فلما كانت الليلة ٢٣٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز صارت تتردد إلى دار نعمة ونِعم، وهما يزيدان في إكرامها، وما زالت العجوز تمسي وتصبح عندهما، ويرحب بها كلُّ مَن في الدار، حتى إن العجوز اختَلَتْ بالجارية يومًا من الأيام، وقالت: يا سيدتي، والله إني حضرت الأماكن الطاهرة ودعوت لك، وأتمنى أن تكوني معي حتى تَرَي المشايخ الواصلين، ويدعون لك بما تختارين. فقالت لها الجارية نِعم: بالله يا أمي أن تأخذيني معك. فقالت لها: استأذني حماتك وأنا آخذك معي. فقالت الجارية لحماتها أم نعمة: يا سيدتي، اسألي سيدي أن يخلِّيني أخرج أنا وأنت يومًا من الأيام مع أمي العجوز إلى الصلاة والدعاء مع الفقراء في الأماكن الشريفة. فلما أتى نعمة وجلس، تقدَّمت إليه العجوز وقبَّلت يديه، فمنعها من ذلك، ودعت له وخرجت من الدار.
فلما كان ثاني يوم جاءت العجوز ولم يكن نعمة في الدار، فأقبلت على الجارية نعم وقالت لها: قد دعونا لكم البارحة، ولكن قُومي في هذه الساعة تفرَّجي، وعودي قبل أن يجيء سيدك. فقالت الجارية لحماتها: سألتك بالله أن تأذني لي في الخروج مع هذه المرأة الصالحة لأتفرج على أولياء الله في الأماكن الشريفة، وأعود بسرعة قبل مجيء سيدي. فقالت أم نعمة: أخشى أن يعلم سيدك. فقالت العجوز: والله لا أدعها تجلس على الأرض، بل تنظر وهي واقفة على أقدامها ولا تبطئ. ثم أخذت الجارية بالحيلة وتوجهت بها إلى قصر الحجاج، وعرَّفته بمجيئها بعد أن حطَّتها في مقصورة، فأتى الحجاج ونظر إليها، فرآها أجمل أهل زمانها، ولم يرَ مثلها، فلما رأته نِعَم سترت وجهها، فلم يفارقها حتى استدعى بحاجبه، وأركب معه خمسين فارسًا، وأمره أن يأخذ الجارية على نجيب سابق، ويتوجه بها إلى دمشق، ويسلِّمها إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكتب له كتابًا، وقال له: أعطِه هذا الكتاب وخذ منه الجواب، وأسرع إليَّ بالرجوع. فتوجه الحاجب وأخذ الجارية على هجين وسافر بها وهي باكية العين من أجل فراق سيدها، حتى وصلوا إلى دمشق، واستأذن على أمير المؤمنين فأذن له، فدخل الحاجب عليه وأخبره بخبر الجارية، فأخلى لها مقصورة، ثم دخل الخليفة على حريمه فرأى زوجته، فقال لها: إن الحجاج قد اشترى لي جارية من بنات ملوك الكوفة بعشرة آلاف دينار، وأرسل إليَّ هذا الكتاب، وهي صحبة الكتاب. فقالت له زوجته: … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.