الفصل الثانى
مسكين سليم، هكذا كان يفكر، وبمثل هذا كان يريد أن تكون بلاده التي يحبها ويغار عليها، وأن يراها في الذروة!
كان سليم متشائمًا، كثير الندب، ولكنه الألم، ولكنه الإحساس، قاتل الله الإحساس!
وأبرز ما لفت نظر سليم مدة وجوده في بلاده هي الدعوة إلى الطعام، فالطعام هو المحور الذي تدور عليه كل الحياة في هذه البقعة من العالم، وكم تمنى لو طلب إليه أن يتكلم في حفل عن البلاد التي أقام فيها، أو عن الفن الذي ذهب لتحصيله، أو عن مشاهداته هناك، أو كلف بعمل فني تفخر به بلاده.
كلا، لا شيء من ذلك، فنحن من فضل الله قد بلغنا الذروة في الفن والذوق والكمال، وقد ضمنا المجد من أطرافه ونحن نوزع على الدنيا شعاعًا! نحن شعب الله الممتاز.
لقد كانت إقامة سليم القليلة في بلاده حقبة ألم وشقاء، إنها كانت صراعًا ممضًّا، وألمًا مستمرًّا، وكان المستقبل أمامه عبوسًا قاتمًا؛ لأنه لمس أن الحياة هنا جهل وتعصب، فأين للفن أن يعيش؟
ولكن ما العمل؟ مشيناها خطى كتبت علينا، ومن كتبت عليه خطى مشاها، إذن لا سبيل للتردد والفرار.
وكثيرًا ما راودت نفسه فكرة فتح مطعم، بعدما رآه من اهتمام الناس هنا بالطعام الذي هو شغلهم الشاغل، وهمهم الأكبر، فقد رأى أنه عن طريق المطعم يسترضي الكبراء والعظماء، وعن طريقه يرضي أرباب الثروة والنفوذ، وكلهم من هواة الأكل وعشاق الطيبات، فلماذا لا يطعم الجائعين ويشبع النهمين؟
ولكنه مسكين، فكَّر، وهو رجل الخيال، أن يفتح لأبناء وطنه مطعمًا من نوع جديد، مطعمًا روحيًّا، والأصح مطعمًا للذوق والإحساس الإنساني، بعد أن وجد أن هذا النوع يكاد أن يكون مفقودًا، وعلى ذلك صمم النية على الاستمرار في العمل.