فلما كانت الليلة ٢٥٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن شاه بندر التجار وعد التجار بالسماط، وقال لهم: يكون اجتماعنا في البستان. فلما أصبح الصباح أرسل الفرَّاش للقاعة والقصر اللذين في البستان، وأمره بفرشهما، وأرسل آلة الطبخ من خرفان وسمن وغير ذلك مما يحتاج إليه الحال، وعمل سماطين؛ سماطًا في القصر، وسماطًا في القاعة. وتحزم التاجر شمس الدين، وتحزم ولده علاء الدين، وقال له: يا ولدي، إذا دخل الرجل الشائب فأنا أتلقاه وأُجلِسه على السماط الذي في القصر، وأنت يا ولدي إذا دخل الولد الأمرد فخذه، وادخل به القاعة، وقعِّده على السماط. فقال له: لأي شيء يا أبي؟ ما سبب أنك تعمل سماطين؛ واحدًا للرجال، وواحدًا للأولاد؟ فقال: يا ولدي، إن الأمرد يستحي أن يأكل عند الرجال. فاستحسن ذلك ولده، فلما جاء التجار، صار شمس الدين يقابل الرجال ويُجلِسهم في القصر، وولده علاء الدين يقابل الأولاد ويجلسهم في القاعة، ثم وضعوا الطعام فأكلوا وشربوا، وتلذَّذوا وطربوا، وشربوا الشربات، وأطلقوا البخور، ثم قعد الاختيارية في مذاكرة العلم والحديث، وكان بينهم رجل تاجر يُسمَّى محمود البلخي، وكان مسلمًا في الظاهر ومجوسيًّا في الباطن، وكان يبغي الفساد ويهوى الأولاد، فنظر إلى علاء الدين نظرة أعقبته ألف حسرة، وعلق له الشيطان جوهرة في وجهه، فأخذه به الغرام والوَجْد والهيام. وكان ذلك التاجر الذي اسمه محمود البلخي يأخذ القماش والبضائع من والد علاء الدين، ثم إن محمود البلخي قام يتمشى وانعطف نحو الأولاد، فقاموا لملتقاه، وكان علاء الدين انحصر فقام يزيل الضرورة، فالتفت التاجر محمود إلى الأولاد وقال لهم: إن طيَّبتم خاطر علاء الدين على السفر معي، أعطيتُ كل واحد منكم بدلة تساوي جملة من المال. ثم توجه من عندهم إلى مجلس الرجال.
فبينما الأولاد جالسون، وإذا بعلاء الدين أقبل عليهم فقاموا لملتقاه، وأجلسوه بينهم في صدر المقام؛ فقام ولد منهم وقال لرفيقه: يا سيدي حسن، أخبرني برأس المال الذي عندك تبيع فيه وتشتري، من أين جاء؟ فقال له: أنا لما كبرت وانتشأت وبلغت مبلغ الرجال قلت لأبي: يا والدي أحضر لي متجرًا. فقال: يا ولدي، ما عندي شيء، ولكن رح خذ لك مالًا من واحد تاجر واتَّجر به، وتعلم البيع والشراء، والأخذ والعطاء. فتوجَّهت إلى واحد من التجار، واقترضت منه ألف دينار، فاشتريت بها قماشًا وسافرت به إلى الشام، فربحت المثل مثلين، ثم أخذت متجرًا من الشام، وسافرت به إلى بغداد وبعته، ثم ربحت المثل مثلين، ولم أزل أتَّجر حتى صار رأس مالي نحو عشرة آلاف دينار. وصار كل واحد من الأولاد يقول لرفيقه مثل ذلك إلى أن دار الدور، وجاء الكلام إلى علاء الدين أبي الشامات، فقالوا له: وأنت يا سيدي علاء الدين؟ فقال لهم: أنا تربيت في طابق تحت الأرض، وطلعت منه في هذه الجمعة، وأنا أروح الدكان وأرجع منه إلى البيت. فقالوا له: أنت متعود على قعود البيت، ولا تعرف لذة السفر، والسفر ما يكون إلا للرجال. فقال لهم: أنا ما لي حاجة بالسفر، وليس للراحة قيمة. فقال واحد منهم لرفيقه: هذا مثل السمك إذا فارق الماء مات. ثم قالوا له: يا علاء الدين، ما فخر أولاد التجار إلا بالسفر لأجل المكسب. فحصل لعلاء الدين غيظ بسبب ذلك، وطلع من عند الأولاد وهو باكي العين حزين الفؤاد، وركب بغلته وتوجه إلى البيت، فرأته أمه في غيظ زائد، باكي العين، فقالت له: ما يبكيك يا ولدي؟ فقال لها: إن أولاد التجار جميعًا عايروني، وقالوا لي: ما فخر أولاد التجار إلا بالسفر لأجل أن يكسبوا الدراهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.