد صرفني شيخ أهناسيا وضابط الجنود، فذهبت إلى «الأشمونين» (٣) وأحضرت والدي «إسمتو» مع أمي وإخوتي وكل أهلي إلى «توزوي»، وجعلنا لبنات تضرب لنا (٤) وبني بيتنا. وقد انتهوا من واجهته التي على الشارع (؟) وسكنا فيه (ولكن) مكان المعبد (٥) لا يزال باقيًا خربًا حتى الآن. (يقصد البيت القديم الذي كان يسكن فيه). وبعد أيام قلائل ذهب «خلخنس» بن «حور» إلى آبائه (٦) و«بسمتيك» بن «منمبي» بن «حور» لم يأتِ إلى «توزوي» حتى الآن، ولكن ما عمله كان إرسال رجال ليحضروا له متاعه (٧) حتى عام ٤٤ من عهد «أحمس» (الثاني). وفي السنة الثالثة من عهد «قمبيز» أتى «بسمتيك منمبي» كاهن «آمون» إلى «توزوي»، (٨) ووقف مع الكهنة ولكنهم لم يتحدثوا معه كأي رجل في الدنيا (تجاهلوه) ولم يصرفوا له جرايات، وذهبوا إلى «بشناه» بن «اينحارو» وهو أخو «حارخبوسيكم»، وكتبوا له تنازلًا عن نصيب كاهن «آمون توزوي» في السنة الرابعة من عهد «قمبيز».
كانت السنة الرابعة والأربعون هي آخر سنة من سني حكم «أمسيس» (٥٢٦-٥٢٥ق. م)، والمعتقد أن وفاته قد حدثت في أواخر أيام هذه السنة، وقد حكم بعده «بسمتيك الثالث» لمدة ستة أشهر شاغلًا بذلك جزأين من سنتي ٥٢٦، ٥٢٥ق.م والظاهر أن «قمبيز» قد حسب سني حكمه من أول موت «أمسيس» متجاهلًا «بسمتيك الثالث»، وعلى ذلك فإن نهاية السنة التي حكم فيها «أمسيس» قد عدت بمثابة السنة الأولى من حكم «قمبيز». وفي السنة الثانية من حكمه، والتي كانت تعد كذلك جزئيًّا السنة الثانية من حكم «بسمتيك الثالث». غزا «قمبيز» مصر، وخلع ذلك الفرعون التعس الحظ. ومن المحتمل أن مرتبات المعبد كانت قد دفعت في حوالي منتصف السنة المصرية؛ أي في برمهات (يوليه) بعد الانتهاء من الحصاد. وتسلم «بسمتيك منمبي» حصته بوصفه كاهن «آمون» في «توزوي»، حتى نهاية سنة موت «أمسيس». وفي السنة التالية وهي السنة الثانية من حكم «قمبيز»، وسنة الفتح الفارسي الفعلية يظهر أنه لم يكن لديه الفرصة لإرسال طلبها، ولما كان ساكنًا في الدلتا، فإنه كان بطبيعة الحال بين هؤلاء الذين قد تضايقوا مضايقةً عظيمةً بالغزو، ولكن في السنة التالية وهي التي عدت السنة الثالثة من حكم «قمبيز»، أرسل ابنه «حور» إلى «توزوي» لتسلم مرتبه، غير أن مأمورية «حور» كانت فاشلة. وقد ابتدأت السنة الرابعة من حكم «قمبيز» على أقل تقدير، قبل أن يعمل تعيين جديد، ومما يؤسف له أنه لا يمكننا أن نقول لأي أسرة كان ينتمي الكاهن الجديد.
أما فيما يخص الاستقرار الجزئي الذي ساد البلاد في السنة الثالثة من عهد «قمبيز»، وهو ما أشير إليه هنا، فإنه يمكن أن نشير هنا إلى أن الحوليات الديموطيقية على ما يظهر تتكلم عن «قمبيز»، وإعطائه مصر لشطربة (ارياندس؟) في السنة الثالثة — اللهم إلا إذا كان يشير إلى عهد «دارا»، الذي على حسب ما جاء في «هردوت» كان المنظم للشطربيات.
نسختان من السجلين اللذين أقامهما «بتيسي» على لوحتين في معبد «توزوي»
ويدل أسلوب متن اللوحتين على أنه غريب في بابه، فقد أعطى أهمية فوق العادة لرئيس السفن ومساعده، ويحتوي على جمل لا يمكن وجود شبيه لها. فإذا كان «بتيسي» قد اختلق هاتين الوثيقتين تعضيدًا لظلامته، فإنه كان يجب عليه أن يجعلهما أكثر ملاءمة للقصة، ولكن لا يمكن أن تقبلا على أنهما أصليتان، وذلك بسبب الصعوبات التي تقف في وجه القصة، وكذلك في وجه ما جاء على لوحة «نيتوكريس» الخاصة بتبنيها. ومن الأفضل أن نرجع القصة إلى الوراء فيما يخص الحوادث إلى عهد الملك «بسمتيك الأول». ويحتمل مثل ذلك في اللوحة الثانية التي هشمت بلا نزاع بعد عام ١٥ من عهد الملك «أمسيس»؛ أي قبل كتابة الظلامة بخمس وأربعين سنة، وأنه من الصعب أن نحكم على نسخة اللوحة الأولى بالتزوير، وهي التي على حسب ما نعلم كانت لا تزال منصوبة في المعبد ليراها كل من يريد، وعلى ذلك يجب علينا أن نستنبط على حسب طريقة ترجمة مثل هذه الوثائق المعتادة في الآثار المصرية، أنه في السنة التاسعة كان رئيس السفن هو «سمتاوى تفنخت» (كما جاء في لوحة التبني)، في حين أنه في السنة الرابعة عشرة كانت هذه الوظيفة الهامة يشغلها «بتيسي» بن «عنخشيشنق»، وهذا الاستنباط يختلف مباشرة عما جاء في القسم (ب) في الظلامة.
- (أ)
نسخة من هاتين اللوحتين اللتين أمر بعملهما «بتيسي» بن «يتورو».
- (ب)
نسخة من اللوحة المصنوعة من حجر الفنتين وهي التي أقيمت أمام «آمون».
- (جـ)
نسخة من اللوحة التي كانت قد محيت على طوار من الحجر.
(أ) (٢١ / ١٢) السنة الرابعة عشرة من شهر حتحور من عهد جلالة حور العظيم.
(ب) (٢٢ / ٩) السنة الرابعة والثلاثون الإلهتان «سيد السلاح» حور المنتصر، الشجاع، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح أب رع» «بسمتيك».
كان جلالته مهدئًا للأرض، وخامدًا الثوار (؟) فيها وممونًا كل معابد الجنوب (١٤) والشمال. لقد قيل أمام الكاهن الأول للإله «حرشف» ملك الأرضين كاهن «أوزير» صاحب «نارف» في مكانه، المشرف على كهنة الإله «سبك» صاحب «شد» (الفيوم) المشرف على السفن لكل الأرض «بتيسي» بن «عنخشيشنق».
(١٦) إن معبد «آمون» صاحب الثغاء العظيم (كصوت الكبش الذي يتقمصه الإله آمون آيل للخراب بسبب الضرائب الفادحة عليه.
وقد وضع هذا الشريف في قلبه أن يجعل هذه المدينة في خدمته. ولماذا يناقش ضابط الجيش هذه الضريبة مع كل كاتب لكل مدينة تابعة له، ومع كل عميل ومن شابهه. وقالوا: إنها لم تدفعها فيما مضى (؟) وقد غضب من ذلك، وبعد ذلك أرسل ضابط الجيش هذا شريفه هذا الذي يسكن في هذه المدينة، وهو «بتيسي» بن «يتورو» قائلًا: لا تدع ضرائب تفرض على معبد «آمون» صاحب الثغاء العظيم أبديًّا وسرمديًّا؛ وذلك لأنه لم يدفع ذلك من قبل. وحفظ كل كاهن وكل فلاح (؟) وحرس من دفع ضريبة إلى الأبد، ضد كل شريف وكل مأمور وكل وكيل وكل ابن بيت (أي: شخص له حقوق وراثية).
وقد عمل ذلك ليحمي هذا المعبد، وأولئك الذين فيه لأجل أن يعملوا له بمثابة عجول في المرعى (قد يجوز أنه يعني أنهم يتمتعون بالحياة، كما تتمتع صغار البقر في المرعى).
وأن الذي يقر هذه اللوحة سيكون له حظوة (آمون رع ملك الآلهة) باي (= الروح) أو الكبش وهذا اسم للإله «أرسفيس»، وكذلك آلهة أخرى في صورة الكبش (وقد كان الكبش الخاص بذلك له قرنان منبسطان في حين أن الكبش الخاص بآمون كان قرناه ملويين)، واسمه سيصير طيبا، وسيكون ابنه في مكانه وبيته ثابتًا على أساسه.
وهكذا تنتهي هذه القصة الطريفة في بابها، وقد حوت بين دفتيها لمحات في تاريخ الأسرة السادسة والعشرين حتى بداية العهد الفارسي، وقد أوردناها في عهد الملك بسمتيك الأول؛ لأن معظم حوادثها وقعت في عهد هذا الفرعون، وسنشير إلى ما جاء من حقائق عن سائر ملوك هذه الأسرة في سياق الكلام عنهم كلما جاءت مناسبة لذلك، وعلى أية حال فإنا قد آثرنا سردها هنا بأكملها حتى يمكن للقارئ أن يتتبع سير الحوادث فيها دون انقطاع. هذا ونعود الآن إلى متابعة تاريخ بسمتيك وعظماء الرجال الذين عاشوا في عصره.
(٣-٢) الكاهن نسناوياو
ويحمل هذا العظيم لقب كاهن الإله «حور» في «إدفو». وقد مثل «نسناوياو» في هذا التمثال قاعدًا القرفصاء، وصناعة التمثال متوسطة الحالة، وليس في هيئة جسمه، وتقاطيع وجهه ما يلفت النظر، هذا وقد وجد مشوه الأنف.
ويلحظ أنه قد نقش على الجزء الأعلى من ساعديه عموديًّا اسم الملك «بسمتيك» ولقبه. فعلى الذراع اليمنى نقش: «بسمتيك» وعلى الذراع اليسرى نقش «واح أب رع». وتبتدئ نقوش هذا التمثال بذكر لقب المتوفى واسمي والديه مع التماس من صاحب المقبرة من زائريه أن يتلوا صيغة القربان الجنازية المعروفة، وعلى ذلك سينالون جزاءهم الأوفى في الحياة الآخرة، ثم يتلو ذلك تقرير مختصر من المتوفى عن معاملته الحسنة للناس والآلهة، إذ كان يعمل كل ما يحبه الناس والآلهة، وخاتمة النقش التي تشير إلى بدايته تحتوي على ذكر الإله حور صاحب «إدفو».
ولا نزاع في أن التمثال كان مقامًا في معبد «حور» بإدفو، كما يدل على ذلك الأسطر ٣، ١٩ … إلخ.
وتدل شواهد الأحوال على أن المتوفى قد وضع تمثاله هذا في معبد «حور»؛ لأجل أن يتمتع بالقربات التي كانت تقدم لهذا الإله في معبده، كما كانت العادة منذ أزمان بعيدة.
- (١)
يا رع «حور أختي» أيها الإله العظيم، رب السماء، الأمير الوراثي والحاكم وكاهن «خور إدفو»، والمعروف لدى الملك حقًّا «نسناوياو» بن «حوروزا» وابن ربة البيت «نس-نيت-برت» المرحومة يقول (هكذا) عندما تضرع لأوزير؛ لأجل الإله الكامل (له الحياة والصحة والعافية) رب الأرضين (المسمى) «واح-أب-رع» بن «رع» (المسمى) «بسمتيك» العائش أبديًّا.
- (٢)
أنتم يا كل الكهنة والعظماء والكتاب الذين يدخلون في معبد «إدفو» يوميًّا (٤) لتقديم القربان قولوا من أجلي صيغة القربان: ألفًا من الخبز والجعة والثيران والإوز (وكل الأشياء)، التي منها يعيش إله لأجل روح الأمير الوراثي والحاكم «نسناوياو» بن «حوروزا»، وأن الآلهة والإلهات الذين يأوون في هذا المكان ليتهم يمدحونكم ويثبتون أولادكم في أماكنكم إذا ما نطقتم اسمي، ومن سينطق الاسم ممن يعيش ويرى آخر (أنك تعمل ذلك لي) فإن المثل سيعمل لك.
-
لقد أعطاني سيدي مكافأةً إذ جعلني أميرًا وراثيًّا (للمكان المسمى) «برانب».
-
لقد أعطاني سيدي مكافأة مرةً ثانيةً، إذ جعلني أميرًا وراثيًّا على «بر-نب-أم».
-
لقد أعطاني سيدي مكافأة مرة ثالثة إذ جعلني أميرًا وراثيًّا على «خاس تمح».
-
لقد أعطاني سيدي مكافأة مرة رابعة، إذ جعلني أميرًا وراثيًّا على «بر-رما».
-
لقد أعطاني سيدي مكافأة (١٣) مرة خامسة، إذ جعلني أميرًا وراثيًّا عظيمًا وأميرًا على «راكايم» (١٤).
-
لقد أعطاني سيدي مكافأة سادسة، إذ جعلني أميرًا على «مرت (؟) (١٥) نثرت».
-
لقد أعطاني سيدي مكافأة سابعة إذ جعلني (١٦) … على «طيبة».
-
لقد أعطاني سيدي مكافأة ثامنة إذ جعلني (١٧) أميرًا وراثيًّا على «الكاب».
-
لقد أعطاني سيدي مكافأة تاسعة (١٨)، إذ جعلني أميرًا على «إدفو»؛ وذلك لأن مهارتي (١٩) كانت غالية في قلبه.
-
وإن هذا الإله العظيم الرفيع صاحب ونس حور قد جعل اسمي يصلح مثل اسمه يبقى دائمًا وأبديًّا!
ومن كل ذلك نفهم أننا أمام موظف عظيم من موظفي الدولة في تلك الفترة.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أولًا أن لقب كاهن الإله «حور إدفو»، الذي كان يحمله لم يكن إلا لقب شرف وحسب، وقد جرت العادة في زمنه أن يحمل مثل هذا اللقب رجال عظماء الدولة، وأعظم مثل أمامنا هو الحاكم العظيم «منتومحات» الذي كان يعتبر أكبر رجال عصره، فكان يحمل لقب كاهن آمون الرابع (راجع الجزء الحادي عشر). والواقع أن الوظيفة الأصلية لبطلنا كانت دنيوية قبل كل شيء، وذلك على الرغم من أنه كان يلقب في نقوش مائدة قربان له «مدير كهنة حور إدفو»، مما يدل على أنه كان يقوم فعلًا بأعباء هذه الوظيفة. أما مواقع البلاد التي أقره الملك عليها، فيجد الباحث لأول وهلة أنها تشتمل على بعض الصعاب من حيث تحديد مواقعها، وبخاصة الخمسة الأول. والواقع أنه ليس لدينا ما يساعد على تحديدها إلا الأسماء التي جاءت على لوحة التبني التي خلفتها لنا المتعبدة الإلهية «نيتوكريس»، فنجد أن الاسمين الرابع والخامس في لوحة التبني، وهما «منف» و«كوم الحصن» يقابلان الاسمين الأول والثاني في متن التمثال الذي نحن بصدده، وعندما نرى أن اسم المدينة الثالثة في المتن الذي نفحصه يدعى «خاس-تمح»؛ أي أرض «لوبيا»، وأن «نسناوياو» كانت مكافأته في الدفعة الخامسة هو الأمير العظيم لبلاد الغرب، فإن ذلك يوحي إلينا بأن نظن على وجه التقريب أن المدن الخمس كانت كلها في الوجه البحري، وأنه كان قد نصب حاكمًا على هذه المقاطعة، وأنه بعد ذلك قد ثبت بوصفه حاكمًا على كل واحدة منها على انفراد.
ولا نزاع في أن الإنسان يمكنه أن يجد حلًّا لهذه المعضلة، وذلك بأن ما جاء في الأسطر من التاسع حتى الخامس عشر يصور لنا حالة مصر السياسية في السنين الأولى من حكم «بسمتيك الأول» بصورة غير مباشرة، فلدينا في هذا النقش سجل هام نفهم منه أن الملك الجديد، قد أعاد للبلاد وحدتها بعد أن كانت منقسمة قسمين الدلتا والصعيد.
ففي عصر الحكم الكوشي الآشوري كانت الوحدة الحكومية معدومة. وكانت المدن الكبيرة بما لها من أرض محكومة بأمراء مستقلين كل يناهض الآخر. وقد كان «بسمتيك» واحدًا منهم أميرًا على «سايس»، غير أن طموحه وشجاعته كانا يفوقان طموح الآخرين وشجاعتهم … وكان والده «نيكاو الأول» قد نصب من قبل الآشوريين كما قلنا حاكمًا على أرض الكنانة، وقد كان جل هم «بسمتيك» توحيد البلاد تحت سلطانه؛ ولذلك كان أول واجب عليه هو أن يخضع الأمراء المناهضين له؛ وذلك بانتزاع استقلالهم من أيديهم.
وكان كل من لم يخضع عن طيب خاطر يخضعه على أية حال بمهارته وحسن سياسته، دون أن يلحق به أذى، ومن ثم أصبح أمراء المدن الذين سلموا عن طيب خاطر يشاطرونه الإخلاص، ومن بين هؤلاء «نسناوياو». ولا بد أنه كان له أهمية خاصة، ولا أدل على ذلك من أنه بعد خضوع الدلتا كان يشغل مكانة علية، وعندما امتدت سيادة «بسمتيك» نحو الجنوب تولى بطلنا وظائف في «طيبة» وفي «الكاب»، وأخيرًا في «إدفو» التي لم تكن بعيدة عن الحدود الجنوبية للمملكة المصرية.
وقد كان «نسناوياو» هذا يقطن فيها حتى مماته، أما تعيينه في الوظيفة التي كان يشغلها في «طيبة»، فلا بد أنه لم يكن بعد السنة الثامنة من حكم «بسمتيك» بزمن طويل؛ وذلك لأن «تانو تأمون» كان لا يزال في خلال السنة الثامنة من حكم «بسمتيك» قابضًا على زمام الأمور في «طيبة»، ونعلم ذلك من لوحة التبني التي خلفتها لنا المتعبدة الإلهية «نيتوكريس»، ومن جهة أخرى لم نجد من بين المدن التي قدمت جزية للمتعبدة الإلهية «نيتوكريس» بلدة من البلاد التي جنوبي «طيبة». وهذا يوحي بأن الأرض التي كانت في الجنوب لا تزال تحت نفوذ «تانو تأمون»، أو من أتى بعده من الملوك «الكوشيين»، وعلى ذلك فإن تنصيب «نسناوياو» أميرًا على كل من «الكاب» و«إدفو»، قد جاء بعد السنة التاسعة من حكم الملك «بسمتيك الأول».
ومن المهم أن نلحظ أن «طيبة» كانت المدينة الوحيدة التي لم ينصب عليها «نسناو ياو» أميرًا من بين المدن التسع التي ولي عليها، وهذا يرجع إلى حقيقة تاريخية كبيرة؛ وذلك أن أمير «طيبة» أو حاكمها وقتئذ كان «منتومحات» الذائع الصيت. وتدل الوثائق التاريخية التي في متناولنا على أن «بسمتيك الأول» قد اعترف به حاكمًا عليها، كما يتضح ذلك جليًّا من لوحة التبني التي خلفتها لنا «نيتوكريس»، إذ نجد أنه كان لا يزال حاكمًا على المدينة عندما وصلت إليها «نيتوكريس» لتسلم مهام وظيفتها.
ووما يؤسف له أنه لا يمكننا أن نعرف أية وظيفة كان يشغلها «نسناوياو»؛ وذلك لأن اللقب الذي حمله في نقوش هذا التمثال ليس معروفًا، ولكن من مخصص الكلمة يظهر أنه كان شبه ملاحظ أمين يثق فيه الملك تمامًا في مثل هذه المدينة العظيمة الواقعة في الجنوب، بعيدة عن عاصمة ملكه التي في أقصى الشمال.
«رع حور» أختي الإله العظيم الذي يسكن في «إدفو» إنه يعطي الحياة والعافية والصحة والعمر الطويل، وشيخوخة جميلة عالية مع سرور القلب(كسر من ٢-٣ سنتيمترات) للأمير الوراثي والحاكم وللمحبوب حقًّا المعروف لدى الملك ومدير الكهنة … وللحاكم العظيم للغرب «نسناوياو» (؟) والعائش ابن «حوروزا» وأمه هي «نس-نيت-برت».
(٣-٣) القائد حور حاكم «أهناسيا» المدينة و«بوصير» و«هليوبوليس»
(أ) المتن والترجمة
يلحظ لأول وهلة عند رؤية التمثال أن المتن الذي يغطي كل العمود الذي يستند عليه ظهر التمثال غير كامل، فقد ضاعت بداية أربعة الأعمدة من النقوش وكذلك الرأس. ويضاف إلى ذلك أن قاعدة التمثال غير كاملة.
وخلاصة ما جاء في المتن هي أن صاحبه يبتدئ بمديح نفسه، ثم يذكر ألقابه وسلسلة نسبه ويستمر المتن بدعاء لإله «أهناسيا» المدينة وهو «حرشف»، ثم يعدد الأوقاف التي عملت في معبد هذا الإله، وكذلك في المعابد المجاورة على يد القائد «حور»، ثم يشير بعد ذلك إلى هبات من الأرض والأشياء الأخرى، ويستحث الغيرة الدينية في نفس صاحب الهبة، وفي النهاية يتطلب القائد في مقابل ذلك حماية الإله «حرشف» له، غير أنه مما يؤسف له لم يذكر في نقوشه اسم الملك الذي عاش في عصره، ومن ثم جاء الاختلاف في تحديد عصره.
- (١) مديح وألقاب وسلسلة نسب المهدي: … الذي يعمل أشياء مفيدة في «أهناسيا المدينة»، والذي يسهر على إصلاح «نارف» والذي يحمي «أهناسيا المدينة» ويصد أعداءها، والذي يحمي من يتأخر في شوارعها بتأكد كما في المحراب، والذي يبعد الأعداء عن إقليمه، حاكم إقليم «أهناسيا المدينة» القائد «حور» بن رئيس جنود «بوصير» (المسمى) «بسمتيك»، الذي وضعته السيدة «نفرو سبك» يقول:
- (٢) تضرع للإله «حرشف»: يا سيدي ويا إلهي «حرشف» ملك الأرضين، وأمير الشواطئ، الإله الفرد الذي لا مثيل له. إني (رجل) مُوَالٍ مخلص لك (حرفيًّا: يمشي على مائك)، إني قد ملأت قلبي بك، والطريق الجميلة للذي يطيع جلالتك، فإنك جعلت قلبي يشرئب نحوها. وإن قلبي يبحث عن الخير في معبدك …
- (٣) المباني في معبد «حرشف» وفي المعابد المجاورة: … (لقد عملت …) (بوابة) في قاعة العمد لحرشف بصناعة ممتازة ليس لها نظير، فالعمد من الجرانيت، والرواق الأمامي من أرز «لبنان» الجميل، والزينات العدة من الذهب تقليد لأفق السماء، وجدرانها الجنوبية الشمالية من الحجر الجيري الأبيض الجميل، والباب الداخلي من الجرانيت المرصع بالذهب، والمصراعان من السام. ولقد أصلحت محراب الوجه القبلي ومحراب الجنوب ومحراب الشمال في هذا المكان، وكذلك معبد «نحيكاو» وأقمت جدارًا حول بحيرة «ماع»٨١ وهدمت … وجملت (جعلت فاخرًا) الردهة الأولى القريبة من «حبسبجت». وعملت حقًّا عملًا ممتازًا في بيت «حرشف» سيد الآلهة.
- (٤) أعطيات من الأرض والأشياء: أعطيت هبة قطعتين من الأرض (كروم) الإله الروح العظيم الأزلي «حنب» (يحتمل أن ذلك اسم الإله) الكبش العائش (أو الروح العائشة) لرع؛ لأجل أن النبيذ الذي يأتي منه يقرب له يوميًّا، ولقد عوضت أصحابها (أراض) بوساطة متاع من بيتي. ودفعت لهم أجرًا (سر قلبهم)؛ لأني علمت أن السرقة ممقوتة من الله. وصنعت مائدتي قربان من حجر الكوارتسيت (؟) الأبيض لأجل أن تقرب القربات الإلهية عليها، واحدة منهما في «تبحت جبات» القبر الذي ينام فيه «آتوم القديم»، والآخر في «نررف» سماء (= مقصورة) ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وننفر» (= اسم من أسماء «حرشف»).
- (٥) نشاط منوع لصالح الآلهة: … الإله «حرشف» وتاسوعه لقد أصلحت ما كان قد محي في معبده، وقد أمرت بإخراج «حتحور» (العظيمة) في سفينتها في وقت عيدها الجميل في الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم الخامس حتى … يوم؟
- (٦) الخاتمة: لقد عملت هذه الأشياء بقلب فرح … هناك. ليتك تفتح
ذراعي لأجل أن أضم … الذي كان في قلبي، عندما كنت أعمل
أوقافًا في معبدك. ضع ذراعيك خلفي (أي: احمني) بالحياة
والصحة. لقد أنجزت ما كان في قلبي (أي: ما صممته) في
معبدك.
ليتك تمنحني المكافأة على ما فعلت: حياة طويلة، راحة القلب مع بقائي في حظواتك أنت يا أمير الشواطئ. ليت اسمي يبقى ثابتًا في «أهناسيا» المدينة حتى تأتي الأبدية …
- (١) مديح وألقاب المهدي: … (بنصيحة مفيدة بوساطة) كتاباته، والذي يدخل أولًا ويخرج آخرًا وملاذ المعدم، (والذي يحمي) الناس، ومن صحته مرتجاة عند كل الناس، ومن قلبه مفعم بولائم الإله، ومن يصلح كل ما وجد ناقصًا في المعبد، ومن يحيط أرواحهم المقدسة (أي: الحيوانات المقدسة) في الجبانة، والذي يقدم طعامًا (لموائدهم) … وهو واحد لا (خطيئة له)، وما يمقته هو هو الرجل الذي لا يعرف الدفع (أي: الذي يتجاهل دفع الأجر)، والذي يملك متاعها أكثر من مخزن الغلال الملكي (أي: الشونة المزدوجة للوجهين القبلي والبحري) والوفير الحصاد، من يعيش جم غفير (ملايين) في مدينته، وفيضان مدينته عندما يفتقد الماء، حاكم مقاطعة «بوزريس» (أو منديس) و«هليوبوليس»، و… الأمير الوراثي …
- (٢) التضرع للإله وذكر المباني: (يقول: يا إلهي «حرشف» سيد) كل الآلهة إني (رجل) صادق القلب مُوالٍ لك، وخوفك في قلبي كل يوم، لقد عملت رواقًا عظيمًا في داخل قاعة العمد الخاصة بالإله «حرشف»، وقاعة العمد من الجرانيت والرواق (من الأرز).
- (٣) العطاء (؟) والخاتمة: (من النبيذ) من بيتي نفسي؛ لأني أعرف أن الإله في حاجة لذلك (حرفيًّا: كانت حاجة الإله) والمكافأة منك يا سيد الآلهة (ستكون): «أن تعمل أن يكون الخوف مني في قلب الناس، وأن يسقط أعدائي بسيفك، وأنك ستجعل سني عديدة …»
تعليق
وضع هذا التمثال «برسند» في عهد الملك «بسمتيك»، ولكنه قال: إن هذا محض تخمين. وقد تناول بالبحث والموازنة الأثري «فركوتر» كلًّا من تمثال «الإسكندرية» وتمثال اللوفر، وخرج بالنتيجة التالية: يمكن إذن أن نصرح أن تمثال «اللوفر» يرجع إلى عهد الأسرة الثلاثين، أما تمثال «الإسكندرية»، فيمكن أن يكون أحدث منه بقليل فمن الجائز أنه نحت تقليدًا لتمثال «اللوفر» في أوائل العهد الإغريقي؛ أي بعد مضي عشرين عامًا على نحت التمثال الأول، وهذا يفسر الفرق البسيط من حيث الكتابة بين الأثرين، والتغير في مكانة الحاكم «حور». وبالاختصار فإن «حور» كان حاكمًا حربيًّا على «أهناسيا المدينة» في عهد أحد فراعنة الأسرة الثلاثين، ومن المحتمل جدًّا في حكم «نخت حورحب» (نقطانب الثاني) كان قد أخذ على كره منه — كما يحتمل — في حومة الفتح الفارسي الثاني والحرب مع الإسكندر الأكبر … إلخ.
(٣-٤) بابسا: المدير العظيم للمتعبدة الإلهية «نيتوكريس»
جاء ذكره وألقابه على تمثال فخم للإلهة «تواريت»، التي تمثل في صورة فرس البحر والتي تعد الإلهة الحامية للطفل الوليد، وقد عثر على هذا التمثال في الكرنك في الجهة الشمالية من المعبد الكبير، وقد كان محفوظًا داخل ناووس من الحجر الرملي، وقد نقش عليه تعبد لهذه الإلهة قدمته المتعبدة الإلهية «نيتوكريس»، كما ذكر عليه تعبد آخر قدمه «بابسا»، ومن ثم نفهم أنه هو الذي أهدى هذا التمثال على ما يظن، فيقول في تعبده: المديح للإلهة «تاورت» العظيمة سيدة الأفق … من الأمير الوراثي والحاكم، وحامل خاتم ملك الوجه البحري والسمير الوحيد في الحب وكاهن «آمون رع» ملك الآلهة، والمشرف على كهنة الأرض الجنوبية، والمشرف على الجنوب قاطبة والمشرف والمدير العظيم لبيت المتعبدة الإلهية «بابسا» بن الكاهن محبوب الإله «بدي باست» المرحوم. وقد كتب ابنه «ثاحور خبش» (حور قبض على السيف) على قاعدة هذا التمثال أيضًا، ومن ثم نفهم أنه هو المهدي لهذا التمثال.
ويحمل لقب: الذي في حجرة المتعبدة الإلهية وخادم «رع».
(٤) العقود في عهد «بسمتيك الأول»٨٢
لاحظنا في الجزء الحادي عشر أن آخر عقد بيع كان مؤرخًا بالسنة السادسة عشرة من حكم الملك «تهرقا»؛ أي قبل تمام الفتح الآشوري لمصر. وعندما ندخل في العقود التي دونت في عهد الأسرة السادسة والعشرين تصادفنا عقبة، وذلك أنه ليس لدينا في هذه العقود ما يميز عقود كل من ثلاثة الملوك الذين يحمل كل منهم اسم «بسمتيك»؛ ولذلك أصبح من الصعب معرفة لمن يكون العقد الذي عليه اسم «بسمتيك»، فهل هو للأول أو للثاني أو للثالث؟ والواقع أن الأول حكم أربعًا وخمسين سنة والثاني حكم خمس سنين ونصف سنة، والثالث حكم بضعة أشهر وحسب. ومن ثم نفهم أن كل التواريخ التي بعد السنة السادسة أو على الأكثر في السنة السابعة لا بد أن تنسب إلى أول ملك حمل اسم «بسمتيك». والتواريخ المعروفة لنا على الأوراق البردية، وتحمل اسم «بسمتيك» هي: ٢ سنة، ٤، ٥، ٦، و٢١، ٢١، ٢٩، ٣٠، (؟) ٣١، ٣٣–٤٢ (على ورقة واحدة)، ٤٥، ٤٧.
وهاك ملخص العقود التي دونت على البردي في عهد «بسمتيك الأول» بالخط الهيراطيقي الشاذ، باستثناء العقدين اللذين عثر عليهما في «الحيبة» في مجموعة «ريلاندز»:
(٤-١) الاعتراف بحق المشاركة في وظيفة
(٤-٢) بيع أرض وصك تسلم
(٤-٣) عقد بيع عبد
(٤-٤) حسابات الصكوك
في السنين ٣٣، ٣٤، ٣٥، ٣٦، ٣٧، ٣٨، ٤١، ٤٢. لدينا ثماني قوائم حسابات سنوية عن ١٠ + ١ أرورات من الأرض ملك فرد يدعى «حاروز» (الذي مر ذكره)، وهذه الحسابات على ما يظهر توضح نصيب المعبد في الحصاد وتقوم مقام صكوك التسلم، وكل من هذه الصكوك قد وقع عليه كاتب حساب الغلة و(حتى عام ٣٦) شهد فيها كاتب أو أكثر.
(٤-٥) بيع بصك
(٤-٦) هبة
(٤-٧) عقدان بالهيراطيقية
هذا ولدينا عقدان من طراز الكتابة الهيراطيقية العادية، عثر عليهما في «الحيبة»، ويحمل كل منهما تأريخ السنة الواحدة والعشرين من عهد «بسمتيك»، ولا بد أنهما يشيران إلى «بسمتيك الأول».
وهذان العقدان يعدان أقدم مثالين أكيدين من هذا النوع، وقد ميزا بأنهما من سلسلة العقود المعتادة، وهي كما قلنا تختلف عن سلسلة العقود الهيراطيقية الشاذة في كل من الكتابة والصيغ، وتقودنا مباشرة إلى طرز الوثائق الديموطيقية القانونية. والأوراق الهيراطيقية الشاذة عثر عليها في «طيبة»، وتدل شواهد الأحوال على أن أسلوب كتابة الأسرة الخامسة والعشرين، كان متبعًا في (العصر الكوشي) بوجه عام في العاصمة الجنوبية، حتى منتصف حكم الملك «أحمس الثاني». وأوراق مجموعة «ريلاندز»، التي عثر عليها في بلدة «الحيبة» الواقعة في مصر الوسطى خالية من هذا الطراز القديم (أو الرجوع إلى القديم). ولدينا لوحة هيروغليفية ديموطيقية ترجع إلى السنة (الخمسين؟) من حكم «بسمتيك الأول»، وكذلك عقد عبودية مؤرخ بالسنة الرابعة من عهد «بسمتيك»، ويحتمل جدًّا أنه من عهد «بسمتيك الثاني»، وهذان هما أقرب كتابة للسلسلة المعتادة من حيث التأريخ للورقتين اللتين سنترجمهما هنا، ومن المحتمل أن اللوحة والعقد قد أتيا من مصر الوسطى أو مصر السفلى.
العقد الأول
لقد جعلت (٤) قلبي يوافق على الفضة (الثمن) لهذه (الأنصبة الثلاثة) أعلاه، ولن يكون في قدرة أطفالي أو إخوتي أو أي رجل في العالم، أو حتى نفسي أيضًا أن يرقبها بدونك، وذلك من أول السنة الواحدة والعشرين من عهد الفرعون «بسمتيك» — له الحياة والصحة والعافية — وما بعدها إلى أي سنة بما في ذلك الأطفال والإخوة أو أي رجل في العالم. والرجل الذي سيأتي إليك بسبب هذه الأنصبة المدونة أعلاه سأجعله يبعد عنك فيما يخص أية ملكية في البلاد، وكذلك الحال مع الأولاد والإخوة لطلب أي فضة (ثمن)، أو أي غلة أو أي شيء في كل الأرض مما سيسر قلبك. وهذه الأنصبة الثلاثة المدونة أعلاه لا تزال ملكك إلى الأبد. والرجل الذي سيأتي إليك ليأخذك إلى القضاه باسم هذه الأنصبة المدونة أعلاه (٧) لن يكون في قدرته أن يقول: أبرز شاهدًا بتوقيعه، إلا في البلد الذي فيه الشاهد.
- (١)
الكاهن والد الإله «بسنكي» بن «بشنبتاح».
- (٢) الكاهن والد الإله «زتوتفعنخ» Zethutefénkh بن «حاروز» Harouz.
- (٣) الكاهن والد الإله أحو (؟) Aho بن «آمون» (؟).
- (٤)
الكاهن والد الإله «زوبستفعنخ» بن «آمون» (؟).
- (٥)
الكاهن والد الإله «حور» بن «زوبستفعنخ».
- (٦)
الكاهن والد الإله «زوبستفعنخ» بن «حور».
- (٧) الكاهن والد الإله «زوبستفعنخ» بن «عانخب» Ankheb.
- (٨) الكاهن والد الإله «حور» بن «بفتوعوسبتي» Peftu’usopti.
- (٩) الكاهن والد الإله «حاروز» بن «بفتوعوباستي» (؟) Peftu’ubasti.
- (١٠)
الكاهن والد الإله «حاروز» بن «أحو» (؟).
- (١١) «حور» بن «ينحارو» Ienharou.
- (١٢) الكاهن والد الإله «خبخرات» Khepekhart بن «أحو» (؟).
- (١٣)
الوالد الإلهي «حاروز» بن «بسنكي» (؟).
- (١٤) «زوخنسفعنخ» Zekhensef’onkh بن «خبخرات».
- (١٥)
الكاهن والد الإله «بمو» بن «حور».
ويأتي أخيرًا بعد ذلك سطر بالهيروغليفية فيه شهادة فرد آخر وهي.
- (١٦) شهد على ذلك الكاهن والد الإله «ينحارو» Ienharou بن «بفوت» Pfot، وشهادة الأخير هذه تجعل عدد شهود الوثيقة ستة عشر عدا توقيع كل من البائع وابنه، وهذا العدد من الشهود هو المعتاد في المعاملات الهامة. وعلى الرغم من أن نفس الأسماء كثيرًا ما كررت مما يدل على صلة قرابة، فإن ثلاثة شهود آخرين فقط قد ظهروا ثانية في الورقة الثانية التي سنتحدث عنها. ومن درس هاتين الورقتين نفهم أن الستة عشر شاهدًا الذين شهدوا في الوثيقة لا يمكن أن يكونوا هم الستة عشر المسئولين عن القربان أو المعاش للكهنة التابعين لمعبد «توزوي». ومع ذلك فإنه من كل ما نعرف من نقوش هذا العصر يجوز أن ستة عشر معاشًا كان العدد العادي في المعابد الأخرى، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يمكن أن نربط بها عدد ستة عشر شاهدًا الذين يشهدون في معظم المعاملات الكهانية الهامة.
العقد الثاني
«منح مكان» في المعبد لإسمتو ولأخويه.
السنة الواحدة والعشرين شهر «هاتور» من حكم الفرعون «بسمتيك»، له الحياة والعافية والصحة.
إنه مكانك (٤) وليس لأحد في البلاد أن يستولي عليه غيرك.
وإن الرجل الذي سيأتي إليك بسببه قائلًا: إنه ليس مكانك، وسيعطيك أي فضة وأي غلة ستسر قلوبكم، فإن مكانك (في المعبد) سيبقى ملكك إلى الأبد. والرجل الذي سيأتي إليك ليأخذك (٦) إلى (؟) القضاة باسم هذا المكان في المعبد المذكور أعلاه، فإنه لن يكون في استطاعته أن «يبرز أي شاهد موقع» إلا في المدينة التي فيها الشاهد.
(٧) وبحياة «آمون» وبحياة الفرعون له الحياة والفلاح والصحة لن نقول «غشًّا»! عن أية كلمة (مدونة) أعلاه: ولن نسحب أي كلمة منه كتبه الكاهن والد الإله «حاروز» بن «بسنكي».
وأسفل هذا النص نجد سطرًا من الكتابة الهيروغليفية، وهو عبارة عن مجرد توقيع شاهد: (٨) وقعت بوساطة الكاهن والد الإله «ينحارو» بن «بفوت»، ويأتي بعد ذلك إحدى عشرة نسخة تامة للشهود، ولما كانت نهاية البردية قد أتلفت فإنه على ما يظهر كان هناك خمسة عشر شاهدًا، كما هي الحال في العقد السالف؛ وذلك ليكون مجموع الشهود ستة عشر شاهدًا.
- (١)
الكاهن والد الإله «بمو» بن «حور».
- (٢)
الكاهن والد الإله «أحو» (؟) بن «حور».
- (٣)
الكاهن والد الإله «زتوتفنعنخ» بن «عنخ».
- (٤)
الكاهن والد الإله «زوبستفعنخ» بن «حور».
- (٥)
الكاهن والد الإله «حور» بن «زوبستفعنخ».
- (٦)
الكاهن والد الإله «بسنكي» بن «أحو» (؟).
- (٧)
الكاهن والد الإله «حور» بن «بسنكي».
- (٨)
الكاهن والد الإله «حور» بن «بفتوعوستي».
- (٩)
الكاهن الابن الذي يحبه «حارخسي» بن «حارسا أزيس».
- (١٠)
الكاهن والد الإله «حور» بن «حاروز».
- (١١)
الكاهن والد الإله «بشنبتاح» بن «بسنكي».
ومما تجدر ملاحظته هنا أن هاتين الورقتين قد كتبتا على ورق من صناعة واحدة وهما من طراز موحد، ويحتمل أنهما خاصتان بعمل واحد في أطوار مختلفة؛ أي إدخال أسرة ضمن كهنة «توزوي». والأولى كتبت في شهر بئونة، وهي خاصة ببيع وظيفة كاهن أو نقلها لشخص آخر، هذا بالإضافة إلى وظيفتين أخريين في معبد «آمون»، وكذلك نقل كل دخلهما من الكاهن «حور» إلى «إسمتو»، والعقد الثاني كتب في الشهر التالي وهو «هاتور»، وهو خاص بمنح «مكان» في المعبد بوساطة كل مؤسسة المعبد إلى «إسمتو» وأخويه. ولم يعرف مثل هاتين الوثيقتين من قبل، ويجب أن نلفت النظر إلى بعض برديات خاصة بملكية وظيفة، وكذلك رواتب خاصة لكهنة فربان في جبانة «طيبة».
(٥) أسرة بسمتيك الأول
(٥-١) زوجه «محيتنوسخت»
- (١) مقصورتها الجنازية القائمة بمدينة «هابو»: الأميرة الوراثية عظيمة الثناء، وسيدة الحظوة، وحلوة الحب، وسيدة الأرضين الوجه القبلي والوجه البحري، وزوج الملك وابنة الكاهن الرائي العظيم في «هليوبوليس» «حورسا أزيس» (راجع Rec. Trav. XIX P. 21).
- (٢) «نيتوكريس» ابنة الملك «بسمتيك الأول»، وأمها الزوجة الملكية «محيتنوسخت» (راجع Rec. Trav. XX, P. 83).
- (٣) الزوجة الملكية العظيمة «محيتنوسخت» (راجع Petit temple de Medinet-Habu. Champollion, Notice Descriptives I P. 330; L. D. Texte III, P. 157; Maspero, Mission Française du Caire T. I. P. 750).
- (٤) جاء اسم هذه الملكة على تمثال «أبا» المدير العظيم للبيت: الزوجة المقدسة العظيمة «محيتنوسخت» (راجع A. S. V, P. 95-6).
- (٥) وكذلك ذكرت مع ابنتها «نيتوكريس» على مائدة قربان وجدت بالكرنك جاء عليها: المتعبدة الإلهية … إلخ، نيتوكريس، وأمها الزوجة الملكية العظيمة «محيتنوسخت» (راجع Ahmed Bey Kamal, Cat, Gen. Tables d’offrandes No. 23249, P. 167-168).
- (٦) وجاء ذكرها على تابوت ابنتها «نيتوكريس» المحفوظ بالمُتْحَف المصري كما سيأتي بعد:ابنة الملك «بسمتيك الأول» «نيتوكريس»، التي ولدتها الزوجة الملكية العظيمة «محيتنوسخت» (راجع Rec. Trav. XX. P. 83).
- (٧)
ووجد لها بعض تماثيل جنازية من قبرها بطيبة، وهي محفوظة الآن بمتحف «برلين».
راجع L. D. III 265 d. = L. D. Texte I, P. 12; Maspero, Mission Française du Caire t. I, P. 748.وقد جاء عليها: أوزير المتعبدة لآمون (موت مر محيتنوسخت) أبديًّا.
(٥-٢) ابن الملك بسمتيك المسمَّى «نيكاو الثاني»
(٥-٣) ابنة الملك بسمتيك نيتوكريس
- (١) قطعة صغيرة من الحجر من معبد مدينة «هابو» الصغير جاء عليها «نيتوكريس» العائشة ابنة الملك رب الأرضين «بسمتيك» … إلخ (راجع L. D Texte III, P. 157).
- (٢)
هذا ولدينا قطع أخرى من نفس المعبد جاء عليها: الزوجة الإلهية «نيتوكريس» المرحومة.
- (٣)
وجاء ذكر اسمها على تمثال للإله أوزير مصنوع من البازلت الرمادي، عثر عليه في مدينة «هابو» في الردهة التي أمام المعبد الكبير وارتفاعه متر ونصف متر، وقد مثل واقفًا ويلبس التاج الأبيض مزينًا بالصل، والذراعان مطويتان على صدره ويقبض بإحدى يديه على علامة الحياة وبالأخرى على درة، وعلى القاعدة أمام قدميه نقش: «أوزير» ملك الوجه القبلي والوجه البحري، واهب كل الحياة والسلطة لزوج الإله «مري موت نيتوكريس»، ونقش على مقدمة القاعدة ثلاث طغراءات، جاء في الطغراء التي في الوسط: محبوب «أوزير» «ختني أمنتي»، وفي التي على اليمين المتعبدة الإلهية «نيتوكريس» العائشة، وفي التي على اليسار ابنة الملك «بسمتيك» معطى الحياة.
وجاء العمود الذي يرتكز عليه تمثال هذا الإله النقش التالي عموديًّا:كلام! الابتهال إلى وجهك يا أوزير «خنتي أمنتي» (أول أهل الغرب) يا «وننفر» (الإله الكامل) رب الحياة وملك العالم السفلي، ورب الرهبة عند أعدائه (؟) عندما يظهر في تاجه الأبيض وصاحب التاج المزدوج وسيد «منف»، والعظيم في «ددت» (بوصير)، والكبش المقدس في «ابت» (الأقصر)، ورب الجلالة (صفة لأوزير بوصفه كبشًا مقدسًا) في «حت بنو» (معبد مخصص لعبادة الفنكس، ويظن أنه دفن فيه فخذ أوزير كما يرى بعضهم أنه موحد بالمعبد الرئيسي لمدينة «هليوبوليس» (G. Dic. Geogr Tom. IV, P. 66 ff) «أوزير» «خنتي أمنتي» في «هليوبوليس» بوساطة محبوبته الزوجة الإلهية (محبوبة الأم نيتوكريس) صادقة القول (راجع Rec. Trav. XVII, P. 118). - (٤) وجاء اسمها ولقبها على قطعة حجر من الكرنك: تعيش المتعبدة الإلهية «نيتوكريس» (راجع L. D., Texte III, P. 4).
- (٥) نشاهد «نيتوكريس» في نقش بالعرابة، حيث نجدها مصاحبة والدها الملك، وقد جاء فيه: المتعبدة الإلهية «نيتوكريس» العائشة (راجع Mariette, Abydos I, PL. 2b. ).
- (٦) ومن أهم الآثار التي وجدت لهذه الأميرة تابوتها المصنوع من الجرانيت الوردي، وقد عثر عليه في عام ١٨٨٤ في «دير المدينة»، ويرجع الفضل لنقوش هذا التابوت في حل مسألة بنوة «نيتوكريس»، فقد أثبتت أن هذه الأميرة كانت ابنة «محيتنوسخت» التي ولدتها وأنها كانت ربيبة الأميرة «شبنوبت الثانية» المتعبدة الإلهية، فقد جاء فيها أنها الزوجة الإلهية «نيتوكريس» المرحومة ابنة الملك رب الأرضين «بسمتيك الأول» معطى الحياة أبدية، وأمها زوج الملك ويد الإله «شبنوبت» المرحومة ابنة الملك «بيعنخي»، وجاء فيها كذلك أنها يد الإله لآمون، والابنة الملكية رب الأرضين «بسمتيك» المتعبدة الإلهية «نيتوكريس» المرحومة، التي ولدتها الزوجة الملكية والرئيسة العظيمة لجلالته «محيتنوسخت» (راجع Rec. Trav. XIII, P. 148; Maspero, Guide du Visiteur, edit. 1912 P. 3 No. 1; Wiedemann, Agyptische Geschicte P. 634 Note 13; & Supplement P. 69).
- (٧) في عام ١٩٠٥ اشترى الأثري «لجران» لوحة لرجل يدعى «سني» كاهن الزوجة الإلهية والمتعبدة الإلهية «نيتوكريس»، واللوحة خاصة ببيع خمسة وأربعين أرورا من الأرض، وهذه اللوحة مصنوعة من الحجر الرملي ويبلغ ارتفاعها ٤٤ سنتيمترًا وعرضها ٣٠ سنتيمترًا وسمكها ٦ سنتيمترات، وقد عثر عليها السباخون في الكرنك أو مدينة «هابو»، وقد اشتراها «لجران» من «الأقصر». وهي مستديرة بعض الشيء في أعلاها ويشاهد في هذا الجزء قرص الشمس ناشرًا جناحيه على المنظر الآتي: على اليسار يشاهد الإله «آمون رع» ومعه النقش التالي:
«آمون رع» رب عروش الأرضين في الكرنك و«موت» ربة السماء وسيدة الآلهة.
وفي الوسط نشاهد مائدة قربان. وعلى اليمين يُشاهد رجل واقف رافع يديه في حالة تعبد، ويرتدي قميصًا فضفاضًا ومنتعلًا حذاءً، وقد نقش فوق هذا الرجل ستة أسطر جاء فيها:حامل الخاتم الإلهي وكاتم السر وكاهن الزوجة الإلهية والمتعبدة الإلهية «نيتوكريس» المرحومة (المسمَّى) «سني» ابن حامل الخاتم الإلهي وكاتم السر «أوف عوا»، وأمه ربة البيت «دبسن حات أزيس» المرحومة. ونقش تحت هذا المنظر أربعة أسطر أفقية تحتوي على مناداة الإله الأحد سيد الآلهة «آمون رع» ملك الآلهة بوساطة حامل الخاتم الإلهي «سني»، الذي يقول له إنه ثبت له قطعة أرض مساحتها ٤٥ أرورا … إلخ.
- (٨) ووجد لهذه الأميرة كذلك خاتم من الطين اشتراه الأثري «نيوبري» في «الأقصر» (راجع A. S. VII P. 227; Proceeding S. B. A XXXVI (1914) P. 169 PL IX No. 12).
ومما يلفت النظر في نقوش هذا الخاتم أنه قد كتب عليه اللقب: الكاهنة الكبرى لآمون رع ملك الآلهة (المسماة) «نيتوكريس». ومن ثم نفهم أنه كانت أحيانًا تعلن نفسها كاهنة كبرى مع ما لهذه الوظيفة من سلطان.
- (٩) وأخيرًا جاء ذكر هذه المتعبدة الإلهية على ثلاثة آثار، وهي عتبا باب من الحجر الرملي بالمُتْحَف المصري، وحق جزء منه بمتحف اللوفر والأخير بالمُتْحَف البريطاني، وقد كتب عن هذه الآثار الثلاثة الأثري كرستوف مقالًا في مجلة المعهد الفرنسي (راجع Bull. De I’Instit. Fr. D’arch. Orient. Tom. LV. P. 65 ff.).
وكان يحمل «أبا» هذا ألقاب «الحاكم» والمشرف على كهنة حور الكبير رب «قوص»، والأمير الوراثي، ومدير البيت العظيم للمتعبدة الإلهية، وتابع المتعبدة الإلهية … إلخ.
وهذا النقش مؤرخ في أربعة أعمدة قائمة، ونقش كل واحد منها خاص بواحد من كباش «منديس» الأربعة. ويلحظ أنه قد نقش في العمودين الأول والثالث لقب الملك «واح-أب-رع»، ونقش في العمودين الثاني والرابع اسم الملك نفسه «بسمتيك». والنقش الذي في السطر الأفقي الذي فوق نقوش الأعمدة الأربعة جاء فيه:
إن الروح تقول يا كبش الإلهة «وازيت» امنح تاجًا لملك الوجه القبلي والوجه البحري؟ «واح-أب-رع» مثل شباب الآلهة … يا كبش الإلهة «نيت» امنح السعادة لملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح-أب-رع» مثل سعادة الآلهة … يا كبش الإلهة «نيت» إنك عظيم بأعمالك يا بن الشمس «بسمتيك» … يا كبش الإله «شو» دون نقص، إنك ملك الوجه القبلي والوجه البحري «واح-أب-رع» على عرش «حور» دون نقص يا كبش «رع» اجعلني على نمط ابن رع «بسمتيك …؟»
ويلحظ أن يوم المعبد في العقود التي في مقبرة حيزاقي أمير أسيوط قد يحتمل أنه تقسيم عمله حيزاقي للدخل، الذي كان يؤخذ من المعبد وليس له دخل بالإدارة الداخلية لإيراد المعبد. والفقرة التي نحن بصددها الآن يظهر من مضمونها أنها تضع أمامنا تقسيم الدخل مائة حصة خمسها لكل من الطوائف الأربع، التي كان عدد كل منها عشرين فردًا، والخمس الباقي كان مخصصًا لبتيسي بوصفه كاهن آمون وتاسوعه المؤلف من ستة عشر إلها.