فلما كانت الليلة ٢٥٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أمير المؤمنين قال لذلك التاجر: أحضِرْ لي خمسين حملًا من القماش الذي يجيء من مصر، يكون كل حملٍ ثمنه ألف دينار، واكتب على كل حمل ثمنه، وأحضر لي عبدًا حبشيًّا. فأحضر له التاجر جميع ما أمره به، ثم إن الخليفة أعطى العبد طشتًا وإبريقًا من الذهب، وهدية، والخمسين حملًا، وكتب كتابًا على لسان شمس الدين شاه بندر التجار بمصر، والد علاء الدين، وقال له: خذ هذه الأحمال وما معها، ورُحْ بها الحارة الفلانية التي فيها بيت شاه بندر التجار، وقل: أين سيدي علاء الدين أبو الشامات؟ فإن الناس يدلونك على الحارة، وعلى البيت. فأخذ العبد الأحمال وما معها، وتوجه كما أمره الخليفة.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر ابن عم الصبية، فإنه توجه إلى أبيها وقال له: تعالَ نروح لعلاء الدين لنطلِّق بنت عمي. فنزل وسار هو وإياه، وتوجَّها إلى علاء الدين، فلما وصلا إلى البيت وجدَا خمسين بغلًا، وعليها خمسون حملًا من القماش، وعبدًا راكب بغلة، فقالا له: لمَن هذه الأحمال؟ فقال: لسيدي علاء الدين أبي الشامات، فإن أباه كان جهَّزَ له متجرًا وسفَّره إلى مدينة بغداد، فطلع عليه العرب فأخذوا ماله وأحماله، فبلغ الخبر إلى أبيه فأرسلني إليه بأحمال عوضها، وأرسل له معي بغلًا عليه خمسون ألف دينار، وبقجة تساوي جملة من المال، وكرك سمور، وطشتًا وإبريقًا من الذهب. فقال له أبو البنت: هذا نسيبي، وأنا أدلك على بيته. فبينما علاء الدين قاعد في البيت وهو في غمٍّ شديد، وإذا بالباب يطرق، فقال علاء الدين: يا زبيدة الله، أعلم إن أباكِ أرسل إليَّ رسولًا من طرف القاضي أو من طرف الوالي. فقالت له: انزل وانظر الخبر. فنزل وفتح الباب فرأى نسيبه شاه بندر التجار أبا زبيدة، ووجد عبدًا حبشيًّا أسمر اللون حلو المنظر راكبًا فوق بغلة، فنزل العبد وقبَّل يديه، فقال له: أي شيء تريد؟ فقال له: أنا عبد سيدي علاء الدين أبي الشامات ابن شمس الدين شاه بندر التجار بأرض مصر، وقد أرسلني إليه أبوه بهذه الأمانة. ثم أعطاه الكتاب، فأخذه علاء الدين وفتحه وقرأه، فرأى مكتوبًا فيه:
بعد السلام التام والتحية والإكرام، من شمس الدين إلى ولده علاء الدين أبي الشامات؛ اعلم يا ولدي أنه بلغني خبر قتل رجالك، ونهب أموالك وأحمالك، فأرسلت إليك غيرها هذه الخمسين حملًا من القماش المصري، والبدلة، والكرك السمور، والطشت والإبريق الذهب، ولا تخشَ بأسًا، والمال فداؤك يا ولدي، ولا يحصل لك حزن أبدًا، وإن أمك وأهل البيت طيبون بخير وعافية، وهم يسلِّمون عليك كثير السلام. وبلغني يا ولدي خبر أنهم عملوك مستحلًا للبنت زبيدة العودية، وعملوا عليك مهرها خمسين ألف دينار، فهي واصلة إليك صحبة الأحمال مع عبدك سليم.
فلما فرغ من قراءة الكتاب تسلَّم الأحمال، ثم التفت إلى نسيبه وقال له: يا نسيبي، خذ الخمسين ألف دينار مهر بنتك زبيدة، وخذ الأحمال تصرَّف فيها، ولك المكسب وردَّ لي رأس المال. فقال له: والله لا آخذ شيئًا، وأما مهر زوجتك فاتفق أنت وإياها من جهته. فقام علاء الدين هو ونسيبه ودخلا البيت بعد إدخال الأحمال، فقالت زبيدة لأبيها: يا أبي، لمَن هذه الأحمال؟ فقال لها: هذه الأحمال لعلاء الدين زوجك، أرسلها إليه أبوه عوضًا عن الأحمال التي أخذها العرب منه، وأرسل إليه خمسين ألف دينار، وبقجة، وكركًا، وبغلة، وطشتًا وإبريقًا ذهبًا، وأما من جهة مهرك فالرأي لك فيه. فقام علاء الدين وفتح الصندوق وأعطاها مهرها، فقال الولد ابن عم البنت: يا عمي، خل علاء الدين يطلق لي امرأتي. فقال له: هذا شيء ما بقي يصحُّ أبدًا، والعصمة بيده. فراح الولد مغمومًا مقهورًا، ورقد في بيته ضعيفًا، فكان فيها القاضية فمات.
وأما علاء الدين فإنه طلع إلى السوق بعد أن أخذ الأحمال، وأخذ ما يحتاج إليه من المأكل والمشرب والسمن، وعمل نظامًا مثل كل ليلة، وقال لزبيدة: انظري هؤلاء الدراويش الكذَّابين قد وعدونا وأخلفوا وعدهم. فقالت له: أنت ابن شاه بندر التجار وكانت يدك قصيرة عن نصف فضة، فكيف بالمساكين الدراويش؟! فقال لها: أغنانا الله تعالى عنهم، ولكن ما بقيت أفتح الباب إذا أتوا إلينا. فقالت له: لأي شيء والخير ما جاءنا إلا على قدومهم، وكل ليلة يحطون لنا تحت السجادة مائة دينار؟ فلا بد أن تفتح لهم الباب إذا جاءوا. فلما ولَّى النهار بضيائه وأقبل الليل، أوقدوا الشمع، وقال لها: يا زبيدة، قومي اعملي لنا نوبة. وإذا بالباب يطرق، فقالت له: قم انظر مَن بالباب. فنزل وفتح الباب، فرآهم الدراويش فقال: مرحبًا بالكذابين، اطلعوا. فطلعوا معه، وأجلسهم وجاء لهم بسفرة الطعام، فأكلوا وشربوا، وتلذَّذوا وطربوا، وبعد ذلك قالوا له: يا سيدي، إن قلوبنا عليك مشغولة، أي شيء جرى لك مع نسيبك؟ فقال لهم: عوَّض الله علينا بما فوق المراد. فقالوا: والله إنَّا كنَّا خائفين عليك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.