فلما كانت الليلة ٢٤٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجمي قال للعجوز: كيف لا يبكي ولدي وهذه جاريته وهو سيدها نعمة بن الربيع الكوفي؟ وعافية هذه الجارية مرهونة برؤيته، وليس لها علة إلا هواه، فخذي أنت يا سيدتي هذه الألف دينار لك، ولك عندي أكثر من ذلك، وانظري لنا بعين الرحمة، ولا نعرف إصلاحَ هذا الأمر إلا منك. فقالت العجوز لنعمة: هل أنت مولاها؟ فقال: نعم. قالت: صدقت، فإنها لا تفتر عن ذكرك. فأخبرها نعمة بما قد جرى له من الأول إلى الآخر، فقالت العجوز: يا غلام، لا تعرف اجتماعك بها إلا مني. ثم ركبت وعادت من وقتها ودخلت على الجارية، فنظرت في وجهها وضحكت وقالت لها: يحق لك يا بنتي أن تبكي وتمرضي من أجل فراق سيدك نعمة بن الربيع الكوفي. فقالت نِعَم: قد انكشف لك الغطاء وظهر لك الحق. فقالت لها العجوز: طيبي نفسًا وانشرحي صدرًا، فوالله لأجمعن بينكما ولو كان في ذلك ذهاب روحي. ثم إنها رجعت إلى نعمة وقالت له: إني رجعت لجاريتك واجتمعت بها، فوجدت عندها من الشوق إليك أكثر مما عندك لها، وذلك أن أمير المؤمنين يريد أن يجتمع بها وهي تمتنع منه، فإن كان لك جنان ثابت وقوة قلب، فأنا أجمع بينكما وأخاطر بنفسي معكما، وأدبِّر حيلة وأعمل مكيدة في دخولك قصر أمير المؤمنين حتى تجتمع بالجارية، فإنها ما تقدر أن تخرج. فقال لها نعمة: جزاكِ الله خيرًا.
ثم ودَّعته وذهبت إلى الجارية، وقالت لها: إن سيدك قد ذهبت روحه في هواك، وهو يريد الاجتماع بك، فما تقولين في ذلك؟ فقالت نِعَم: وأنا كذلك قد ذهبت روحي، وأريد الاجتماع به. فعند ذلك أخذت العجوز بقجة فيها حلي ومصاغ وبدلة من ثياب النساء، وتوجَّهت إلى نعمة، وقالت له: ادخل بنا مكانًا وحدنا. فدخل معها قاعة خلف الدكان، ونقشته وزيَّنت معاصمه، وزوَّقت شعره، وألبسته لباس جارية، وزيَّنته بأحسن ما تتزين به الجواري؛ فصار كأنه من حور الجنان، فلما رأته القهرمانة في تلك الصفة قالت: تبارك الله أحسن الخالقين، والله إنك لأحسن من الجارية. ثم قالت له: امشِ وقدِّم الشمال وأخِّر اليمين، وهزَّ أردافك. فمشى قدَّامها كما أمرته، فلما رأته قد عرف مشي النساء، قالت له: امكث حتى آتيك ليلة غد إن شاء الله تعالى فآخذك وأدخل بك القصر، وإذا نظرت الحجَّاب والخدامين فقوِّ عزمك، وطأطئ رأسك، ولا تتكلم مع أحد، وأنا أكفيك كلامهم، وبالله التوفيق.
فلما أصبح الصباح أتته القهرمانة في ثاني يوم، وأخذته وطلعت به القصر ودخلت قدامه، ودخل هو وراءها في إثرها، فأراد الحاجب أن يمنعه من الدخول فقالت له: يا أنحس العبيد، إنها جارية نِعَم محظية أمير المؤمنين، فكيف تمنعها من الدخول؟ ثم قالت: ادخلي يا جارية. فدخل مع العجوز، ولم يزالا داخلين إلى الباب الذي يُتوصَّل منه إلى صحن القصر، فقالت له العجوز: يا نعمة، قوِّ نفسك وثبِّت قلبك، وادخل القصر، وخذ على شمالك، وعد خمسة أبواب، وادخل الباب السادس، فإنه باب المكان المعد لك، ولا تَخَفْ، وإذا كلَّمك أحد فلا تتكلم معه. ثم سارت به حتى وصلت إلى الأبواب، فقابَلَها الحاجبُ المعدُّ لتلك الأبواب، وقال لها: ما هذه الجارية؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.