فلما كانت الليلة ٢٦٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علاء الدين أعطى الملك أبا حسن مريم ضد البنج فأفاق، فوجد علاء الدين وابنته راكبَين على صدره. فقال لها: يا بنتي، أتفعلين معي هذه الفعال؟ فقالت له: إن كنتُ بنتك فأسلم لأنني أسلمت، وقد تبيَّنَ لي الحقُّ فاتبعته، والباطل فاجتنبته، وقد أسلمت وجهي لله رب العالمين، وإنني بريئة من كل دين يخالف دين الإسلام في الدنيا والآخرة، فإن أسلمتَ فحبًّا وكرامة، وإلا فقتلك أولى من حياتك. ثم نصحه علاء الدين فأبى وتمرَّد؛ فسحب علاء الدين خنجرًا ونحره من الوريد إلى الوريد، وكتب ورقة بصورة الذي جرى، ووضعها على جبهته، وأخذ ما خف حمله وغلا ثمنه، وطلعا من القصر وتوجَّها إلى الكنيسة؛ فأحضرت الخرزة وحطَّت يدها على الوجه الذي هو منقوش عليه السرير ودعكته، وإذا بسرير وضع قدَّامها، فركبت هي وعلاء الدين وزوجته زبيدة العودية على ذلك السرير، وقالت: بحق ما كُتِب على هذه الخرزة من الأسماء والطلاسم وعلوم الأقلام أن ترتفع بنا يا سرير. فارتفع بهم السرير، وسار إلى وادٍ لا نباتَ فيه. فقامت الأربعة وجوه الباقية من الخرزة إلى السماء، وقلبت الوجه المرسوم عليه السرير فنزل إلى الأرض، وقلبت الوجه المرسوم عليه هيئة صيوان ودعكته، وقالت: لينتصب صيوان في هذا الوادي. فانتصب الصيوان وجلسوا فيه، وكان ذلك الوادي أقفر لا نباتَ فيه ولا ماء، فقلبت الأربعة وجوه إلى السماء وقالت: بحق أسماء الله تنبُت هنا أشجار ويجري بجانبها بحر. فنبتت الأشجار في الحال، وجرى بجانبها بحر عجاج متلاطم بالأمواج، فتوضَّئُوا منه وصلوا وشربوا، وقلبت الثلاثة وجوه الباقية من الخرزة إلى الوجه الذي على هيئة سفرة الطعام، وقالت: بحق أسماء الله يُمَد السماط. وإذا بسماط امتد وفيه سائر الأطعمة الفاخرة، فأكلوا وشربوا، وتلذَّذوا وطربوا.
هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر ابن الملك، فإنه دخل ينبِّه أباه فوجده قتيلًا، ووجد الورقة التي كتبها علاء الدين، فقرأها وعرف ما فيها، ثم فتَّش على أخته فلم يجدها، فذهب إلى العجوز في الكنيسة وسألها عنها فقالت: من أمس ما رأيتها. فعاد إلى العسكر وقال لهم: الخيل يا أربابها. وأخبرهم بالذي جرى؛ فركبوا الخيل وسافروا إلى أن قربوا من الصيوان، فالتفتت حسن مريم فرأت الغبار قد سد الأقطار، وبعد أن علا وطار انكشف فظهر من تحته أخوها والعسكر وهم ينادون: إلى أين تقصدون ونحن وراءكم؟ فقالت الصبية لعلاء الدين: كيف ثباتك في الحرب والنزال؟ فقال لها: مثل الوتد في النخال، فإني لا أعرف الحرب والكفاح، ولا السيوف والرماح. فسحبت الخرزة ودعكت الوجه المرسوم عليه صورة الفرس والفارس، وإذا بفارس ظهر من البر، ولم يزل فيهم ضربًا بالسيف إلى أن كسرهم وطردهم، ثم قالت له: أتسافر إلى مصر أم إلى الإسكندرية؟ فقال: إلى الإسكندرية. فركبوا على السرير وعزَّمت عليه فسار بهم في لحظة إلى أن نزلوا في الإسكندرية، فأدخلهم علاء الدين في مغارة وذهب إلى الإسكندرية، فأتاهم بثياب وألبسهم إياها، وتوجَّه بهم إلى الدكان والطبقة، ثم طلع يجيء لهم بغداء، وإذا بالمقدم أحمد الدنف قادم من بغداد، فرآه في الطريق فقابله بالعناق، وسلَّم عليه ورحَّب به.
ثم إن المقدم أحمد الدنف بشَّره بولده أصلان، وأنه بلغ من العمر عشرين عامًا، وحكى له علاء الدين جميع ما جرى له من الأول إلى الآخر، وأخذه إلى الدكان والطبقة؛ فتعجب أحمد الدنف من ذلك غاية العجب، وباتوا تلك الليلة، ولما أصبحوا باع علاء الدين الدكان، ووضع ثمنه على ما معه، ثم إن أحمد الدنف أخبر علاء الدين بأن الخليفة يطلبه. فقال له: أنا رائح إلى مصر أسلِّم على أبي وأمي وأهل بيتي. فركبوا السرير جميعًا، وتوجَّهوا إلى مصر السعيدة، ونزلوا في الدرب الأصفر؛ لأن بيتهم كان في تلك الحارة، ودق باب بيتهم، فقالت أمه: مَن بالباب بعد فَقْد الأحباب؟ فقال لها: أنا علاء الدين. فنزلوا وأخذوه بالأحضان، ثم أدخل زوجته وما معه في البيت، وبعد ذلك دخل وأحمد الدنف صحبته، وأخذوا لهم راحة ثلاثة أيام، ثم طلب السفر إلى بغداد، فقال له أبوه: يا ولدي، اجلس عندي. فقال: ما أقدر على فراق ولدي أصلان. ثم إنه أخذ أباه وأمه معه وسافروا إلى بغداد. فدخل أحمد الدنف وبشَّر الخليفة بقدوم علاء الدين، وحكى له حكايته؛ فطلع الخليفة لملتقاه، وأخذ معه ولده أصلان، وقابلوه بالأحضان، وأمر الخليفة بإحضار أحمد قماقم السراق، فلما حضر بين يديه قال لعلاء الدين: دونك وخصمك. فسحب علاء الدين السيف وضرب أحمد قماقم فرمى عنقه، ثم إن الخليفة عمل لعلاء الدين فرحًا عظيمًا بعد أن أحضر القضاة والشهود، وكتب كتابه على حسن مريم، ولما دخل عليها وجدها درَّة لم تُثقَب، ثم جعل ولده أصلان رئيس الستين، وخلع عليهم الخِلَع السنية، وأقاموا في أرغد عيش وأهناه إلى أن أتاهم هادم اللذَّات ومفرِّق الجماعات.
حكاية حاتم الطائي
وأما حكايات الكرام فإنها كثيرة جدًّا، منها ما رُوي عن حاتم الطائي أنه لما مات دُفِن في رأس جبل، وعملوا على قبره حوضين من حجر، وصور بنات محلَّلات الشعور من حجر، وكان تحت ذلك الجبل نهر جارٍ، فإذا نزلت الوفود يسمعون الصراخ في الليل من العشاء إلى الصباح، فإذا أصبحوا لم يجدوا أحدًا غير البنات المصورة من الحجر. فلما نزل ذو الكراع ملك حمير بذلك الوادي خارجًا عن عشيرته، بات تلك الليلة هناك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.