فلما كانت الليلة ٢٧٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن إبراهيم قال: لما سمعت بهذه الجعالة خفتُ على نفسي وتحيَّرت في أمري، فخرجت من داري وقت الظهيرة وأنا لا أدري أين أتوجه، فدخلت شارعًا غير نافذ، فرأيت في صدر الدرب رجلًا حلاقًا قائمًا على باب داره، فتقدمتُ إليه وقلت له: هل عندك موضع أختفي فيه ساعة؟ قال: نعم. وفتح الباب فدخلت إلى بيت نظيف، ثم إنه بعد أن أدخلني، أغلق عليَّ الباب ومضى، فتوهمت أنه سمع بالجعالة، فقلت في نفسي: إنه خرج يدل عليَّ. فبقيت أغلي مثل القدر على النار وأنا متفكر في أمري، فبينما أنا كذلك إذ أقبل وصحبته حمال معه كل ما يحتاج إليه، ثم التفت إليَّ وقال لي: جُعِلت فداك.
قال إبراهيم: وكان لي حاجة إلى الطعام فطبخت لنفسي قدرًا ما أذكر أني أكلتُ مثلها، فلما قضيت أربي من الطعام قال: يا سيدي، ليس من قدري أني أحادثك، فإن أردت أن تشرف عبدك، فلَكَ علوُّ الرأي. فقلت له وما أظن أنه يعرفني: ومن أين لك أني أحسن المسامرة؟ فقال: سبحان الله، مولانا أشهر من ذلك، أنت سيدي إبراهيم بن المهدي الذي جعل فيك المأمون لمَن دلَّ عليك مائة ألف دينار. قال إبراهيم: فلما قال ذلك، عظم في عيني وثبتت مروءته عندي، فوافقته على بغيته، وخطر ببالي ذكر ولدي وعيالي، فجعلت أقول:
فلما سمع ذلك مني قال: يا سيدي، أتأذن لي أن أقول ما سنح بخاطري؟ فقلت له: هات. فأنشد هذه الأبيات:
قال إبراهيم: فقلت له: لقد أحسنتَ كلَّ الإحسان، وأذهبتَ عني ألمَ الأحزان، فزدني من هذه الترهات. فأنشد هذه الأبيات:
قال إبراهيم: فلما سمعتُ منه هذا الشعر، تعجَّبْتُ منه غاية العجب ومال بي عظيم الطرب، وأخذت خريطة كانت صحبتي فيها دنانير كثيرة، ورميت بها إليه وقلت له: أستودعك الله، فإني متوجِّه من عندك وأسألك أن تصرف ما في هذه الخريطة في بعض مهماتك، ولك عندي الجزاء الزائد إذا أمنت من خوفي. فردَّ عليَّ الخريطة وقال: يا سيدي، إن الصعاليك منَّا لا قدرَ لهم عندكم، ولكن بمقتضى مروءتي كيف آخذ ثمنًا على ما وهبه لي الزمان من قربك وحلولك عندي؟ واللهِ لئن راجعتني في هذا الكلام ورميت بالخريطة إليَّ مرةً أخرى لَأقتلن نفسي. قال إبراهيم: فأخذت الخريطة في كمي وقد أثقلني حملها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.