النضال بين «أثينا» و«أسبرتا» أو الحروب البلوبونيزية ٤٣١–٤٢١ق.م
في الوقت الذي كانت فيه «أثينا» تنمو وتزدهر وتقوى في جمال وروعة كانت «أسبرتا» لا تزال على ما كانت عليه قديمًا من عيشه خشنة ساذجة، فلم يكن لها مبانٍ فخمة ولا تماثيل هائلة ولا نقوش فاخرة، هذا فضلًا عن أن حلف «ديلوس» قد تطور إلى إمبراطورية أثينية، كل هذا قد أهاج شعور الحقد والغيرة في نفوس أهل «أسبرتا». وقد رأت الآن أن مكانتها في بلاد اليونان أصبحت مهددة، وأن تجارتها في خطر، وأن بلاد الإغريق التي كانت في نظرها فيما سبق حرة قد أصبحت مستعبدة في قبضة الأثينيين. فأخذت تجمع حولها شيئًا فشيئًا حلفاء من دويلات أرض الإغريق، كانت تشاطرها أفكارها وغيرتها من «أثينا»، وتعهدت لها ألا تتركها دون مساعدة إذا حلت أية كارثة. وفعلًا حدث أمر خطير عام ٤٣٣ق.م، وذلك أن «كورسيرا»، وهي جزيرة بعيدة عن ساحل «أبيروس» قد تشاجرت مع المدينة التابعة لها، وهي «كورنث» فالتجأت إلى «أثينا» لتساعدها.
ومما تطيب الإشارة إليه هنا أن قصة هذه الحرب قد وضعها للتاريخ المؤرخ «ثوسيديدس»، الذي يعد من أكبر مؤرخي العالم وقد عاش طوال مدة هذه الحرب كلها، وكان أولًا قائدًا ثم مؤلفًا يقظًا لكل الحوادث التي وقعت حتى عام ٤١١ق.م ويكاد يكون هو المصدر الوحيد لدينا عن هذه الحروب وقد سبقت الإشارة إليه هنا.
(١) غزو أتيكا
في نهاية شهر مايو عندما كان القمح قد نضج سارت قوات «أسبرتا» نحو «أتيكا». وعندئذ أتى أهل الريف إلى «أثينا» بنصيحة من «بركليز» لحمايتها، حاملين معهم أولادهم وأزواجهم وأمتعتهم الشخصية؛ أما أغنامهم وحيواناتهم فأرسلوها إلى الجزر المجاورة، وقد استولى الحزن على معظم هؤلاء الناس؛ لأنهم كانوا يسكنون في الأرياف دائمًا، فلما فارقوا أوطانهم ومزارعهم ومحاريبهم التي كانت دائمًا ملكًا لهم إلى مواطن مجهولة لهم في المدينة شعروا بمرارة فرقة هذه الأوطان المحببة إليهم. ولم يجد منهم إلا القليل مأوى يأوي إليه؛ ولذلك فإن سائرهم قد ذهبوا ليسكنوا في المساحات الخالية من المدينة، أو في المعابد والمحاريب — غير «الأكروبوليس» — وفي الأبراج التي في جدران المدينة. وفيما بعد أقيمت لهم أكواخ في المساحة الواقعة بين الجدار الطويل وميناء «بيروس». وقد زحف جيش «أسبرتا» حتى صار على مسافة سبعة أميال من «أثينا»، مدمرين في طريقهم الغلال والمزارع. وقد فكر معظم الناس الذين في المدينة، وبخاصة الشباب منهم أن يخرجوا لوقف هذا العبث في الحال. وقد تجمعوا فعلًا عصابات وتناقشوا بحدة، وقد انفجر الغضب في المدينة على «بركليز»؛ لأنه لم يسر على رأسهم لمقابلة العدو، والواقع أنه رفض عن حكمة أن يقودهم إلى الاشتباك في معركة برية، ولكنه أرسل أسطولًا مؤلفًا من مائة سفينة؛ لتنهب وتستولي على المدن الواقعة على شبه جزيرة «البلوبونيز». ولما نضب طعام الجيش الأسبرتي عادوا إلى وطنهم، ولكن غاراتهم وكذلك الهجمات المضادة لهم حول الساحل على يد الأثينيين كانت تحدث كل سنة تقريبًا في هذه الفترة من الحرب.
وفي نهاية السنة أقيم مأتم عام في «أثينا» من أجل أولئك الذين سقطوا في ميدان الشرف، فكانت عظامهم تحمل في موكب مؤلف من عشر عربات. كما كانت يوجد تابوت خالٍ مغطى بكفن جنازي على شرف أولئك الجنود المجهولين الذين فقدوا، ولم يعثر لهم على أثر مميز لهم. وهذا الموكب تبعته خطبة رثاء ألقاها «بركليز» تحدث فيها بألفاظ متوهجة ممتدحًا بها المدينة التي كانت تعد «مدرسة هلاس»؛ وذلك لأن كل العالم الإغريقي كان يأخذ العلم عنها، فهي المدينة التي تتألف من رجال أحرار محبين للجمال والحكمة. ولا غرابة في ذلك؛ فإنها المدينة التي أنشأت هؤلاء الرجال الشجعان الذين إذا دعا داعي الحرب خرجوا ليموتوا تاركين وراءهم ذكرى لا تموت ولا تفنى.
(٢) الطاعون وسقوط «بركليز»
وفي العام التالي لقيام الحرب ظهر الطاعون في «أثينا»، وانتشر بسرعة بين سكان المدينة المزدحمة والتي كانت في حالة غير صحية، وقد أسهب «ثوسيديدس» في وصف هذا الطاعون الذي أصابه هو ونجا منه، وقد عرف كيف أنه أتى على حين غفلة، وكيف كانت حالته شديدة، وكيف أن الأطباء قد وقفوا أمام هذا الوباء مكتوفي اليدين، ويقول «ثوسيديدس» كذلك: إن الناس الذين نجوا منه ظنوا أنه لا يمكن لأي مرض آخر أن يقضي على حياتهم، وقد جرف هذا المرض ربع سكان المدينة، ولم يعد قط عدد السكان إلى ما كان عليه قبل هذا الطاعون.
ولما استولى اليأس والبؤس على السكان قاموا على «بركليز» ولاموه بغير حق على ما هم فيه وكان ابناه قد ماتا بالطاعون وقد مرض به هو نفسه، ولكنه لم يقضِ عليه، غير أنه لم يسترد صحته منه تمامًا. وعلى الرغم من أن الناس رضوا عنه ثانية وانتخبوه قائدًا، إلا أنه مات في السنة التالية أي: عام ٤٢٩ق.م وهكذا كانت نهاية «بركليز»، وهو الرجل الذي أقام «أثينا» وبنى صرح حياتها بعد حروب الفرس كما أسس الإمبراطورية الأثينية.
وفي خلال ثمانية السنين التالية كان الأثينيون بوجه عام منتصرين، إذ كان في مقدورهم أن يهزموا أسطول العدو، ويحافظوا على أن تكون الطرق البحرية مفتوحة لاستيراد مؤنهم؛ ولكنهم أخطئوا السيطرة الحكيمة التي كان يتصف بها «بركليز»، فكان مثل الدولة كمثل عربة تجرها خيل تشد في جهات مختلفة. ولم يكن هناك رجل مثل «بركليز»؛ ليقودها الآن فيمسك بخيله ويقودها إلى النظام ويسهر على حراسة ومنع أي خطر حوله، دون أن يحول نظره عن الهدف الذي يرمي إليه.
(٣) «كليون» Cleon
- (١)
فقد كانت «ميتيلين» أهم مدينة في جزيرة «لزيوس» التي كانت قد خرجت على «أثينا»، وقد أغرى «كليون» الجمعية الأثينية بأن ترسل أمرًا في الحال بقتل كل الرجال، واستعباد كل النساء والأطفال في هذه المدينة؛ ولكن الأثينيين في اليوم التالي لذلك ندموا على إصدار هذا المرسوم، وأرسلوا سفينة أخرى مسرعة عبر بحر «إيجة» ليلًا ونهارًا لسحب هذا المرسوم، وقد وصلت السفينة في الوقت المناسب، ونجا القوم من هذا الحكم الجائر. وقد ترك «كليون» في «أثينا» ساخطًا على هذا الضعف في معاملة الثوار الذين يجب أن يعاملوا بما يستحقون مظهرًا للكل أن العصيان معناه الموت.
- (٢) ويروي لنا التاريخ حادثة أخرى عن تعنت «كليون»، وذلك أن القائد «دموستين» القوي البأس — وهو غير الخطيب الشهير الذي سنتكلم عنه فيما بعد — استولى على رأس من الأرض يسمى «بيلوس» عام ٤٢٥ق.م يقع على الساحل الغربي من جزيرة «سفاكتيريا» Sphacteria، وبذلك سد الطريق في وجه أربعمائة وعشرين لاسيدموني في جزيرة «سفاكتيريا» جنوبي «بيلوس». وقد حزن أهل «أسبرتا» على هذا الاستيلاء على جزء من أراضيهم، وعلى حصار رجالهم لدرجة أنهم أرسلوا رسلًا إلى «أثينا» يعرضون عليها الصلح والمهادنة، غير أن ذلك لم يرق في عيني «كليون» وحزب الحرب، قائلين بأنهم قد استولوا الآن على شيء، فلا يمكن التخلي عنه ويطلبون المزيد طمعًا وانتقامًا في مقابل فك الحصار عن هؤلاء التعساء أكثر مما يجب، مما اضطر الرسل إلى مغادرة «أثينا»، دون الوصول إلى نتيجة مرضية. والآن يتساءل المرء كيف كان يمكن أن يصبح تاريخ «أثينا» مختلفًا إذا كان على رأسها ناصح أعقل من «كليون» هذا؟ نرى بعد ذلك «كليون» ثانية في الجمعية العمومية موبخًا القواد لجعلهم حادثة «سفاكتيريا» تجر في أذيالها ببطء دون عمل حاسم، ويقدم لنا المؤرخ «ثوسيديدس» بيانًا حيًّا عن هذا المشهد، فقد أشار «كليون» إلى «نيسياس» Nicias أحد القواد مفاخرًا بأنه هو الذي يمكنه أن يستولي على الجزيرة، إذا كانت قيادة الجيش في يده. وقد دهش عندما أخذته الجمعية بكلمته، وقد انفجروا بالضحك عندما أعلن أخيرًا أنه سينهي هذا الحادث في مدى عشرين يومًا، وكم كانت دهشتهم عندما عاد بالأسرى الأسبرتيين مما جعله بطل الساعة. ولم تمدنا الأخبار عن هذا القائد «دموستين» الذي قام بمعظم عبء هذا العمل هل نال شيئًا عن الشكر؟ وبعد ذلك بثلاثة أعوام قتل «كليون» والقائد الأسبرتي «براسداس»، الذي انتصر على الأثينيين في موقعة حاسمة في «مقدونيا» في نفس الحرب. وكان كل من «أسبرتا» و«أثينا» وقتئذ قد ملت الحرب، وتعبت بعد استمرارها عشر سنين، فعقد بينهم صلح يدعى صلح «نيسياس» على أن يسلم كل فريق ما عنده من الأسرى، وما فتحه من أرض عام ٤٢١ق.م، غير أن هذا كان صلحًا مضطربًا فقد أعقب إمضاءه مباشرة القلاقل والمشاحنات، وعمل محالفات ونقضها وهذا ما ينافي السلام مع كل الوجوه.
(٤) الحملة على «صقلية»
وعلى أية حال فإن ما جلبه صلح «نيسياس» هذا هو إخماد نار الحرب لمدة سنتين أو ثلاث، وفي خلالها كانت أحلاف ومحالفات كثيرة تعقد بين حكومات بلاد الإغريق المختلفة، حتى إنه كان من العجب أن حكومة من هذه كان في استطاعتها أن تعرف صديقها من عدوها من الحكومات الأخرى، فكان حلفاء «أسبرتا» حانقين عليها؛ لأنها عملت ما هو صالح لنفسها في هذه المعاهدة، ولم تهتم بمصالحها. هذا إلى أن كثيرًا من المدن المستولى عليها عارضت في أن تعود ثانية إلى حكامها السابقين، كما نصت على ذلك المعاهدة. وقد عقدت كل من «أسبرتا» و«أثينا» فيما بينهما اتفاقًا يقضي بإجبار حلفائهم على إطاعة ما جاء في المعاهدة من شروط.
وتدل شواهد الأحوال على أن «أثينا» كانت لا تهتم بشيء إلا بزيادة أملاك إمبراطوريتها، وكانت تحكم وقتئذ الجزر التي في شرقي بلاد الإغريق، ولكنها لم تكتفِ بذلك بل تطلعت إلى جزيرة صقلية، ومن ثم أخذت تفكر في ذلك.
وقد رأينا فيما سبق كيف أن مدنًا إغريقية قد أقيمت حول ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبخاصة حول «صقلية» وفي جنوب إيطاليا. وكانت «سرقوصة» مستعمرة أسستها «كورنث» فيما مضى هناك حوالي ٧٣٤ق.م وقد أصبحت الآن أقوى مدينة في صقلية، وكان حكامها المطلقون يعيشون في بذخ وقوة كأنهم ملوك، وقد اجتذبت كثيرًا من عظماء بلاد الإغريق إلى بلاطها، ونخص بالذكر منهم «إيسكيلس» الذي وفد إليها من «أثينا» و«بدار» من «طيبة»، هذا إلى كثير غيرهما، وكانت المدينة من القوة والتشجيع للفنون والعلوم بحيث أصبحت تلقب «أثينا الغرب». وقد أدى كبرياء «سرقوصة»، وغرورها إلى أن أعلنت الحرب على بعض مدن «صقلية»، وكانت معاملتها الغاشمة وطرقها التي لا تطاق «قد جعلت أهل هذه المدن يحقدون عليها بعد أن ظلوا سنين عدة أحرارًا في مدنهم. وكانت «أثينا» على ود ومصافاة مع بعض هذه المدن، وبذلك انتهزت هذه الفرصة لتمد سلطانها ونفوذها على «سرقوصة» خوفًا من ازدياد سلطان الأخير. ولكن يتساءل المرء هل كانت «سرقوصة» تهدد فعلًا مواردها من الغلال الآتية إليها من «صقلية»، وأن هذه كانت الفرصة السانحة أمامها لمد إمبراطوريتها نحو الغرب كما كانت تريد؟ وجوابًا على ذلك يجب أن نعود إلى «أثينا»، ونرى أي صنف من الرجال قد أخذوا على أنفسهم الإجابة على هذين السؤالين.
كان «نيسياس» الذي سمي باسمه الصلح الذي لم يدم إلا مدة قصيرة رجل دين ثريًّا أمينًا ومحترمًا ومحبًّا للسلام، معتدلًا في تصريف الأمور. وقد أظهر براعته في قيادة الجيش، غير أنه كانت تنقصه القوة والعزيمة اللازمتان للقيام بالواجب الملقى على عاتقه. وكان عليه لإنجاز هذا الواجب أن يعمل مع رجل على طرفي نقيض منه من حيث الأخلاق والأفكار.
وقد وصف لنا «ثوسيديدس» تلك الحملة الشهيرة وصفًا بارعًا، ففي فجر اليوم المحدد ذهب الأثينيون إلى ميناء «بيروس»، وأخذوا في تجهيز السفن. وقد ذهب كان فرد من المدينة تقريبًا كذلك ليودع الأصدقاء والأقارب والأبناء يحدوه الأمل والأسى، أما الأمل فكان للحصول على مغانم جديدة، وأما الأسى فكان لخوف ألا يرى ذويه ثانية، ولكن الجميع قد دبت في نفوسهم الشجاعة عندما نظروا إلى قوة أسطولهم وجماله، وكان كل صاحب سفينة حربية يعمل جهده في أن تظهر سفينته بأنها تفوق السفن الأخرى في السرعة والجمال، وفي رجالها المحاربين، وكانوا رجالًا منتخبين، قد ينافس بعضهم بعضًا في حسن التسلح للحرب.
وقد أرسل الآن «دموستين» من «أثينا» بجيش وأسطول لمساعدة «نيسياس»، وقد حثه على إنزال رجاله في السفن الأثينية في الميناء الكبير. ولسوء الحظ حدث كسوف للقمر عندما كانوا قد بدءوا في إنزال الجنود، وقد ظن «نيسياس» المتشائم أن هذه ظاهرة على أنه يجب عليهم أن ينتظروا حيث كانوا لمدة سبعة وعشرين يومًا. وعندما حل الوقت الذي رضي أن يتحرك فيه بجيشه كان أهل «سرقوصة» قد سدوا مدخل الميناء، وبذلك أصبح الأمل الوحيد الذي أمام الأثينيين هو أن يخترقوا الحاجز إلى عرض البحر.
(٥) موقعة الميناء سبتمبر سنة ٤١٣ق.م
نزل الجيش إلى السفن وجهزت، ثم وقعت واقعة عظيمة في الميناء. ومن البدهي أنه في المياه الضيقة المزدحمة بالسفن كان لا يمكن أن يوجد نظام في الحرب، فقد اشتبكت سفينة أخرى في كل أنحاء الميناء؛ وعندما كانت الواحدة تلتصق بالأخرى كان بحارتها يتحاربون بالأيدي في وسط أصوات السفن المتصادمة، والأصوات العالية المنبعثة من القيادة. وكان يقف على الشاطئ سكان المدينة، كما كان الأثينيون يقفون في معسكراتهم مراقبين المعركة بين الرجاء واليأس، وفي النهاية أجلى الجيش السراقوصي مراكب الأثينيين إلى الشاطئ، واندفع البحارة طالبين النجاة في معسكراتهم.
(٥-١) التقهقر
أخذ بعد ذلك الجيش الأثيني يتقهقر على اليابسة غربًا، ولكنه وجد طريقه قد سدت في وجهه بالعدو، فعادوا جنوبًا وفي ليلة اليوم السادس من تقهقرهم فرق الظلام بين الفيلقيْنِ اللذين كان يتألف منهما الجيش. وقد كان هذا الحادث بداية النهاية. فحوصر «دموستين» في خميلة من الزيتون وأجبر على التسليم، أما «نيسياس» الذي كان على رأس فيلقه الثاني، فقد شق طريقه محاربًا حتى وصل إلى مجرى ماء، فوجد العدو أمامه على الشاطئ الثاني للنهر؛ وقد هجم رجاله إلى الماء ليطفئوا ظمأهم، ولما كان كثير منهم بعيدًا عن إخوانه، فإن العدو انقض عليه وقتله، وكذلك قتل كلًّا من «دموستين» و«نيسياس»، وسيق كثير من الأسرى ليعملوا في قطع الأحجار من محاجر «سرقوصة»، ومن بقي منهم على قيد الحياة بيعوا عبيدًا. وقليل منهم حررهم أسيادهم في مقابل أنهم ألقوا عليهم خطبًا أو أناشيد من شعر «يوربيديز»، ووصلت القلة القليلة منهم إلى وطنهم ليقصوا قصة مصابهم. وعلى الرغم من الأخبار المخيفة التي حملوها، فإن «أثينا» رفضت أن تستسلم لليأس وبنت أسطولًا جديدًا.
وفي هذا الوقت كان «ألسيبيادس» قد تشاجر مع «أسبرتا»، ثم ذهب عند الفرس الذين كانوا يشجعون حلفاء «أثينا» على القيام بثورة. ولم نلبث أن رأينا «ألسيبيادس» يقلب ظهر المجن للفرس، وطلب أن يعود ثانية إلى «أثينا» فاستدعته فعلًا، ولكن على الرغم من أنه قد ساعدها على أن تنال نصرًا في البحر، فإنه اتهم بالخيانة مرة أخرى فعُزل ونُفي، ثم اعتزل في قصره بالقرب من «هلسبونت» وفيما بعد ذهب إلى «فريجيا»، حيث حوصر بيته بأمر من «أسبرتا» بجنود من الفرس وقتل.