فلما كانت الليلة ٢٣٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السلطان أمر الأمجد بنهب دار بهرام، فأرسل الوزير جماعة لذلك فتوجَّهوا إلى بيت بهرام ونهبوه، وطلعوا بابنته إلى الوزير فأكرمها، وحدَّث الأسعد أخاه بكل ما جرى له من العذاب، وما عملت معه بنت بهرام من الإحسان، فزاد الأمجد في إكرامها، ثم حكى الأمجد للأسعد جميع ما جرى له مع الصبيَّة، وكيف سلم من الشنق وقد صار وزيرًا، وصار يشكو أحدهما للآخر ما وجد من فرقة أخيه. ثم إن السلطان أحضر المجوسي وأمر بضرب عنقه، فقال بهرام: أيها الملك الأعظم، هل صمَّمت على قتلي؟ قال: نعم. فقال بهرام: اصبر عليَّ أيها الملك قليلًا. ثم إنه أطرق برأسه إلى الأرض، وبعد ذلك رفع رأسه وتشهَّدَ وأسلَمَ على يد السلطان ففرحوا بإسلامه، ثم حكى له الأمجد والأسعد جميع ما جرى لهما، فقال لهما: يا سيديَّ تجهَّزَا للسفر، وأنا أسافر بكما. ففرحَا بذلك وبإسلامه، وبكيَا بكاءً شديدًا، فقال لهما بهرام: يا سيديَّ لا تبكيَا، فمصيركما تجتمعان كما اجتمع نعمة ونِعَم. فقالا له: وما جرى لنعمة ونِعَم؟
حكاية نعمة ونِعَم
قال بهرام: ذكروا — والله أعلم — أنه كان بمدينة الكوفة رجل من وجوه أهلها، يقال له: الربيع بن حاتم، وكان كثير المال مُرفَّه الحال، وكان قد رُزِق ولدًا فسمَّاه نعمة الله، فبينما هو ذات يوم بدكة النخاسين إذ نظر جارية تُعرض للبيع، وعلى يدها وصيفة صغيرة بديعة في الحسن والجمال، فأشار الربيع إلى النخاس وقال له: بكم هذه الجارية وابنتها؟ فقال: بخمسين دينارًا. فقال الربيع: اكتب العهد وخذ المال سلِّمه لمولاها. ثم دفع للنخاس ثمن الجارية وأعطاه دلالته، وتسلَّم الجارية وابنتها ومضى بهما إلى بيته، فلما نظرت ابنة عمه إلى الجارية قالت له: يا ابن العم، ما هذه الجارية؟ قال: اشتريتها رغبةً في هذه الصغيرة التي على يديها، واعلمي أنها إذا كبرت ما يكون في بلاد العرب والعجم مثلها ولا أجمل منها. فقالت لها ابنة عمه: ما اسمك يا جارية؟ فقالت: يا سيدتي، اسمي توفيق. قالت: وما اسم ابنتك؟ قالت: سعد. قالت: صدقت، لقد سعدتِ وسعد مَن اشتراكِ. ثم قالت: يا ابن عمي، ما تسميها؟ قال: ما تختارينه أنت. قالت: نسميها نِعَم. قال الربيع: لا بأس بذلك.
ثم إن الصغيرة نِعَم تربَّت مع نعمة بن الربيع في مهد واحد إلى حين بلغا من العمر عشر سنين، وكان كل شخص منهما أحسن من صاحبه، وصار الغلام يقول لها يا أختي، وهي تقول له يا أخي، ثم أقبل الربيع على ولده نعمة حين بلغا هذا السن، وقال له: يا ولدي، ليست نِعَم أختك بل هي جاريتك، وقد اشتريتها على اسمك وأنت في المهد، فلا تَدْعُها بأختك من هذا اليوم. قال نعمة لأبيه: فإذا كان كذلك فأنا أتزوجها. ثم إنه دخل على والدته، وأعلمها بذلك، فقالت: يا ولدي، هي جاريتك. فدخل نعمة بن الربيع بتلك الجارية وأحَبَّها، ومضى عليهما تسع سنين وهما على تلك الحالة، ولم يكن بالكوفة جارية أحسن من نِعَم، ولا أحلى ولا أظرف منها، وقد كبرت وقرأت القرآن والعلوم، وعرفت أنواع اللعب والآلات، وبرعت في المغنى وآلات الملاهي، حتى إنها فاقت جميع أهل عصرها. فبينما هي جالسة ذات يوم من الأيام مع زوجها نعمة بن الربيع في مجلس الشراب، أخذت العود وشدت أوتاره وأنشدت هذين البيتين:
فطرب نعمة طربًا عظيمًا ثم قال لها: بحياتي يا نِعَم أن تغنِّي لنا على الدف وآلات الطرب. فأطربت بالنغمات وغنَّت بهذه الأبيات:
فقال الغلام: لله درُّكِ يا نِعم. فبينما هما في أطيب عيش وإذا بالحجاج في دار نيابته يقول: لا بد لي أن أحتال على أخذ هذه الجارية التي اسمها نِعَم، وأرسلها إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؛ لأنه لا يوجد في قصره مثلها ولا أطيب من غناها. ثم إنه استدعى بعجوز قهرمانة وقال لها: امضي إلى دار الربيع واجتمعي بالجارية نِعم وتسبَّبي في أخذها؛ لأنه لم يوجد على وجه الأرض مثلها. فقبِلت العجوز من الحجاج ما قاله، ولما أصبحت لبست أثوابها الصوف، وحطَّت في رقبتها سبحة حبَّاتها ألوف. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.