فلما كانت الليلة ٢٥٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن البدوي لما قال لجماعته: هذه القافلة داخلة من مصر أم خارجة من بغداد؟ قالوا له: داخلة من مصر إلى بغداد. فقال لهم: ردُّوا على القتلى؛ لأني أظن أن صاحب هذه القافلة لم يَمُتْ. فردَّ العرب على القتلى، وصاروا يردون القتلى بالطعن والضرب إلى أن وصلوا إلى علاء الدين، وكان قد ألقى بنفسه بين القتلى، فلما وصلوا إليه قالوا: أنت جعلت نفسك ميتًا فنحن نكمل قتلك. وسحب البدوي الحربة وأراد أن يغرزها في صدر علاء الدين، فقال علاء الدين: يا بركتك يا سيدي عبد القادر يا جيلاني. فنظر علاء الدين إلى يد حوَّلت الحربة عن صدره إلى صدر المقدِّم كمال الدين العكام، فطعنه البدوي بها وامتنع عن علاء الدين. ثم حمَّلوا الأحمال على ظهور البغال ومشوا بها، فنظر علاء الدين فرأى الطير قد طارت بأرزاقها، فقام يجري وإذا بالبدوي أبي نائب قال لرفقاته: أنا رأيت زوالًا يا عرب. فطلع واحد منهم فرأى علاء الدين يجري، فقال له: لا ينفعك الهروب ونحن وراءك. ولكز فرسه فأسرعت وراءه، وكان علاء الدين قد رأى قدَّامه حوضًا فيه ماء وبجانبه صهريج، فطلع علاء الدين إلى شباك في الصهريج وتمدد وجعل نفسه أنه نائم وقال: يا جميل الستر سترك الذي لا ينكشف. وإذا بالبدوي وقف تحت الصهريج ومدَّ يده ليقتنص علاء الدين، فقال علاء الدين: يا بركتك يا سيدتي نفيسة، هذا وقتك. وإذا بعقرب لدغ البدوي في كفِّه فصرخ، وقال: يا عرب، تعالوا فإني لُدِغت. ونزل من فوق ظهر فرسه، فأتاه رفقاؤه وأركبوه ثانيًا على فرسه، وقالوا له: أي شيء أصابك؟ فقال لهم: لدغني عقرب. ثم أخذوا القافلة وساروا.
هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر علاء الدين فإنه استمر نائمًا في شباك الصهريج.
وأما ما كان من أمر محمود البلخي فإنه أمر بتحميل الأحمال، وسافر إلى أن وصل إلى غابة الأسد، فوجد غلمان علاء الدين كلهم قتلى، ففرح بذلك وترجَّلَ إلى أن وصل إلى الصهريج والحوض، وكانت بغلته شديدة العطش، فمالت لتشرب من الحوض، فرأت خيال علاء الدين فجفلت منه، فرفع محمود البلخي عينه فرأى علاء الدين نائمًا وهو عريان، بالقميص واللباس فقط، فقال له: مَن فعل بك هذه الفعال، وخلَّاك في أسوأ حال؟ فقال له: العرب. فقال له: يا ولدي، فداك البغال والأموال، وتسلَّ بقول مَن قال:
ولكن يا ولدي انزل، ولا تخشَ بأسًا. فنزل علاء الدين من شباك الصهريج، وأركبه بغلة، وسافروا إلى أن دخلوا مدينة بغداد في دار محمود البلخي، فأمر بدخول علاء الدين الحمام، وقال له: المال والأحمال فداؤك يا ولدي، وإن طاوعتني أُعطِك قدر مالك وأحمالك مرتين. وبعد طلوعه من الحمام أدخله قاعة مزركشة بالذهب لها أربعة لواوين، ثم أمر بإحضار سفرة فيها جميع الأطعمة، فأكلوا وشربوا، ومال محمود البلخي على علاء الدين ليأخذ من خدِّه قُبلة، فلقيها علاء الدين بكفِّه وقال له: هل أنت إلى الآن تابع لضلالك؟ أَمَا قلتُ لك أنا لو كنتُ بعت هذه البضاعة لغيرك بالذهب، لَكنت أبيعها لك بالفضة. فقال له: أنا ما أعطيك المتجر والبغلة والبدلة إلا لأجل هذه القضية، فإنني من غرامي بك في خبال، ولله در مَن قال:
فقال له علاء الدين: إن هذا شيء لا يمكن أبدًا، فخُذْ بدلتك وبغلتك، وافتح لي الباب حتى أروح. ففتح له الباب، فطلع علاء الدين والكلاب تنبح وراءه وسار. فبينما هو سائر في الظلام إذ رأى باب مسجد، فدخل في دهليز المسجد واستكنَّ فيه، وإذا بنور مقبل عليه، فتأمَّله فرأى فانوسين في يدَيْ عبدين قدَّام اثنين من التجار: واحد منهما اختيار حسن الوجه، والثاني شاب. فسمع الشاب يقول للاختيار: بالله يا عمي أن ترد لي بنت عمي. فقال له: أَمَا نهيتك مرارًا عديدة، وأنت جاعل الطلاق مصحفك. ثم إن الاختيار التفت على يمينه فرأى ذلك الولد كأنه فلقة قمر، فقال له: السلام عليك. فردَّ عليه السلام، فقال له: يا غلام، مَن أنت؟ فقال له: أنا علاء الدين بن شمس الدين شاه بندر التجار بمصر، وتمنيت على والدي المتجر فجهَّز لي خمسين حملًا من البضاعة … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.