قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأسعد تذكَّرَ أخاه والعزَّ الذي
كان فيه، فحنَّ وبكى، وأنَّ واشتكى، وسكب العَبَرات، وأنشد هذه
الأبيات:
يَا دَهْرُ مَهْلًا كَمْ تَجُورُ وَتَعْتَدِي
وَلَكَمْ بِأَحْبَابِي تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
مَا آنَ أَنْ تَرْثِي لِطُولِ تَشَتُّتِي
وَتَرِقَّ يَا مَنْ قَلْبُهُ كَالْجَلْمَدِ
وَأَسَأْتَ أَحْبَابِي بِمَا أَشْمَتَّ بِي
كُلَّ الْعِدَاةِ بِمَا صَنَعْتَ مِنَ
الرَّدِي
وَقَدِ اشْتَفَى قَلْبُ الْعَدُوِّ بِمَا
رَأَى
مِنْ غُرْبَتِي وَصَبَابَتِي وَتَوَحُّدِي
لَمْ يَكْفِهِ مَا حَلَّ بِي مِنْ كُرْبَةٍ
وَفِرَاقِ أَحْبَابٍ وَطَرْفٍ أَرْمَدِ
حَتَّى بُلِيتُ بِضِيقِ سِجْنٍ لَيْسَ لِي
فِيهِ أَنِيسٌ غَيْرُ عَضٍّ بِالْيَدِ
وَمَدامِعٍ تَهْمِي كَفَيْضِ سَحَائِبٍ
وَغَلِيلِ شَوْقٍ نَارُهُ لَمْ تَخْمُدِ
وَكَآبَةٍ وَصَبَابَةٍ وَتَذَكُّرٍ
وَتَحَسُّرٍ وَتَنَفُّسٍ وَتَنَهُّدِ
شَوْقٌ أُكَابِدُهُ وَحُزْنٌ مُتْلِفٌ
وَوَقَعْتُ فِي وَجْدٍ مُقِيمٍ مُقْعِدِ
لَمْ أَلْقَ لِي مِنْ عَاطِفٍ ذِي رَحْمَةٍ
يَحْنُو عَلَيَّ بِزَوْرَةِ الْمُتَرَدِّدِ
هَلْ مِنْ صَدِيقٍ ذِي وِدَادٍ صَادِقٍ
يَرْثِي لِأَسْقَامِي وَطُولِ تَسَهُّدِي
أَشْكُو إِلَيْهِ مَا أُكَابِدُهُ أَسًى
وَالطَّرْفُ مِنِّي سَاهِرٌ لَمْ يَرْقُدِ
وَيَطُولُ لَيْلِي فِي الْعَذَابِ لِأَنَّنِي
أُصْلَى بِنَارِ الْهَمِّ ذَاتِ تَوَقُّدِ
وَالْبَقُّ وَالْبَرْغُوثُ قَدْ شَرِبَا
دَمِي
شُرْبَ الطِّلَا مِنْ كَفِّ أَلْمًى أَغْيَدِ
وَالْجِسْمُ بَيْنَ الْقَمْلِ مِنِّي قَدْ
حَكَى
مَالَ الْيَتِيمِ بِكَفِّ قَاضٍ مُلْحِدِ
وَسَكَنْتُ فِي سِجْنٍ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ
وَغَدَوْتُ بَيْنَ مُقَيَّدٍ وَمُصَفَّدِ
فَمُدَامَتِي دَمْعِي وَقَيْدِي مُطْرِبِي
وَالْفِكْرُ نَقْلِي وَالْهُمُومُ تَنَهُّدِي
فلما فرغ من نظمه ونثره، حنَّ وبكى،
وأنَّ واشتكى، وتذكَّر ما كان فيه، وما حصل له من فراق أخيه.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر أخيه الأمجد، فإنه مكث ينتظر
أخاه الأسعد إلى نصف النهار، فلم يَعُدْ إليه، فخفق فؤاده واشتد به ألم
الفراق، وأفاض دمعه المهراق. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام
المباح.