فلما كانت الليلة ٢٥٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علاء الدين اجتمع بمحمود البلخي، فقام محمود البلخي وأوصى طباخ علاء الدين أنه لا يطبخ شيئًا، وصار محمود يقدِّم لعلاء الدين المأكل والمشرب هو وجماعته، ثم توجهوا للسفر. وكان للتاجر محمود البلخي أربعة بيوت: واحد في مصر، وواحد في الشام، وواحد في حلب، وواحد في بغداد، ولم يزالوا مسافرين في البراري والقفار حتى أشرفوا على الشام، فأرسل محمود عبدَه إلى علاء الدين فرآه قاعدًا يقرأ، فتقدم وقبَّل أياديه، فقال: ما تطلب؟ فقال له: سيدي يسلم عليك، ويطلبك لعزومته في منزله. فقال له: لمَّا أشاور أبي المقدم كمال الدين العكام. فشاوره على الرواح فقال له: لا تَرُح. ثم سافروا من الشام إلى أن دخلوا حلب، فعمل محمود البلخي عزومة وأرسل يطلب علاء الدين، فشاور المقدم فمنعه، وسافروا من حلب إلى أن بقي بينهم وبين بغداد مرحلة، فعمل محمود البلخي عزومة وأرسل يطلب علاء الدين، فشاور المقدم فمنعه، فقال علاء الدين: لا بد لي من الرواح. ثم قام وتقلَّدَ بسيف تحت ثيابه، وسار إلى أن دخل على محمود البلخي، فقام لملتقَّاه وسلَّم عليه، وأحضر له سفرة عظيمة، فأكلوا وشربوا وغسلوا أيديهم، ومال محمود البلخي على علاء الدين ليأخذ منه قُبلة فلاقاها في كفه، وقال له: ما مرادك أن تعمل؟ فقال: إني أحضرتك، ومرادي أعمل معك حظًّا في هذا المجال، وتفسر قول مَن قال:
ثم إن محمود البلخي همَّ بعلاء الدين وأراد أن يفترسه، فقام علاء الدين وجرَّد سيفه، وقال له: وا شيبتاه! أَمَا تخشى الله، وهو شديد المحال؟ ولم تسمع قول مَن قال:
فلما فرغ علاء الدين من شعره قال لمحمود: إن هذه البضاعة أمانة الله لا تباع، ولو بعتها لغيرك بالذهب لبعتها لك بالفضة، ولكن والله يا خبيث ما بقيت أرافقك أبدًا. ثم رجع علاء الدين إلى المقدم كمال الدين وقال له: إن هذا رجل فاسق، فأنا ما بقيتُ أرافقه أبدًا، ولا أمشي معه في طريق. فقال له: يا ولدي، أَمَا قلتُ لك لا تَرُح عنده؟ ولكن يا ولدي إن افترقنا معه نخشى على أنفسنا التلف، فخلِّنا قفلًا واحدًا. فقال له: لا يمكن أن أرافقه في الطريق أبدًا. ثم حمل علاء الدين حموله وسار هو ومَن معه إلى أن نزلوا في وادٍ، وأرادوا أن يحطوا فيه، فقال العكام: لا تحطوا هنا، واستمروا رائحين، وأسرعوا في المسير لعلَّنا نحصِّل بغداد قبل أن تقفل أبوابها؛ فإنهم لا يفتحونها ولا يقفلونها إلا بشمسٍ؛ خوفًا على المدينة أن يملكها الروافض، ويرموا كتب العلم في الدجلة. فقال له: يا والدي، أنا ما توجهت بهذا المتجر إلى هذه البلد لأجل السبب، بل لأجل الفرجة على بلاد الناس. فقال له: يا ولدي، نخشى عليك وعلى مالك من العرب. فقال له: يا رجل، هل أنت خادم أم مخدوم؟ أنا ما أدخل بغداد إلا مع الصباح؛ لأجل أن تنظر أولاد بغداد إلى متجري ويعرفوني. فقال له العكام: افعل ما تريد، فأنا نصحتك وأنت تعرف خلاصك.
فأمرهم علاء الدين بتنزيل الأحمال عن البغال، فأنزلوا الأحمال ونصبوا الصيوان، واستمروا مقيمين إلى نصف الليل، ثم طلع علاء الدين يزيل ضرورة، فرأى شيئًا يلمع على بُعْدٍ، فقال للعكام: يا مقدم، ما هذا الشيء الذي يلمع؟ فتأمل العكام وحقَّق النظر، فرأى الذي يلمع أَسِنَّة رماح وحديد وسلاح، وسيوفًا بدوية، وإذا بهم عرب، ورئيسهم يُسمَّى شيخ العرب عجلان أبو نائب، ولما قرب العرب منهم، ورأوا حمولهم قالوا لبعضهم: يا ليلة الغنيمة! فلما سمعوهم يقولون ذلك، قال المقدم كمال الدين العكام: حاس يا أقل العرب. فلطشه أبو نائب بحربته في صدره، فخرجت تلمع من ظهره، فوقع على باب الخيمة قتيلًا، فقال السقاء: حاس يا أخسَّ العرب. فضربوه بسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه، ووقع قتيلًا. كل هذا جرى وعلاء الدين واقف ينظر، ثم إن العرب جالوا وصالوا على القافلة فقتلوهم، ولم يبقوا أحدًا من طائفة علاء الدين، ثم حملوا الأحمال على ظهور البغال وراحوا، فقال علاء الدين لنفسه: ما يقتلك إلا بغلتك وبدلتك هذه. فقام وقطع البدلة ورماها على ظهر البغلة، وصار القميص واللباس فقط، والتفت قدامه إلى باب الخيمة فوجد بركة دم سائلة من القتلى، فصار يتمرغ فيها بالقميص واللباس حتى صار كالقتيل الغريق في دمه.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر شيخ العرب عجلان، فإنه قال لجماعته: يا عرب، هذه القافلة داخلة من مصر أم خارجة من بغداد؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.