فلما كانت الليلة ٢٥١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أم علاء الدين قالت للنسوان: إن أباه خاف عليه من العين، فجعل مرباه في طابق تحت الأرض، فلعل الخادم نسي الطابق مفتوحًا فطلع منه، ولم يكن مرادنا أن يطلع منه حتى تطلع لحيته. فهنَّأها النسوة بذلك، وطلع الغلام من عند النسوة إلى حوش البيت، ثم طلع المقعد وجلس فيه. فبينما هو جالس، وإذا بالعبيد قد دخلوا ومعهم بغلة أبيه، فقال لهم علاء الدين: أين كانت هذه البغلة؟ فقالوا له: نحن وصَّلنا أباك إلى الدكان وهو راكب عليها وجئنا بها. فقال لهم: أي شيء صنعة أبي؟ فقالوا له: إن أباك شاه بندر التجار بأرض مصر، وهو سلطان أولاد العرب. فدخل علاء الدين على أمه، وقال لها: يا أمي ما صناعة أبي؟ فقالت له: يا ولدي، إن أباك تاجر، وهو شاه بندر التجار بأرض مصر، وسلطان أولاد العرب، وعبيده لا تشاوره في البيع إلا على البيعة التي يكون أقل ثمنها ألف دينار، وأما البيعة التي تكون بتسعمائة دينار فأقل فإنهم لا يشاورونه عليها، بل يبيعونها بأنفسهم، ولا يأتي متجر من بلاد الناس قليلًا أو كثيرًا إلا ويدخل تحت يده، ويتصرف فيه كيف يشاء، ولا ينحزم متجر ويروح بلاد الناس إلا ويكون من تحت يد أبيك، والله تعالى أعطى أباك يا ولدي مالًا كثيرًا لا يُحصَى. فقال لها: يا أمي، الحمد لله أنا ابن سلطان أولاد العرب، ووالدي شاه بندر التجار، ولأي شيء يا أمي تحطونني في الطابق، وتتركونني محبوسًا فيه؟ فقالت له: يا ولدي، نحن ما حطَطْناك في الطابق إلا خوفًا عليك من أعين الناس، فإن العين حق، وأكثر أهل القبور من العين. فقال لها: يا أمي، وأين المفر من القضاء؟ والحذر لا يمنع القدر، والمكتوب ما منه مهروب، وإن الذي أخذ جدي لا يترك أبي، فإنه إن عاش اليوم ما يعيش غدًا، وإذا مات أبي وطلعت أنا وقلت: أنا علاء الدين ابن التاجر شمس الدين، لا يصدقني أحد من الناس، والاختيارية يقولون: عمرنا ما رأينا لشمس الدين ولدًا ولا بنتًا. فينزل بيت المال، ويأخذ مال أبي، ورحم الله مَن قال: يموت الفتى ويذهب ماله، ويأخذ أندل الرجال نساءه. فأنت يا أمي تكلمين أبي حتى يأخذني معه إلى السوق، ويفتح لي دكانًا، وأقعد فيه ببضائع، ويعلمني البيع والشراء، والأخذ والعطاء. فقالت له: يا ولدي، لما يحضر أبوك أخبره بذلك.
فلما رجع التاجر إلى بيته، وجد ابنه علاء الدين أبا الشامات قاعدًا عند أمه، فقال لها: لأي شيء أخرجتِه من الطابق؟ فقالت له: يا ابن عمي، أنا ما أخرجته، ولكن الخدم نسوا الطابق مفتوحًا. فبينما أنا قاعدة وعندي محضر من أكابر النساء، وإذا به دخل علينا … وأخبرَتْه بما قاله ولده، فقال له: يا ولدي، في غد إن شاء الله تعالى آخذك معي إلى السوق، ولكن يا ولدي قعود الأسواق والدكاكين يحتاج إلى الأدب والكمال في كل حال. فبات علاء الدين وهو فرحان من كلام أبيه، فلما أصبح الصباح أدخله الحمام، وألبسه بدلة تساوي جملةً من المال، ولما أفطروا وشربوا الشربات ركب بغلته وأركب ولده بغلة، وأخذه وراءه، وتوجه به إلى السوق؛ فنظر أهل السوق شاه بندر التجار مقبلًا ووراءه غلام كأنَّ وجهه القمر في ليلة أربعة عشر، فقال واحد منهم لرفيقه: انظر هذا الغلام الذي وراء شاه بندر التجار، قد كنا نظن به الخير وهو مثل الكرات شائب وقلبه أخضر. فقال الشيخ محمد سمسم النقيب المتقدم ذكره للتجار: نحن ما بقينا نرضى به أن يكون شيخًا علينا أبدًا.
وكان من عادة شاه بندر التجار أنه لما يأتي من بيته في الصباح ويقعد في دكانه، يتقدم نقيب السوق ويقرأ الفاتحة للتجار، فيقومون معه ويأتون إلى شاه بندر التجار، ويقرءون له الفاتحة ويصبِّحون عليه، ثم ينصرف كل واحد منهم إلى دكانه. فلما قعد شاه بندر التجار في دكانه ذلك اليوم على عادته، لم تأتِ إليه التجار حسب عادتهم، فنادى النقيب وقال له: لأي شيء لم تجتمع التجار على جري عادتهم؟ فقال له: أنا ما أعرف نقل الفتن، إن التجار اتفقوا على عزلك من المشيخة، ولا يقرءون لك فاتحة. فقال له: ما سبب ذلك؟ فقال له: ما شأن هذا الولد الجالس بجانبك، وأنت اختيار ورئيس التجار؟ فهل هذا الولد مملوكك أو يقرب لزوجتك؟ وأظن أنك تعشقه وتميل إلى الغلام. فصرخ عليه وقال له: اسكت قبَّح الله ذاتك وصفاتك، هذا ولدي. فقال له: عمرنا ما رأينا لك ولدًا. فقال له: لما جئتني بمعكِّر البيض حملَتْ زوجتي وولدته، ولكن من خوفي عليه من العين ربيته في طابق تحت الأرض، وكان مرادي أنه لا يطلع من الطابق حتى يمسك لحيته بيده، فما رضيت أمه، وطلب مني أن أفتح دكانًا وأحط عنده بضائع وأعلِّمه البيع والشراء. فذهب النقيب إلى التجار، وأخبرهم بحقيقة الأمر، فقاموا كلهم بصحبته وتوجهوا إلى شاه بندر التجار، ووقفوا بين يديه، وقرءوا الفاتحة، وهنَّوه بذلك الغلام، وقالوا له: ربنا يبقي الأصل والفرع، ولكن الفقير منا لما يأتيه ولد أو بنت لا بد أن يصنع لإخوانه دست عصيدة، ويعزم معارفه وأقاربه، وأنت لم تعمل ذلك. فقال لهم: لكم عليَّ ذلك، ويكون اجتماعنا في البستان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.