فلما كانت الليلة ٢٣٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بهادر أطرق برأسه إلى الأرض قدَّام الملك، فصرخ الملك عليه وقال له: ويلك! مَن قتل هذه الصبية؟ فقال له: يا سيدي، أنا قتلتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فغضب الملك وأمر بشنقه، فنزل به السياف حين أمره الملك، ونزل الوالي بالمنادي ينادي في أزقة المدينة بالفرجة على بهادر أمير ياخور الملك، ودار به في الأزقة والأسواق.
هذا ما كان من أمر بهادر، وأما ما كان من أمر الأمجد، فإنه لما طلع عليه النهار، وارتفعت الشمس، ولم يَعُدْ إليه بهادر قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أي شيء جرى له؟ فبينما هو يتفكَّر وإذا بالمنادي ينادي بالفرجة على بهادر، فإنهم يشنقونه في وسط النهار، فلما سمع الأمجد ذلك بكى، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قد أراد هلاك نفسه من أجلي، وأنا الذي قتلتها، والله لا كان هذا أبدًا. ثم خرج من القاعة وقفلها وشقَّ في وسط المدينة حتى أتى إلى بهادر، ووقف قدَّام الوالي، وقال له: يا سيدي، لا تقتل بهادر فإنه بريء، والله ما قتلها إلا أنا. فلما سمع الوالي كلامه أخذه هو وبهادر، وطلع بهما إلى الملك وأعلمه بما سمعه من الأمجد، فنظر الملك إلى الأمجد وقال له: أأنت قتلتَ الصبية؟ قال: نعم. فقال له الملك: احكِ لي ما سبب قتلك إياها واصدقني. قال له: أيها الملك، إنه جرى لي حديث عجيب، وأمر غريب، لو كُتِب بالإبر على آماق البصر لكان عبرة لمن اعتبر. ثم حكى للملك حديثه، وأخبره بما جرى له ولأخيه من المبتدأ إلى المنتهى، فتعجَّب الملك من ذلك غاية العجب، وقال له: إني قد علمت أنك معذور، ولكن يا فتى هل لك أن تكون عندي وزيرًا؟ فقال له: سمعًا وطاعة. فخلع عليه الملك وعلى بهادر خلعًا سنية، وأعطاه دارًا حسنة وخدمًا وحشمًا، وأنعم عليه بجميع ما يحتاج إليه، ورتَّب له الرواتب والجرايات، وأمره أن يبحث عن أخيه الأسعد. فجلس الأمجد في مرتبة الوزير، وحكم وعدل، وولَّى وعزل، وأخذ وأعطى، وأرسل المنادي في أزقة المدينة ينادي على أخيه الأسعد، فمكث مدة أيام ينادي في الشوارع والأسواق، فلم يسمع له بخبر، ولم يقع له على أثر.
هذا ما كان من أمر الأمجد، وأما ما كان من أمر الأسعد؛ فإن المجوس لا زالوا يعاقبونه بالليل والنهار، وفي العشي والإبكار مدة سنة كاملة، حتى قرب عيد المجوس، فتجهَّزَ بهرام المجوسي إلى السفر، وهيَّأ له مركبًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.