فلما كانت الليلة ٢٦٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أحمد قماقم أخذ ما أراده، وأخذ فرمانًا بالهجوم على البيوت وتفتيشها، ونزل وبيده قضيب ثلثه من الشؤم، وثلثه من النحاس، وثلثه من الحديد والفولاذ، وفتش سراية الخليفة، وسراية الوزير جعفر، ودار على بيوت الحجَّاب والنواب إلى أن مر على بيت علاء الدين أبي الشامات؛ فلما سمع الضجة علاء الدين قدام بيته قام من عند ياسمين زوجته، ونزل وفتح الباب، فوجد الوالي في كركبة، فقال له: ما الخبر يا أمير خالد؟ فحكى له جميع القضية، فقال علاء الدين: ادخلوا بيتي وفتشوه. فقال الوالي: العفو يا سيدي، أنت أمين، وحاشا أن يكون الأمين خائنًا. فقال له: لا بد من تفتيش بيتي. فدخل الوالي والقضاة والشهود، وتقدَّمَ أحمد قماقم إلى در قاعة القاعة، وجاء إلى الرخامة التي دفن تحتها الأمتعة، وأرخى القضيب على اللوح الرخام بعزمه فانكسرت الرخامة، وإذا بشيء ينور تحتها، فقال المقدم: باسم الله ما شاء الله، على بركة قدومنا انفتح كنز، لما أنزل إلى هذا المطلب وأنظر ما فيه. فنظر القاضي والشهود إلى ذلك المحل فوجدوا الأمتعة بتمامها، فكتبوا ورقةً مضمونها أنهم وجدوا الأمتعة في بيت علاء الدين، ثم وضعوا في تلك الورقة ختومهم، وأمروا بالقبض على علاء الدين، وأخذوا عمامته من فوق رأسه، وضبطوا جميع ماله ورزقه في قائمة، وقبض أحمد قماقم السراق على الجارية ياسمين، وكانت حاملًا من علاء الدين، وأعطاها لأمه وقال لها: سلِّميها لخاتون امرأة الوالي. فأخذت ياسمين، ودخلت بها على زوجة الوالي، فلما رآها حبظلم بظاظة جاءت له العافية، وقام من وقته وساعته، وفرح فرحًا شديدًا، وتقرَّب إليها، فسحبت خنجرًا من حياصتها، وقالت له: ابعد عني وإلا أقتلك وأقتل نفسي. فقالت لها أمه خاتون: يا عاهرة، خلي ولدي يبلغ منك مراده. فقالت لها: يا كلبة، في أي مذهب يجوز للمرأة أن تتزوَّج باثنين؟ وأي شيء أوصل الكلاب أن تدخل في موطن السباع؟ فزاد بالولد الغرام، وأضعفه الوَجْد والهيام، وقطع الزاد ولزم الوسادة، فقالت لها امرأة الوالي: يا عاهرة، كيف تحسرينني على ولدي؟ لا بد من تعذيبك، وأما علاء الدين فإنه لا بد من شنقه. فقالت لها: أنا أموت على محبته. فقامت زوجة الوالي ونزعت عنها ما كان عليها من الصيغة وثياب الحرير، وألبستها لباسًا من الخيش، وقميصًا من الشعر، وأنزلتها في المطبخ، وعملتها من جواري الخدمة، وقالت لها: جزاك أنك تكسرين الحطب، وتقشرين البصل، وتحطين النار تحت الحلل. فقالت لها: أرضى بكل عذاب وخدمة، ولا أرضى برؤية ولدك. فحنَّنَ الله عليها قلوب الجواري، وصرن يتعاطين الخدمة عنها في المطبخ.
هذا ما كان من أمر ياسمين، وأما ما كان من أمر علاء الدين أبي الشامات، فإنهم أخذوه هو وأمتعة الخليفة، وساروا به إلى أن وصلوا إلى الديوان. فبينما الخليفة جالس على الكرسي، وإذا بهم طالعون بعلاء الدين ومعه الأمتعة، فقال الخليفة: أين وجدتموها؟ فقالوا له: في وسط بيت علاء الدين أبي الشامات. فامتزج الخليفة بالغضب، وأخذ الأمتعة فلم يجد فيها المصباح، فقال: يا علاء الدين أين المصباح؟ فقال: أنا لا سرقت، ولا علمت، ولا رأيت، ولا معي خبر. فقال له: يا خائن، كيف أقرِّبك إليَّ وتبعدني عنك، وأستأمنك وتخونني؟ ثم أمر بشنقه، فنزل به الوالي والمنادي ينادي عليه: هذا جزاء، وأقل من جزاء مَن يخون الخلفاء الراشدين. فاجتمع الخلائق عند المشنقة.
هذا ما كان من أمر علاء الدين، وأما ما كان من أمر أحمد الدنف كبير علاء الدين، فإنه كان قاعدًا هو وأتباعه في بستان، فبينما هم جالسون في حظ وسرور، وإذا برجل سقاء من السقائين الذين في الديوان دخل عليهم، وقبَّل يد أحمد الدنف، وقال: يا مقدم أحمد الدنف، أنت قاعد في صفاء والماء تحت رجليك وما عندك علم بما حصل. فقال له أحمد الدنف: ما الخبر؟ فقال السقاء: إن ولدك في عهد الله علاء الدين نزلوا به إلى المشنقة. فقال أحمد الدنف: ما عندك من الحيلة يا حسن يا شومان؟ فقال له: إن علاء الدين بريء من هذا الأمر، وهذا ملعوب عليه من واحد عدو. فقال له: ما الرأي عندك؟ فقال له: خلاصه علينا إن شاء المولى. ثم إن حسن شومان ذهب إلى السجن، وقال للسجان: أعطنا واحدًا يكون مستوجبًا للقتل. فأعطاه واحدًا كان أشبه البرايا بعلاء الدين أبي الشامات، فغطَّى رأسه، وأخذه أحمد الدنف بينه وبين علي الزيبق المصري، وكانوا قدَّموا علاء الدين إلى الشنق، فتقدَّمَ الدنف وحطَّ رجله على رجل المشاعلي. فقال له المشاعلي: علي، أعطني الوسع حتى أعمل صنعتي. فقال له: يا لعين، خذ هذا الرجل واشنقه موضع علاء الدين أبي الشامات، فإنه مظلوم، ونفدي إسماعيل بالكبش. فأخذ المشاعلي ذلك الرجل وشنقه عوضًا عن علاء الدين، ثم إن أحمد الدنف وعليًّا الزيبق المصري أخذَا علاء الدين وسارَا به إلى قاعة أحمد، فلما دخلوا عليه قال له علاء الدين: جزاك الله خيرًا يا كبيري. فقال له: يا علاء الدين، ما هذا الفعل الذي فعلته؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.