فلما كانت الليلة ٢٣٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمجد لما مكث ينتظر أخاه الأسعد إلى نصف النهار فلم يَعُدْ إليه، فخفق فؤاده واشتدَّ به ألم الفراق، وأفاض دمعه المهراق، وصاح: وا حسرتاه! ما كان أخوفني من الفراق! ثم نزل من فوق الجبل ودمعه سائل على خدَّيه ودخل المدينة، ولم يزل ماشيًا فيها حتى وصل إلى السوق، وسأل الناس عن اسم المدينة وعن أهلها، فقالوا له: هذه تُسمَّى مدينة المجوس، وأهلها يعبدون النار دون الملك الجبار. ثم سأل عن مدينة الأبنوس فقالوا له: إن المسافة التي بيننا وبينها من البر سنة، ومن البحر ستة أشهر، وملكها يقال له أرمانوس، وقد صاهَرَ اليومَ ملكًا وجعله مكانه، وذلك الملك يقال له قمر الزمان، وهو صاحب عدل وإحسان، وجُودٍ وأمان. فلما سمع الأمجد ذِكْرَ أبيه حنَّ وبكى، وأنَّ واشتكى، وصار لا يعلم أين يتوجه، وقد اشترى معه شيئًا للأكل، وذهب إلى موضع يتوارى فيه، ثم قعد وأراد أن يأكل فتذكر أخاه، فبكى ولم يأكل إلا قدرَ سدِّ الرمق، ثم قام ومشى في المدينة ليعلم خبر أخيه، فوجد رجلًا مسلمًا خيَّاطًا في دكانٍ، فجلس عنده، وقد حكى للخياط قصته، فقال له الخياط: إنْ كان وقع في يد أحدٍ من المجوس، فما بقيت تراه إلا بعسر، ولعل الله يجمع بينك وبينه. ثم قال له: هل لك يا أخي أن تنزل عندي؟ قال: نعم. ففرح الخياط بذلك، وأقام عنده أيامًا وهو يسلِّيه ويصبِّره ويعلِّمه الخياطة حتى صار ماهرًا، ثم خرج يومًا إلى شاطئ البحر وغسل أثوابه، ودخل الحمام ولبس ثيابًا نظيفة، ثم خرج من الحمام يتفرج في المدينة، فصادَفَ في طريقه امرأة ذات حسن وجمال، وقدٍّ واعتدال، ليس لها في الحسن مثال، فلما رأته رفعت القناع عن وجهها، وغمزته بحواجبها وعيونها، وغازلته باللحظات، وأنشدت هذه الأبيات:
فلما سمع الأمجد كلامها، ارتاح خاطره لديها، وحنَّت جوارحه إليها، وقد لعبت به أيدي الصبابات، فأشار لها وأنشد هذه الأبيات:
فلما سمعت من الأمجد هذا الشعر تنهَّدت بصاعد الزفرات، وأشارت إليه وأنشدت هذه الأبيات:
فلما سمع الأمجد منها هذا الكلام قال لها: أتجيئين عندي أو أجيء عندك؟ فأطرقت برأسها حياءً إلى الأرض، وتلت قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ؛ ففهم الأمجد إشارتها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.