فلما كانت الليلة ٢٤٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الحاجب قابل العجوز وقال لها: ما هذه الجارية؟ فقالت له العجوز: إن سيدتنا تريد اشتراءها. فقال الخادم: ما يدخل أحد إلا بإذن أمير المؤمنين، فارجعي فإني لا أخلِّيها تدخل؛ لأنني أُمِرت بهذا. فقالت له القهرمانة: أيها الحاجب الكبير، أين عقلك؟ إن نِعَم جارية الخليفة الذي قلبه متعلِّق بها قد توجَّهت إليها العافية، وما صدق أمير المؤمنين بعافيتها، وتريد اشتراء هذه الجارية فلا تمنعها من الدخول لئلا يبلغها أنك منعتها فتغضب عليك، وإنْ غضبَتْ عليك تسبَّبت في قطع رأسك. ثم قالت: ادخلي يا جارية، ولا تسمعي كلامه، ولا تخبري سيدتك أن الحاجب منعك من الدخول. فطأطأ نعمة رأسه ودخل القصر، وأراد أن يمشي إلى جهة يساره فغلط ومشى إلى جهة يمينه، وأراد أن يعد خمسة أبواب ويدخل السادس، فعدَّ ستة ودخل السابع. فلما دخل في ذلك الباب رأى موضعًا مفروشًا بالديباج، وحيطانه عليها ستائر الحرير المرقومة بالذهب، وفيه مباخر العود والعنبر والمسك الأذفر، ورأى سريرًا في الصدر مفروشًا بالديباج، فجلس عليه نعمة ولم يعلم بما كُتِب له في الغيب.
فبينما هو جالس متفكر في أمره، إذ دخلت عليه أخت أمير المؤمنين ومعها جاريتها، فلما رأت الغلام جالسًا ظنَّتْه جارية، فتقدَّمت إليه وقالت له: مَن تكونين يا جارية؟ وما خبرك؟ وما سبب دخولك هذا المكان؟ فلم يتكلم نعمة، ولم يردَّ عليها جوابًا، فقالت: يا جارية، إنْ كنتِ من محاظي أخي وقد غضب عليك، فأنا أستعطفه عليك. فلم يرد نعمة عليها جوابًا؛ فعند ذلك قالت لجاريتها: قفي على باب المجلس ولا تدعي أحدًا يدخل. ثم تقدَّمت إليه ونظرت إلى جماله، وقالت: يا صبية، عرِّفيني مَن تكونين؟ وما اسمك؟ وما سبب دخولك هنا؟ فإني لم أنظرك في قصرنا. فلم يرد نعمة عليها جوابًا، فعند ذلك غضبت أخت الملك ووضعت يدها على صدر نعمة فلم تجد له نهودًا، فأرادت أن تكشف ثيابه لتعلم خبره، فقال لها نعمة: يا سيدتي، أنا مملوك فاشتريني، وأنا مستجير بك فأجيريني. فقالت له: لا بأس عليك، فمَن أنت؟ ومَن أدخلك مجلسي هذا؟ فقال لها نعمة: أنا أيتها الملكة أُعرَف بنعمة بن الربيع الكوفي، وقد خاطرت بروحي لأجل جاريتي نِعَم التي احتال عليها الحجاج وأخذها وأرسلها إلى هنا. فقالت له: لا بأس عليك. ثم صاحت على جاريتها، وقالت لها: امضي إلى مقصورة نِعَم. وقد كانت القهرمانة أتت إلى مقصورة نِعَم، وقالت لها: هل وصل إليك سيدك؟ فقالت: لا والله. فقالت القهرمانة: لعله غلط فدخل مقصورة غير مقصورتك، وتاه عن مكانك. فقالت نِعَم: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قد فرغ أجلنا وهلكنا. وجلستا متفكرتين.
فبينما هما كذلك إذ دخلت عليهما جارية أخت الخليفة، فسلمت على نِعَم وقالت لها: إن مولاتي تدعوك إلى ضيافتها. فقالت: سمعًا وطاعة. فقالت القهرمانة: لعل سيدك عند أخت الخليفة، وقد انكشف الغطاء. فنهضت نِعَم من وقتها وساعتها حتى دخلت على أخت الخليفة، فقالت لها: هذا مولاك جالس عندي، وكأنه غلط في المكان، وليس عليك ولا عليه خوف إن شاء الله تعالى. فلما سمعت نِعَم هذا الكلام من أخت الخليفة اطمأنت نفسها، وتقدَّمت إلى مولاها نعمة، فلما نظرها قام إليها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.