الفصل الرابع
عاد سليم إلى وطنه وهو يعتقد بصدق رسالته، شأنه في ذلك شأن أكثر أصحاب المثل العليا، فأخذ يكافح في سبيل نشرها بإيمان عجيب، ومن الحق أن نقول إن بعض الطبقات قدرت له هذه الروح، ونظرت إليه نظرة إعجاب واحترام، لا سيما الأوساط الأجنبية، وهي التي تدرك قيمة هذه الأشياء، وقد بدأت تظهر ثمرات كفاح سليم بما كان يقيمه من معارض تمثل نقاطًا هامة من حياة البلاد وتوجيه حكيم وتمثيل عميق لبعض النواحي الاجتماعية، مما دل على أن سليمًا لم يتخذ الفن لمجرد تمثيل صور جميلة ليغري بها أو يثير الغرائز الجنسية، بل هو يهدف منها التوجيه والبناء، ثم إنه فوق ذلك أخذ يدرس فنه في المدارس، فخلق في النشء حب الفن وإدراكًا له، كما أنه أخذ ينشر في الصحف والمجلات الأبحاث الفنية بأسلوب علمي، مما ساعد على اتساع فكرة الفن في البلاد.
لقد أضاع سليم فرصًا كثيرة كان بإمكانه أن يستغلها استغلالًا ماديًّا كما يفعل غيره اليوم، ولكنه كان مأخوذًا بهوس الفن، وقد أفاق بعد زمن على فن ممسوخ يعتمد التجارة والاستثمار والطائفية والعائلية والسفسطة فحسب، مما لا يصدر عن فن حق، وقد حز في نفسه أن يرى هذه النتيجة المؤسفة لنهاية الفن في بلاده الجميلة.