فلما كانت الليلة ٢٦٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أصلان طلع من عند أمه وسار إلى أن دخل على المقدم أحمد الدنف وقبَّل يده، فقال له: ما لك يا أصلان؟ فقال له: إني قد عرفت وتحقَّقت أن أبي علاء الدين أبو الشامات، ومرادي أنك تأخذ لي ثأري من قاتله. فقال له: مَن الذي قتل أباك؟ فقال له: أحمد قماقم السراق. فقال له: ومَن أعلمك بهذا الخبر. فقال: رأيت معه المصباح الجوهر الذي ضاع من جملة أمتعة الخليفة، وقلت له: أعطني هذا المصباح فما رضي، وقال لي: هذا راحت على شأنه الأرواح. وحكى لي أنه هو الذي نزل وسرق العملة ووضعها في دار أبي. فقال له أحمد الدنف: إذا رأيت الأمير خالدًا الوالي يلبس لباس الحرب فقل له: ألبسني مثلك. فإذا طلعت معه وأظهرت بابًا من أبواب الشجاعة قدَّام أمير المؤمنين، فإن الخليفة يقول لك: تمنَّ عليَّ يا أصلان. فقل له: أتمنى عليك أن تأخذ لي ثأر أبي من قاتله. فيقول لك: إن أباك حي، وهو الأمير خالد الوالي. فقل له: إن أبي علاء الدين أبو الشامات، وخالد الوالي له عليَّ حق التربية فقط. وأخبِرْه بجميع ما وقع بينك وبين أحمد قماقم السراق، وقل له: يا أمير المؤمنين، اؤمر بتفتيشه وأنا أُخرِجه من جيبه. فقال له: سمعًا وطاعة.
ثم طلع أصلان فوجد الأمير خالدًا يتجهز إلى طلوعه ديوان الخليفة، فقال له: مرادي أن تلبسني لباس الحرب مثلك، وتأخذني معك إلى ديوان الخليفة. فألبسه وأخذه معه إلى الديوان، ونزل الخليفة بالعسكر خارج البلد، ونصبوا الصواوين والخيام، واصطفت الصفوف، وطلعوا بالأكرة والصولجان، فصار الفارس منهم يضرب الأكرة بالصولجان فيردها عليه الفارس الثاني، وكان بين العسكر واحد جاسوس مُغرًى على قتل الخليفة، فأخذ الأكرة وضربها بالصولجان، وحرَّرها على وجه الخليفة، وإذا بأصلان استلقاها عن الخليفة وضرب بها راميها فوقعت بين أكتافه فوقع على الأرض. فقال الخليفة: بارَكَ الله فيك يا أصلان. ثم نزلوا من على ظهور الخيل، وقعدوا على الكراسي، وأمر الخليفة بإحضار الذي ضرب الأكرة.
فلما حضر بين يديه قال له: مَن أغراك على هذا الأمر، وهل أنت عدو أم حبيب؟ فقال له: أنا عدو، وكنت مُضمِرًا قتلك. فقال له: ما سبب ذلك؟ أَمَا أنت مسلم؟ فقال: لا، وإنما أنا رافضي. فأمر الخليفة بقتله، وقال لأصلان: تمنَّ عليَّ. فقال له: أتمنى عليك أن تأخذ لي ثأر أبي من قاتله. فقال له: إن أباك حي، وهو واقف على رجليه. فقال له: مَن هو أبي؟ فقال له: الأمير خالد الوالي. فقال له: يا أمير المؤمنين، ما هو إلا في التربية، وما والدي إلا علاء الدين أبو الشامات. فقال له: إن أباك كان خائنًا. فقال: يا أمير المؤمنين، حاشا أن يكون الأمين خائنًا، وما الذي خانك فيه؟ فقال له: سرق بدلتي وما معها. فقال: يا أمير المؤمنين، حاشا أن يكون أبي خائنًا، ولكن يا سيدي لما عدمت بدلتك وعادت إليك، هل رأيت المصباح رجع إليك أيضًا؟ فقال: ما وجدناه. فقال: أنا رأيته مع أحمد قماقم، وطلبته منه فلم يعطه لي، وقال: هذا راحت عليه الأرواح. وحكى لي عن ضعف حبظلم بظاظة ابن الأمير خالد، وعشقه للجارية ياسمين، وخلاصه من القيد، وأنه هو الذي سرق البدلة والمصباح، وأنت يا أمير المؤمنين تأخذ لي بثأر والدي من قاتله. فقال الخليفة: اقبضوا على أحمد قماقم. فقبضوا عليه، وقال: أين المقدم أحمد الدنف؟ فحضر بين يديه، فقال له الخليفة: فتِّشْ قماقم. فحط يدَيْه في جيبه، فأطلع منه المصباح الجوهر. فقال الخليفة: تعال يا خائن، من أين لك هذا المصباح؟ فقال له: اشتريته يا أمير المؤمنين. فقال له الخليفة: من أين اشتريته؟ ومَن يقدر على مثله حتى يبيعه لك؟ وضربوه فأقرَّ أنه هو الذي سرق البدلة والمصباح. فقال له الخليفة: لأي شيء تفعل هذه الفعال يا خائن حتى ضيَّعْتَ علاء الدين أبا الشامات، وهو الثقة الأمين؟
ثم أمر الخليفة بالقبض عليه وعلى الوالي. فقال الوالي: يا أمير المؤمنين أنا مظلوم، وأنت أمرتني بشنقه، ولم يكن عندي خبر هذا الملعوب، فإن التدبير كان بين العجوز وأحمد قماقم وزوجتي، وليس عندي خبر، وأنا في جيرتك يا أصلان. فشفع فيه أصلان عند الخليفة، ثم قال أمير المؤمنين: ما فعل الله بأم هذا الولد؟ فقال له: عندي. فقال: أمرتك أن تأمر زوجتك أن تلبسها بدلتها وصيغتها، وتردَّها إلى سيادتها، وأن تفك الختم الذي على بيت علاء الدين، وتعطي ابنه رزقه وماله. فقال: سمعًا وطاعة. ثم نزل الوالي وأمر امرأته فألبستها بدلتها، وفك الختم عن بيت علاء الدين، وأعطى أصلان المفاتيح، ثم قال الخليفة: تمنَّ عليَّ يا أصلان. فقال له: تمنيت عليك أن تجمع شملي بأبي. فبكى الخليفة وقال: الغالب أن أباك هو الذي شُنِق ومات، ولكن وحياة جدودي كل مَن بشَّرني بأنه على قيد الحياة أعطيته جميع ما يطلبه. فتقدَّمَ أحمد الدنف وقبَّل الأرض بين يديه، وقال له: أعطني الأمان يا أمير المؤمنين. فقال له: عليك الأمان. فقال: أبشِّرك أن علاء الدين أبا الشامات الثقة الأمين طيِّبٌ على قيد الحياة. فقال له: ما الذي تقول؟ فقال له: وحياة رأسك إن كلامي حق، وفديته بغيره ممَّن يستحق القتل، وأوصلته إلى الإسكندرية، وفتحت له دكان سقطي. فقال الخليفة: ألزمتك أن تجيء به. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.