فلما كانت الليلة ٢٦٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علاء الدين كان يركب ويتوجَّه إلى ديوان الخليفة، فاتفق أنه جلس في مرتبته يومًا على عادته، فبينما هو جالس وإذا بقائل يقول للخليفة: يا أمير المؤمنين، تعيش رأسك في فلان النديم، فإنه تُوفي إلى رحمة الله تعالى، وحياتك الباقية. فقال الخليفة: أين علاء الدين أبو الشامات؟ فحضر بين يديه، فلما رآه خلع عليه خلعة سنية وجعله نديمه، وكتب له جامكية ألف دينار في كل شهر، وأقام عنده يتنادم معه. فاتفق أنه كان جالسًا يومًا من الأيام في مرتبته على عادته في خدمة الخليفة، وإذا بأمير المؤمنين طالع إلى الديوان بسيف وترس، فقال: يا أمير المؤمنين، تعيش رأسك في رئيس الستين، فإنه مات في هذا اليوم. فأمر الخليفة بخلعة لعلاء الدين أبي الشامات وجعله رئيس الستين مكانه. وكان رئيس الستين لا ولدَ له ولا بنت ولا زوجة، فنزل علاء الدين ووضع يده على ماله. وقال الخليفة لعلاء الدين: وارِهِ في التراب، وخذ جميع ما تركه من مال وعبيد، وجوارٍ وخدم. ثم نفض الخليفة المنديل وانفض الديوان، فنزل علاء الدين وفي ركابه المقدم أحمد الدنف مقدم ميمنة الخليفة هو وأتباعه الأربعون، وفي يساره المقدم حسن شومان مقدم ميسرة الخليفة هو وأتباعه الأربعون، فالتفت علاء الدين إلى المقدم حسن شومان هو وأتباعه وقال لهم: أنتم سياق على المقدم أحمد الدنف لعله يقبلني ولده في عهد الله. فقبَّله وقال له: أنا وأتباعي الأربعون نمشي قدَّامك إلى الديوان في كل يوم.
ثم إن علاء الدين مكث في خدمة الخليفة مدة أيام، فاتفق أن علاء الدين نزل من الديوان يومًا من الأيام، وسار إلى بيته، وصرف أحمد الدنف هو ومَن معه إلى حال سبيلهم، ثم جلس مع زوجته زبيدة العودية وقد أوقدت الشموع، وبعد ذلك قامت تزيل ضرورة. فبينما هو جالس في مكانه إذ سمع صرخة عظيمة، فقام مسرعًا لينظر الذي صرخ، فرأى صاحب الصرخة زوجته زبيدة العودية وهي مطروحة، فوضع يده على صدرها فوجدها ميتة، وكان بيت أبيها قدام بيت علاء الدين فسمع صرختها، فقال لعلاء الدين: ما الخبر يا سيدي علاء الدين؟ فقال له: تعيش رأسك يا والدي في بنتك زبيدة العودية، ولكن يا والدي إكرام الميت دفنه. فلما أصبح الصباح، واروها في التراب، وصار علاء الدين يعزي أباها، وأبوها يعزيه.
هذا ما كان من أمر زبيدة العودية، وأما ما كان من أمر علاء الدين فإنه لبس ثياب الحزن، وانقطع عن الديوان، وصار باكي العين حزين القلب، فقال الخليفة لجعفر: يا وزير، ما سبب انقطاع علاء الدين عن الديوان؟ فقال له الوزير: يا أمير المؤمنين، إنه حزين القلب على امرأته زبيدة ومشغول بعزائها. فقال الخليفة للوزير: واجب علينا أن نعزِّيه. فقال الوزير: سمعًا وطاعة. ثم نزل الخليفة هو والوزير وبعض الخدم، وركبوا وتوجهوا إلى بيت علاء الدين. فبينما هو جالس، وإذا بالخليفة والوزير ومَن معهما مقبلون عليه، فقام لملتقاهم، وقبَّل الأرض بين يدي الخليفة، فقال له الخليفة: عوَّضك الله خيرًا. فقال علاء الدين: أطال الله لنا بقاءك يا أمير المؤمنين. فقال الخليفة: يا علاء الدين، ما سبب انقطاعك عن الديوان؟ فقال له: حزني على زوجتي زبيدة يا أمير المؤمنين. فقال له الخليفة: ادفع الهم عن نفسك، فإنها ماتت إلى رحمة الله تعالى، والحزن لا يفيدك شيئًا أبدًا. فقال: يا أمير المؤمنين، أنا لا أترك الحزن عليها إلا إذا مت ودفنوني عندها. فقال له الخليفة: إن في الله عوضًا من كل فائت، ولا يخلص من الموت حيلة ولا مال، ولله درُّ مَن قال:
ولما فرغ الخليفة من تعزيته أوصاه أنه لا ينقطع عن الديوان، وتوجَّه إلى محله، ثم بات علاء الدين، ولما أصبح الصباح ركب وسار إلى الديوان، فدخل على الخليفة وقبَّل الأرض بين يديه، فتحرَّك له الخليفة من على الكرسي، ورحَّب به وحيَّاه، وأنزله في منزلته، وقال له: يا علاء الدين، أنت ضيفي في هذه الليلة. ثم دخل به سرايته ودعا بجاريةٍ تُسمَّى قوت القلوب، وقال لها: إن علاء الدين كان عنده زوجة تُسمَّى زبيدة العودية، وكانت تسليه عن الهم والغم، فماتت إلى رحمة الله تعالى، ومرادي أن تُسمعيه نوبة على العود. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.