فلما كانت الليلة ٢٦٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علاء الدين لما نظر إلى بنت الملك رأى بصحبتها صبية، وهي تقول لتلك الصبية: آنست يا زبيدة. فأمعن علاء الدين النظر في تلك الصبية فرآها زوجته زبيدة العودية التي كانت ماتت، ثم إن بنت الملك قالت لزبيدة: قومي اعملي لنا نوبة على العود. فقالت لها: أنا لا أعمل لك نوبة حتى تبلغيني مرادي، وتفي لي بما وعدتِني به. فقالت لها: ما الذي وعدتك به؟ قالت لها: وعدتِني بجمع شملي بزوجي علاء الدين أبي الشامات الثقة الأمين. فقالت لها: يا زبيدة، طيبي نفسًا وقرِّي عينًا، واعملي لنا نوبة حلاوة اجتماع شملنا بزوجك علاء الدين. فقالت لها: وأين هو؟ فقالت لها: إنه في هذا المخدع يسمع كلامنا. فعملت نوبة على العود ترقص الحجر الجلمود، فلما سمع ذلك علاء الدين هاجت بلابله، وخرج من المخدع وهجم عليهما، وأخذ زوجته زبيدة العودية بالحضن، وعرفته فاعتنق الاثنان بعضهما، ووقعا على الأرض مغشيًّا عليهما؛ فتقدمت الملكة حسن مريم ورشَّت عليهما ماء الورد وصحتهما وقالت: جمع الله شملكما. فقال لها علاء الدين: على محبتك يا سيدتي.
ثم التفت علاء الدين إلى زوجته زبيدة العودية وقال لها: أنت قد مت يا زبيدة، ودفناك في القبر، فكيف حييت وجئتِ إلى هذا المكان؟ فقالت له: يا سيدي، أنا ما مت، وإنما اختطفني عون من أعوان الجان، وطار بي إلى هذا المكان، وأما التي دفنتموها فإنها جنية وتصوَّرت في صورتي، وعملت أنها ميتة، وبعدما دفنتموها شقَّت القبر وخرجت منه، وراحت إلى خدمة سيدتها حسن مريم بنت الملك، وأما أنا فإني صُرِعت وفتحت عيني فرأيت نفسي عند حسن مريم بنت الملك، وهي هذه. فقلت لها: لأي شيء جئتِ بي إلى هنا؟ فقالت لي: أنا موعودة بزواجي بزوجك علاء الدين أبي الشامات، فهل تقبلينني يا زبيدة أن أكون ضرتك، ويكون لي ليلة ولك ليلة؟ فقالت لها: سمعًا وطاعة يا سيدتي. ولكن أين زوجي؟ فقالت: إنه مكتوب على جبينه ما قدَّره الله عليه، فمتى استوفى ما على جبينه لا بد أن يجيء إلى هذا المكان، ولكن نتسلى على فراقه بالنغمات، والضرب على الآلات، حتى يجمعنا الله به. فمكثتُ عندها هذه المدة إلى أن جمع الله شملي بك في هذه الكنيسة.
ثم إن حسن مريم التفتت إليه، وقالت له: يا سيدي علاء الدين، هل تقبلني أن أكون لك أهلًا، وتكون لي بعلًا؟ فقال لها: يا سيدتي، أنا مسلم وأنت نصرانية، فكيف أتزوَّج بك؟ فقالت: حاشا لله أن أكون كافرة، بل أنا مسلمة ولي ثمانية عشر عامًا وأنا متمسكة بدين الإسلام، وإني بريئة من كل دين يخالف دين الإسلام. فقال لها: يا سيدتي، مرادي أن أروح بلادي. فقالت له: اعلم أني رأيت مكتوبًا على جبينك أمورًا لا بد أن تستوفيها، وتبلغ غرضك، ويهنيك يا علاء الدين أنه ظهر لك ولد اسمه أصلان، وهو الآن جالس في مرتبتك عند الخليفة، وقد بلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، واعلم أنه ظهر الحق واختفى الباطل، وربنا كشف الستر عن الذي سرق أمتعة الخليفة، وهو أحمد قماقم السراق الخائن، وهو الآن في السجن محبوس ومقيَّد، واعلم أني أنا التي أرسلتُ إليك الخرزة، ووضعتها لك في داخل الجراب الذي في الدكان، وأنا التي أرسلت القبطان وجاء بك وبالخرزة، واعلم أن هذا القبطان متعلق بي، ويطلب مني الوصال، فما رضيت أن أمكِّنه من نفسي، بل قلت له: لا أمكنك من نفسي إلا إذا جئتَ لي بالخرزة وصاحبها. وأعطيته مائة كيس، وأرسلته في صفة تاجر وهو قبطان، ولما قدموك إلى القتل بعد قتل الأربعين الأسارى الذين كنتَ معهم، أرسلتُ إليك هذه العجوز. فقال لها: جزاك الله عني كل خير.
ثم إن حسن مريم جددت إسلامها على يديه، ولما عرف صدق كلامها قال لها: أخبريني عن فضيلة هذه الخرزة ومن أين هي؟ فقالت له: هذه خرزة من كنز، مرصود فيها خمس فضائل تنفعنا عند الاحتياج إليها، وإن جدتي أم أبي كانت ساحرة تحل الرموز، وتختلس ما في الكنوز، فوقعت لها هذه الخرزة من كنز، فلما كبرت أنا وبلغتُ من العمر أربعة عشر عامًا، قرأت الإنجيل وغيره من الكتب، فرأيت اسم محمد ﷺ في الأربعة كتب؛ التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان؛ فآمنت بمحمد ﷺ وأسلمت، وتحقَّقت بعقلي أنه لا يُعبد بحقٍّ إلا الله تعالى، وأن رب الأنام لا يرضى إلا دين الإسلام، وكانت جدتي حين ضعفت وهبت لي هذه الخرزة، وعلَّمتني بما فيها من الخمس فضائل، وقبل أن تموت جدتي قال لها أبي: اضربي لي تخت رمل، وانظري عاقبة أمري وما يحصل لي. فقالت له: إن البعيد يموت قتيلًا من أسير يجيء من الإسكندرية. فحلف أبي أن يقتل كل أسير يجيء منها، وأخبر القبطان بذلك وقال له: لا بد أن تهجم على مراكب المسلمين، وكل مَن رأيته من الإسكندرية تقتله أو تجيء به إليَّ. فامتثل أمره حتى قتل عدد شعر رأسه، ثم هلكت جدتي فطلعت أنا، وضربت لي تخت رمل، وأضمرت ما في نفسي، وقلت: يا هل ترى مَن يتزوج بي؟ فظهر لي أنه ما يتزوج بي إلا واحد يُسمَّى علاء الدين أبا الشامات الثقة الأمين؛ فتعجَّبْتُ من ذلك، وصبرت إلى أنْ آنَ الأوان، واجتمعت بك.
ثم إنه تزوَّج بها وقال لها: أنا مرادي أن أروح إلى بلادي. فقالت له: إذا كان الأمر كذلك فتعال معي. ثم أخذته وخبَّأته في مخدع قصرها، ودخلت على أبيها. فقال لها: يا بنتي، أنا عندي اليوم قبض زائد فاقعدي حتى أسكر معك. فقعدت ودعا بسفرة المدام، وصارت تملأ وتسقيه حتى غاب عن الوجود، ثم إنها وضعت له البنج في قدح، فشرب القدح وانقلب على قفاه، ثم جاءت إلى علاء الدين وأخرجته من المخدع، وقالت له: إن خصمك مطروح على قفاه فافعل به ما شئتَ، فإني أسكرته وبنَّجته. فدخل علاء الدين فرآه مبنَّجًا، فكتَّفه تكتيفًا وثيقًا وقيَّده، ثم أعطاه ضد البنج فأفاق منه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.