فلما كانت الليلة ٢٦٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخليفة دخل على قوت القلوب، فلما رأته قامت وقبَّلت الأرض بين يديه. فقال لها: هل دخل بكِ علاء الدين؟ فقالت: لا يا أمير المؤمنين، وقد أرسلت أطلبه للدخول فلم يرضَ، فأمر الخليفة برجوعها إلى السراية، وقال لعلاء الدين: لا تنقطع عنا. ثم توجَّه الخليفة إلى داره، فبات علاء الدين تلك الليلة، ولما أصبح ركب وسار إلى الديوان، فجلس في رتبة رئيس الستين، فأمر الخليفة الخازندار أن يعطي للوزير جعفر عشرة آلاف دينار، فأعطاه ذلك المبلغ، ثم قال الخليفة للوزير: ألزمتك أن تنزل إلى سوق الجواري، وتشتري لعلاء الدين بالعشرة آلاف دينار جارية. فامتثل الوزير أمر الخليفة ونزل وأخذ معه علاء الدين، وسار به إلى سوق الجواري، فاتفق في هذا اليوم أن والي بغداد الذي من طرف الخليفة — وكان اسمه الأمير خالد — نزل إلى السوق من أجل اشتراء جارية لولده، وسبب ذلك أنه كان له زوجة تُسمَّى خاتون، وكان رُزِق منها بولد قبيح المنظر يُسمَّى حبظلم بظاظة، وكان بلغ من العمر عشرين سنة، ولا يعرف أن يركب الحصان، وكان أبوه شجاعًا قرمًا منَّاعًا، وكان يركب الخيل ويخوض بحار الليل، فنام حبظلم بظاظة في ليلة من الليالي فاحتلم، فأخبر والدته بذلك، ففرحت وأخبرت والده بذلك، وقالت: مرادي أن نزوِّجه فإنه صار يستحق الزواج. فقال لها: هذا قبيح المنظر كريه الرائحة، دنس وحش لا تقبله واحدة من النساء. فقالت: نشتري له جارية. فلأمرٍ قدَّره الله تعالى أن اليوم الذي نزل فيه الوزير وعلاء الدين إلى السوق، نزل فيه الأمير خالد الوالي هو وولده حبظلم بظاظة.
فبينما هم في السوق، وإذا بجارية ذات حسن وجمال، وقدٍّ واعتدال، في يد رجل دلَّال، فقال الوزير: شاور يا دلال عليها بألف دينار. فمر بها على الوالي فرآها حبظلم بظاظة نظرةً أعقبته النظرة ألف حسرة، وتولَّع بها، وتمكَّن منه حبها، فقال: يا أبتِ اشترِ لي هذه الجارية. فنادى الدلال وسأل الجارية عن اسمها فقالت له: اسمي ياسمين. فقال له أبوه: يا ولدي، إن كانت أعجبتك فزِدْ في ثمنها. فقال: يا دلال كم معك من الثمن؟ قال: ألف دينار. قال: عليَّ بألف دينار ودينار. فجاء لعلاء الدين فعملها بألفين، فصار كلما يزيد الولد ابن الوالي دينارًا في الثمن يزيد علاء الدين ألف دينار. فاغتاظ ابن الوالي وقال: يا دلَّال، مَن يزيد عليَّ في ثمن الجارية؟ فقال له الدلال: إن الوزير جعفر يريد أن يشتريها لعلاء الدين أبي الشامات. فعملها علاء الدين بعشرة آلاف دينار، فسمح له سيدها وقبض ثمنها، وأخذها علاء الدين وقال لها: أعتقتك لوجه الله تعالى. ثم إنه كتب كتابه عليها، وتوجَّه بها إلى البيت، ورجع الدلال ومعه دلالته، فناداه ابن الوالي وقال له: أين الجارية؟ فقال له: اشتراها علاء الدين بعشرة آلاف دينار وأعتقها، وكتب كتابه عليها. فانكمد الولد وزادت به الحسرات، ورجع ضعيفًا إلى البيت من محبته لها، وارتمى في الفرش وقطع الزاد، وزاد به العشق والغرام.
فلما رأته أمه ضعيفًا قالت له: سلامتك يا ولدي، ما سبب ضعفك؟ فقال لها: اشتري لي ياسمين يا أمي. فقالت له أمه: لما يفوت صاحب الرياحين أشتري لك جنبة ياسمين. فقال لها: ليس هو الياسمين الذي ينشم، وإنما هي جارية اسمها ياسمين لم يشترها لي أبي. فقالت لزوجها: لأي شيء ما اشتريت له هذه الجارية؟ فقال لها: الذي يصلح للمولى لا يصلح للخدام، وليس لي قدرة على أخذها، فإنه ما اشتراها إلا علاء الدين رئيس الستين. فزاد الضعف بالولد حتى جفا الرقاد وقطع الزاد، وتعصبت أمه بعصائب الحزن. فبينما هي جالسة في بيتها حزينة على ولدها، وإذا بعجوز دخلت عليها اسمها أم أحمد قماقم السراق، وكان هذا السراق ينقب وسطانيًّا، ويلقف فوقانيًّا، ويسرق الكحل من العين، وكان بهذه الصفات القبيحة في أول أمره، ثم عملوه مقدِّم الدرك فسرق عملة فوقع بها، وهجم عليه الوالي فأخذه، وعرضه على الخليفة، فأمر بقتله في بقعة الدم، فاستجار بالوزير، وكان للوزير عند الخليفة شفاعة لا تُرَدُّ فشفع فيه، فقال له الخليفة: كيف تشفع في آفة تضر الناس؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، احبسه فإن الذي بنى السجن كان حكيمًا؛ لأن السجن قبر الأحياء، وشماتة الأعداء. فأمر الخليفة بوضعه في قيد، وكتب على قيده: مخلَّد إلى الممات، لا يُفَك إلا على دكة المغسِّل. فوضعوه مقيدًا في السجن، وكانت أمه تتردد على بيت الأمير خالد الوالي، وتدخل لابنها في السجن، وتقول له: أَمَا قلتُ لك تُبْ عن الحرام؟ فيقول لها: قدر الله عليَّ ذلك، ولكن يا أمي إذا دخلتِ على زوجة الوالي فخليها تشفع لي عنده.
فلما دخلت العجوز على زوجة الوالي وجدتها معصبة بعصائب الحزن، فقالت لها: ما لك حزينة؟ فقالت: على فَقْد ولدي حبظلم بظاظة. فقالت لها: سلامة ولدك، ما الذي أصابه؟ فحكت لها الحكاية. فقالت العجوز: ما تقولين فيمَن يلعب منصفًا يكون فيه سلامة ولدك؟ فقالت لها: وما الذي تفعلينه؟ فقالت: أنا لي ولد يُسمَّي أحمد قماقم السراق، وهو مقيَّد في السجن ومكتوب على قيده: مخلَّد إلى الممات. فأنت تقومين وتلبسين أفخر ما عندك، وتتزيَّنين بأحسن الزينة، وتقابلين زوجك ببشر وبشاشة، فإذا طلب منك ما يطلبه الرجال من النساء فامتنعي منه، ولا تمكِّنيه، وقولي له: يا لله العجب! إذا كان للرجل حاجة عند زوجته يلح عليها حتى يقضيها منها، وإذا كان للزوجة عند زوجها حاجة فإنه لا يقضيها لها. فيقول لك: وما حاجتك؟ فقولي له: حتى تحلف لي. فإذا حلف لك بحياة رأسه أو بالله، فقولي له: احلف لي بالطلاق مني. ولا تمكنيه إلا إن حلف لك بالطلاق، فإذا حلف لك بالطلاق فقولي له: عندك في السجن واحد مقدم اسمه أحمد قماقم، وله أم مسكينة، وقد وقعت عليَّ وساقتني عليك، وقالت لي: خليه يشفع له عند الخليفة لأجل أن يتوب، ويحصل له الثواب. فقالت لها: سمعًا وطاعة. فلما دخل الوالي على زوجته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.