فلما كانت الليلة ٢٤٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجمي لما سمع اسم نِعَم، جعل يحسب ويكتب على يده، وقال لها: يا سيدتي، ما أصف لها دواء حتى أعرف من أي أرض هي لأجل اختلاف الهواء، فعرِّفيني في أي أرض تربَّت، وكم سنة سنُّها؟ فقالت العجوز: سنُّها أربع عشرة سنة، ومرباها بأرض الكوفة من العراق. فقال: وكم شهرًا لها في هذه الديار؟ فقالت له: أقامت في هذه الديار شهورًا قليلة. فلما سمع نعمة كلام العجوز وعرف اسم جاريته خفق قلبه، فقال لها الأعجمي: يوافقها من الأدوية كذا وكذا. فقالت له العجوز: أعطني ما وصفت على بركة الله تعالى. ورمت له عشرة دنانير على الدكان، فنظر الحكيم إلى نعمة، وأمره أن يهيئ لها عقاقير الدواء، وصارت العجوز تنظر إلى نعمة وتقول: أعيذك بالله يا ولدي، إن شكلها مثل شكلك. ثم قالت العجوز للعجمي: يا أخا الفرس، هل هذا مملوكك أم ولدك؟ فقال لها العجمي: إنه ولدي. ثم إن نعمة وضع لها الحوائج في علبة، وأخذ ورقة وكتب فيها هذين البيتين:
ثم دسَّ الورقة في داخل العلبة وختمها، وكتب على غطاء العلبة بالخط الكوفي: أنا نعمة بن الربيع الكوفي. ثم وضع العلبة قدَّام العجوز، فأخذتها وودَّعتهما وانصرفت متوجِّهة إلى قصر الخليفة، فلما طلعت العجوز بالحوائج إلى الجارية، وضعت الدواء قدامها، ثم قالت لها: يا سيدتي، اعلمي أنه قد أتى إلى مدينتنا طبيب عجمي ما رأيت أحدًا أعرف بأمور الأمراض منه، فذكرتُ له اسمك بعد أن رأى القارورة فعرف مرضك ووصف دواءك، ثم أمر ولده فشد لك هذا الدواء، وليس في دمشق أجمل ولا أظرف من ولده، ولا أحسن ثيابًا منه، ولا يوجد لأحد دكان مثل دكانه. فأخذَتِ العلبةَ فرأت مكتوبًا على غطائها اسم سيدها واسم أبيه، فلما رأت ذلك تغيَّرَ لونها وقالت: لا شك أن صاحب الدكان أتى في شأني. ثم قالت للعجوز: صفي لي هذا الصبي. فقالت: اسمه نعمة، وعلى حاجبه الأيمن أثر، وعليه ملابس فاخرة، وله حسن كامل. فقالت الجارية: ناوليني الدواء على بركة الله تعالى وعونه. فأخذت الدواء وشربته وهي تضحك، وقالت لها: إنه دواء مبارك. ثم فتَّشت في العلبة فرأت الورقة ففتحتها وقرأتها، فلما فهمت معناها تحقَّقت أنه سيدها، فطابت نفسها وفرحت.
فلما رأتها العجوز قد ضحكت، قالت لها: إن هذا اليوم يوم مبارك. فقالت نِعَم: يا قهرمانة أريد الطعام والشراب. فقالت العجوز للجواري: قدِّمن الموائد والأطعمة الفاخرة لسيدتكن. فقدَّمن إليها الأطعمة، وجلست للأكل، وإذا بعبد الملك بن مروان قد دخل عليهن، ونظر الجارية جالسة وهي تأكل الطعام ففرح، ثم قالت القهرمانة: يا أمير المؤمنين، يهنيك عافية جاريتك نعم، وذلك أنه وصل إلى هذه المدينة رجل طبيب ما رأيت أعرف منه بالأمراض ودوائها، فأتيت لها منه بدواء فتعاطت منه مرة واحدة فحصلت لها العافية يا أمير المؤمنين. فقال أمير المؤمنين: خذي ألف دينار وقومي بإبرائها. ثم خرج وهو فرحان بعافية الجارية، وراحت العجوز إلى دكان العجمي بالألف دينار وأعطته إياها، وأعلمته أنها جارية الخليفة، وناولته ورقة كانت نِعَم قد كتبتها، فأخذها العجمي وناولها لنعمة، فلما رآها عرف خطها فوقع مغشيًّا عليه، فلما أفاق فتح الورقة فوجد مكتوبًا فيها: من الجارية المسلوبة من نعمتها، المخدوعة في عقلها، المفارقة لحبيب قلبها، أما بعدُ؛ فإنه قد ورد كتابكم عليَّ فشرح الصدر وسرَّ الخاطر، وكان كقول الشاعر:
فلما قرأ نعمة هذا الشعر هملت عيناه بالدموع، فقالت له القهرمانة: ما الذي يبكيك يا ولدي، لا أبكى الله لك عينًا؟ فقال العجمي: يا سيدتي، كيف لا يبكي ولدي وهذه جاريته وهو سيدها نعمة بن الربيع الكوفي؟ وعافية هذه الجارية مرهونة برؤيته، وليس بها علة إلا هواه … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.