الفصل السادس
مما لا ريب فيه أن الفن هو «بارومتر» المجتمع، وهو المقياس الذي يدلنا عن حالة الأمم وعن صحتها وعن نفسيتها ووضعها الاجتماعي والفكري.
وليس في ذلك غرابة، فالإنسانية من الإنسان وما ينطبق عليه يصح فيها من مرض وعافية وجمود وحركة وثورة وركود ورصانة وجنون، إلى آخر ما يعتري الإنسان، ومن سوء حظنا أننا نعيش اليوم في عصر باتت فيه الإنسانية بحالة مرض وجنون، وبحالة مادية مخيفة تكاد تقتل الإنسان، ومن يتأمل حالة الفنون جملة يراها الصورة الصحيحة لهذا الواقع المؤلم.
جلس سليم يومًا يفكر بكل هذا، ثم ينظر إلى مواطنيه وإلى تبلبل ثقافتهم من جهة، وإلى تهالكهم على المادة دون الاستفادة منها، وإلى الإثراء دون إثراء الفكر والروح وأثره في حياتهم الاجتماعية، ثم ينظر إلى المتاجرين الذين ينحرون الفن والفكر، ويقتلون الذوق في المهد في سبيل ربح دريهمات ومظاهر شخصية مضحكة، وكنفشات صبيانة يسخر منها الفن، هذا الفن الذي يهدف إلى أجواء رفيعة فإذا به يلطخ بالأوحال، ويستثمر في أخس الأمور وأحط الأشياء ويصبح مهنة مبتذلة للارتزاق، وقد قال الفنان العظيم رودن: «الفن الصحيح يسخر من الفن المزيف كما تسخر البلاغة من الثرثرة.»