فلما كانت الليلة ٢٤٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمجد والأسعد لما سمعا من بهرام المجوسي الذي أسلم هذه الحكاية، تعجَّبَا منها غاية العجب، وباتا تلك الليلة، ولما أصبح الصباح ركب الأمجد والأسعد، وأرادا أن يدخلا على الملك فاستأذنا في الدخول فأذن لهما، فلما دخلا أكرمهما، وجلسوا يتحدثون. فبينما هم كذلك، وإذا بأهل المدينة يصيحون ويتصارخون ويستغيثون، فدخل الحاجب على الملك وقال له: إن ملكًا من الملوك نزل بعساكره على المدينة وهم شاهرون السلاح، وما ندري ما مرادهم. فأخبر الملك وزيره الأمجد وأخاه الأسعد بما سمعه من الحاجب، فقال الأمجد: أنا أخرج إليه وأكشف خبره. فخرج الأمجد إلى ظاهر المدينة فوجد الملك ومعه عسكر كثير ومماليك راكبة، فلما نظروا إلى الأمجد عرفوا أنه رسول من عند ملك المدينة، فأخذوه وأحضروه قدَّام السلطان، فلما صار قدامه قبَّل الأرض بين يديه، وإذا بالملك امرأة ضاربة لها لثامًا، فقالت: اعلم أنه ما لي عندكم غرض في هذه المدينة إلا مملوك أمرد، فإن وجدتُه عندكم فلا بأس عليكم، وإن لم أجده وقع بيني وبينكم القتال الشديد؛ لأنني ما جئت إلا في طلبه. فقال الأمجد: أيتها الملكة، ما صفة هذا المملوك؟ وما خبره؟ وما اسمه؟ فقالت: اسمه الأسعد، وأنا اسمي مرجانة، وهذا المملوك جاءني صحبة بهرام المجوسي، وما رضي أن يبيعه، فأخذته منه غصبًا فعدا عليه وأخذه من عندي بالليل سرقةً، وأما أوصافه فإنها كذا وكذا.
فلما سمع الأمجد ذلك علم أنه أخوه الأسعد، فقال لها: يا ملكة الزمان، الحمد لله الذي جاءنا بالفرج، إن هذا المملوك هو أخي. ثم حكى لها حكايته وما جرى لهما في بلاد الغربة، وأخبرها بسبب خروجهما من جزائر الأبنوس، فتعجَّبت الملكة مرجانة من ذلك، وفرحت بلقاء الأسعد، وخلعت على أخيه الأمجد. ثم بعد ذلك عاد الأمجد إلى الملك وأعلمه بما جرى؛ ففرحوا بذلك، ونزل الملك هو والأمجد والأسعد قاصدين الملكة، فلما دخلوا عليها جلسوا يتحدثون.
فبينما هم كذلك، وإذا بغبار طار حتى سدَّ الأقطار، وبعد ساعة انكشف ذلك الغبار عن عسكر جرَّار، مثل البحر الزخَّار، وهم مُهيَّئون بالعُدد والسلاح، فقصدوا المدينة، ثم داروا بها كما يدور الخاتم بالخنصر، وشهروا سيوفهم، فقال الأمجد والأسعد: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما هذا الجيش الكبير؟ إن هذه أعداء لا محالة، وإن لم نتفق مع هذه الملكة مرجانة على قتالهم أخذوا منا المدينة وقتلونا، وليس لنا حيلة إلا أننا نخرج إليهم ونكشف خبرهم. ثم قام الأمجد وخرج من باب المدينة، وتجاوز جيش الملكة مرجانة، فلما وصل إلى العسكر وجده عسكر جدِّه الملك الغيور أبي أمه الملكة بدور. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.