فلما كانت الليلة ٢٤٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن نعمة لم يزل مفارقًا لأهله ووطنه، وخاطر بنفسه، وبذل مهجته حتى توصَّل إلى اجتماعه بجاريته، وكان يقال لها نِعم، فلما اجتمع بها لم يستقر بهما الجلوس حتى دخل عليهما الملك الذي كان اشتراها من الذي سرقها؛ فعجل عليهما وأمر بقتلهما، ولم ينصف من نفسه، ولم يمهل عليهما في حكمه؛ فما تقول يا أمير المؤمنين في قلة إنصاف هذا الملك؟ فقال أمير المؤمنين: إن هذا الشيء عجاب، فكان ينبغي لذلك الملك العفو عند المقدرة؛ لأنه يجب عليه أن يحفظ لهما ثلاثة أشياء؛ الأول: أنهما متحابان، والثاني: أنهما في منزله وتحت قبضته، والثالث: أن الملك ينبغي له التأني في الحكم بين الناس، فكيف بالأمر الذي يتعلق به؟ فهذا الملك قد فعل فعلًا لا يشبه فعل الملوك. فقالت له أخته: يا أخي، بحق ملك السموات والأرض أن تأمر نِعمًا بالغناء وتسمع ما تغني به. فقال: يا نِعم، غنِّ لي. فأطربت بالنغمات، وأنشدت هذه الأبيات:
فلما سمع أمير المؤمنين هذا الشعر طرب طربًا عظيمًا، فقالت له أخته: يا أخي، مَن حكم على نفسه بشيء لزمه القيام به، والعمل بقوله، وأنت قد حكمت على نفسك بهذا الحكم. ثم قالت: يا نعمة، قف على قدميك، وكذا قفي أنت يا نِعم. فوقفَا، فقالت أخت الخليفة: يا أمير المؤمنين، إن هذه الواقفة هي نِعم المسروقة، سرقها الحجاج بن يوسف الثقفي وأوصلها لك، وكذب فيما ادَّعاه من كتابه من أنه اشتراها بعشرة آلاف دينار، وهذا الواقف هو نعمة بن الربيع سيدها، وأنا أسألك بحرمة آبائك الطاهرين أن تعفو عنهما، وتهبهما لبعضهما؛ لتغنم أجرهما، فإنهما في قبضتك، وقد أكلا من طعامك وشربَا من شرابك، وأنا الشفيعة فيهما المستوهبة دمهما. فعند ذلك قال الخليفة: صدقتِ، أنا حكمت بذلك، وما أحكم بشيء وأرجع فيه. ثم قال: يا نِعم، هل هذا مولاكِ؟ قالت له: نَعَم يا أمير المؤمنين. فقال: لا بأس عليكما، فقد وهبتكما لبعضكما. ثم قال: يا نعمة، وكيف عرفتَ بمكانها؟ ومَن وصف لك هذا المكان؟ فقال: يا أمير المؤمنين، اسمع خبري وأنصت إلى حديثي، فوحق آبائك وأجدادك الطاهرين لا أكتم عنك شيئًا. ثم حدثه بجميع ما كان من أمره، وما فعله معه الحكيم العجمي، وما فعلته القهرمانة، وكيف دخلت به القصر وغلط في الأبواب؛ فتعجب الخليفة من ذلك غاية العجب، ثم قال: عليَّ بالعجمي. فأحضروه بين يديه فجعله من جملة خواصه، وخلع عليه خلعة، وأمر له بجائزة مليحة، وقال: مَن يكون هذا تدبيره يجب أن نجعله من خواصنا.
ثم إن الخليفة أحسن إلى نعمة ونِعم وأنعم عليهما، وأنعم على القهرمانة، وقعدا عنده سبعة أيام في سرور وحظ وأرغد عيش، ثم طلب نعمة منه الإذن بالسفر هو وجاريته، فأذن لهما بالسفر إلى الكوفة. فسافرَا واجتمع بوالده ووالدته، وأقاموا في أطيب عيش إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرِّق الجماعات. فلما سمع الأمجد والأسعد هذا الحديث من بهرام، تعجَّبَا منه غاية العجب، وقالا: إن هذا لشيء عجيب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.