فلما كانت الليلة ٢٥٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الدراويش قالوا لعلاء الدين: والله إنا كنا خائفين عليك، وما منعنا عنك إلا قِصَر أيدينا عن الدراهم. فقال لهم: قد أتاني الفرج القريب من عند ربي، وقد أرسل إليَّ والدي خمسين ألف دينار، وخمسين حملًا من القماش، ثمنُ كلِّ حملٍ ألفُ دينار، وبدلةً، وكرك سمور، وبغلة، وعبدًا، وطشتًا وإبريقًا من الذهب، ووقع الصلح بيني وبين نسيبي، وطابت لي زوجتي، والحمد لله على ذلك. ثم إن الخليفة قام يزيل ضرورة، فمال الوزير جعفر على علاء الدين وقال له: الزم الأدب فإنك في حضرة أمير المؤمنين. فقال له: أي شيء وقع مني من قلة الأدب في حضرة أمير المؤمنين؟ ومَن هو أمير المؤمنين منكم؟ فقال له: إن الذي كان يكلمك وقام يزيل الضرورة هو أمير المؤمنين الخليفة هارون الرشيد، وأنا الوزير جعفر، وهذا مسرور سيَّاف نقمته، وهذا أبو النواس الحسن بن هاني، فتأمَّلْ بعقلك يا علاء الدين، وانظر مسافة كم يوم في السفر من مصر إلى بغداد. فقال له: خمسة وأربعون يومًا. فقال له: إن أحمالك نُهِبت من منذ عشرة أيام فقط، فكيف يروح الخبر لأبيك، ويحزم لك الأحمال، وتقطع مسافة خمسة وأربعين يومًا في العشرة أيام؟ فقال له: يا سيدي، ومن أين أتاني هذا؟ فقال له: من عند الخليفة أمير المؤمنين بسبب فرط محبته لك.
فبينما هم في هذا الكلام وإذا بالخليفة قد أقبل، فقام علاء الدين وقبَّل الأرض بين يديه، وقال له: الله يحفظك يا أمير المؤمنين ويديم بقاءك، ولا عدم الناس فضلك وإحسانك. فقال: يا علاء الدين خلِّ زبيدة تعمل لنا نوبة حلاوة السلامة. فعملت نوبة على العود من غرائب الموجود إلى أن طرب لها الحجر الجلمود، وصاح العود في الحضرة: يا داود. فباتوا على أسرِّ حال إلى الصباح، فلما أصبحوا قال الخليفة لعلاء الدين: في غدٍ اطلع الديوان. فقال له: سمعًا وطاعة يا أمير المؤمنين، إن شاء الله تعالى وأنت بخير. ثم إن علاء الدين أخذ عشرة أطباق، ووضع فيها هدية سنية، وطلع بها الديوان في ثاني يوم، فبينما الخليفة قاعد على الكرسي في الديوان، وإذا بعلاء الدين مقبل من باب الديوان وهو ينشد هذين البيتين:
فقال له الخليفة: مرحبًا يا علاء الدين. فقال علاء الدين: يا أمير المؤمنين، إن النبي ﷺ قَبِل الهدية، وهذه العشرة أطباق، وما فيها هديةٌ مني إليك. فقَبِل منه ذلك أمير المؤمنين، وأمر له بخلعة، وجعله شاه بندر التجار، وأقعده في الديوان. فبينما هو جالس، وإذا بنسيبه أبي زبيدة مُقبِل، فوجد علاء الدين جالسًا في رتبته وعليه خلعة، فقال لأمير المؤمنين: يا ملك الزمان، لأي شيء هذا جالس في رتبتي وعليه هذه الخلعة؟ فقال له الخليفة: إني جعلته شاه بندر التجار، والمناصب تقليد لا تخليد، وأنت معزول. فقال له: إنه منَّا وإلينا، ونِعْمَ ما فعلتَ يا أمير المؤمنين، الله يجعل خيارنا أولياء أمورنا، وكم من صغير صار كبيرًا. ثم إن الخليفة كتب فرمانًا لعلاء الدين وأعطاه للوالي، والوالي أعطاه للمشاعلي ونادى في الديوان: ما شاه بندر التجار إلا علاء الدين أبو الشامات، وهو مسموع الكلمة محفوظ الحرمة، يجب له الإكرام والاحترام ورفع المقام. فلما انفض الديوان نزل الوالي بالمنادي بين يدي علاء الدين، وصار المنادي يقول: ما شاه بندر التجار إلا سيدي علاء الدين أبو الشامات. وداروا به في شوارع بغداد والمنادي ينادي ويقول: ما شاه بندر التجار إلا سيدي علاء الدين أبو الشامات. فلما أصبح الصباح فتح دكانًا للعبد، وأجلسه فيها يبيع ويشتري، وأما علاء الدين فإنه كان يركب ويتوجَّه إلى مرتبته في ديوان الخليفة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.