فلما كانت الليلة ٢٦١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخليفة قال لجاريته قوت القلوب: مرادي أن تُسمِعيه نوبة على العود من غرائب الموجود؛ لأجل أن يتسلَّى عن الهم والأحزان. فقامت الجارية وعملت نوبة من الغرائب، فقال الخليفة: ما تقول يا علاء الدين في صوت هذه الجارية؟ فقال له: إن زبيدة أحسن صوتًا منها، إلا أنها صاحبة صناعة في ضرب العود؛ لأنها تطرب الحجر الجلمود. فقال له: هل هي أعجبتك؟ فقال له: أعجبتني يا أمير المؤمنين. فقال الخليفة: وحياة رأسي وتربة جدودي إنها هبة مني إليك هي وجواريها. فظن علاء الدين أن الخليفة يمزح معه، فلما أصبح الخليفة دخل على جاريته قوت القلوب وقال لها: أنا وهبتك لعلاء الدين. ففرحت بذلك لأنها رأته وأحَبَّتْه. ثم تحول الخليفة من قصر السراية إلى الديوان، ودعا بالحمَّالين، وقال لهم: انقلوا أمتعة قوت القلوب وحطُّوها في التختروان هي وجواريها إلى بيت علاء الدين. فنقلوها هي وجواريها وأمتعتها إلى بيت علاء الدين، وأدخلوها القصر، وجلس الخليفة في مجلس الحكم إلى آخر النهار، ثم انفضَّ الديوان ودخل قصره.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر قوت القلوب، فإنها لما دخلت قصر علاء الدين هي وجواريها، وكانوا أربعين جارية غير الطواشية، قالت لاثنين من الطواشية: أحدكما يقعد على كرسي في ميمنة الباب، والثاني يقعد على كرسي في ميسرته، ولما يأتي علاء الدين قبِّلا يديه، وقولا له: إن سيدتنا قوت القلوب تطلبك إلى القصر، فإن الخليفة وهبها لك هي وجواريها. فقالا لها: سمعًا وطاعة. ثم فعلا ما أمرتهما به؛ فلما أقبل علاء الدين وجد اثنين من طواشية الخليفة جالسَيْن بالباب فاستغرب الأمر، وقال في نفسه: لعل هذا ما هو بيتي، وإلا فما الخبر؟ فلما رأته الطواشية قاموا إليه وقبَّلوا يديه، وقالوا: نحن من أتباع الخليفة، ومماليك قوت القلوب، وهي تسلِّم عليك، وتقول لك: إن الخليفة قد وهبها لك هي وجواريها، وتطلبك عندها. فقال لهم: قولوا لها مرحبًا بك، ولكن طول ما أنت عنده ما يدخل القصر الذي أنت فيه؛ لأن ما كان للمولى لا يصلح أن يكون للخدام. وقولا لها: ما مقدار مصروفك عند الخليفة في كل يوم؟ فطلعوا إليها وقالوا لها ذلك. فقالت: كل يوم مائة دينار. فقال لنفسه: أنا ليس لي حاجة بأن يهب لي الخليفة قوت القلوب حتى أصرف عليها هذا المصروف، ولكن لا حيلةَ في ذلك.
ثم إنها أقامت عنده مدة أيام، وهو مرتب لها في كل يوم مائة دينار، إلى أن انقطع علاء الدين عن الديوان يومًا من الأيام، فقال الخليفة: يا وزير جعفر، أنا ما وهبت قوت القلوب لعلاء الدين إلا لتسلِّيه عن زوجته، فما سبب انقطاعه عنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لقد صدق مَن قال: مَن لقي أحبابه نسي أصحابه. فقال الخليفة: لعله ما قطعه عنَّا إلا عذر، ولكن نحن نزوره. وكان قبل ذلك بأيام قال علاء الدين للوزير: أنا شكوت للخليفة ما أجده من الحزن على زوجتي زبيدة العودية، فوهب لي قوت القلوب. فقال له الوزير: لولا أنه يحبك ما وهبها لك، وهل دخلتَ بها يا علاء الدين؟ فقال: لا، والله لا أعرف لها طولًا من عرض. فقال له: ما سبب ذلك؟ فقال: يا وزير، الذي يصلح للمولى لا يصلح للخدام. ثم إن الخليفة وجعفر استخفيا، وسارا لزيارة علاء الدين، ولم يزالا سائرين إلى أن دخلا على علاء الدين فعرفهما، وقام وقبَّل أيادي الخليفة، ولما رآه الخليفة وجد عليه علامة الحزن، فقال له: يا علاء الدين، ما سبب هذا الحزن الذي أنت فيه؟ أَمَا دخلتَ على قوت القلوب؟ فقال: يا أمير المؤمنين، الذي يصلح للمولى لا يصلح للخدام، وإني إلى الآن ما دخلت عليها، ولا أعرف لها طولًا من عرض، فأقلني منها. فقال الخليفة: إن مرادي الاجتماع بها حتى أسألها عن حالها. فقال علاء الدين: سمعًا وطاعة يا أمير المؤمنين. فدخل عليها الخليفة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.