فلما كانت الليلة ٢٤٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمجد لما وصل إلى العسكر وجده عسكر جدِّه الملك الغيور، صاحب الجزائر والبحور والسبعة قصور، فلما صار قدَّامه قبَّل الأرض بين يديه وبلَّغه الرسالة. قال الملك: أنا اسمي الملك الغيور، وقد جئت عابر سبيل؛ لأن الزمان قد فجعني في ابنتي بدور، فإنها فارقتني وما رجعت إليَّ، وما سمعت لها ولا لزوجها قمر الزمان خبرًا، فهل عندكم خبر بهما؟ فلما سمع الأمجد ذلك أطرق إلى الأرض ساعة يتفكر حتى تحقق أنه جده أبو أمه، ثم رفع رأسه، وقبَّل الأرض بين يديه، وأخبره أنه ابن بنته بدور؛ فلما سمع الملك أنه ابن بنته بدور، رمى نفسه عليه وصارا يبكيان، ثم قال الملك الغيور: الحمد لله يا ولدي على السلامة حيث اجتمعتُ بك. ثم حكى له الأمجد أن ابنته بدور في عافية، وكذلك أبوه قمر الزمان، وأخبره أنهما في مدينة يقال لها جزيرة الأبنوس، وحكى له أن قمر الزمان والده غضب عليه وعلى أخيه وأمر بقتلهما، وأن الخازندار رقَّ لهما وتركهما بلا قتل، فقال الملك الغيور: أنا أرجع بك وبأخيك إلى والدك وأصلح بينكم وأقيم عندكم. فقبَّل الأرض بين يديه، ثم خلع الملك الغيور على الأمجد ابن بنته، ورجع مبتسمًا إلى الملك وأعلمه بقصة الملك الغيور، فتعجب منها غاية العجب، ثم أرسل له آلات الضيافة من الخيل والجمال والغنم والعليق وغير ذلك، وأخرج للملكة مرجانة كذلك، وأعلموها بما جرى، فقالت: أنا اذهب معكم بعسكري وأكون ساعية في الصلح.
فبينما هم كذلك، وإذا بغبار قد ثار حتى سدَّ الأقطار، واسودَّ منه النهار، وسمعوا من تحته صياحًا وصراخًا وصهيل الخيل، ورأوا سيوفًا تلمع ورماحًا تشرع، فلما قربوا من المدينة ورأوا العسكرين دقوا الطبول، فلما رأى الملك ذلك قال: ما هذا النهار إلا نهار مبارك، الحمد لله الذي أصلحنا مع هذين العسكرين، وإن شاء الله تعالى يصلحنا مع هذا العسكر أيضًا. ثم قال: يا أمجد، اخرج أنت وأخوك الأسعد، واكشفا لنا خبر هذه العساكر، فإنه جيش ثقيل ما رأيت أثقل منه. فخرج الاثنان الأمجد وأخوه الأسعد بعد أن أغلق الملك باب المدينة خوفًا من العسكر المحيط بها، ففتحا الأبواب وسارا حتى وصلا إلى العسكر الذي وصل؛ فوجداه عسكر ملك جزائر الأبنوس، وفيه والدهما قمر الزمان، فلما نظراه قبَّلا الأرض بين يديه وبكيا، فلما رآهما قمر الزمان رمى روحه عليهما، وبكى بكاءً شديدًا، واعتذر لهما وضمَّهما إلى صدره، ثم أخبرهما بما قاساه بعدهما من الوحشة الشديدة لفراقهما. ثم إن الأمجد والأسعد ذكرَا له عن الملك الغيور أنه وصل إليهم، فركب قمر الزمان في خواصه، وأخذ ولديه الأمجد والأسعد معه، وساروا حتى وصلوا إلى قرب عسكر الملك الغيور، فسبق واحد منهم إلى الملك الغيور وأخبره أن قمر الزمان وصل، فطلع إلى ملاقاته، فاجتمعوا ببعضهم وتعجَّبوا من هذه الأمور، وكيف اجتمعوا في هذا المكان، وصنع أهل المدينة الولائم وأنواع الأطعمة والحلويات، وقدَّموا الخيول والجمال، والضيافات والعليق، وما تحتاج إليه العساكر.
فبينما هم كذلك، وإذا بغبار قد ثار حتى سدَّ الأقطار، وارتجَّت الأرض من الخيول، وصارت الطبول كعواصف الرياح، والجيش جميعه بالعدد والأزراد، وكلهم لابسون السواد، وفي وسطهم شيخ كبير، وذقنه واصلة إلى صدره، وعليه ملابس سود، فلما نظر أهل المدينة هذه العساكر العظيمة، قال صاحب المدينة للملوك: الحمد لله الذي اجتمعتم بإذنه تعالى في يوم واحد، وطلعتم كلكم معارف، فما هذا العسكر الجرار الذي قد سدَّ الأقطار؟ فقال له الملوك: لا تخف منه، فنحن ثلاثة ملوك، وكل ملك له عساكر كثيرة، فإن كانوا أعداء نقاتلهم معك، ولو زادوا ثلاثة أمثالهم.
فبينما هم كذلك وإذا برسول من تلك العساكر قد أقبل متوجهًا إلى هذه المدينة، فقدَّموه بين يدي قمر الزمان والملك الغيور والملكة مرجانة والملك صاحب المدينة؛ فقبل الأرض وقال: إن هذا الملك من بلاد العجم، وقد فقد ولده من مدة سنين، وهو دائر يفتش عليه في الأقطار، فإن وجده عندكم فلا بأس عليكم، وإن لم يجده وقع الحرب بينه وبينكم، وأخرب مدينتكم. فقال له قمر الزمان: ما يصل إلى هذا، ولكن ما يقال له في بلاد العجم؟ فقال الرسول: يقال له الملك شهرمان صاحب جزائر خالدان، وقد جمع هذه العساكر من الأقطار التي مر بها وهو دائر يفتش على ولده.
فلما سمع قمر الزمان كلام الرسول صرخ صرخة عظيمة، وخرَّ مغشيًّا عليه، واستمر في غشيته ساعة، ثم أفاق وبكى بكاءً شديدًا، وقال للأمجد والأسعد وخواصهما: امشوا يا أولادي مع الرسول، وسلِّموا على جدِّكم والدي الملك شهرمان، وبشرِّوه بي؛ فإنه حزين على فَقْدي، وهو إلى الآن لابس الملابس السود من أجلي. ثم حكى للملوك الحاضرين جميع ما جرى له في أيام صباه؛ فتعجب جميع الملوك من ذلك، ثم نزلوا هم وقمر الزمان وتوجَّهوا إلى والده، فسلم قمر الزمان على والده وعانقا بعضهما ووقعا مغشيًّا عليهما من شدة الفرح، فلما أفاقا حكى لابنه جميع ما جرى له، ثم سلَّم عليه بقية الملوك، وردُّوا مرجانة إلى بلادها بعد أن زوَّجوها للأسعد، ووصوها أنها لا تقطع عنهم مراسلتها، ثم زوَّجوا الأمجد بستان بنت بهرام، وسافروا كلهم إلى مدينة الأبنوس، وخلا قمر الزمان بصهره، وأعلمه بجميع ما جرى له، وكيف اجتمع بأولاده، ففرح وهنَّأه بالسلامة. ثم دخل الملك الغيور أبو الملكة بدور على بنته وسلَّم عليها، وبلَّ شوقه منها، وقعدوا في مدينة الأبنوس شهرًا كاملًا، ثم سافر الملك الغيور بابنته إلى بلده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.